تزداد الضغوطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على غزة، بعد سنوات طويلة من الحصار المستمر، وتبعات الحروب التي ما زالت موجودة على الأرض، خاصة تلك التي تبعت الأخيرة، ونتيجة تآمر جهات متعددة عليها من أجل إجبار الغزي على الخروج ومواجهة المقاومة، بعد الكفر بها.
يمكن تفهم كل ذلك، وتفهم خروج تلك الضغوطات على السطح، كما يمكننا التأكد من فشل الحصار بعد كل هذه السنوات، ولكن ما لا يمكننا استيعابه على الاطلاق، سبب آخر يساهم في زيادة كل تلك الضغوط، خاصة أنّ له الأثر الأكبر من كل ما سبق، وهو قمع الجهات الرسمية للمجتمع الغزي بكل مكوناته، والذي قد يعكس قلقها وتخوفها الكبير من تحرك مضاد لها، وقد يعكس أيضًا محاولة تفريغ ضغوطاتها في المجتمع نفسه. رأينا ذلك جلياً في طريقة فرض ضريبة التكافل وكيفية التعامل السلطوي مع التجار لفرض ضريبة غير مبررة، خاصة في ظل الظروف التي يمرّون بها، ورأيناه أيضًا في قمع الصحفيين في مناسبات متعددة، حيث أكدته تقارير مؤسسات حقوق الانسان، وفي قمع أهالي خزاعة الذي أجبرهم على مواجهتها والاشتباك معها، وصولاً إلى مظاهرة اليوم، والتي قُمع فيها مجموعة من الناشطين حملوا شعارات لا تتعارض مع شريحة واسعة من الفلسطينيين، بل تعبر عنهم، وتعبر اكثر عن معاناة الشباب الغزي اليومية. قد يكون لكل مناسبة خصوصيتها، وعليه، لست هنا لأناقش حادثة بعينها، بل لأستعرض صور القمع فيما سبق وغيره في سياق واحد، وهو سياق إضافي على معاناة الغزي اليومية، والذي سعى الاحتلال وأعوانه لخلقها وتوسيعها طويلاً. مع الضغوطات المعروفة التي يعانيها الغزي، وعند التأمل بنتائج وآثار القمع التي تتراكم أمام أعيننا، تتشكل صورة كبيرة أمامنا من صور اتساع رقع المواجهة ما بين المجتمع والجهات الرسمية، والتي قد تؤدي إلى انفجار المجتمع في نفسه، إن لم يتمكن أو يجد ما يفرغ تلك الضغوطات به، ليخففها إن عجز عن تفريغها، وفي هذا تحقيق لأهداف الاحتلال من الحصار، والتي يسعى لها منذ سنين، أي تفجير المجتمع، أو إجباره على مواجهة نفسه وتفتيته، وصولًا إلى التمّكن من المقاومة وتعريتها، ثم القضاء عليها. لن أؤكد على المؤكد، وهو حرية التعبير ورفض القمع، كما نؤكد عليه في سياقات دول أو أشباه دول، بل في سياق الاحتلال في عموم فلسطين، وفي الحصار الإضافي الذي يعانيه أهل غزة، والذي يرفع من أحقيّة التعبير، ويزيد من تجريم قمع الفلسطيني عامة، والغزي خاصة، أكثر من غيره. لن نخاطب الجهات الرسمية التي تمارس القمع ونرجوها، فالعقلية السلطوية البوليسية لا نقاش معها، بل نعوّل على فصائل المقاومة ككل في العمل على توسيع مساحات حرية التعبير في غزة بكل الأشكال المتاحة، وإيقاف كل الأدوات البوليسية التي تُستخدم في مواجهة المجتمع، والتصدي لكل محاولات تبرير القمع، خاصة تلك التي نسمع عنها في سياق استغلال واستخدام المقاومة، فيكفي الغزي ما يخوضه من معارك الحصار وتبعات الحروب، ويكفي المقاومة ما تخوضه من معارك في مواجهة الاحتلال والتصدي لمؤامراته. [wpvideo fCmjapnN]