كيف فقد المعلّم الفلسطيني مكانته؟
19 ديسمبر 2024
الاستماع للحلقات عبر منصات البودكاست
زياد جدّاش
ضيف الحلقة
زياد جدّاش

لطالما كان المعلّم مُهابًا، يخشاه طلبته، ويحسبون له ألف حساب، ويغيّرون مسار طريقهم إذا ما صادفوه فيها. لكنّ كل ذلك تغيّر اليوم. تراجعت قيمة التعليم، وتخلخلت مكانة المعلّم وتراجعت، وانهارت الكثير من القيم، وصار مربي الأجيال وصانعها يُنظر له اليوم على أنّه "إنسان فقير" و"مسخّم" و"مسكين" و"مكسور" بعد سلسلة إضرابات مطلبيّة لم تحقق نتائجها، وبات كلّ همّه انتظار راتب لا يكفيه! وترافق ذلك مع انهيار عامّ، لم يقتصر على المدارس.

نستضيف في الحلقة 152 من #بودكاست_تقارب، زياد خدّاش، المعلّم الفلسطيني المتقاعد من مخيم الجلزون شمال رام الله، والذي يقول إنّه تورّط في التدريس، بعد أن كان طموحه أن يصير صحافيًا، وطالما كان مستغربًا من وجوده في المدرسة! لكنّه قرر أن يضع حدًا لكل مخاوفه، وغيّر أسلوبه.

"بودكاست تقارب" برنامج حواريّ فلسطيني أسبوعي يُعرّفه اسمه، يخوض بمسارات شخصية ويسعى لنقاش التقارب والتباعد في الأفكار بعد سنين من البعد والابتعاد تَبِعت الربيع العربي، وسنوات كورونا والتباعد، حلقة جديدة في سهرة الخميس وضيف ومسار جديد.

 يُقدّم وينتج "بودكاست تقارب" أحمد البيقاوي، وهو مدوّن وصانع محتوى من مدينة طولكرم، يعمل في مجال إدارة الإعلام الفلسطيني والعربي منذ 2014. ساهم في تنظيم وتأسيس العديد من المنصات الإعلامية والمبادرات السياسية والاجتماعية.
 

نرفق لكم في الأسفل نص تفريغ الحلقة الصوتية بالكامل:

زياد خدّاش

زياد خدّاش: [00:00:00.26]
مرّة شخص يقول لي هذا مُعلّم مدرسة مهو مسخّم (متواضع الحال). قلت له كيف مسخّم يا زلمة؟ أنا كنت أقول لهم انتم تحبون أن آتي على المدرسة ومعي 10 شيكل!  مُدرّسي (العربية) في معظمهم -هذا الحكي أحكيه بجرأة رغم أنه خطير- بجيب (معدّل) 50 في التوجيهي أو 60. الأستاذ المسؤول في فصيل أو معروف عنه أنّه يشتغل في المكان الفلاني، في الجهاز الفلاني. هذا 100 في المئة قوي والطلاب حواليه.

 

زياد خدّاش: [00:00:30.86]
صوت الحيوانات مرحبًا يا سيدي. قال الفأر يا سيدي أنا اشعر بجوع شديد. أرجوك لا تقتلني أنا فأر جميل!

 

زياد خدّاش: [00:00:40.76]
طالب يرمي عليه "طبشورة" أو يستهزئ عليه أو يسخر منه أمام الطلاب. سيُجنّ، كانوا يُحضرون له الأكل، الأهالي يحترمونه، الطلاب حين يرونه في الشارع يغيّروا الطريق. الآن يهجمون عليّ هجوم.. ايش يا ابو الزوز؟! يعني هو لا يُحب المقعد، المقعد سلطة أيضًا. إذا عمل هيك اقعد منيح ولا؟ لماذا؟ لا يضعون للمُدرّس المبدع ممتاز! لأن المدرّس المبدع بالضرورة راح يتجاوز.. الناس يسلّمون عليّ.. زياد مبروك. مبروك التقاعد. حُب حُب. حريّة.. حُبّ حُبّ حريّة.. حُب حرية.

 

زياد خدّاش: [00:01:19.48]
زياد خداش. كاتب ومعلّم. سُعدت جدًا بهذا الحوار المختلف والصادم الذي يثير أسئلة أخرى غير الأسئلة التي أتوقعها. أنت ذهبت يا أحمد على مناطق جديدة، يعني لم أسألها ولم تُنبش أبدًا من خلال أحد. وهذه مواقف يعني أو مناطق أنا كنت محتاج أن أدرسها وأتأملها. أنت جعلتني أتأمل مناطق في تجربتي في التعليم. يعني أنا أراها وأحسّها، لكن لا أعرف كيف أقاربها. في "تقارب" أنت جعلتني أقارب هذه المناطق!

 

أحمد البيقاوي: [00:02:20.34]
مرحبًا وأهلًا وسهلًا فيكم. في حلقة جديدة من "بودكاست تقارب" معكم أنا احمد البيقاوي، وضيفي لليوم العزيز الأستاذ زياد خدّاش. كثير انحكى عن تراجع التعليم، وكثير انحكى عن تراجع مستويات المدرّسين ومستويات التدريس في فلسطين، رغم أنه عادة كان الحديث على أنّ مدارسنا قوية، ومستويات التعليم عندنا قوية. في ظروف عامة تحدث في البلاد بكل البلاد تتعلق بالتعليم ككل، تراجعه، ومدى قدرته على مواكبة مستويات التحديث ومستويات استقبال المعلومات عند الطلاب أو موارد ومصادر استقبال المعلومات عند الطلاب والفتيان والأطفال بشكل أساسي. وفي تفاصيل أخرى تتعلق بوضع الأساتذة في فلسطين تحديدًا فيما يتعلق على مستوى اجتماعي، على مستوى اقتصادي، وأيضًا على مستوى سياسي. مثل ما حكيت أنا وضيفي في الحلقة هذه، ليس كل شيء نحمّله على الاحتلال، لكن الاحتلال كمان في جزء منه بتعلق أو في تبعات وانعكاسات لوجود الاحتلال على كثير تفاصيل مسّت الأستاذ بمكان ما، وأيضًا فعليًا هنالك تفاصيل تتعلق بتراجع مكانته نتيجة فعليًا قصور المؤسسة، مؤسسة التعليم ووزارة التعليم وكوادر مؤسسات التعليم ككل، على تحديث ومواكبة المصادر الحديثة ومحاولات الوصول للطلاب بالأساليب التي يُحبّونها بالأكثر.

 

أحمد البيقاوي: [00:03:52.09]
قبل أن أبدأ أريد أن أشكركم مقدّمًا على مشاركتكم معي أفكاركم ومقترحاتكم للمواضيع والأسئلة. وشكرًا على اشتراككم في قناة اليوتيوب وقنوات الاستماع. "تقارب" بفضل هذه المشاركات أقرب لكم دائمًا. وشكرًا لمن يساهم في استمرار "تقارب" ودعمه من خلال الرابط الموجود في الوصف. وبهكذا نبدأ..

 

أحمد البيقاوي: [00:04:14.57]
بدأنا نُسجّل عندك. خلص أمورنا (طيّبة).. أخيرًا صار اللقاء.

 

زياد خدّاش: [00:04:18.74]
يا زلمة والله لا أعرف كيف تحمّلتني يا رجل! ما سعة الصدر التي عندك؟

 

أحمد البيقاوي: [00:04:22.49]
لكن أنا فعليًا كل انطباعاتي السابقة عنك هي تمامًا منسجمة مع محاولاتنا لترتيب هذا اللقاء. لكن أنا أريد أن أفهم كيف هيك بصير.

 

زياد خدّاش: [00:04:33.35]
صدف أقسم بالله. يعني أمس أنا جُننت ذاهب على السفارة. هيها السفارة ليست بعيدة عن "القطّان" - السفارة المغربية.

 

أحمد البيقاوي: [00:04:40.25]
اه.

 

زياد خدّاش: [00:04:40.94]
شايف، وعلى العشرة يقولون لي. ايه؟! طب والبيقاوي، وصفنت. قلت في مؤامرة، في شيئ غريب بصير.

 

أحمد البيقاوي: [00:04:49.01]
أنا مش فاهم! أنت فعليًا تعطي مواعيد، والذي يسلك يسلك. هيك بالآخر؟

 

زياد خدّاش: [00:04:53.86]
أتوقع هكذا لأنني مشوّش. أنا لست من النوع الذي.. يمكن أنت ذهنك أكثر صفاءً، وهكذا. إداري يعني صارم. وتُدير حياتك جيّدًا. لكن أنا عشوائي يا أحمد. عشوائي جدًا. أنا بالفعل ممكن أن أعطي مواعيد لسبعة (أشخاص) بنفس الوقت. عرفت كيف، وأدخل في الحائط. سامحني مشان الله بعدين وكذا. في ناس يزعلون مني، ويشطبونني، لكن أنت ما شاء الله عنك يعني، أشكرك.

 

أحمد البيقاوي: [00:05:20.11]
لا هو فعليا يعني بقولك مرّة ثانية غير الانطباعات السابقة، هي منسجمة تمامًا، وأنا أريد هذا اللقاء، وأنا معنيٌ به. لكن لو هيك شخص آخر إنه يعني ماذا يحدث؟! ليه أنا أعطي موعد ع التسعة مثلًا، على 7 الصبح والله ظهر عندي ظرف؟ لماذا دائمًا في ظرف قبل بساعة أو ساعتين يعني؟.

 

زياد خدّاش: [00:05:39.76]
صحيح

 

أحمد البيقاوي: [00:05:41.35]
طب احكيلي ماذا لديك أمور عشوائية أخرى غير قضيّة المواعيد؟

 

زياد خدّاش: [00:05:46.15]
يعني مثلا أريد أن أذهب على مكان معيّن. تمام. وبحكي مع الناس ماذا يوجد أكل؟ يقولون لي مسخّن (أكلة فلسطينية) يُحضّرون المسخن. صاحبي من بيت ريما، مالك الريماوي. 12 رغيف مع 12 دجاجة. وأنا قائد الوفد يعني معي وفد أيضًا. بيت ريما. هذا سابقًا. وحضّروا كل شيء والعائلة كلها. فجأة جاء علينا أناس من الداخل الفلسطيني 48 ومكثوا. أقول للشباب في مسخّن في بيت ريما! يا زلمة شو مسخّن! اتركه يؤجّله! شو يؤجله؟! الرجل طابخ ودجاج وبيت ريما بتعرف فلاحين يعني. لم نذهب ولم نعتذر. هذا الحكي منذ زمن. وهو يقول لي شو في؟ قلت له جاء عندنا أناس من حيفا وانشغلنا وكذا. فضحك. هو يعرفني مثلك. قال لي والله توقعت، وحكيت لزوجتي زياد ممكن يفلمنا، جمع الجيران وأكلوا المسخّن، شتمني، ثم سامحني، آه والله زي هيك.

 

أحمد البيقاوي: [00:06:46.00]
هذه القصص أنت طول عمرها موجودة عندك وأنت طالب وأنت استاذ ولا دائمًا؟

 

زياد خدّاش: [00:06:50.82]
دائمًا دائمًا والله حتى بالمدرسة.

 

أحمد البيقاوي: [00:06:53.34]
بالمدرسة وأنت تدرس؟

 

زياد خدّاش: [00:06:55.14]
لكن هذه المدرسة... لا وأنا أدرِّس. وأنا أدرِّس أحمد...

 

أحمد البيقاوي: [00:06:59.49]
ارجعي لي وأنت تدرس الآن، وأنت تدرس كنت هكذا؟

 

زياد خدّاش: [00:07:02.55]
اه طبعًا هيك.. وأوّل امتحانات..

 

أحمد البيقاوي: [00:07:04.53]
أساتذتكم سابقًا فعليًا لم يكونوا يرحمون!

 

زياد خدّاش: [00:07:08.07]
اه طبعًا مئة في المئة طوش وإنذارات وأبي وكذا. والمدير صاحب أبوي وسامحه لا يهم، وزياد مجنون وزياد غريب ومشت الأمور. لكن أنا بالمدرسة، العشوائيّة هذه أفادتني. راح احكي لك.. هذا ضمن الحوار؟

 

أحمد البيقاوي: [00:07:25.02]
اه خلّصنا. اه بدأنا.

 

زياد خدّاش: [00:07:29.67]
العشوائيّة بالتدريس أفادتني جدًا لأنها انسجمت مع أسلوبي في تعليمهم. أنا لا أحب الأسلوب المسطري، والواضح والمقيّد والمراقب والممنهج. عارف كيف؟ عشان هيك "القطّان" (مؤسسة) اللي أنا فيها الآن الشباب أصحابي؛ الخبراء، التربويون، الأكاديميون. يقولون لي دائمًا أنت تحكي أشياء جميلة أو بتعمل أشياء جميلة مع الطلاب. لكنّها عشوائية وما بتبني على بعضها يعني أوك أدخل على الصف، أنا ليس عندي منهاج، ليس عندي مثلا إنه اليوم أريد أن أعطي هكذا. بشرفي أحمد. الأمور تأتي لوحدها هكذا! اليوم نريد أن نأخذ كذا. اليوم أريد أن أحكي مع صاحب في مقهى رام الله. اسمع اسماعيل الهباش. اسماعيل أنت متفرّغ؟ يقول لي: آه. أقول له تعال على المدرسة وأحضر معك فيلمًا. لم أخطط له. أحيانًا يقول لي: أنا آسف مشغول، أو يأتي فورًا. المدير يتفاجأ والمدرسين يتفاجأون والطلاب يتفاجأون، وأنا أتفاجأ أيضًا يعني عرفت كيف؟! ويكون فيلم مرتب، وفي النهاية المدير يُسعد والطلاب يسعدون. طيلة فترة تدريسي هي فترة عشوائية مبعثرة مش منهجية تُشبهني، تشبه حياتي. يعني عرفت كيف. وسارت الأمور هكذا سنوات طويلة حتى بزياراتي آه.

 

أحمد البيقاوي: [00:08:52.45]
تفضل أكمل.

 

زياد خدّاش: [00:08:53.11]
حتى في زياراتي للمدارس المدارس اللي كنت أروح.. أنا مكثت أحمد عشرين سنة أعلِّم في مدارس مختلفة، تعليم تقليدي عربي مهارات إملاء قواعد كذا تقليدي جدًا ولم أكن استمتع جدًا. فقلت لمدير جديد أحسست أنه يفهمني ولطيف. قلت له انا أريد أن أعلم وادرِّس في خاطري أن أدرِّس كتابة إبداعية. قال لي: زياد هذه ليست مدرسة خاصّة! احنا وزارة تربية في منظومة في أوامر. قلت له في أوروبا يُعلّمون كتابة إبداعية يعني بكالوريس في الكتابة الإبداعية. قال لي: لن يفهموك يعني هنا. ولا التربية ولا الطلاب سيستوعبون، قلت له: أعطني فرصة، قال لي: قبل أن أعطيك فرصة أريد أن أجعلك "أمين مكتبة" كي تكون متحررًا من الدروس، فأعطاني أمانة المكتبة، ووقتها بدأت حريّتي في التعامل. يعني ليس عندي حصص ولا في جرس ولا في مفتشين. عرفت كيف؟ وبدأت حياتي الجديدة هناك مع الطلاب بالمكتبة. كنا هناك. نعمل كل شيء. كل شيء. يعني أشياء لا تتخيّلها ولا تتصوّرها بالحدود المسموحة طبعًا، لا يوجد حريّات كاملة. مدرسة هذه يعني مراقبة من الجار. مراقبة من المفتّش، من المدير، من أهالي الطلاب، من الطالب نفسه، من المعلّمين. من خلال المكتبة بدأت حياتي مع الطلاب تأخذ منحىً جديدًا. وبدأت أنا زياد الكاتب هناك، في الصف كنت أنا عندهم مدرِّس عادي، أعلّم قواعد وإملاء ومش عارف ايش!

 

زياد خدّاش: [00:10:26.56]
آه مللت منها، لأنه ليس فيها إبداع. وحتى لو حدا حكى لك إنّه تقِدر أن تحوّل القواعد إلى إبداع. ليس هذا عالمي أصلًا. يعني حتى القواعد لكونها رياضيات، هي رياضيات لغوية، ليست عالمي، إنه فاعل ومفعول به. يعني أشياء ثابتة. أشياء يجب أن تؤمن فيها. أشياء لا يمكن معارضتها لا يمكن مناقشتها. لا تقدر أن تقول لواحد إنه جاءَ الولدُ / جاء الولدَ. يجب أن تقول جاءَ الولدُ لأنه فاعل. لكن في الكتابة الإبداعية بالفنون في هناك خيارات، هناك أحاسيس مختلفة. هناك اجتهاد. هناك نقاش. هناك متعة بأنك تفكر عرفت كيف؟ القواعد تحفظها وتطبّقها وانتهى الموضوع. الإملاء كذلك تحفظها، تعرف نظريات الإملاء، الهمزة أين ومش عارف ايش! على واو على ألف على ياء. وانتهى الموضوع. ما في إبداع. ما في متعة وأنا شخص يعني أنا جئت على التعليم بالصدفة يا أحمد أنا تخرّجت لغة عربية بالغلط. لم أكن أعرف معنى أن أصير مُدرّس لغة عربية ماذا يعني؟ ما هو مستقبلي؟ لم يقل لي أحد. ولم يكن هناك توعية للطلاب في المرحلة الثانوية، أن يأتي عليهم من ينصحهم إنه ادرسوا كذا. حسب السوق، حسب رغبتك. حسب شغفك. فذهبت على جامعة اليرموك في 1983، عربي درست عربي، وحاصل أنا يعني على معدل جيّد.

