وإن سألت عن الجانب الصحي والرعاية الصحية، لن تجد في الجزيرة مستوصفاً أو وحدةً صحيةً تحاول التقليل من الأمراض المنتشرة التي اعتاد أهلها على الاستسلام لها، فهنالك أب يحدثنا عن ابنته المصابة بمرض قد تسبب بوفاة أمها قبل شهور قليلة، وسترى بعينيك رقاباً منتفخة من أثر فايروس منتشر هناك، فضلا عن الأمراض الجلدية التي تنوعت بسبب طبيعة عملهم، ستجد طفلاً مصاباً بالسرطان دون رعاية، وأهله اليوم يتمنون له الموت الرحيم.
ماذا عن العمل ؟ مهنة اهل الجزيرة الرئيسية جمع القمامة من الأحياء والقرى المحيطة، ثم فرزها وتجميعها وبيعها لأصحاب مصانع تكرير النفايات، وبالإضافة لتلك المهنة ستجد البعض يعمل في الزراعة والنجارة والحدادة وغيرها من المهن، ولكن بشكل محدود جداً. لا يستطيع شباب الجزيرة السفر للعمل في الخارج لأنهم من حملة الوثائق المصرية للاجئين الفلسطينيين، تلك الوثائق لا تعترف بها الدول الغربية او حتى العربية باستثناء السودان. ”كل الشكر والعرفان للسودان الشقيق“.
في حواري القرية سترى العشوائية في البناء، وستتمشى على شوارع من الرمل والتراب، البيوت الطينية المسقوفة بالقش ما زالت تملئ الجزيرة، إن قررت دخول أحد تلك البيوت فاحذر الاختناق، فليس فيها من النوافذ ما يدخل الهواء أو حتى نور الشمس الذي قد يحد من الرطوبة. معاناتهم تتجاوز ما نستطيع توثيقه بمقال أو تقرير أو حتى دراسة، ونعيد ونكرر أنّ الطرد الغذائي او المعونة المادية او حتى قضاء يوم أو يومين بين أهل الجزيرة غير كفيلة بالتخفيف منها، ولكنها كفيلة برفع معنويات الأهالي، فعيونهم يتراقص فيها الفرح لرؤية أناس غريبة تتمشى في الجزيرة، وتسعد بالتواصل مع كل قادم من خارج الأسوار المحيطة بهم. إنهم يحتاجون الى التواصل الدائم والعمل المستديم، في جزيرة فاضل مساحة واسعة تستوعب كل المبادرات والافكار والدعم والمساعدة، فهم بحاجة لكل أنواع المؤسسات والمبادرات الشبابية، باللإضافة لحاجتهم للمؤسسات التي ترعي حقوق المرأة للعمل على التوعية، ومؤسسات حقوق الطفل لتكفل لأطفال الجزيرة طفولة عاديّة. وهناك مساحة واسعة للمؤسسات الحقوقية للعمل على انتزاع أبسط حقوقهم لضمان عيشهم حياة كريمة، وهناك مساحة اوسع للمؤسسات الانسانية التي تقدم المؤن والمساعدات والدعم الانساني، أمّا رجال الاعمال وأصحاب الاستثمارات فتقع عليهم المسؤولية الأكبر وذلك للحاجة الملحة لإعادة بناء الكثير من البيوت وإعادة اعمارها، وإقامة المشاريع والاستثمارات لتستوعب شباب الجزيرة. لا حجة ولا مبرر اليوم لأيّ مقصر في حق أهالي جزيرة فاضل، فجزيرة فاضل لم تعد منسية، وحكايات أهاليها لم تعد محصورة داخل الاسوار المحيطة، كل منا من مكانه ومن موقعه يتحمل مسؤولية أخلاقية كبيرة، ولذلك علينا العمل الفوري والدائم على تحسين ظروف حياتهم والحد من معاناتهم اليومية، لنضمن لهم حياة كريمة حتى عودتهم الى بيوتهم واراضيهم ومزارعهم في بئر السبع المحتلة. هذه التدوبنة نشرت في شبكة قدس بتاريخ 22-5-2013