 

أحمد البيقاوي: [00:11:54.28]
ذهبت باختيارك أم وجدت نفسك تدرس عربي؟

 

زياد خدّاش: [00:11:56.86]
لا لا. يعني أبوي حكى لي عربي منيح بتطلع مُدرّس. لم أفكّر او لم أكن واعيًا في تلك الفترة. ماذا يعني أن أصير مُدرِّسًا؟ يعني هل يلائمني أو لا؟ تخرّجت في 1989. في فلسطين اللّغة العربيّة إذا أنت دارس لغة عربيّة عندك خياران: إمّا مُدرّس لغة عربية أو مدقق في إحدى الجرائد. لما رحت ع فلسطين كانت أوسلو في بدايتها وأنا غير منتمٍ لفصيل. عائلتي ليست كبيرة، ولاجئ. يعني أنا صعب أن أتوظف حتى لو امتلكت كفاءات لأنه كانت في بداية أوسلو. كل أنصار الفصائل وأعضاؤها يعني داخلين على الوظائف، وزارة الثقافة كلها كانت يعني حاولت أن أدخل على وزارة الثقافة. كانوا يسألونني: أنت من جاء بك. أقول له: أنا لوحدي. أنا عندي. أنا مراسل جريدة اسمها "أخبار الأدب" كنت، في مصر. جريدة شهيرة. وعندي نصوص وأكتب قصص. فهم صاروا يضحكون إنه مش هيك الأمور يعني. حتى يعني ترددوا يحكوا لي إيّاها. قالوا لي أنت لمين تابع؟ قلت لهم تابع لمين؟ مش فاهم شيء! أنا تخرّجت من جامعة اليرموك. ومعي شهادة. وأكتب. وهذه نصوصي أنشرها في صحف مصرية. وهذه شهادة يعني بطاقة. تثبت أنني مراسل صحفي لجريدة شهيرة. جمال الغيطاني يقودها، روائي، شهير، هم لا يعرفون جمال الغيطاني. ولا يعرفون "أخبار الأدب" رغم أنّها كانت توزّع في رام الله. يعني كانت مجلة شهيرة (جريدة). بعد ذلك قال لي شخص: زياد أنت يجب أن تكون ابن فصيل. كل أبناء الفصائل هنا. وبالفعل ذهبت على دائرة معيّنة ووجدت أصحابي كلهم من فصيل معيّن! فهمت القصة. وسّطت علي الخليلي كان شاعر ومعروف هناك كان مدير عام، وهو شخص بسيط ورائع وحميمي. قال لي: "زياد يجب أن تكون ابنًا لفصيل حتى تتوظف". هذا في بداية أوسلو حتى تتوظّف في الوزارات، فأنا أسقط في يدي ولم أجد غير المدارس.

 

زياد خدّاش: [00:13:57.43]
ذهبت لأعلِّم لغة عربيّة، وبدأت هذه الورطة. وهذا المطب، وهذه الحفرة، أسميها حفرة، لكن في الآخر يعني إذا أريد أن احكي لك بشكل مبكر. الآن وقبل أن تسألني كيف صرت تحب هذه المهنة لاحقًا؟ وقفت أمام حالي يعني إنه أنا طيّب سأظل أبكي في المدرسة؟ وأبقى ألطم؟ أقول مشروعي الثقافي ضاع، وسأبقى أقول زياد الكاتب انتهى. وسأظل أقول أنا سأبقى بين هؤلاء المدرسين -مع احترامي لهم- وهم يشبهون بعضهم جميعًا، وتقليديين رغم احترامي لهم. أنا لا أريد أن أعمم، فيهم في ناس كثير يعني يحاولون مثلي تقديم تعليم مختلف. لكن بشكل عامّ المدرّس هو المدرِّس في كل مكان يعني عرفت كيف؟ بينهم كنت يعني أستغرب من وجودي بينهم، ومستغرب من وجودي في المدرسة كلها كمكان ثقيل وغريب. ماذا يعني أن تأتي على المدرسة في ساعة محددة؟ ماذا يعني أنّ الجرس يطلّعك؟  أنا مش هيك حياتي، أنا بنيتها مش هيك. مش هيك أحلامي. كان حلمي أحمد أن أكون صحفيًا عند مكتب صحفي. آتي الساعة 10 أكون مراسل لجرائد مختلفة في العالم العربي. أكتب بحريّتي دون أن يقول لي أحد ما هذا؟ ويأتيني راتب محترم. هكذا كانت كانت أحلامي. لكن تورّطت في هذا المكان. البداية كانت صعبة جدًا جدًا. لدرجة أنني فكرت أن أترك. بعد ذلك أتساءل أنا وأبي: حسنًا، أين ستذهب؟ كانت غابة فعلًا غابة. من هو غير منتم لفصيل أو ليس عنده واسطة كبيرة. أو والده ليس مليونيرًا. أو ليس ابن عائلة كبيرة معروفة سيضيع، وأنا ضعت. فلجأت إلى المكان الذي شكّل ورطتي -التي فيما بعد- حوّلتها إلى أغاني وحب وجمال وحدائق.

 

أحمد البيقاوي: [00:15:46.48]
أهلًا وسهلًا فيك. نوّرت "تقارب". بالعادة نترك الضيف يعرّف نفسه كما يحب. فأنت انطلقت. عرّفت نفسك كما تحب. بقي عندي فضول أعرف: هل كنت ابن بيئة سياسيّة أو بيئة مُسيّسة نشأت فيها في البيت؟

 

زياد خدّاش: [00:16:02.17]
لم يكن هناك بيئة سياسيّة نهائيًا. أنا كنت على أطراف الفصائل. درست في جامعة بيرزيت 1982 قبل أن أذهب على جامعة اليرموك. وذاهب هناك بالملابس التي كنت أذهب فيها على مدرسة عين يبرود. بنطلون غريب من تحت! وملابس نفسها نظيفة لكن مجعلكة وغريبة. أيضًا لم يقل لي أحد: زياد أنت في جامعة هنا. زياد أنت في جامعة يعني في بنات حلوات وفي نظام وفي المظهر يعني يعكس ثقافتك، ويعكس شخصيتك. ويكوّن لك أصحاب. ويوفّر لك وضع اجتماعي. وهذا سبب لي شيء أنا أحب أن أحكيلك إيّاه لأنّه غريب كان. الحارس وأنا أتذكره: بدين وسمين وطويل. كان دائمًا يراقبني وأنا بالكافتيريا. يقول لي مرحبًا، عفوًا، مين حضرتك؟ أقول له: أنا زياد من الجلزون. قال لي: آه من الجلزون أيضًا! معك هويّة؟ أقول له: آه أنا بالجامعة. قال لي: أرني إيّاها بالله. وحين يرى الهوية يقول لي: آه. وينظر فيّ وكأنه غير مُصدّق، يعني، ويذهب. ويرجع شخص آخر، ويقول لي: أنت معك هوية؟ أنت أين تدرس؟ أقول له: لغة عربية، هنا. دخلت لغة عربية؟ لم يُصدّقوا أنني طالب جامعيّ. والمفارقة الغريبة أنني تركت الجامعة لأسباب غير هذا السبب المزعج رغم أنّه كان مزعجًا. السبب الرئيس إنّه كان في إضرابات كتير وإغلاقات كثير، وحوادث سياسيّة وكذا، وكذا. فأبي قال لي اذهب على اليرموك أفضل. ذهبت على اليرموك وحين تخرجت من اليرموك. أريد أن أرج لك، وأخربط الزمن قليلًا. تخرجت من اليرموك في 1989 أحمد. جئت على جامعة بيرزيت في التسعينات كانت أوّل زيارة لادوارد سعيد. تمام. في دعوة معي. ذهبت على الجامعة على أساس إنّه أنا متخرّج وأدرِّس في مدرسة، وذاهب أريد أن أرى ادوارد سعيد. لقيني نفس الحارس. قال لي هويتك لو سمحت. قلت له يا زلمة أنا هربت من الجامعة لأجلك. قال لي: من حضرتك؟ قلت له أنا الذي كنت تسالني دائمًا (تبع الجلزون) وين هويتك؟ قال لي لا أتذكّر. قلت له أهلكتني يا رجل. قلت له أنا ذاهب على ادوارد سعيد الآن. قال لي: طب أعطني هويّتك. أخذ الهوية ووضعها عنده على البوابة ودخلت، لكن كانت مفارقة غريبة. فهذه هي القصّة.

 

أحمد البيقاوي: [00:18:15.43]
حتى بمرحلة اليرموك يعني بمرحلة اليرموك أعتقد من 1985 إلى 1989.

 

زياد خدّاش: [00:18:22.69]
من 1983 إلى 1989. أنا درست في بيرزيت 1982. دخلت باليرموك 1983 وحتى 1989.

 

أحمد البيقاوي: [00:18:32.06]
بهذه المرحلة أيضًا، كنت يعني محاط بأجواء سياسيّة بكل مكان. إذا هربت أنت فعليًا من الإغلاقات في اليرموك كمان كان في أجواء سياسيّة.

 

زياد خدّاش: [00:18:39.98]
ومع ذلك كنت على الأطراف. كان لي أصحاب من كل الفصائل، ولم أعرف كيف انسجم معهم. لماذا لا أعرف؟ ما بعرف.

 

زياد خدّاش: [00:18:45.98]
لكن إذا أردنا أن نتجاوز فكرة الفصائل على مستوى التسييس، على مستوى العائلة/ المحيط/ أصدقاءك/ علاقاتك كانت ناس مسيّسة؟ ناس متفاعلة سياسيًا طبعًا.

 

زياد خدّاش: [00:18:58.37]
طبعًا. أنا كنت قريب لليساريين بشكل عام، دون الانخراط معهم أو الانتماء التنظيمي معهم. عرفت كيف؟ يمكن لأنهم أقرب للكتب وللثقافة. ممكن هذا السبب يعني. وهم أصدقاء محليّون يعني بالمخيم، جارنا، كذا درس معي بالمرحلة الثانوية. هذه الأسباب الأساسية.

 

زياد خدّاش: [00:19:15.83]
في اليرموك كي أكمل لك قصة الرُّعب من الوثائق التي شكّلت لي رعب حتى الآن. بالإضافة لحادثة صارت معي وأنا مروّح من رام الله للجلزون، بطفولتي أيضًا قبل قصّة الحارس، وقبل قصّة الملابس الرثّة. باليرموك أضعت جواز سفري أول ما دخلت أحمد. أصحابي يقولون لي: أحسن! أنت الآن سيُرجعوك إلى الضفة. كيف أضعت جواز سفرك؟ قلت لهم: لا أعرف. ضاع في السيارة كذا. مكثت شهرًا وأنا أبحث عنه. صارت عندي الوثيقه شيء مقدّس. أنا حين أذهب على المطار الآن يدي تكون على الجواز هيك هيك هيك خوفًا من أن يسقط مني. أرجع للطفولة: أركب في باص الجلزون كان شوفير واحد اسمه شهوان. لاحقًا صار صاحبي. الغريب إنه الكل لاحقًا يصيرون أصحابي يعني هذول الذين أشتبك معهم. شهوان قطع التذاكر، وأخذت أنا التذكرة لكنها سقطت منّي. حين جاء أحدهم لجمعها. قال لي: أين تذكرتك؟ قلت له: سقطت مني لا أعرف أين. قال لي: انزل من السّيّارة. انزل من الباص. كنت ما زلت صغيرًا. شكّلت لي قضيّة الوثيقة التي أثبت فيها وجودي أو أثبت فيها أهليّة وجودي في مكان، شكّلت لي رعب.

 

زياد خدّاش: [00:20:25.23]
حادثة أخرى أحمد، معلش أركز على هذه النقطة لأنّها شكلت شخصيتي هذه. في مكتبة كبيرة قبل ما تتشكل الاولى كان في شاب هنا ولاحقًا صار صديقي. صار من قرائي. في صبية تمشي وأنا أمشي أمامها وأنا صغير بالعمر. كنت في الثالث إعدادي، ويمكن جذور المسألة هنا فأنا كتفي اصطدم بكتفها. تقول لي: عيب عليك.. يا عيب الشوم عليك. قلت لها: شو في؟ قالت لي: أنت دفعتني. قلت لها: أنا لا أرى، ثم ارتبكت ولم أستطع الدفاع عن نفسي، وخرجت مهزومًا. تخيّل. ولم أقدر أن أوضح لهم أنني يعني بريء، وأنا لم أنتبه. في الآخر الاثنان صاروا من قرّائي، وقالوا لي: نحن لا نتذكر الموضوع. فكل هذه الأسباب، وكل هذه الحوادث شكّلت عندي رعب من قضية الوثيقة التي تُثبت أنني ابن هذا المكان سواء جواز أو تذكرة باص أو تذكرة سفر او قطار أو هوية شخصية.

 

أحمد البيقاوي: [00:21:22.87]
أستاذ زياد كيف لا تُحب الناس أن تصفك؟

 

زياد خدّاش: [00:21:30.85]
ما هذا السؤال الغريب؟ أوّل مرّة أسأله!

 

زياد خدّاش: [00:21:33.97]
أنت قلبت السؤال. هذا سؤال "بيقاوي".

 

أحمد البيقاوي: [00:21:37.75]
أنا شايف إنه أنت يعني.. كنت أرى لك مقابلات. أنت تقود المقابلات لوحدك يعني. لكن إذا يعني إنا وإيّاك نريد أن نتعاون مع بعض. بتعرف هيّ في حوار في محاور وهيك.

 

زياد خدّاش: [00:21:52.51]
اقمعني. أرجوك اقمعني وقل لي..

 

أحمد البيقاوي: [00:21:54.34]
لا، ما بقمعك. اوك. وشيء ثاني أنا أصلا بترتيب البرنامج يعني أجرّب دائمًا أن أتعرّف على الضيف كما يحب. ليس كما هو موجود دائمًا على جوجل عنه. ودائمًا فعليًا كيف لاتُحب أن يتم وصفك/ تصنيفك.

 

زياد خدّاش: [00:22:11.62]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [00:22:12.28]
تسميتك. خاصّة الشخصيات التي تطلع أو تروح أو يجيء كتير، تجد نفسك على جلسة، والناس تسميك وبعد ذلك أكشف لك السؤال الثالث.

 

زياد خدّاش: [00:22:21.74]
تمام. أنا لا أحب الناس تسألني سؤال أو يعني تصفني بشيء ما. وعلى فكرة يعني ملتصقة بي. أنت عارف كيف؟ كيف؟ لمّا واحد يكون مثلًا صديق واحد منتمي لفصيل الناس يحسبونه أن هذا ابن الفصيل حتى لو حتى لو في آخر يوم في قبره. إلّا أنت فلان أنت كذا. أنت يا عمي أنا ما كنتش إنت كذا. الكاتب النسونجي. الكاتب الإباحي. وأنا لست كذلك حقيقةً. ولو أنا كذلك أحكي، لكن هم لم يفهموا هم صنعة الأدب وصنعة الكتابة كيف. هم لا يعرفون أنّ النساء في قصص زياد خداش هي نساء وهميّة نابعة من خيال ومن شطح وأقول لك: من حرمان. يعني أنا كثير وصفوني كُتّاب أصحابي قالوا لي: أنت النساء اللواتي تكتب عنهم في مخيّلتك. قلت لهم: آه جزء منهم وأغلبهم في مخيّلتي أستعين فيهن كي أكتب. عرفت كيف. هذه القصة تؤرّقني إنه أنت يعني حتى أقول لك أحمد. هذا الكلام كان سابقًا. كنت أنا يعني بالفعل إباحي في الكتابة وحرّ وصريح. لا أريد أن أقول إباحي، ولكن حُرّ وصريح، وأواجه الأشياء كما هي. لاحقًا طوّرت أسلوبي ليس هربًا وخجلًا من أسلوبي السابق. لا لأن الكاتب تطوّر، بعدين كبرت أنا، وصار عندي نضوج، وصار عندي نظرة ثانية للأشياء وهكذا.

 

أحمد البيقاوي: [00:23:54.13]
حسنًا، السؤال أنت يعني مستوى التفاصيل التي تذكرها يعني هو "الكاتب النسونجي" لم يأت من.. يعني ليس من فراغ، تمامًا، يعني في لها أرضية.

 

زياد خدّاش: [00:24:06.55]
طبعًا.

 

أحمد البيقاوي: [00:24:07.09]
هناك في مستوى تفاصيل في كتاباتك فعليًا لا تأتي من حرمان تأتي من من معرفة!

 

زياد خدّاش: [00:24:13.15]
يمكن أن يكون خيالي قوي جدًا لدرجة أنّي يعني أخدع القارئ! وبالفعل هذا جانب لصالحي. إنه أنا قادر أقنع القارئ بأشياء لم تحدث. ممكن هيك؟!

 

أحمد البيقاوي: [00:24:28.14]
أنا كنت أتمنى لو استضفتك على هذا الموضوع.

 

زياد خدّاش: [00:24:32.40]
لنا لقاءات إذا بدّك

 

أحمد البيقاوي: [00:24:32.73]
أنا كنت أتمنى لو استضفتك على هذا الموضوع، لأنه هذا حوار يعني هذا حوار طويل وأنا عندي. عندي..

 

أحمد البيقاوي: [00:24:41.43]
احكي لي قصتك مع فلسطين. كيف بدأت؟ اشتباكك معها. القصة الأولى اللي جعلت العلاقة ليست مجرّد علاقة رمزية رومانسية.

 

زياد خدّاش: [00:24:53.13]
اه اه هو الاحتلال. اه اه لا يترك أحدًا دون أن يصطدم معه يعني. اه يعني لا يتركني لحالي. هو الذي يشتبك فينا، هو من يورّطنا هو الذي يواجهنا. فنحن نضطر أن نواجهه. نضطر أن نتحدّاه. وهكذا. القصص.. الطفولة الأولى. أنا كنت أشوف مثلًا أنا أقول لك كيف. بدأت شرارة تقصد أنت الاهتمام بالسياسة والوعي بفلسطين؟

 

أحمد البيقاوي: [00:25:26.87]
لا، أنا أقصد وهذا أجرّب يعني أن أبحث على شيء شخصي داخل كل ضيف. عادة نحكي أننا خلقنا نحب فلسطين ونرضع حب فلسطين. نحن مقاتلون بالضرورة، والحكي هذا، لكن تجد فعليًا في قصّة شخصيّة حرّكت سواء عند الفلسطينيين أو غيرهم، صارت معهم أو صارت يعني أو شهدوا عليها، والتي تُحوِّل العلاقة من مجرّد "حنظلة" على الحائط لعلاقة اشتباك ما.

 

زياد خدّاش: [00:25:54.98]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [00:25:55.64]
يعني هيك.

 

زياد خدّاش: [00:25:55.91]
يعني قصّة اللجوء يعني أنا جدّي كان دائما يحكي لي عن بيّاراته وعن أراضيه، وعن السمسم الذي كان يبيعه، وعن الحياة الجميلة والغريبة التي لا تشبه حياتنا نهائيًا الآن، وأنا وجودي بالمخيم حين أقارنه مع الحياة المفترضة المتخيّلة التي كان يجب أن أعيشها. هذا شكّل نوع من أنواع الصدمة الأولى. والتساؤل الأوّل: لماذا أنا في المخيم؟ هذا غير منطقي. هذا ثقيل. رغم أنني لم أعش أجواء اللجوء، ولم تكن على جسدي يعني، لم أحسّ فيه، لكن توارثته كحكايات. ليس هذا فقط. القصة ليست قصة إنه يعني كرامة وطُردنا. القصة قضية ممتلكات. يعني نحن ليس عندنا أرض حولنا ونفتقد للأرض. عرفت كيف؟! وأنا ساكن بجانب جاري الذي أعرف عنه كل شيء. ويعرف عني كل شيء. يعني الخصوصية مدمّرة الدنيا كلها. هذه الأمور جعلتني أوعى على قضية آه يعني جعلتني أعرف ما معنى فلسطين منيح. يعني في حادثة صارت عمري لا أنساها. جيراننا هم أولاد عمي. عندهم أرض صغيرة. فاختلفوا على قطعة أرض صغيرة؛ صغيرة جدًا. يعني عارف كيف. صاروا يتقاتلون. كان جدّي معهم. أنا أتذكّر وكنت صغيرًا جدًا. تطور الخلاف للكمات كبار بالعمر وجدي يحاول أن يبعدهم. في الآخر سيدي (جدي) حكى لهم جملة عمري لا أنساها: تتقاتلون على قطعة أرض صغيرة على نص متر! وتاركين آلاف البيارات والأمتار في بيت نبالا. هم صفنوا ببعضهم وهم يلهثون لا أنسى هذا المشهد. بعدين حضنوا بعض وصاروا يبكوا يعني، فهذا المشهد كثير أثّر فيّ عن جد. يعني بقي في رأسي كم أن اللجوء مأساوي، ولا يُحسّ فيه إلّا الشخص اللاجئ عارف كيف أحمد؟ يمكن أن يكون الشخص الذين لم يلجأ أهله، وما تركوا كل هاي الخيرات يحس أن الموضوع عادي ممكن يكون ويستخدمه للرومانسيه مثلما حكيت. وللمفتاح وللحنين وللنظريات السياسية. لكن داخليًا في حسرة قلب لا توصف.

 

أحمد البيقاوي: [00:28:18.10]
ينفع هنا تساعدني كي أفهمها أكثر. وأنا أعرف أنّ من المستحيل يعني أن أتواصل معها بالكامل. لكن اربطها لأنه في مثلًا إذا بدنا نأخذ قطاع غزة، هو مجتمع لاجئين بالأكثر. إذا أريد أن آخذ فعليًا طولكرم مع الوقت مُسحت المساحات الموجودة يعني على مستوى جغرافي. على مستوى الارض. على مستوى الشغل. حين جاءت السلطة أيضًا انخرطت الناس فيها. بقي هناك فوارق طبقيّة موجودة، تلاقيها ذاتها بين ابن المدينة وابن الفلاح ابن المخيم والمدينة عائلة ومش عائلة. والحديث هذا، وهي يعني أصلًا موجودة في المجتمع. لكن الذي أنت تقوله هو أيضًا يعني تجربة أنت تُعبّر عنها برومانسيّة أم فعليًا في شيء خاص فيها؟!

 

زياد خدّاش: [00:29:05.53]
لا، في شيء خاص، لأنه أنا أيضًا حياتي يعني كان مفروض تكون غير هيك. انت عارف كيف! أنا دائمًا أتخيل لو أنني لم ألجأ، ولو أنا في بيتنا كان أنا مُدرّس مثلًا في جامعة يافا أو حيفا وكان وضعي منيح، أغادر للدار وأذهب عالبحر. يعني أنا أحكي لك عن الحرمان الذي أعايشه. عن الحصار، والحصار هذا شخصي وقاتل يعني. أنا لا أقدر أن أتحرك. يعني حتى أقول لك إذا تريد أن تذهب على نابلس يجب أن تفكّر ألف مرّة. وأيضًا هذا يؤثّر على حياتي ووجودي وعلى رفاهيّتي وعلى عيشي بشكل طبيعي. وحين أتخيّل أنني ابن مكان جميل وواسع وحرّ وآمن أكاد أجن يعني، من هنا انطلقت شرارة الإحساس بفلسطينيتي.. إنه أنا مظلوم!

 

أحمد البيقاوي: [00:29:48.15]
هذا الشعور عند كل الناس في الضفة الغربية وغزة اليوم؟ محاصرين (أرض) ضيقّة ليس عندهم أراضي؟ وليس عندهم القدرة ليشتروا ويتوسعوا ويطلعوا.. فاقدين أمان؟ فاقدين مساحة؟

 

زياد خدّاش: [00:29:57.96]
صحيح هذا أكيد عامّ بكون طبعًا مئة في المئة. لكن أنا أحكي عن اللاجئ بشكل خاص أنا متأكد أنّ عنده إحساس خاصّ بالموضوع. متأكد تمامًا يعني. ورغم إنّه كل فلسطين مثلما ما قلت أنت. فلسطين كلها تعاني. كلها محاصرة. وكلها مطاردة. وهكذا هو الوضع.

 

أحمد البيقاوي: [00:30:19.21]
يعني أنا أفكر حتى على مستوى الخيالات. الذي تقوله أنت، والحرمان الذي تعايشه. أصلًا جزء من هوية الناس أنها محرومة مثلًا يعبّرون عنها أنها محرومة من البحر. محرومة من من حيفا محرومة من يافا. محرومة من خيار إنّه حتى حين الواحد يدخل على مناطق الـ48. إنه يُحب جدًا لو أنّ عنده دار في حيفا أو دار في مكان آخر، أو كذا. لكن كيف هذا الخيار فعليًا غير متاح له بالكامل هو الذي أنت تحكي عنه. هذا مشمول عند الكل، يعني أكتر من اشي ثاني. معلش إذا أريد أن ارجعك للذاكرة الأولى أو الذاكرة الشخصيّة الأولى في الاشتباك مع الاحتلال. إذا في حدث صار بشكل مباشر حوّل هذه العلاقة -لأنه حتى بتعبيرات الجوع أنا أرى جزء كبير منها- يعني كثير توصّل لي معنى اللجوء. لكنّها تعبيرات رومانسيّة لا تلامسك، ولا تصدمك. يعني.

 

زياد خدّاش: [00:31:14.98]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [00:31:15.25]
ففي حادثة صدمتك؟

 

زياد خدّاش: [00:31:17.26]
صحيح. أنا في طريق عودتي من رام الله على الجلزون، كنت بالإعدادي ومعي صديق لي. حاجز سيارة حاجز عسكري. أنزلنا، وجعل كل واحد فينا يضرب الآخر كفًا! وكلّما نضرب كفًا خفيفًا يقول أكثر أكثر إلى أن ضربنا يعني ضربنا حالنا وضربنا بعض وكأننا أعداء. روّحنا على الدار كفوفنا حمر. شايف كيف ومصدومين! غير الإهانات الشخصيّة والألقاب الغريبة. هذا حادث من الحوادث عرفت كيف اه. وأتذكر لك أشياء أخرى. يعني مثلًا حاجز قلنديا يعني قديش بيصير إهانات؟ يعني مرة حاجز قلنديا أمامي صارت الشغلة هذه: واحد حامل تنكة الزيت رايح على القدس من رام الله، فلا يعرفون ما هو  الزيت أو لا يعرفون ما بداخله أو مش عارفين يفتّشوه بعرفش كيف القصة. في مجندة أمسكت الزيت ودلقته على الزلمة أمامنا يعني والرجل كبير بالعمر يعني. وهذا كان مشهد يعني مريع يعني لا يُتحمّل أبدًا. ومشاهد يعني متناثرة كثيرة. عرفت كيف؟!

 

أحمد البيقاوي: [00:32:35.55]
ببداية حوارنا حكيت لي كيف أنّك لقيت حالك مُدرّسًا. لم تكن تُحب أن تكون مدرسًا. كان عندك مخيّلة ثانية عن حياتك. لكن في ذلك الوقت فعليًا مخيّلتك عن المدرس أو مكانته أو صورته ماذا كانت في وقتها؟

 

زياد خدّاش: [00:32:51.90]
كانت صعبة جدًا لأني أنا كنت أرى معلميني. بعدين أبوي أنا مُدرِّس وكنت أرى معاناته. كان يحكي لي دائمًا طلابي أزعجوني اليوم. أقول له كيف أزعجوك؟ . أتذكر هذه الجملة التي قالها لي، وأرعبتني. يحكي لي كبار بالعمر وأنا لا أحب أن أضرب، وأضطر أن أستدعي المدير. وغير هيك يسخرون وكذا وأحيانًا يضربون الطباشير ومرّات كذا. أنا أقول له: طب ما هو الحل يعني؟ قال لي ما في حل لأنني لستُ عنيفًا، وأنا مسالم. ووقتها اقترحت عليه أن يأخذ طلاب صف أدنى، وأخذ بالفعل ابتدائي ومشت حياته. لكن في البداية كان يعاني جدًا كان يصل البيت متأزم. يعني أنا لا أعرف ماذا أفعل مع الطلاب. يعني لا أعرف أن أستوعبهم ولا أحتويهم وبالصف 40 واحد. أنت بتعرف يعني كارثة كانت. كان جدّي وأنا صغير يقول لي -هذا الحكي وأنا في الابتدائي- الله يا سيدي يخليك تطلع مُدرّس. يا رب تطلع معلم مثل أبوك. الآن أبي تجربته الأولى مع التعليم أوّل ما بدأ بالخمسينات، لأنه تقاعد منذ زمن. كانت تجربة رائعة من نواحي كثير، ما كان في شغب بالمدارس. كان وضع المعلم ماليًا ممتاز جدًا. يعني كان أبوي يأخذ 15 دينار وقية اللحمة كانت بقرشين. انت عارف كيف! يعني وضع كثير. كانوا الناس يحبّوا كلهم يصيروا معلمين. هاي في البداية كانت. كان سيدي يحرّضني على ذلك شوي. أنا تمنيت أن أكون معلّمًا لكن حين رأيت تجربة أبي ولاحقًا أهم شيء أحمد رأيت تجربة المدرّسين الذين كانوا يعلموننا في المدرسة في الجلزون يعني المدرسة الإعدادية، كوارث. وأنا لم أكن أشارك فيها لأنني كنت أحزن على المدرّس. بلاوي كوارث يضعوا أشياء على الكرسي، صراخ صوت ولا نفهم شيء أيضًا الذين يريدون أن يتعلموا لا يفهموا شيء فصارت غير قضيّة إنه الناس في الشوارع إنه معلّم مدرسة. مرّة واحد بحكي لي هذا معلّم مدرسة مهو مسخّم! قلت له مسخّم! كيف مسخّم؟ هذا صانع جيل وصانع وجدان وصانع مستقبل. قال لا يا زلمة شو هالحكي هذا؟ المدرّسين اليوم مساكين. هذه كلها يعني أنت عارف كيف! شكّلت لي هاجس رعب.

 

أحمد البيقاوي: [00:35:19.92]
هكذا حكى لك؟ هذا مُدرّس مسخّم؟

 

زياد خدّاش: [00:35:22.20]
اه والله ظلّت في رأسي قصة "مسخّم" وحتى أنا حين بدأت أدرّس بتعرف الواحد حين يسمع كلمة ويخاف منها أو يؤمن فيها يصير فعلًا "مسخّم". فأنا أول ما دخلت المدرسة كنت "مسخّم". كان المدرسون.. أنا شعري بتعرف "نيجرو" ولا أحلقه ولست متزوّجًا. والكتب دائمًا معي، ولا أتكلّم مع أحد كتيرًا، ليس تعاليًا عليهم. لكن لأنه أنا يعني لم أجد يعني مشتركات بيني وبينهم. ليس كلهم ليس كلهم كمان مرّة لا أريد أن أعمم كي لا يخرج أحد ويقول لي أنت تهاجم الوزارة وتهاجم المعلمين، في منهم مبدعين وتبادلت معهم الكتب، وفي منهم من يكتب الشعر. بشكل عام استقبلوني استقبال منفّر وغريب، إنّه من هذا غير المتزوّج وشعره طويل لا يقصّه، ودائمًا معه كتب ولا يحكي مع أحد، وكل يوم يُحضر جريدة. طبعًا هم لا يقرأوا جرائد ولا يعرفونها أصلًا. هذا في البدايات وأنا أعلم لغة عربية (بشكل) تقليدي كنت. عارف كيف. والمدير حتى كان يعني أحيانًا يتعامل معي كأنني شخص طارئ على المكان. كان المدير شخص تقليدي مع تجربتي المدير الآن سأحكي لك ماذا حدث معه، وشو صار فيه مع تجربتي ومع تفاعله معي. أكمل لك ولا تحكي. تسألني كمان؟

 

أحمد البيقاوي: [00:36:39.63]
لماذا أنت روايتك عن المدرسين سابقًا تتناقض مع رواية المدرسين عن أنفسهم سابقًا حين درّسونا؟

 

زياد خدّاش: [00:36:47.31]
آه أنا أقول لك لماذا؟ الوضع كان مختلف زمان الوضع زمان مختلف حتى بالستينات والسبعينات بدأ الانحدار. أواخر الثمانينات والتسعينات. ما هي الأسباب؟ لا أعرف. لأنني مثلما قلت لك: أنا لستً خبيرًا تربويًا يعني.

 

أحمد البيقاوي: [00:37:01.73]
لا. نقدر أن نتوقع. أنا فاهم أنك لست خبيرًا تربويًا لكن نقدر أن نتوقع، يعني في تحليل اجتماعي سياسي اقتصادي تربوي...

 

زياد خدّاش: [00:37:10.43]
مليون زاوية فيها ممكن يكون انفتاح العالم على بعضه. انتشار الفيس بوك والانترنت. اه التفكك الاجتماعي والأسري قلة الراتب الخاص بالمعلم الذي ضربه غلاء المعيشة فصار قلة الراتب مع قلة القيمّة. مهي دائمًا، احنا عنّا راتب ضخم، شخص مهم يجب أن نحترمه ونسلّم عليه، هكذا للأسف الشديد.

 

أحمد البيقاوي: [00:37:34.01]
يعني هو هذا 2024 الذي أنت تقوله فيس بوك وكذا. لكن أنا بحكي على.. حين كُنّا بالثانوية دخلت ستار اكاديمي عملت ثورة عند المُدرّسين وقتها؛ سوبر ستار، وستار اكاديمي.

 

زياد خدّاش: [00:37:46.52]
أحمد أنا عمري 60 سنة.

 

أحمد البيقاوي: [00:37:48.17]
أعرف أعرف أنا أعرف أنا أعود للوراء فعليًا، لكن أنت حين تقول الزمن تغيّر عملت قفزة على السوشال ميديا، فأقول لك السوشال ميديا تغيير حديث يعني. طارئ حديث اليوم لكن ما قبلها فعليًا إنه مثلا حين نحكي بالتسعينات كانوا الأساتذة يحكوا إنه اليوم أنتم لا تحترموننا أو كذا.. كان الوضع الاقتصادي للمدرسين مكانتهم الاجتماعية. يعني كيف كانوا يحكوا أفضل كيف كانوا يحكوا كيف يتخيّلوها أفضل، وفعليًا صارت تتدنّى سنة بعد سنة. يعني صار واضح الشيء لكن أحاول الإمساك بإطار زمني، إذا في حوادث عامّة.

 

زياد خدّاش: [00:38:29.54]
هذه تحتاج واحد أكاديمي وخبير تربوي يحكي لك لماذا أو عالم اجتماع.

 

أحمد البيقاوي: [00:38:33.32]
على فكرة أنا وإيّاك أحسن خبراء في هذا المجال، كي نحكي بشكل عفوي. يعني بدون تنظير بدون قواعد احنا بدون بدون تنظير. ما هو هذا كمان شغلة أريد أن أحررك منها. اسمح لي.. في "تقارب" الباحث أو الأكاديمي أو المحاط بباحثين وأكاديميين يأتي وعنده هالة أو تخوّف من رقابة ما. لأنه -الحمد لله- ببلدنا حارتنا كتير صغيرة، وكلّه يراقب كلّه.

 

زياد خدّاش: [00:38:56.86]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [00:38:57.16]
الآن ينفع أن نفكر بصوت عال. احنا فعليّا...

 

زياد خدّاش: [00:38:59.35]
أنا أفكر بصوت عال طبعًا اه.

 

زياد خدّاش: [00:39:01.33]
على فكرة موضوع كمان قلّة قيمة المعلم أو انهيار قيمة المعلم لها علاقة بانهيار قيمة الإنسان يعني. يعني حتى أقول لك شغلة. يعني أنا في الشارع أتذكر حين كان يمر ختيار (عجوز) أو كذا. أو يطلع ختيار في باص او ختيار يكون بحاجة لمساعدة، كنا نحترمه ونقدّم له مساعدة ونُجلسه في الباص حين يأتي. الآن الأيام هذه أنا بكون في الشارع في أولاد صغار سابع وثامن. حج هويتك وقعت منك. أتطلع لا يوجد هوية! يسخرون! أنا أقول في زمني معقول كنت أعمل هكذا؟ مستحيل. واحد شعره شايب ويبدو عليه كبر السن وشاب صغير ليس شابًا. يعني طفل في الصف السابع يسخر من رجل كبير. انهيار كامل! يا رجل عارف كيف غير النقاش حين نتناقش مع واحد كبير. ليس هناك ذوق ولا احترام فالمنظومة كلّها تالفة وانعكست كمان. المعلم ومكانته جزء من منظومتنا الاجتماعيه. الآن لماذا صار هكذا؟ لا أعرف. الاحتلال له دور، إلا إذا لا نريد أن نضع الاحتلال على كل خطأ وكل مشكلة وكل أزمة مثلما نفعل دائمًا يعني. لكن أكيد له دور أيضًا لأنه لم يتركنا نعيش حياة طبيعيّة.

 

أحمد البيقاوي: [00:40:16.41]
له دور طبعًا.

 

زياد خدّاش: [00:40:17.49]
اه طبعًا.

 

أحمد البيقاوي: [00:40:18.48]
يعني مستوى مستوى الشغب الموجود عند الطلاب في المدارس العربيّة. أتخيل، أو قادر أتخيل مستواه. نحن عندا بزيادة دائمًا يعني.

 

زياد خدّاش: [00:40:28.17]
اه.

 

أحمد البيقاوي: [00:40:29.13]
يعني. لكن مجرّد إنه في أستاذ يوم من الأيام أو مدير مدرسة بمرحلة من مراحله. حين كانت في الانتفاضة فوضى سلاح صار شكل من أشكال الحفاظ على وجوده إنه يحكيلنا اذهب وأحضر لي الورقة الفلانية من الدرج الأول، كي تفتح الأدراج وتجد مسدّسًا موجودًا وبتحكي في المدرسة كلّها إنه الأستاذ فلان الفلاني عنده مسدّس.

 

زياد خدّاش: [00:40:52.85]
يا إلهي.

 

أحمد البيقاوي: [00:40:53.51]
هذا شيء مختلف يعني.

 

زياد خدّاش: [00:40:55.43]
طبعًا طبعًا مختلف طبعًا 100 في المئة. وعلى فكرة مع قلّة مكانة المعلّم وكي يدافع عن نفسه. طبعًا لا يفعلها الكل. عفوًا أقصد أن القليل منهم يتحمّلون. أنا تحمّلت في بدايتي وأبي تحمّل. لكن في مدرسين يلجأون للعنف، يضربون الطلاب ضرب ضرب عنيف كي يدافعون عن كرامتهم، أتوقع أنني أفهمهم. وهنا ورغم أنني أرفض هذا الأسلوب. لكن (معلّم) طالب يرمي عليه طبشورة أو يستهزئ منه أمام الطلاب، سيُجن ممكن يُجن. الذي يُمارس العنف في الحالة هذه أنا أفهمه لكن أرفض الذي يعمله. عرفت كيف؟ أنا كنت يعني أفضّل الانسحاب أو أحكي للمدير أو أقول له غيّر لي الوضع، لكن يعني لا أقدر أن أعنّف طالبًا، مستحيل. يعني مهما صار.

 

أحمد البيقاوي: [00:41:47.02]
هل تعتقد أنه في المرحلة التي كانت فيها المدارس صغيرة، في كل قرية في كل محيط في مدرسة، الناس تمشي وتذهب عليها. يعني هذا يمكن حتى نهاية التسعينات لحد الألفينات لم يكن في كلّ قرية في مدرسة. لكن أتخيّل الوضع كان في القرى مختلف عن المدن.

 

زياد خدّاش: [00:42:04.87]
طبعًا مئة في المئة.

 

أحمد البيقاوي: [00:42:06.55]
لأنه في الأستاذ فلان الفلاني هو ابن فلان من الحارة الشرقية أو بالحارة الغربيّة. بعدين احنا وصلنا وصرنا فعليًا يعني إنه كانت في قصّة في قفّين (قرية بطولكرم) إنه الطالب فلان الفلاني فعل شيئًا مع الأستاذ. يعني قصّة كبيرة هذه، وأهله راحوا وأهله جاؤوا وهكذا. في طولكرم (المدينة) كانت قصّة كثير عاديّة عندنا.

 

زياد خدّاش: [00:42:28.06]
آه، مثلما قلت. المُدرّس من عائلة، الطلاب كلهم ممكن يكونوا من نفس العائلة. ويعرف إنه ممكن والد الطالب يغضب من ابنه. ممكن يقول له: ما الذي عملته في عمك في خالك، وأقارب وعائلات. مستوى الانضباط هناك أكثر. الذي شكّل الدمار أو التفكك أتوقّع أنّه المساحة التي انهارت بين القرية والمدينة عرفت كيف! كيف كانت.. يعني تم غزو القرية تم تم تفكيكها، تم غزوها، تم اقتحامها بأساليب مختلفة، بالحياة. بالاقتصاد. بعلم الاجتماع. بالاختلاط. العالم كلّه الدمار الذي فيه والمشاكل السياسيّة، الاحتلال، هذا كلّه انعكس على الإنسان وعلينا يعني، وسبب كل هذه الاضطرابات.

 

أحمد البيقاوي: [00:43:15.90]
وتراجع مكانة الفلاح أيضًا، والذي كان عنده أرضه. يعني كانت بالنسبه له رأس مال، ولم يعد لها قيمة اليوم.

 

زياد خدّاش: [00:43:22.92]
طبعًا.

 

أحمد البيقاوي: [00:43:23.70]
هذه القصص التي أحكيها، أنت شهدتها؟ رأيتها؟ يعني في بالك تستحضر الأستاذ الفلاني؟

 

زياد خدّاش: [00:43:31.89]
في القرى؟

 

أحمد البيقاوي: [00:43:33.30]
اه.

 

زياد خدّاش: [00:43:33.99]
طبعًا أنا أنا الآن أعرف إنّه في قرى يعني يتم الاعتداء على المُدرّسين فيها، لأنه تفككت الهالة وضاعت الهيبة..

 

أحمد البيقاوي: [00:43:43.05]
والأستاذ والطالب من القرية؟

 

زياد خدّاش: [00:43:45.03]
من القرية آه طبعًا. أنا أقول لك حتى القرية تم غزوها واقتحامها. واختلف الوضع عمّا كان سابقًا. يعني كان أشبه بالمقدّس في الثمانينات أو السبعينات أو الخمسينات. كان "إله صغير" المدرّس، يُحضرون له الأكل، الأهالي يحترمونه، الطلاب حين يرونه في الشارع يغيّرون الطريق. تتذكّر قصّة إنه أنا كنت أغيّر الطريق حين أرى المدير أو المدرّس. الآن يهجمون عليّ أنا هجوم: ايش أبو الزوز؟ صباح الخير أبو الزوز يهجمون عليّ. طبعًا محترمين هم، ولطيفين أغلبهم بدون وقاحة يعني بحب، يحكونها، لكن كيف يمدّون أيديهم وكذا. يعني العلاقة صارت وحتى في صحاب طلابي صاروا أصحاب لي. نقعد أنا وإيّاهم في مقاهي ونحضر أمسيات أدبيّة ونتشارك في تبادل الكتب وهكذا. لكن أحيانًا يأتيك واحد وقح كالعادة هذه تصير مع الكل، ينادي عليك من بعيد. ايش يا خدّااااش؟ بطريقة يعني فيها نوع من الــ.. ويهرب. طبعًا أنا بفهمها طبيعية. ليس كل الطلاب بكونوا. انت عارف كيف.. في طلاب يصنعون يومي. يعني يلاقونني في الشارع مثلًا. أنا لا أعرفهم طبعًا. الأستاذ، أنت تعرف أحمد، الأستاذ لا يعرف الطلاب يعني لا يتذكر هم لأنهم كثر، لكن الطالب بعرفه منيح. بعرف كل تفاصيله. واحد قبالي هيك كبير كبير. يعني علمته في أوائل التسعينات بأوائل أواخر التسعينات أو نص التسعينات في مدارس مختلفة في قرى، واقف وينظر، ويبتسم. أقول له: في شيء؟! قال لي: أنت علّمتني بالصف السادس في بيت سوريك مثلًا أو في قطنّة. أقول له: والله لا أتذكّر. كيف كنت أنا؟! كنت أنت كنت رائع جدًا. كنّا نحبّك جدًا. كنت تلاعبنا وتمزح معنا ولا تُعنّفنا، فيشعرني إنه أنا يعني هيك بسعادة ما في هذا اليوم اللي أنا أكون فيه. عرفت كيف؟ فتختلف ردود فعل الأطفال والأولاد حين يرون المدرسين بالشوارع وحسب يعني تربية الطالب أيضًا بترجع في الآخر.

 

أحمد البيقاوي: [00:45:51.64]
أنا كنت أرى الطلاب الذين يعملون السلوك الذي أنت تعمله الآن بأثر رجعي يعني.

 

زياد خدّاش: [00:45:56.02]
اه.

 

أحمد البيقاوي: [00:45:56.74]
محاولة لتكسير أو تقليل سلطات لأنه تعرف الطالب حين يخرج من باب الدار في سلطة أبوه. سلطة المجتمع، سلطة يعني، وهو ماشي في ناس تمارس سلطات عليه طوال الوقت..

 

زياد خدّاش: [00:46:09.88]
طبعًا مئة في المئة.

 

أحمد البيقاوي: [00:46:11.38]
وأيضًا داخل المدرسة سلطة الصفين الأكبر منك مع سلطه.. يعني مش عارف صراحة..

 

زياد خدّاش: [00:46:17.26]
وسلطة المنهاج.

 

زياد خدّاش: [00:46:18.25]
اه.

 

أحمد البيقاوي: [00:46:18.52]
سلطة المنهاج، فبصير أنظر أنّ جزء من التمرّد الذي تفعله بحد ذاتك أصلًا على كل فكرة شكل التدريس أو أنماطه في شيء من مكان ثاني. الطلاب يقومون به كردة فعل طبيعيّة على كميّة السلطات المفروضة عليهم. يعني كميّة البني آدمين الذين يأتون ليفرضوا سلطتهم على الطالب هذا، فيبدأ يقاوم فيهم. هو حين بقول وين يا خداش ويهرب! يعني -عفوًا- أنا أتخيّله فعليًا يقول من محل وين يا خداش كي لا يقول أستاذ.

 

زياد خدّاش: [00:46:52.00]
ويكسر...

 

أحمد البيقاوي: [00:46:53.83]
وغير قادر أن يتعاطى مع ردّة الفعل فيهرب، يعني مثل حدا رنّ الباب وهرب، بهذا الشكل.

 

زياد خدّاش: [00:46:58.93]
صحيح، حلوة قضية السلطات التي تنتظر الطالب، هذه المتنوعة.  إذا بدنا ننتقل على موضوع ثاني أو تسألني قبل أنا أحكي لك الجملة سريعًا. هذه السلطات التي كانت تنتظره وتضغط عليه أو الواجبات مرّات أو المسؤوليات المتنوعة والثقيلة. أنا فهمتها تمامًا لأنه أول شيء كانوا هم في سنّ مراهقة، أحمد، عارف كيف. وبعرف أنا أزماتهم وماذا يدور داخلهم ومطالب جسدهم. رغبتهم بالتحدي ورغبتهم بإبهار الآخرين. رغبتهم بالتنافس بين بعض. حوّلتُ هذه الرغبة في تحطيم المسؤوليات. أمسكتها كلها وفهمتها وحوّلتها لنوع من أنواع التنافس الايجابي بينهم. أنت عارف كيف؟ يعني هو لا يُحبّ المقعد. المقعد سلطه أيضًا. المقعد اللي قاعد لازم يظل هيك. إذا عمل هيك اقعُد منيح ولا؟ طب ليش؟ مش عامل اشي الزلمة بنتبه عليك ما هو. إذا عمل هيك ولا أنزل يدك عن وجهك. إذا نظر للخلف نظرة عادية مثلًا. ولك أدر وجهك نحوي. وهكذا. يعني أوامر نواهي أوامر. هذه سلطة أيضًا. أنا حررتهم منها. قضيّة أنا أريد أن أركّز لك على قضيّة الوجود بالصف الجسدي. الوجود الجسدي. اقعد القعدة التي تريحك. لكن دون وقاحة، دون تخويف، ودون استهتار. الآن جزء منهم كانوا يستهزئون وكانوا بالبداية، لأنهم غير مدركين أنّ أحدًا يسمح لهم بعمل ذلك! مع تدريسي المستمر لأجيال مختلفة في نفس المدرسة أو لصفوف مختلفة استطعت أن أكوّن حوالي 30 واحد. احمد، ليسوا حافظين، إنما فاهمين بالضبط ماذا أريد، ويعرفون المطلوب منهم. فكان الصف عبارة عن شيء أو هذه الخليّة أو هذه المجموعة. أسميها مجموعة من المبدعين الفاهمين معنى الإبداع ويفهمون معنى التطور وفاهمين معنى الثقافة، ساعدوني حتى أنا ساعدوني وحتى طوروني يعني كمان. كنت مستمتع جدًا جدًا معهم. طلع منهم الشخص المتطفّل والذي جاء غصبًا عنه، والذي فرضه عليّ المدير: يا رجل وين اطلعه بالساحه؟ اتركه عندك في الصف. المدير لم يكن يعي..  ماذا يفعل بالصف؟ سيشوّش علينا. لا يُحب المكان. بالمناسبة هم الـ 30 واحد كانوا يعشقون الأشياء التي نفعلها عشقًا غير عادي. وكانت الحصة والله نشعر فيها كأنها 5 دقايق انقضت. رغم أن المدرسين دائمًا يتعاملون مع الزمن الصّفي كأنّه 10 ساعات ويظل ينظر للساعة. نحن فجأة برن الجرس، فنشعر كم كنّ مستمتعين.

 

أحمد البيقاوي: [00:49:51.88]
وتعتقد أنت شخصيتك لأنه كانت يعني هي تكسر او تكسر حواجز كبيرة بينك وبين الطلاب. بكيف يعني كان في شهادات عن عن تدريسك بتساعد الطلاب إنّهم يستخدمونك أو يستغلونك ليكسروا سلطة ما موضوعة فوق رأسهم بينك وبينهم؟

 

زياد خدّاش: [00:50:11.65]
اه استغلوني فترة من الفترات، حين قالوا لي.. حين كنت أشرح لهم عن الحريّة لم يكونوا يعون معني حريّة. أقول لهم الحريّة مُقدّسة. نحن الفلسطينيون أكثر ناس نفهم معنى الحريّة. نحن أحرار. كانت كلمة حريّة تُذكر ألف مرّة أحمد فهم جاؤوا في البداية كانوا يقولون لي يا أستاذ أنا إنسان حُرّ. أقول له آه. يقول لي: أريد أن أخرج. قلت له: أين ستذهب؟ يقول لي: لا يجب أن تسألني.. أنا حُرّ. قلت له: لا ليست هكذا القصة. أنا الآن أستطيع أن أكون حرًّا، وأغادر وأجلس على القهوة وأترككم في المكتبة. الحريّة هنا فيها حدود. قالوا أنت قلت لنا الحريّة مُقدّسة. كان يصير في نقاش. في طالب مرّة شطب على لوحة، طالب مجتهد. أقول له: ماذا فعلت؟ قال أنا حُرّ، لم تعجبني وأحببت أن أشوهها لأن جمالها مؤذي. كانوا يستخدمون أحيانًا جملي؛ جمالها مؤذي! أقول له لنفترض أن شخصًا آخر رآها جميلة. احترم الآخرين. اسألني! دعونا نتفق أن جمالها مؤذي. فكان في. يعني يكون في نقاش كثير حلو بيننا. عرفت كيف. إلى أن وصلت أنا في الآخر في ذروة مشروعي التغييري لـ30 شخص. وبالفعل هؤلاء الـ30 انطلقوا بالجامعات وتخرّجوا وفي منهم تزوجوا، ويلاقونني في الشارع والله أشعر بسعادة حين يقولون لي: أستاذ زياد أنت بنيتنا. أنت صنعتنا. انت وجّهتنا اتجاه صحيح. رغم إنه كان يكون في كثير يعني أسئلة صدامية بيني وبينهم حول قضية مثلًا إنه أنت يجب أن تكون ملتزمًا سياسيًا. لماذا أنت لست ملتزم؟ حين كان يصير في نقاش سياسي بيني وبينهم. أستاذ أنت ليش مع الكل؟ أنت حدد موقفك. أقول لهم حتى لو أنا عندي موقف لا أريد أن أحكيه أمامكم كي لا تتأثّروا فيه. لأنكم تحبونني. حين تكبرون عليكم أن تختاروا، كل واحد فيكم يختار موقفه السياسي والفصائلي. فكانوا يسكتون. شايف كيف؟ هؤلاء الـ30 بمدرسة معيّنة هم كانوا يعني بمدرسة "أمين الحسيني" في البيرة، بحي الجنان. لن أنساهم أبدًا. ويتواصلون معي حتى الآن ومنهم أصدقائي ونقعد على المقاهي.

 

أحمد البيقاوي: [00:52:16.01]
أنا قبل أن أسالك على الاحتلال أريد أن آخذ هذا السؤال فعليًا. وهو قضيّة دخول السياس الموجودة، نحن الأساتذة كانت جزء من نظرتنا لهم دائمًا مكانتهم الوطنية أو مكانتهم أو حضورهم الفصائلي. يعني أستاذ حزب التحرير إذا كان تاريخ وجغرافيا مشكلة

 

زياد خدّاش: [00:52:31.30]
هههههه.

 

أحمد البيقاوي: [00:52:32.29]
أوك، أستاذ. يعني أنت فعليًا ترى حتى الأساتذة كيف يستغلون كلّ ظرف للتعبئة. فنحن نرى يعني جزء من مدارسنا.

 

زياد خدّاش: [00:52:45.19]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [00:52:45.85]
الفارق بيننا وبين الطلاب العرب أو المدارس الثانية وأعتقد حتى على مستوى الطالب والأستاذ إنه في هذا الحيّز للأستاذ أن يُمارس التعبئة، فنحن نطلع معبئين. يعني الإذاعة المدرسيّة فعليًا هي تدريب على مخاطبة جماهير هذا مش موجود هذا اليوم دورات. يعني تأخذه أنت، لكن نحن منذ كنا صغار نأخذه، ونعمله. أحس أيضًا..

 

زياد خدّاش: [00:53:07.51]
فأنت تكره المادّة لأن فلان لا يتوافق معك سياسيًا.

 

أحمد البيقاوي: [00:53:12.76]
أنا لا أكره المادة، أنا أقيّم علاقتي مع الأستاذ أيضًا بناءً على مستوى الاتفاق السياسي بيني وبينه.

 

زياد خدّاش: [00:53:18.91]
اه اه اه.

 

أحمد البيقاوي: [00:53:19.87]
فأنت تلاقي اه تلاقي إنه فعليًا دائمًا هذا الأستاذ مثلًا لا نُحب حصّته. هذا نحب حصته. هذا الأستاذ من مكان ثاني مكسور أو تم اعتقاله سياسيًا وقعد له فترة غايب عنّا.

 

زياد خدّاش: [00:53:33.63]
هذا بكون جميل جدًا الشخص اللي بكون معتقل وبطلع برجع عالمدرسة بعد ما يعتقل بتصير هيبته كبيرة. في نوع من الاحترام. أتخيّل هكذا.

 

أحمد البيقاوي: [00:53:45.00]
لكن لا نكون نفكّر هكذا وقتها! اليوم بأثر رجعي أنظر هكذا. يعني الأستاذ الذي مكث طوال الصيف أو جزء من الفصل أمضاه معتقلًا فعليًا عند الاحتلال أو عند السلطة. يعني في مرحلة من المراحل؛ مرحلة الانقسام. عند السلطة لم يكن الشيء فعليًا يعني كرامة ولّا شرف كبير، بقدر ما إنه جزء من اللي أنا أحكي لك عنه. تنزل صورته عند ناس وتعلو عن ناس ثانية. أفكّر إنه في مستوى كمان من العلاقات دائمًا كان عندي فضول أعرف حتى كيف الأساتذة يتعاطون مع بعض فيها يعني.

 

زياد خدّاش: [00:54:21.55]
آه. لا. الآن انظر، الأساتذة الأيام هذه يمكن هذا الحكي زمان أيام الاحتدام السياسي والتنافس والفصائل وكذا. الأيام هذه الناس إذا تريد أن تسألني على المدرّسين في المدارس. الآن ما في نوع من التنافس السياسي ولا في من الاشتباك الفصائلي. الأساتذة اليوم ينتظرون الراتب يدخلون على الحصة ويخرجون وهم يفكرون متى سينزل الراتب حتى يوفّروا الأكل لأولادهم. يعني الوضع كثير صعب. أنت عارف كيف. إذا يصير نقاش سياسي ممكن يختلفوا قليلًا. لكن هذا لا يشكل عائقًا أمام علاقاتهم الاجتماعية ولا يُشكّل مشكلة في المدرسةيعني.

 

أحمد البيقاوي: [00:54:59.98]
هذه نتيجة انشغل عليها من سنين وحتى هذه السنين، تفريغ المجتمع من السياسة. تفريغ المدارس من السياسة.

 

زياد خدّاش: [00:55:05.95]
ممكن.

 

أحمد البيقاوي: [00:55:06.58]
يعني أنا أتذكر كانت الإذاعة المدرسية إنّه لا نريد -في الانتفاضة- أن نحكي عن الأحزاب. لا نريد أن نحكي سياسة. نريد أن نحكي على كيف التعليم يكون أفضل. أتذكّر مرة كان في تعميم من وزارة التربية، إنه نريد أن نحكي شيئ عن البنى التحتيّة والمجاري. فجاءتني كلمة أن اقرأ عن المجاري يعني.. لا أريد.

 

زياد خدّاش: [00:55:29.12]
كي يبعدونكم عن الحقيقة يعني...

 

أحمد البيقاوي: [00:55:37.97]
على مستوى آخر أعتقد على مستوى آخر؛ الجانب الذي يتعلّق بوجود سلطة الاحتلال الذي لا يجعل أي سلطة دائمة في مجتمعاتنا. يعني مثل الطلاب فعليًا إنه كيف نظرة الأب غير قادر يحمي ابنه. هناك شعور أعتقد صار منقوصًا بوجود الاحتلال أكثر. بفكرة أنّ كل هذا المجتمع مقهور بينه وبين بعضه. فترة الانتفاضة الثانية أنا رأيت كيف كان الأساتذة كانوا قبلها ورأيتهم كيف كانوا بعدها، رأيتهم حتى كيف كانوا يستحضرون ماضيهم  كي يعززوا مكانته اليوم.

 

زياد خدّاش: [00:56:16.25]
أيوة.

 

أحمد البيقاوي: [00:56:16.25]
حين جاءت الانتفاضه فعليًا ولم نعد نعرف كيف نحمي حالنا صار في علاقة أقرب. صفّرت هذه السلطة الموجودة، لم يعد يحتاج فعليًا أن يستخدمها بالشكل الكثير كبير -يعني هذه وجهة نظري- في طلاب رح يختلفوا أكيد يعني. لكن أعتقد إنه صار في حالة القرب بين الطلاب والأستاذ أكثر. وبذات الوقت اليوم بأثر رجعي أرى الأستاذ الذي لا يستطيع أن يحمي ابنه أو ابنته. وغير قادر أن يحمي زوجته، غير قادر أن يحمي أبوه وأمّه، نظرته أصلًا للطالب تتغيّر في هكذا ظروف.

 

زياد خدّاش: [00:56:50.23]
مئة في المئة. صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [00:56:51.61]
كيف؟

 

زياد خدّاش: [00:56:52.54]
بتحكي مزبوط؟ اه انظر، لا شك إنه نحن كلّنا ضحايا الاحتلال بالمدرسة. يعني مدرسين مدير وزارة، كلّنا نتعرض للأذى ونتعرّض للسخرية ونتعرّض للحصار. أريد أن أحكي لك شيئًا يمكن ليس له علاقة مباشرة بالموضوع. ما الذي يجعل شيء ما يعمل تقارب أو نوع من التفهّم أو نوع من الاقتراب بين المدرّس والطالب في هذه الأجواء. صح؟ أنت هكذا سؤالك؟ تمام. اه بحكي لك اشي حوادث. انا بحب يعني احكي مع حوادث ومع اشياء حدثت. انا في يوم من الايام كنت ادرّس في مدرسة اسمها "المغتربين" وكان في طالب يعني متوسط التحصيل في طلاب أذكياء وكذا 40 واحد صغار كانوا خامس. أوّل ما بدأت في يوم من الأيام لم يعد طالب معيّن؟ ماذا هناك؟ ثاني يوم اكتشفنا انه قصفت سيارة أبوه من مستعمرة بسغوت بالمدفعية. تفجّرت السيارة واستشهد الطفل مع أمه ومع أخوته وأبوه المقصود لم يكن موجودًا. عرفت كيف؟ غاب طفل معيّن. هُنا الطفل غيابه -بالفعل هذا الحكي عفكرة مهم التفكير فيه- كيف إنه تؤجّل مشاعر الطلاب المتأججة ضد السلطات التي قلتها. تؤجّل أو تُمتصّ لصالح لحظة وطنية خالصة اسمها "نحن كنّا بسجن واحد" في عندنا شهيد الآن، عندنا مقعد فارغ. المدرِّس أيضًا علاقته مع المدرسين مع الطلاب رح تكون مختلفة. وعلاقته مع غياب طالب عنده سيكون فيها حزن. سيكون فيها نوع من التقارب مع الطلاب، أتوقع أنّ العلاقة ستختلف بعدها، أتوقع سيكون هناك عامل مشترك أو سبب من أسباب إنّ الصف يصير عائلة. لأن كل واحد عندنا إحساس إنّه ممكن الطالب هذا الذي على اليمين اسمه أحمد، يغيب ثاني يوم، ولا يعود، ممكن المُدرّس يختفي ولا يرجع. صار في شيء من الخوف المشترك في الصف، وهذا شيء جديد التفكير فيه. يعني أشكرك أنك جعلتني أفكّر فيه لأنني جرّبته يعني عرفت كيف.

 

زياد خدّاش: [00:59:18.98]
كنت أنا دائمًا حين أتأخر عن المدرسة كان في حواجز في الجلزون أمكث حوالي ربع ساعة نص ساعة حين آتي ومرّات ساعتين. حين أدخل يكونوا يشاغبون وصعب احتواؤهم. بداياتي كانت صعبة فابتكرت حيلة، أنا أعرف ما الذي يجعلهم يهدأوون، وأعرف ما الذي يجعلهم يُذهلون، وأعرف ما الذي يجعلهم يحترمونني. أنا لم أتعرض لأذى في اليوم الذي تأخّرت فيه، لكن كان في طابور وجئت متأخرًا، اضطررت أن أكذب عليهم وأقول لهم: اليهود أوقفوا السيارة، وأنزلوني وضربوني وبهدلوني، ومزّقوا ملابسي، وغيّرت قميصي، عُدت للبيت غيّرت قميصي، كنت أرتدي قميصًا آخر. ها ايه! لماذا ضربوك أستاذ؟ تعرف في مخيّلة الطفل الفلسطيني الذي تحت الاحتلال. القصص هذه تشُدّه لأنه يخاف منها. في نفس الوقت تخلق عنده نو من التحدي وتحسسه بوجود مشترك. هذا الصف كتلة عائلة. وبدأت أروي قصة لم تحدث. لكن أقسم بالله إنّه 40 طالب كانوا يتقافزون وبصوت عال وضحك وكراسي مقلوبة ومقاعد مقلوبة. وعلى السبورة مكتوب أشياء. حين بدأت أروي القصه بطريقتي. طبعًا أنا التمثيليّى يعني يجب أن أكون ممثل في رواية القصة. هكذا تعلمت انا. يعني كي تحتوي الطلاب أو تسيطر عليهم يجب أن تروي لهم القصّة. فكنت أستخدم القصّة الحزينة أو القصّة في مواجهه المحتلين وفي التعرّض لآذاهم لاحتواء الصف. احتواؤه ليس فقط لتهدئته، لكي أشعرهم أنني يعني مثل أبوهم مثل أخوهم. وأنا لست رجل يعني صاحب سلطة كبيرة، ولست برجل صاحب أوامر وصاحب مركز يجعلهم يخافون منّي. أنا شخص فلسطيني يمكن أن أتعرّض لصفعة على حاجز احتلالي، حتى لو كان سنّي أكبر من الجندي الذي صفعني، عشرات السنين.

 

أحمد البيقاوي: [01:01:31.14]
وأتخيّل هذا الشيء الذي يمكن كيف أنت قلته، أنت حتى استخدمته فعليًا بالمقارنة، أنا أتذكّر الآن بمرحلة كانت بداية الانتفاضة الثانية أو بداية الاجتياحات أيضًا. وبعدين صار يجب أن ننزل على المدرسة. فجاء الدفاع المدني يريدون أن يقنعونا كيف إذا صار في قصف في المنطقة كيف ننسحب؟.

 

زياد خدّاش: [01:01:53.37]
اه تدريبات.

 

أحمد البيقاوي: [01:01:54.87]
طبعًا استهبال في استهبال يعني كان الشيء بالنسبة لنا يعني. لكن بعدها أتذكّر الأساتذة كيف حين كان في قصف، كيف قاعدين ينضمون فينا بشعور أبوي، أنهم يخافون علينا وأنا أتذكّر وجوههم؛ وجوه مختلفة!

 

زياد خدّاش: [01:02:08.30]
طبعًا مئة في المئة.

 

أحمد البيقاوي: [01:02:09.53]
وجوه لن أنساها بحياتي يعني.

 

زياد خدّاش: [01:02:12.05]
أبوي، يتحوّل الموضوع لعائلي. نحن عائلة نتعرض لقصف نتقارب أكثر لبعض، وتقل حدّة المشاكسات الشخصيّة تخف جدًا يعني لصالح الشعور الأبوي والإنساني والوطني.

 

أحمد البيقاوي: [01:02:24.14]
وكأنه المجتمع كله هكذا يكون ايضًا. يعني حتى علاقتي علاقتي في أبي. علاقتي في عمي. علاقتي في خالي. علاقتي بصاحب محل.

 

زياد خدّاش: [01:02:32.69]
اه اه أنا مرّة وأنا هارب في مظاهرة، هاربين كلّنا بقينا صغار يعني أتذكرها. دخلت على محل. بيني وبين صاحب المحل في مشاكل بينه وبين أبي يعني مشاكل عويصة. فدخلت لاختبأ هناك. قال لي تعال زياد، تعال تعال تعال هنا هنا هنا. ونحن لا نتكلّم مع بعض. ففلسطين وهمُّها والهم المشترك ووجود الاحتلال يعمل عن جد "تقارب". وبعدها لم نعد نتكلّم حين خرجت يعني رجعت العداوة أو رجع الصمت بيننا.

 

أحمد البيقاوي: [01:03:04.31]
الآن اليوم.. اليوم الذي أراه أو أسمع عنه أيضًا أنّ الشيء تغيّر بمعنى الانخراط. فرضًا الأستاذ زياد السياسي لو كان فعليًا اليوم موجود يُعيد مكانته لأنه وكأنّه صار هناك رِدّة عن السياسة ككل.

 

زياد خدّاش: [01:03:20.77]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [01:03:21.25]
وإذا اعتقلت أنت عند السلطة ولو كم يوم فعليًا هذا شيء لا يجعل المجتمع يحضنك. يجعلك مشكلجي أو أبصر شو قصتك!

 

زياد خدّاش: [01:03:30.85]
أيوة طبعًا.

 

أحمد البيقاوي: [01:03:31.87]
على مستوى زملاءك على مستوى العلاقة، أيضًا نفس الشي. هذا شيء حقيقي الذي أقوله؟

 

زياد خدّاش: [01:03:39.28]
اه صحيح اه الوضع اختلف الآن طبعًا احنا بنحكي عن قبل انا بحكي عن..

 

أحمد البيقاوي: [01:03:45.49]
صارت صارت السياسة اليوم هي بتقلل من الأستاذ.

 

زياد خدّاش: [01:03:49.12]
[01:03:49.12]صحيح أنا أحكي عن انتفاضة الأقصى. انتفاضة الأقصى أنا درّست في أكثر من مدرسة بـ 2006-2007 وكذا 2008 إلى حدّ 2012 وبعد، وكذا أكثر من مدرسة درّست فيها. يعني لم يكن أنك مناضل أو رجل سياسي أو كذا أو بتحكي في السياسة كثير أو بتمدح فلان، لم يكن يشكّل مبعث اهتمام أو فرح أو لم يكونوا يستقبلون الموضوع بالطريقة اللي كانت قبل. عرفت كيف؟! لا أعرف لماذا. بالانتفاضة الأولى يختلف الوضع. يعني كان المُدرّس كان شبه مُقدّس. يعني في الانتفاضة الاولى المدرّس هيبته رجعت للخمسينات والستينات. عن جد والله. لا أعرف ليش. ممكن المجتمع كان متضامن أكثر. الفصائلية كانت أقل حدّة وأقل.. [01:04:45.49]

 

أحمد البيقاوي: [01:04:46.54]
كان التعليم تحدي أيضًا وقتها.

 

زياد خدّاش: [01:04:48.19]
كان التعليم تحدي لأنه صار في تعليم بالحارات أيضًا، تعليم شخصي. صح كلامك. اه بالضبط كان وسيلة من وسائل المقاومة، لكن بانتفاضة الأقصى بالفعل اهتزت قيمة المعلم. لأسباب كثيرة أنا متأكد أنّها يعني مختلفة جدًا لكن أحس كإنّه يعني اه ما بعرف كيف يعني هذه تحتاج دراسة وتأملية أكثر وبدها عفكرة بدها كتب هذه، إنه وضع المعلم على مراحل زمنيّة كيف اختلف من الخمسينات للستينات للسبعينات؟ ما هي العوامل التي أثّرت في اختلاف وضعه ومكانته وهيبته وقيمته وفعاليّته تحتاج دراسة فعلًا.

 

أحمد البيقاوي: [01:05:27.81]
أنا أرجع فعليًا للمجتمع نفسه، يعني بمعنى حين كنّا نحكي على مكانة الأستاذ. الاستاذ كان الفلاح فعليًا في قيمة لأرضه، اليوم إذا أنا عندي نص دونم أو دونم مش قصّة كثير كبيرة يعني.

 

زياد خدّاش: [01:05:40.74]
اه اه. طبعًا.

 

أحمد البيقاوي: [01:05:42.06]
وذات الشيء حين تقول على الانتفاضة الأولى فعليًا رجعت لأنه كان في نضال على مستوى المجتمع ككل. بالانتفاضة الثانية لم يكن النضال على مستوى شعبي واسع، وانتهت الانتفاضة الثانية بكسرة، يعني كل التضحيات التي قُدّمت لم توصلنا إلى مكان، هكذا الشعور العام كان عند الناس فالكل كان مكسور من هناك، أعتقد وأتذكر في شيء رافق حالة الأساتذة وهي قضيّة الإضرابات إنه يمكن من وقتها لم ينجح إضراب أو يمكن إضراب أو إضرابين أنا غير قادر على أن استحضرهم، فهنا فعليًا يمكن أيضًا في شيء ثاني إضافي؛ تغيّرت أوضاع الناس، تقدّمت طلعت نزلت، العمّال في الداخل طلعوا اشتغلوا لم يشتغلوا، مهندسين أولاد مغتربين في الخارج، لكن الأستاذ بقي في مكانه، وبقي فعليًا يقاتل على فعليًا تحسين وضع اقتصادي بنجاح محدود جدًا طوال الوقت.

 

زياد خدّاش: [01:06:35.25]
آه أريد أن أقول لك شيئًا ممكن أن يضيء أحمد على قضيّة الوضع الاجتماعي بالانتفاضة الأولى كيف كانت علاقات الناس.. كيف كانت؟ اه أنا أتذكر حوادث كانت تصير لكنها لم تحدث في انتفاضة الأقصى لكن في الانتفاضة الأولى حدثت، كان في أمّهات يطلعوا على الشوارع أمهات يعني ليسوا مع أولادهم وظيفتهم الوحيدة -وكبار في السن بالستينات والسبعينات- وظيفتهم الوحيدة أن يبحثوا على الشباب الذين يمسكهم الجنود، ويدّعون أنهم أمهاتهم. اترك ابني ارتك ابني اترك ابني وفي الآخر بشكل شرس يمسكون فيه، في الآخر الجندي يضطر لإفلاته، فكان في نوع من التضامن القوي جدًا. وهذا انعكس على المدارس والعلاقة بين المدرّس والطلاب والمدير وكل فئات المجتمع. مثلما قلت كانت مشاركة بهذا الفعل العظيم.

 

أحمد البيقاوي: [01:07:27.22]
طيّب القصة هذه بين الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية صار أوسلو.

 

زياد خدّاش: [01:07:31.63]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [01:07:32.80]
آخر مشاهد عندي أو في مشهدين عالقين برأسي بالنسبة لي يعني يأسسون لما بعدها، حين جرى توقيع أوسلو كان في أستاذ اسمه وائل القطب -الله يرحمه- ورياض بدير -الله يرحمه- في طولكرم. وائل القطب كان فتح. رياض بدير كان وقتها إسلامي. حماس أكثر. حين وُقّعت أوسلو بالإذاعة المدرسية. وائل القطب أراد أن يحكي شيء. تمام؟ رياض بدير يريد أن يردّ عليه، ونحن أتذكر كنّا بالصف الثالث يعني، فأنا أعي فعليًا إنه كانت يعني أيضًا في البلاد كانت نهايات الانتفاضة الأولى بمعنى هي جاءت أكملت وبعدين جاءت أوسلو، يعني كأنه ما صار في هذا القطع الذي صار بالانتفاضة الثانية، فصار في الاستكمال. لكن نحن كلنا كنّا عايشين ظروف بالنسبة لنا مُجيّشة يعني معبأة. المدرسة ليست مجرد تلعب فيه وتدرس فيه وتعمل فيه. لا. والأستاذ هو قائد. يعني هو واضح إنه قائد مش عليّ أنا. هو قائد حتى على الإثنين على بعض. مرّة يُلغي فلان للثاني. يُلغي له فرصة أن يشارك أو يحكي بالإذاعة أو يُعبّر فعليًا عن السلطة. والمرة الثانية كانت حين حكوا -أظن كنّا ببداية يعني قبل الانتفاضة أو بدايه الانتفاضة- قالوا في زيارة لمحافظ طولكرم عندنا. فنحن كنا نُغنّي "موطني".

 

زياد خدّاش: [01:08:53.67]
اه اه يا ليت لو رجع يا ليت.

 

أحمد البيقاوي: [01:08:57.09]
اه وعلقة سوداء، إنه المحافظ جاء وما نزال نغنّي "موطني". يُفترض أن نغنّي "فدائي".

 

زياد خدّاش: [01:09:01.68]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [01:09:02.34]
تغيّر وقتها.

 

زياد خدّاش: [01:09:04.14]
قصّة تغيّر "موطني" تغيير "بلادي" إلى "موطني" هذه قصّة أيضًا تحتاج تأمل وتفكير.

 

أحمد البيقاوي: [01:09:10.38]
أنت تعرف إنه فعليًا الأساتذة لأنه أصلًا يعني كان في مفاوضات، وأنا أعيها، مرّة يشغلون لنا هذه، ومرّة هذه، والأساتذة المعارضين أكثر في مدرستنا، فما كانوا يشغّلوا، كانوا بدهم يحافظوا على "موطني" يعني معارضين لأوسلو. نحن صغار لكن فاهمين.

 

زياد خدّاش: [01:09:29.19]
اه اوك.

 

أحمد البيقاوي: [01:09:30.51]
يعني هيك. لكن حين جاء المحافظ فعليًا وضعوا الورقة، طبعوا لنا أوراق ووضعناها على ظهر كل واحد أمامنا الصف كله من تحت.. ليس الصف آسف. السرب الصباحي كلّه. أنا أتذكّر وقتها إنه من هذا الذي جاء يعني عشان أصلًا نعمل هكذا.. إنه لا أريد أن أغنّي "موطني" أو لا أريد أن أغنّي "فدائي" أو كذا. ففي جزء أيضًا أحكي لك يعني بمعنى الإفساد الذين كانوا ضدّ أو كانوا مع كانوا مع "فدائي" أو كانوا مع "موطني" الأساتذة الذين كانوا باستحياء يحكوا لنا فقط غنّوها اليوم. يعني مرّقوها اليوم.

 

زياد خدّاش: [01:10:05.09]
في شغلة أريد أن أحكي لك اياها عن موضوع الترابط الاجتماعي والفصائلي بين الناس وكذا. او خفّة حدة الصراع الفصائلي بالانتفاضة الاولى مقارنة مع حدّته بالانتفاضة الثانية. الانتفاضة الثانية كان في صراع بين كانت الفصائلية ذاهبة لقضيّة المناصب والفلوس والمراكز الثقافية والاحتواء وكذا. في الانتفاضة الاولى لم تكن هذه يعني ما كان في إثراء، ما كان في نقود، ما كان في تبرّعات من هنا ومن هنا، وجاءتني تبرعات وأريد أن اخذها 5000 دولار وكذا وخذ. الانتفاضة الثانية كان، وهذا انعكس على شكلها الاجتماعي إنّه كانت شوي فيها يعني مصلحية ما.. عرفت كيف؟ الاولى كانت بريئة مندفعة ونقيّة، وهذا انعكس أيضًا على المدارس. على قضيّة إنه العلاقة يعني وضع المدارس بالانتفاضة الثانية جاءت يعني انجرّت لهذا الواقع غير الطبيعي الأعوج في الاول مثلما قلت أنت. يعني مثلا في الانتفاضة الثانية ما صار في تعليم ذاتي ما دعوا لتعليم ذاتي. الانتفاضة الأولى كانت. الانتفاضة الأولى كان كل الناس مشاركين فيها، وكل الناس بيشبهوا بعض. لا كان في مدير عام ولا كان في وزير ولا كان في رجل كبير ورجل سلطة، ومش عارف شو. كلنا كنا مضطهدين، كلنا نوكل قتل على الحواجز وكلنا كنا بمستوى اجتماعي معين. طبقة وسطى كانت كبيرة جدًا كانت أيامها لكن في الانتفاضة الثانية اجتماعيًا كان الوضع مفروز يعني هؤلاء كبار وهؤلاء صغار وهؤلاء معهم مصاري. هؤلاء أحضروا تبرعات هؤلاء راحوا لجماعتهم وانعكس كله على الخراب.

 

أحمد البيقاوي: [01:11:50.67]
والثانية أيضًا، يعني أنا لم أشهد الأولى، لكن الثانية كثير عنيفة. يعني أنت تحكي صحيح حين تحكي عمليّة استشهاديّة صارت جوا، ردّ الفعل عليها سيكون اجتياح لطولكرم ثلاث أيام. وقتل الناس بالشوارع وإطلاق نار على كذا، ما في حيّز لك أصلا أن تشارك فيها. يعني بعتقد حتى لو دعوا بمعنى انه ادرسوا أو هكذا، ما حدا فاضي. ما حدا رايق. الناس خائفة.

 

زياد خدّاش: [01:12:15.84]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [01:12:16.44]
خائفة جدًا.

 

زياد خدّاش: [01:12:17.52]
صحيح تمامًا.

 

أحمد البيقاوي: [01:12:19.11]
وليس هناك حيّز لتشارك أو تعمل شيء مطلقًا.

 

زياد خدّاش: [01:12:22.35]
لا.

 

أحمد البيقاوي: [01:12:24.81]
استاذ زياد انت قلت بمقابلة مع الاستاذ عارف. الجملة التي بقيت، ورنّت في بالي. يعني كانت شيء مفتاحي بتعريف الشيء الاقتصادي. نحن رأينا إضرابات كثيرة تصير وتفشل. رأينا إضرابات تم يعني شق الجهات التي نظمتها، لكسر الأستاذ اكثر واكثر. فأريد أن استخدم لغة أنه تم كسر الاستاذ. الاستاذ القوي المناضل الذي نحن نحكي عنه جاء باكثر من سياق، الاحتلال كسره بمحل، لكن هو أبي فعليًا بدي أشيله كمان انكسر. خاض معركة وانكسر فيها مرّة ثانية، ومن مكان ثالث كمان فعليًا واضح إنه كل مرّة يرجع لأقل من الحدّ الأدنى من أي مطلب له، واصل لمحل اليوم. يعني الفوارق الطبقيّة أو الفوارق المعيشيّة بيني وبين أستاذي عالية جدًا. واسعة جدًا جدًا جدًا. قبل أن نحكي على الفوارق بينك وبين الطلاب أريد أن أجرب أحكي ما معنى إنك تعود لتعمل إضراب أو تطالب بحقّك كي تُدرّس أفضل. وكل الماكنات الإعلاميّة والأمنيّة تشتغل على كسر هيبتك وصورتك وسلطتك، وترجع أنت مكسور فعليًا بالكامل أمام طلابك ثاني يوم.

 

زياد خدّاش: [01:13:49.52]
صحيح هو الموضوع كله منسجم مع شخصيتي ومع أسلوبي ومع نظريتي للأشياء او مع موقفي من الاشياء. يعني انا أيضًا انا يعني طلابي دائمًا أحكي لهم عن حقوقهم، وهي الحق في اللعب. الحق في الإضراب. الحق في الاحتجاج. الحق في تكوين أحزاب. الحقّ في السفر. الحقّ في الحب. الحقّ في احترام جسدي. يعني مجموعة من الحقوق يعرفونها هم. أنا شاركت في الإضراب طبعًا، أنا كنت مشاركًا في الإضراب وكانوا طلابي بتحريض من أهاليهم. بعض اهاليهم وبتحريض من المدرّسين يحكوا انه احنا نريد أن نتعلم ومش عارف ايش. فكان يصير في نوع خوض يعني حوارات معهم. شايف كيف؟ كبار كانوا هؤلاء كانوا بالعاشر والحادي عشر.

 

أحمد البيقاوي: [01:14:35.21]
هذا أيّ إضراب؟ الـأخير يمكن؟

 

زياد خدّاش: [01:14:38.06]
لا قبل الأخير، كان في واحد قبل الأخير صار، مهو صار أكثر من موجة.

 

أحمد البيقاوي: [01:14:43.34]
هذا أسوأ. أسوأ يعني. يمكن آخر ثلاث أسوأ إضرابات لأنه وضع الأستاذ بمواجهة أو مقابل الطالب. فصار الطالب يكتب على فيسبوك. أنا أريد أن انزل ادرس ومن حقي اتعلّم. والأب ثقيل الدم يطلع يقول فعليًا وين أنا وحق اولادي والحكي هذا.

 

زياد خدّاش: [01:15:01.48]
يا عيني عليك كان اضراب. دخلت في المؤامرات ودخلت في التدخلات السياسية ودخلت في السلطة لتشويه المدرّس أنهم لا يريدون أن يُدرّسوا، أو ليس هكذا فقط، أيضًا هم منتمين لفصائل ثانية لكي يخرّبوا العمليّة التعليميّة ويخرّبوا البلاد، إنه الموضوع موضوع فصائلي وسياسي، والموضوع لم يكن هكذا، كان مطلبي. نحن نريد حقوقنا كمدرّسين. الطالب لم يكن عنده موقف ورؤيا واضحة، كان مثلما قلت لك ضحية للأب الذي نتمي لفصيل معيّن. يعني ممكن يكون في جهاز امني. ممكن يكون وزير ممكن يكون سياسي معيّن يقول له: إيّاك. يعني أنا أتذكّر إنه أنا كنت في إحدى المدارس فيها معلمات. زوج/ أزواج هؤلاء المعلمات معظمهم في مراكز معيّنة. المعلمات محترمات جدا ومؤمنات بالإضراب كنّ يأتين على المدرسة يبكين، نحن آسفات. أنا مضطرة أدخل على الصف كي أعلّم، لأنه كذا كذا كذا وبتعرف مكسورات. يعني لا يقدرون أن يقولوا لا لأنه..

 

أحمد البيقاوي: [01:16:08.91]
ماذا يعني كذا كذا كذا؟

 

زياد خدّاش: [01:16:10.14]
لأنه زوجها او اخوها او عمها او ابوها. قال لها إيّاك أن تضربي هذا اضراب سياسي ما تصدقيهم، ليس مطلبي. فصار الموضوع فيه تشويه شديد. كنت أنا يعني أخوض مع الطلاب فكرة وقضيّة أنّ من حقي أن أضرب، والشعارات اللي طرحتها كمضرب.. الحركة الإضرابيّة التي كانت تصير شعاراتي كانت واضحة يعني: من حق المعلم أن يكون موظفًا طبيعيًا يأخذ راتبًا محترمًا، ويحافظ على حقوقه وعلى هيبته وعلى كذا. لكن لم يكن هناك قناعة. والأسوأ من ذلك أنه صار هناك اعتقالات للمعلمين الذاهبين للإضراب، وعلى الساحات يعملوا مسيرات. صار في حواجز وكانوا يعتقلوا معلّمين. في يوم من الايام صار يا احمد قصة عجيبة، ولم أعرف أن أكتب عنها. نحن ذاهبون أنا وأصدقاء من الشمال. طلعت معهم من البيرة أنا على رام الله، على المسيرة التي كانت عند الدوار عند مجلس الوزراء. كانت ضخمة جدًا. في حاجز أوقفنا في منطقة ما، كانوا عنيفين، رأونا معلّمين، واضح، المعلم مبيّن. فتحوا الباب. في وجهي محسن. محسن طالب علّمته قبل فترة طويلة فارتبك. نظرت في وجهه. ابتسمت أنا. كل الذكريات التي بيننا رجعت بنفس اللحظة. ارتبك. كان يريد أن يقول: انزلوا، لأنّ (العنصر) الذي معه قال انزلوا. هو نظر فيّ هيك، وتراجع لم يقل شيئًا. ضل ساحب. قلت له كيفك محسن؟ ضل ساحب. رجع. قال لي شو بعرفك فيه واحد ثاني؟ قلت له أحد طلابي الرائعين وكان يكتب كتابات مذهلة. في الآخر صار رجل امن يفتح سيارة بعنف ليقول للمدرسين انزلوا، أو ارجعوا أو استديروا.. انزلوا او روحوا روحوّا مشي او ارجعوا بالسيارة. فكانت لحظه مؤلمة جدًا. أنت عارف كيف؟ ولاحقًا حكى معي على الماسنجر. قال لي أنا أعتذر، أنا مضطر أعمل هكذا أوامر ومش عارف ايش شايف كيف. لكن الإضراب هذا على فكرة كان من أروع الإضرابات لأنّه وحّد بين المعلمين بشكل مش عادي. وكانوا وحدة واحدة. حتى الفصائلية بينهم لم تكن موجودة. كان في مطالب معيّنة للمعلم يريدون تنفيذها رغم كل محاولات تسييسها واتهام الحركة أو قادة الاضرابات بأن لهم زعماء ينتمون لفصائل معيّنة إلا أنّ الموضوع لم يكن هكذا، لكن في الاخر للآسف تم احتواؤها ببعض الوعود التي تم اختراقها فيما بعد.

 

أحمد البيقاوي: [01:18:55.36]
أستاذ زياد مما بعد 2006 - 2007 احداث الانقسام حتى فعليًا هذه الأيام صار في موافقة أمنية. يجب أن تُعمل على الأستاذ كي يتوظّف وجزء منها فحص إنه أنت لا تكون مشاغبًا، يعني لا توجع رأسهم. هل تعتقد أنّ جزءٍ من نجاح التصدي للاضرابات انه تم اختيار فعليًا الأساتذة الجدد الذين انضمّوا للهيكل التدريسي والذين هم بغالبيتهم يا إما منتمين لفتح أو عندهم علاقة مع السلطة او من عائلات ودوائر ما. هذا ساعد بأنه..

 

زياد خدّاش: [01:19:32.62]
أتوقّع الموضوع ممكن يكون ساعد جزئيًا لأن معظم الذين جرى "التشييك" عليهم بأن لا يكون لديهم ماضٍ معيّن لا يعني انهم موالين. انت عارف كيف؟ المدرّس هذا يضل ابن مشكلته الاجتماعيه وابن راتبه القليل. وأنا متأكد أنّه يتأثر في المعلمين الكبار الذين يكونون في المدرسة. عرفت كيف؟ لا نستطيع أن نقول بشكل مطلق أنه تمت زراعة هؤلاء بطريقة معيّنة حتى يوقفوا عملية الإضراب. أنا متأكد. وأقول لك حتى لو هم مدجنين أو مشيّك (فحص) او او او يعني خالين من من ذاكرة المعارضة السابقة. إلّا أنني متأكد أنّ معظمهم يعني وقف موقف مشرّف في المدارس في الإضراب اللاحق.أتخيل هكذا. وممكن يكون جزء..

 

أحمد البيقاوي: [01:20:24.33]
أنا لا أحكي مدجنين. يعني لا أحكي بمعنى إنه حدا وضعهم عشان لأجل أنه ماكنة طبيعية.. صار في مجتمع المدرسين إذا أضيف 500 مدرس من 2006 إلى 2024 فرضًا يعني. هؤلاء هم بغالبيتهم من الناس الأقل مشاكسة أو...

 

زياد خدّاش: [01:20:43.31]
أقل مشاكسة من أي ناحية؟

 

أحمد البيقاوي: [01:20:44.33]
على مستوى قرار المؤسسة. على مستوى قرار الأمن لا نريد فعليًا إضرابات فهم مثل المدرسات اللواتي وصفتهم. محترمات، عندهم ظروفهم الشخصية، أحوج الناس أيضًا لأن يخوضوا الإضراب لكن لا يقدرون.

 

زياد خدّاش: [01:20:58.85]
اه المعلّم الذي يعتبرونه غير مشاكس. أنا متأكد أنه كونه معلم ويعاني من هذه المشاكل ومن هذه الإحباطات ومن هذا الوضع الاقتصادي. أنا متأكد سيصبح مشاكس لاحقًا. متأكد تمامًا لأنه حدث وجاء ناس قالوا لنا إنه يعني أنا طلبوا منّي أقدّم سيرة ذاتية أو اقدم استمارة أو أين كنت وإذا سجنت أم لم أسجن، أهلي وغير أهلي. وكانوا يسخرون من الموضوع هذا، وكانوا يعني اعضاء فاعلين في الاضرابات اللاحقة. أتذكر أحدًا منهم يعني.

 

أحمد البيقاوي: [01:21:38.50]
تستحضر قصص أمام الطلاب بعد أن رجعتم من الإضرابات؟ تعرف مي ابو مغلي حكت لي قصة انه لما كنا بنحكي عن المناهج والتعليم كنا بنحكي عن المناهج. فهي تقول الأهم من الحديث عن المناهج -ما زلت أستحضر- إنه الاضرابات مرة بعد مرة تنكسر، والأساتذة يرجعون بأقل من مطالبهم أمام الطلاب، بتحكي في مرّة كانت الزيادة فيها 20 شيكل. فوجدت فعليًا إنه بتحكي عن أستاذ روى لها القصّة إنه كان الطلاب حاملين 20 شيكل للأستاذ والأساتذة في المدرسة، ففقط تخيّل. المشهد يعني بقي في بالي. أنا سجلت معها يمكن قبل سنتين.

 

زياد خدّاش: [01:22:22.57]
اه أتذكر كانت حلقة رائعة.

 

أحمد البيقاوي: [01:22:25.72]
وأتذكّر من وقتها ظلّت الصورة في بالي. كيف يعني برجعوا الطلاب والأساتذة بعد الإضراب؟

 

زياد خدّاش: [01:22:30.43]
طيب أعطيك صورة ثانية، بالضبط عند دوار رئاسه الوزراء؟ هذا التجمع الضخم الذي كان. كان شعور حلو جدًا بالتلاحم والتضامن، والأمن بعيد ويراقب لكنهم غير قادرين على استيعاب الحالة. أنا كنت جاي من السفر وجئت على التجمّع والناس متحمّسة جدًا ومصممة. على التراس واقفين على السور حوالي ألف طالب. كلهم هكذا ورافعين يافطات وفي منهم من مدرستي. الطالب أنا متأكد أنه يفهم ماذا يعني المعلم يضرب ولماذا يضرب. أنا متأكد حتى لو عُرّض للتعنيف أو للمساءلة من الوالد داخليًا سيظل واقفًا مع المعلم. خصوصًا حين يكون المعلم مميّزًا، ويحكي لهم لماذا الإضراب. أنا كنت أقول لهم: تُحبّون أن آتي على المدرسة ومعي 10 شيقل أنا. أفهموني فقط. أنا معي 10 شيكل الآن، ليس معي نقود. أنا كيف سأعلّمكم؟ أنا لولا أنني أحب الحصة هذه ولكوني كاتب ومعجون بقصّة الكتابة والفن وأعطيكم إياها بحب لأنها حياتي هذه، لكن المدرس الثاني الذي مثلا يأتي معظمهم كي يؤدوا مهنة باردة ودون تفاعل وهكذا، هذا المعلم يأتي هكذا لأنه فقير، وينتظره أبناؤه، وعنده طلاب في الجامعة ويريد أن يصرف عليهم أو سيسافر ويوفّر الأكل. يعني أنتم تتحملّون مدرّسًا يعاني من فقر ومن مشاكل اجتماعيّة أمامكم؟ كيف سيعلمكم؟ كانوا يحكوا اه، لا يصير الحكي هذا. وكان يصير في نقاشات والمعظم كان يتضامن معنا.

 

أحمد البيقاوي: [01:24:14.92]
الآن أنت بتحكي على.. يعني تحكي على حالك لكن أنا أحس أنت استثناء أصلًا.

 

زياد خدّاش: [01:24:21.28]
اه.

 

أحمد البيقاوي: [01:24:21.70]
لكن الحالة العامّة ليست هكذا، صح؟

 

زياد خدّاش: [01:24:23.44]
طبعًا ليس هكذا. أنا أقول لك لماذا. سأحكي لك ليش؟ حلو السؤال. أسئلتك فظيعة. انا بحكي لك عن تجربتي. طبعًا قلت لك أنا أريد أن أحكي لك عن تجربتي. تجربتي تعكس الصورة العامة.

 

أحمد البيقاوي: [01:24:36.62]
لا ليست الصورّة العامة.

 

زياد خدّاش: [01:24:37.58]
ليست الصورة العامة صحيح. ممكن تعكس صورة يعني استثنائيّة. لأنه أنا يمكن أن أكون شخص جئت بطريقة معيّنة على التعليم، ويمكن لأنني كاتب وفنّان. انظر، أنا حكيت لك أحمد أنا أريد أن أنقذ حالي كنت حين جئت على التعليم. لم يكن خيار أمامي غير أن أبقى هنا. ماذا أعمل؟ حاولت أن أغيّر قليلًا هنا وهنا عارضوني كلهم. المدير كان شخصًا تقليديًا، كان يحكي لي ماذا تعمل أنت؟ ماذا كتابة إبداعية؟ لماذا تقف على الطاولة؟ ماذا يقولون؟ ما هذه الكتب؟ من هذا الضيف الذي جاء وملابسه ممزقة ورائحته كريهة؟ ومش عارف شو فنان بكون! ويحكي لهم يعني أنا لا أفهم؟! قلت له ما بك؟ أنا أنقل لهم الحياة الثقافيّة هنا لأنني الآن أمين مكتبة، ومن حقّهم أن يعرفوا الفيلم الأخير الذي عُرض في القصبة (مسرح وسينما). من حقّهم أن يعرفوا الكاتب الجديد. من حقّهم أن يعرفوا غسان زقطان. محمود درويش عن حياته أكثر. علي الخليلي. أنا أريد أن أكسر الحواجز بينهم، بين المدرسة وبين المجتمع الثقافي. ليصيروا يعرفوا لأن الطالب أحمد في المدارس فقط يعرف أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وفدوى طوقان. لا يعرف زكريا محمد. ولا يعرف عامر بدران. ولا يعرفون الكتاب المحليين، إلّا إذا أنت وجهته. وقلت له اعمل حوار مع فلان، لكن هو لوحده يجب أن يعرف. يجب أن يبحث عن كتبه. فأنا حكيت للمدير. حاولت أن أقنعه. قال لي: خلص حاول إذا أنا جاءني مثلا مساءلات وكذا.

 

زياد خدّاش: [01:26:11.72]
يعني سأضطر يعني أن أرضخ لهم لأنه ابن المؤسسة، ابن المنظومة، لكن لاحقًا ياسر القصراوي. والآن هو طبعًا ترك التعليم وصار في الوزارة، هو كان أحد أسباب نجاحي في المدرسة. هو كان متديّن التديّن الشعبي شعبوي أو شعبي بدون انتماءات. ويُحب الحياة لكن لا يعرف كيف يحبها. فأنا يعني بين قوسين كنت أحضره ع الصف ويحضر حصص. كنّا نشغل فيروز لم يكن سمع فيروز  لأسباب دينية وكذا ثم صار يحبها. ثم اكتشف أنه ليس هناك تعارض بين فيروز والدين. واكتشف أنه ليس هناك تعارض بين أن يحب قصيدة لمحمود درويش. وهو يحكي لي يقول لي: أنا يعني كانت غائبة عني الأشياء هذه. إلى أن -كي احكي لك ماذا حدث- يعني كيف تطورت الأمور بشكل أحسن صار منعطف مهم. جاءني تلفون وأنا بصف كنت أشغل فيه، وهذا الصف كان مشاغبًا جدًا. يعني أنا منزعج من المكان ومن الصف وكذا ومن الصوت. فجأة تلفون من لبنان، أحمد. واحد يقول مرحبًا أستاذ زياد، معك أنا مدير مكتب بهيّة الحريري. قلت له مين؟ قال لي: بهيّة الحريري. قلت له تفضّل. قال لي احنا حابين ندعوك على لبنان. كان يومها في واحد عامل فيلم اسمه "أساتذة متمردون"، معروض الفيلم على الفضائيات والناس يحكون عنه وهم رأوه. نريدك أن تأتي على مدارس لبنان، على مدارس الجنوب "مدارس الحريري" اسمها.

 

أحمد البيقاوي: [01:27:43.18]
بتحكي الفيلم الذي أنتجه محمد خميس. يمكن؟

 

زياد خدّاش: [01:27:45.55]
ايوة، هذا الفيلم الذي قفز فينا إلى العرب.

 

أحمد البيقاوي: [01:27:51.43]
هذا اللي طلّع فعليًا، طلّع الأستاذ كشف..

 

زياد خدّاش: [01:27:54.55]
اه يا عيني عليك. أقول له، أقول له اه تمام. أنا كنت ممنوع أسافر لأن عندي مشكلة مع الأردن، لاحقًا قمت بحلّها لأنه يجب أن أسافر. يعني ممنوع، منذ 20 سنة في البلد. مشتاق أن أسافر. ذهبت على المدير أحكي له: المدير التقليدي، أقول له ياسر. جاءتني دعوة على مدارس في بيروت، لأحكي فيها عن تجربتي في التعليم. قال لي: وأنا؟! قلت له: لا أعرف! قال لي: أنا أريد أن أسافر معك. رجعت له لأقول له: عفوًا، أريد أن أحكي معك في شيء. اسأل الست بهيّة في المكتب. إنّه مديري يرغب بالمجيء معي. قال لي: طبعًا هو أساس إبداعك وراحتك وشغلك، المدير. فانطلقنا أنا وياسر قصراوي على.. يسافر لأوّل مرّة هو، انظر للتطوّرات في حياته أيضًا. وأنا أيضًا منذ زمن، وسافرت وذهبنا هناك. عرضنا الفيلم وكان معنا محمد خميس. عرضنا الفيلم وأمام مدرّج وقاعة كبيرة جدًا هناك. في شيء غريب بلبنان أحمد، إنه معظم المعلمين بنات، يمكن كان 20 معلّم كلهم بنات لا أعرف لماذا؟ قدّمنا نموذجًا رائعًا وأسمونا "الفلسطينيون المتمردون" بشكل مضاعف. متمردون على التخلف وعلى الروتين، ومتمرّدون على الاحتلال، احترمونا بشكل، ورجعنا على فلسطين، ونحن مزهوين. الطلاب صاروا يحترموننا أكثر. المدرسين صاروا يحترمونا أكثر. الذين كانوا يسخرون منّا. وهذا موضوع آخر سأحكي لك عنه، انه ما هو موقف المدرسين منّي؟ الوزاره تبنّت الزيارة، وحكت نحن بعثنا زياد ودينا ياسر. هم ليس لهم علاقة أصلًا. بالعكس عطلوا كتاب السفر. فأنا أحكي مع بهيّة. تقول لي اسمع، سأحكي مع أبو عمار الآن ليأمر الوزير فورًا ويحضرونه! قلت لهم بهيّة نائبة في البرلمان ومسؤولة التربية هناك، ممكن تحكي مع.. شايف؟.

 

زياد خدّاش: [01:29:56.99]
وين راحت هذه؟

 

أحمد البيقاوي: [01:29:58.52]
ماذا حصل؟

 

زياد خدّاش: [01:29:58.82]
لا أعرف، انطفأت؟

 

أحمد البيقاوي: [01:29:59.78]
ما هي؟

 

زياد خدّاش: [01:30:02.93]
الشاشة.. من عندك أم من عندي؟

 

أحمد البيقاوي: [01:30:06.38]
لا أنا شايفك تمام.

 

زياد خدّاش: [01:30:09.02]
ههه طب ليش انطفأت عندي؟

 

أحمد البيقاوي: [01:30:11.33]
اللاب توب فيه شاحن؟

 

زياد خدّاش: [01:30:13.46]
مشحون هيّه، مشحون سأضعه في ابريز ثاني. لحظة شوي.

 

أحمد البيقاوي: [01:30:20.25]
لا الشاشة. الشاشة انطفأت.

 

زياد خدّاش: [01:30:22.95]
يعني سوداء.

 

أحمد البيقاوي: [01:30:36.99]
شو صار؟ هي ياسمين تُسلّم عليك.

 

زياد خدّاش: [01:30:40.23]
تعرف شو المشكلة كانت؟

 

أحمد البيقاوي: [01:30:41.85]
شو؟

 

زياد خدّاش: [01:30:43.23]
بتعرف شو المشكلة؟

 

أحمد البيقاوي: [01:30:44.55]
شو؟

 

زياد خدّاش: [01:30:45.24]
جاء الخبير يقول في شحنة كهرباء زيادة، شحنة يعني شحن زيادة. أول مرة بسمع هذا السبب.

 

أحمد البيقاوي: [01:30:55.86]
في شيء بقي ما صار في هالحلقة؟

 

زياد خدّاش: [01:31:01.32]
عجيب. هاي ياسمين تسلّم عليك

 

أحمد البيقاوي: [01:31:03.09]
كهربا زيادة. مرحبًا ياسمين. كيف حالك؟ يعطيك العافيّة.

 

ياسمين: [01:31:06.36]
أقول له ما أحلى الخلفيّة عندك، عندنا أبيض.

 

زياد خدّاش: [01:31:09.66]
اه يلا.

 

أحمد البيقاوي: [01:31:12.33]
بس والله كيف هذه الشحنة الزائدة يعني صارت يعني؟

 

زياد خدّاش: [01:31:16.25]
لا أعرف، ممكن من انفعالاتنا!

 

أحمد البيقاوي: [01:31:18.98]
بتوقع هيك والله غير أضعها لك في البرومو هذه في شحنة..

 

زياد خدّاش: [01:31:25.88]
جاهز لك. الصوت يُسجّل على فكرة.

 

أحمد البيقاوي: [01:31:29.60]
ياسمين شكرًا جزيلًا.

 

زياد خدّاش: [01:31:31.43]
ها هي غادرت. تُسلّم عليك.

 

أحمد البيقاوي: [01:31:33.56]
الله يسلمك. يعطيك العافية.

 

زياد خدّاش: [01:31:34.88]
أبعده قليلًا؟

 

أحمد البيقاوي: [01:31:36.83]
ابعده.. ابعده اه إذا صرنا نريد كي يعني... ابعده قدر الإمكان. المشكلة أنت تُبعده وتُقرّب عليه.

 

زياد خدّاش: [01:31:45.20]
طيّب اه.

 

أحمد البيقاوي: [01:31:47.33]
ايوة.

 

زياد خدّاش: [01:31:48.17]
تمام؟

 

أحمد البيقاوي: [01:31:48.92]
يعني اه هيك أروق قليلًا.

 

زياد خدّاش: [01:31:51.14]
أوك.

 

أحمد البيقاوي: [01:31:53.69]
أنا بعد بعد طلعة بيروت صار عندي فضول. أنت قلت أنّك خرجت أنت والاستاذ التقليدي الذي هو الأستاذ ياسر. حين رجع تغيّر صار يغيّر يعني كسر. كسر نمطه بالتدريس؟

 

زياد خدّاش: [01:32:04.67]
كسر نمط بشكل متطرّف لدرجة أنه تعرّض لعقوبات وأسئلة. يعني مثلا جاءت في بالي فكرة أن أسال الطلاب إذا كسرنا زجاج النافذة في الصف كسرناه من الداخل وليس من الخارج. هل كسر الزجاج من الداخل أو هل الاحتجاج من الداخل. رمزية الكسر/ الاحتجاج تشبه كسره من الخارج. فقالوا لي ماذا تفكّر؟ كانوا أصحابي يعني يعني كبار. قلت لهم أريد أن أكسر الزجاج. في نفس اللحظة جاءت فضائيّة فلسطينيّة على المدرسة تعمل شيء على المدرسة. فقال لها المدير لمراسلة "العربي الجديد" في أستاذ هنا يعمل نشاطات غريبة. قالت له أنا أحب أن أراه. قلت لها أريد أن أعمل حصّة كذا وكذا. قالت أحب أن أحضرها وصوّرتها على اليوتيوب موجودة. المهم وأنا أشرح أمسكت بحجر وكسرت الزجاج من الداخل، وصرت اسأل في الطلاب أنا يعني ما هي رمزية أن أكسره من الداخل، وماذا يختلف أن أكسره من الداخل عن شخص يكسره من الخارج. فصار نقاش طويل عريض. المهم استغربت هذه البنت (الصحافية) وصورت (المشهد) وطلع بالحلقه يعني. المدير بعدها، الآن نريد أن ندفع ثمن الزجاج يعني كيف كيف سنركّبه؟ يعني هذه المشكلة صارت. أنا ليس معي نقود وهو مفلس. فجاء الأساتذة الذين ليس كلهم طبعًا، منهم يعني شكّلوا عائق أمامي، أو كانوا من النوع الذين يحاولون إيذائي أو الإساءة لي بطريقة معيّنة أفهمهم أنا لماذا. هؤلاء ذهبوا على المدير؟ قالوا له لماذا كسر الزجاج هذا المجنون؟ لماذا فعل ذلك؟ هذا يجب أن تشتكي عليه على التربية، يجب أن تقول لهم.

 

زياد خدّاش: [01:33:51.46]
قال لهم لا لا هذه تجربة فاستغربوا! تجربة يكسر الزجاج وكذا. والطلاب كانوا متفهمين يعني او معتادين او متوقعين ماذا أعمل يعني انا. صار عندهم خيال انه انا ممكن اعمل اي شيئ. المدير استدان 300 شيكل من أخوه وأصلح الزجاج دفع المبلغ عني. هذا جزء من دفاعه عني، ومن تغطيته على الفظائع التي كنت أعملها بالمدرسة. عرفت كيف؟ غير هيك حين كان يأتي المشرفين. كان يقول لهم عندنا أستاذ مبدع. قالوا له هذا الذي يعمل شغلات غريبة! قال لهم ليست شغلات غريبة. شغلات تربوية لكن بطريقة مختلفة. كان يدافع عني. وأجري معه حوار، وكان يحكي عن تجربتي. وفي يوم من الايام. شادي حبيب الله. من الداخل. عمل فيلم عن مدرستنا. مثّل فيه المدير تمثيل، مش وثائقي. تمثيل درامي يعني. انحشر في الإدارة. أغلق الطلاب عليه الباب، ومن الشباك قدموا له مطالب. وكان هو من الشباك يقول لهم ماذا تريدون؟ يتفاوضوا يعني. وهذا الفيلم أيضًا أثار أسئلة وعمل غضب وعمل يعني احتجاج وعمل حب وعمل إعجاب كمان. يعني الذي أفعله أنا يثير الغاضبين ويثير المعجبين يعني، وهذا شي طبيعي أتصوّر.

 

أحمد البيقاوي: [01:35:11.18]
بعيدا عن الغاضبين والمعجبين. بالنسبة للطلاب أنفسهم. يعني أنا أفكر أنّ حركة مثل أن تكسر زجاج داخل الصف هي كسر روتين بشكل، كي أنت فعليا تعمل لهم صدمة. اه تصدمهم وترجع مرّة ثانية، هكذا مع حدا منتعش في فكرة ما. لكن إذا أنت تقول لي الطلاب لم يستغربوا، إذًا الطلاب اعتادوا جنونك، بالتالي لم يعد يؤدي المفروض منه. يعني الشيء الطبيعي إنّه ردّة الفعل على كسر الزجاج داخل الصف هي ردّة فعل الأساتذة.

 

زياد خدّاش: [01:35:51.14]
صحيح.

 

أحمد البيقاوي: [01:35:51.50]
متفقين؟

 

زياد خدّاش: [01:35:52.13]
اه طبعًا.

 

أحمد البيقاوي: [01:35:52.85]
إذا طلابك تبرمجوا معك على أنه أنت خلص تمام هم جالسين، هكذا في الصف وأنت قاعد تُكسّر معناها لم تعد تؤدي مهمّة.

 

زياد خدّاش: [01:36:02.63]
هم ليسوا لهذه الدرجة. أسئلتك ماكرة يا أحمد. هم ليسوا لهذه الدرجة. هم انفعلوا واستغربوا وانصدموا حين رأوا المشهد. لكن أقصد أنهم لم يتفاجأوا يعني. يعني كانوا يفهمون أنه ثمّة درس ما أو قصّة أو خلفه نقاش. يعني هكذا عودتهم، مثل قصة الهروب من المدرسة.

 

أحمد البيقاوي: [01:36:24.80]
حسنًا، عندي أيضًا استفسار. أحيانا أعتقد أنه حينما تكسر الزجاج. أريد أن آخدها كرمزية لأسلوب كسر كل الأنماط التقليدية. ينشغل الطالب بالكسر عن الفكرة بحد ذاتها. لأنه في حوار كبير الآن، في زجاج، وفي نظافة وفي حجر وفي أستاذ وفي طوشة. ومن سيدفع ثمنه، ومن سيصلحه؟

 

زياد خدّاش: [01:36:49.10]
هذه آليّتي وأسلوبي وطريقتي كي أتحمّل هذا المكان يا أحمد. لأنه أنا قلت لك: أنا لست مبرمجًا كي أعلّم.

 

أحمد البيقاوي: [01:37:02.12]
يعني هذا كله شيء يتعلق فيك أنت وليس بالطلاب.

 

زياد خدّاش: [01:37:04.01]
متعلق فيّ وفيهم. يعني أنا قلتها كثير، نحن ضحايا. أنا وإيّاهم في سجن. كيف السجناء الفلسطينيين يحاولون أن يشغلوا حالهم برسومات بأشغال يدوية بكتابة بكتب. نحن أيضًا نشغل حالنا نحن في سجن، علينا أن نتحمّله، ولا طلوع منه، في عقوبة تنتهي بعد التوجيهي، وأنا أنهيها بعد التقاعد. عرفت كيف؟ كسر الزجاج عبارة عن فعل رمزي خلفه قصة نناقشها. صح عنيف المشهد، صح غريب قليلًا. وممكن يثير كثير أسئلة. ممكن الواحد يقول لك أنت تُعلّم الطلاب العنف. أنت تُعلّم الطلاب. هؤلاء الطلاب كبار ليسوا صغار. أنا لم أذهب عندهم لأول مرّة، لديّ عشرات التجارب معهم!

 

زياد خدّاش: [01:37:47.69]
انا هارب وإيّاهم من المدرسة، والمدير حاول منعنا. المدير كان شاكك إنه في تجربة لكن منعنا عنجد وطلعنا ورا السور، وموجود على اليوتيوب الهروب من المدرسة، وزياد خداش مترجم أيضًا. وخارج السور صرنا نهتف هتافات لها علاقة بالروتين والتدجين والقولبة وبالحصار والرقابة. حين جاء المفتشون عليّ، سألهم ياسر: رأيتم فيلم زياد  للهروب؟ قالوا اه. بتعرف ماذا كان؟ هذا موضوع آخر طبعًا. عن علاقة المفتش بزياد؟ هذا موضوع جزئيه مهمة. هاي كيف كانوا يتعاملوا معي المشرفين؟ واحدة أوّل ما جاءت يعني تقول لي: اه لكن أنت لم تخف على الطلاب أن يقعوا على السور. أنتِ لم تري غير الجزئيّة هذه. الموضوع مليء بالمعاني والدلالات والاسقاطات، حتى المدير تضايق منها. أنت يجب أن ترتفعي على مستوى المعنى الخاص بالحدث. يعني ايش السور؟ السور قصير والأولاد يقفزون عنه كالقرود يعني، ولا يصير شيء، فسكتت لأنه هي أيضًا مُبرمجة على أساليب تقليدية ليس فيها ابتكار ولا اكتشاف ولا تفكير حتى. عرفت كيف؟

 

أحمد البيقاوي: [01:39:05.96]
تعذرهم أحيانًا؟ تعذر المفتشين والأساتذة الذين يسخرون منك؟

 

زياد خدّاش: [01:39:10.10]
طبعًا ليس فقط أعذرهم، أفهمهم. أقول لك شيء: أحبُّهم. انت تعرف لو مفتش يقول لي (مبدع - واو) المفتش الذي أعتبره تقليدي ولا يقرأ، إذا قال لي رائع زياد. أشك في عملي. أنا مفتوح على قضية أنني أنا فاهم أنه سيأتي ألف واحد يقول لي: ماذا تفعل؟ أنت مجنون لا يصير الحكي هذا. اقول لك في واحد من المدرسين قال ماذا يفعل زياد؟ هو يضع الطلاب على الطاولة ويرقصون، هذا هو التغيير! بعملها أنا! بحكي للمدير. قال له: روح اعملها. طيب ما بعد الرقصة؟ ماذا تحكي مع الطلاب؟ ما قبل الرقصة ماذا تحكي معهم؟ كانوا مستهترين بما أقوم به أنا لأن منظارهم للحياة، ليس فقط للتعليم منظار تقليدي وجامد. أنا مثلما حكيت أنت، يمكن أنا استثنائي قليلًا لآني قادم من عالم الفن وعالم الكتابة وعالم التأليف وعالم الأدباء ونقلته للمدرسة.

 

أحمد البيقاوي: [01:40:14.20]
لكن أيضًا يا أستاذ الذي تقوله يعني أساتذة الفن والموسيقى هم أضعف الأساتذة، يعني أنت تقدّمها وكأنه فعليًا ما ينقص الأساتذة هو البعد الفني والبعد الموسيقي والبعد الثقافي. بالرغم إنه أنا إذا أريد أن أرجع ألاقي أفضل أساتذة الفن الذين كنت.. يعني اليوم بأثر رجعي أقول: (واو) عمل جدارية كتير حلوة، لكن وقتها لم نأخذه على محمل الجدّ. أيضًا أستاذ موسيقا ثاني فعليًا مثلا كان يعني يؤدي على أكثر ويعزف على أكثر من آلة فعليًا. وعلّمنا أساسيات وهكذا، لأنه جاء وأراد أن يعلمنا الموسيقى بأساسياتها، سخرنا منه. يعني استغربنا أنه بعد ذلك أنجز ألبوم وعمل أغاني وصار مغني شعبي لفترة من الفترات وهكذا، يعني فقط أقصد بمعنى أن مدارسنا أصلا يعني والمجتمع ككل غير منفتحين على ليس فقط الأفكار غير التقليدية، إنما على كل فكرة الفنون والثقافة وغيرها التي أنت تُبرر فكرة إنه يعني وكأنه ما كان ينقصك أن تُحضر قليلًا من فن مع قليل من الثقافة على أدب وتستخدمهم، لا. يعني أعتقد في شيء مختلف!

 

زياد خدّاش: [01:41:24.64]
وضّح لي أكثر.

 

أحمد البيقاوي: [01:41:27.43]
أنت تقول لي أستاذ الفن. يعني لأنك تستخدم الفنون. تمام؟ أستاذ الفن أنت موجود. تذكّر زملاءك. أستاذ الفن هو واحد من الأساتذة الضعاف في المدرسة.

 

زياد خدّاش: [01:41:37.33]
طبعًا الأستاذ ليس له علاقة بالفن.

 

أحمد البيقاوي: [01:41:40.48]
ليس له علاقة بالفن. ليس له علاقة بالفن. يعني أقول لك. أستاذ الموسيقى. تمام..

 

زياد خدّاش: [01:41:45.58]
أستاذ الموسيقى دارس موسيقى، لكن يُدرّسها بطريقة يعني أكاديميّة بسيطة، أن يُدرّسهم كيف مثلًا النوتات، لكن لا يأخذهم على آفاق الموسيقى. فلسفة الموسيقى. لا يأخذهم.

 

أحمد البيقاوي: [01:41:57.00]
ممتاز. لكن أنت أصلا تحتاج طلاب. انت تبني معهم ABC كي توصل للمكان الذي أنت فيه. القصد أنه حتى لو جاء الأستاذ بالطريقة التي تتكلّم فيها، لن يكون الشيء سهلًا، وسلسًا.

 

زياد خدّاش: [01:42:10.47]
طبعًا.

 

أحمد البيقاوي: [01:42:10.89]
تمام؟ وأنا حتى عندي سؤال. يعني حتى وأنت قاعد بتحكي على حالك، إنّه والله الطلاب الذين خرجوا على السور وقفوا كلهم. يعني كانوا معجبين بالفكرة؟ لا.

 

زياد خدّاش: [01:42:20.43]
طبعًا هم سعداء لأنهم خرجوا من الصف.

 

أحمد البيقاوي: [01:42:22.47]
لا بتعرف لأنه إذا كل آه..

 

زياد خدّاش: [01:42:24.45]
طبعًا الخروج من الصف أثناء الدوام كان بالنسبة لنا جنّة صغيرة. طلاب بالمدرسه ونحن في الخارج بالساحة. حتى حين كنا نذهب تحت الشجر. يا الله! نحن خارج المدرسة. نحن خارج المدرسة. أنت عارف كيف؟ آه. مثلما قلت لك يعني عمليّة إنقاذ مشتركة.

 

أحمد البيقاوي: [01:42:46.05]
حسنًا، أذا أريد أن أقول اليوم أنت برأيك الأستاذ أن خطوات الدخول إلى عوالم التدريس كي أكون أستاذًا يحبني زملائي وأقوم بواجبي، والمفتش يأتي ويرضى عنّي. تعتقد أن هناك خطوات واضحة ممكن تحكي لي عنها اليوم؟

 

زياد خدّاش: [01:43:03.24]
بالطبع، دفتر التحضير الخاص بك. تكتبه يوميًا، أليس كذلك؟ تعرف كيف يحضر المعلمون الدرس ويضعون التاريخ. واليوم مثلًا الواحد والعشرون من يوليو ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين، واليوم الأربعاء تمام. وكتاب ضخم، دفتر ضخم. مرة جاء أحد المفتشين ليظهر لنا جمال التوثيق والترتيب والأرشفة والثبات. أحضر لنا دفتره الخاص بهذه السنة، وفي السنة التي تلتها كان يظهر التطابق وكيفية ترتيبها واستمتعوا على هذا الأساس. يا الله متطابق! يا الله، ما كنت أرى فيهم جميعًا. التطابق فارغ. هذا التطابق لا يبني شيئًا، ولا يطور، ولا يفجر شيئًا، ولا يكشف شيئًا. هذا التطابق، هذا ولاء مطلق، هي طاعة عمياء، هذا جنون، جمود كامل. قالوا لي: ما الحل عندك؟ يجب أن تدخل إلى الطلاب بدلًا من التحضير التقليدي. هناك صورة شهيرة لمحمد يمزق فيها دفتر التحضير بالتعاون مع المدير وتحريض من المدير لأن المدير لم يكن مقتنعًا بدفتر التحضير. معظم التقليديين من المفتشين هاجموني. بعضهم أرسل لي رسائل تشيد بما فعلته لأن دفتر التحضير أصبح هو الهدف. يأتي المفتش ويقول: هذا هو تاريخ كذا وهذه النقاط. لكن، ادخل وشاهد ماذا أفعل. جاء عليّ مفتش يومًا ما اسمه جمال، وكان تقليديًا وبسيطًا وعوالمه محدودة وبسيطة وسطحية. أعطيت حصة غريبة، أحضرت فيها شجرة. قلت: أريد أن أختبر أول مفتش يأتي كيف ينظر إلى الأشياء الجديدة أو كيف يسجلها ويقيمها. الآن في دفتر التقييم، هناك تفاعل الطلاب، أسئلة الطالب، حركة الطالب، الجو العام، نقاط يشاهدها ويضع العلامات. لقد كسرت كل هذه البنود، أحضرت الشجرة ولم أتذكر التفاصيل على المنصة.

 

زياد خدّاش: [01:45:11.17]
جزء من، من، من. بالطبع، كان درسًا عاديًا تقليديًا. درس عادي أدبي، لم تكن قصيدة، كان شيئًا عن العقاد أو المازني. حولت الموضوع إلى جزء منه مسرح، وجزء منه شعر، وجزء منه فضفضات، وجزء منه رقص. وهو كان يراقب، وكنت أقول: الله يستر، ماذا سيقول عني. كنت أعرف جيدًا، كنت أرى كيف الله يقول: زياد، أبرز التناقض داخلهم. مفتشين، يا حرام. أنا أحزن عليهم. زياد، استمتعت كثيرًا، هذا شيء جميل، هذا شيء غريب، لكن كيف أضعه في دفتر التقييم لأنك كسرت كل البنود ووزعتها. قلت له: جمال، هذا ليس وظيفتي. عليك أن تقنع المسؤول عنك بأنني أريد تجاوز البنود وأقيم بطريقتي. قال لي: لا أستطيع، يا رجل، انظر كيف وضعت هذه البنود. هذه البنود وضعت لكي ننفذها. ضع لي جيدًا وجيدًا جدًا، ممتاز بالنسبة للمدرس المبدع ممتاز لأن المدرس المبدع بالضرورة سيتجاوز الخطوط. تقاليدهم والمسطرة التي وضعوها ستتجاوز، رغم أن مضمونها سيفيد الطلاب أكثر. جمال عاد وقال لي: أريد حضور حصتك، لا أتي فقط للاستمتاع. رأيت كيف فصل بين استمتاعه وواجبه. وظيفته واستمتاعه الشخصي. إلى أن جاءت مفتشة أنقذتني وهي صديقة الآن. وعشان ما يكون الموضوع سوداويًا، أنا أقول لك إن التربية ظلمتني. التربية حاصرتني والتربية دجنت.

 

أحمد البيقاوي: [01:47:02.67]
وهيك بتحكي.

 

زياد خدّاش: [01:47:03.75]
أقول هذا، لكن هناك بقاع ضوء رائعة. سهام سلمي، مفتشة، كانت تكمل ماجستير بالقصة القصيرة وهي كاتبة، جاءت إلى مدرستي. لأول مرة رأت وقالت: ما هذا؟ أنا أقول للمعلمين أن يفعلوا ذلك، لكنها فهمت عليّ ورمت الدفتر. التقييم ترك يكمل. زياد، أنا جئت للاستمتاع. جلست وكانت طوال الوقت مبسوطة، قالت لي: أنا الآن سأخوض معركة مع مديري لأقنعه بأنه من حق المدرس المبدع أن يتجاوز الأطر التي وضعناها ما دام لا يخرج عن الآداب العامة. تعلم في أشياء أنا أيضًا أؤمن بها بأنه ليس حرًا. أنا كاملاً هناك. تعرف كيف كانت سهام واحدة من المدافعين عني عندما هاجمني بعض الناس. ياسر القصراوي، واحد من المدافعين عني، مديري. وهناك أيضًا شخص في وزارة التربية والتعليم دافع عني بقوة ودعمني اسمه بصري. صالح مثقف كبير وظلم جدًا في الوزارة. هو وجه الوزارة الحضاري، لديه نظريته وموقفه من الأشياء. يومًا ما، سأحكي لك قصة. فرنسا دعمت تطوير المنهاج الفلسطيني عبر إدخال قصائد لمحمود درويش لشعراء عرب، فذهب بصري كممثل عن وزارة التربية، وذهب غسان زقطان وشعراء آخرين إلى فرنسا لعمل ورشة عمل طويلة ووضع محددات إدخال أو تطوير المنهاج أو تطعيمه بأساليب جديدة وبأسماء جديدة. الموظفون الذين استهجنوا الموضوع قالوا: ما هذا؟! من هم هؤلاء؟! ليسوا معروفين وممكن أن الطالب لا يفهم. هذه قصيدة فيها محاذير. الوحيد الذي دافع عن إدخال الأدب إلى المنهاج بشكل حداثي كان صالح. هذا موقف من المواقف، ينسجم موقفه هذا مع دعمه لي، يعني كثير ساعدني مواقف كثيرة. في ناس ساعدوني في الوزارة. لا أقول إن كلهم حاصروني وأذوني، أنا لا أتحدث عنهم كأشخاص بل عن المنظومة. أحمد، هم ضحايا المنظومة. وزارات التربية للعرب كلها هكذا، ليس عنا فقط، لا أعرف كيف الوضع في أوروبا، لم أجرب. لكنني متأكد أن الوضع في مصر، في الأردن، نفس الشيء.

 

أحمد البيقاوي: [01:49:25.29]
أقاطعك. الذي تقوله فعليًا هو اليوم الناس تدفع مئات آلاف او عشرات الاف الدولارات خاصة في الخليج تحديدًا. على انه يبعث ابنه على مدرسه يصير اسمها مدرسة خاصة مدرسة انترناشونال. لأنها تعمل أشياء مثل تلك التي تقولها يعني تأخد مسمى ثاني. وكأنه فعليًا المدارس الحكومية تحولت الى مدارس تقليدية، نبعث الطلب عليها يتلقّن، الأب يقول للابن فعليًا اللحم لكم والعظم لنا، فعليا افرمه. تمام.

 

زياد خدّاش: [01:49:56.12]
ضوء صغير. ضوء صغير. لا يُنسى. كنت جالسًا في غرفة المعلمين. جاء ولي أمر طالب جامعي معه ابنه يريد تسجيله. ابنه معتز المطور اسمه، تخرج الآن من الجامعة، ما شاء الله، وكان يكتب أبوه ما يقوله. كانت أمه أيضًا موجودة. قال: أستاذ، سمعنا أن المدرسة هذه لديها نشاط غير منهجي. جلبنا أولادنا لهذا النشاط غير المنهجي. عدنا نهتم بهم. لديهم مبدعون؛ هذا رسام وذاك كاتب. جلست أفكر. قلت له: أبو معتز، أنا فخور بك. أنا سعيد جدًا، هذه أول مرة يأتي ولي أمر طالب ويقول لي: أنا أريد نشاطًا غير منهجي. بالعكس، قال لي: هو مثقف، قال لي: أريد لابني أن يصبح ملك الرياضيات، يعرف كلمتين مع الناس أو يعرف كيف يتذوق مسرحية أو لم يسبق له أن حضر معرض فن تشكيلي. أريد نظامًا متكاملًا. رياضيات، تمام، وعربي، تمام، وفيزياء، تمام، لكن يجب أن يكون إنسانًا في الشارع وفي الحياة. يعني يستحق تفوقه في المدارس ويعكسه على شكل حياة اجتماعية أيضًا. ففي أضواء صغيرة واجهتني بالوزارة.

 

أحمد البيقاوي: [01:51:00.03]
أستاذ، أنت فعليًا تقول لي أن أتشاءم أكثر لأن النظام التدريسي كما أعرفه ضعيف وبطيء التحديث. صحيح، من الصعب جدًا على الأساتذة مواكبة كميات التحديثات الموجودة في العوالم المختلفة. يعني، بلاش نتحدث عن الشات اليوم والذكاء الاصطناعي والحديث. سأحكي مثلًا عن مستوى شكل السوشال ميديا، التواصل الاجتماعي، كيف غيّرت طبيعة العلاقات مع بعض أشكال التواصل وغيرها. فإذا فعليًا بقيت محافظًا على هذه المنظومة تسير بشكلها البطيء، فإن التحديث التقليدي سيحدث الفجوة التي ربما تحدثنا عنها في بداية الحوار. هي ليست فجوة، إنها ستصبح حيث كل شخص يدور كل شخص بحاله، في النهاية يتحدث مع نفسه، والطلاب فعليًا يأتون لأداء مهمة.

 

زياد خدّاش: [01:51:49.72]
بتحب احكي لك عن موقف المعلمين مني حين بدأت اشتغل الشغل الغريب؟

 

أحمد البيقاوي: [01:51:54.04]
بحب طبعًا.

 

زياد خدّاش: [01:51:55.09]
تمام. أنا في الصف السادس.

 

أحمد البيقاوي: [01:51:58.06]
لكن أنت لماذا تحب أن تحكي لي عن هذا الموقف؟!

 

زياد خدّاش: [01:52:00.64]
زياد خدّاش: لأنه كان أحد الأسباب التي كانت منعطفًا، وهو الوحيد الذي جعل ياسر القصراوي يقتنع في الموقف الأول. بالإضافة إلى سيدة كانت موجودة بالصدفة من الداخل، جاءت. كانت الانتفاضة الثانية مشتعلة، عربية. أنا لا أحب ذكر اسمها، وهي واحدة من الذين دعموني، ليس فقط كذلك، بل شجعوا المدير الذي يدعمني. أدرس قصيدة تقدمه لسميح القاسم في الصف السادس. أعرف سميح القاسم، أبو محمد، لدي رقمه. كان لدي موتورولا، أذكر زمان الهاتف الموتورولا. طويل. فتحدثت للطلاب. هل تحبون أن تحكموا بمحمد؟ قالوا: من؟ سميح القاسم. قلت: تعرفونه؟ قلت: نعم، اتصلت بأبو محمد. محمد قال: أهلًا زياد. قلت: أدرس طلابي تقدمه. قال: ممتاز. فصاروا يسألونه أسئلة حول بعض المعاني وبعض الكلمات وأجابهم. فجأة دخل مدرس جلب شيئًا ليوقعها ودفتر الحضور والغياب. قلت له: يا زميل، ماذا بها؟ كل شيء ممنوع. قلت له: نحن نتحدث مع سميح القاسم. قال: أنت تتحدث مع درزي. قلت له: ما لك يا رجل، ما هذا الحديث الفارغ؟ الطلاب انتبهوا، الطلاب يعرفون ما معنى درزي، يعرفون هذه العوالم. خفت على الطلاب. قلت: ما درزي؟ هذا رفض الخدمة، وشاعر مقاومة معروف وفلسطيني. هذا كان درزيًا. قلت له: كما في الدروز هناك ناس سيئون. لديك في شعبك ناس سيئون. وكل أصدقائي دروز. رفضوا الخدمة، شيوعيون، مقاومون، أبطال، وكتاب. لم يقتنع. قال لي: أريد أن أتحدث. تحدث للمدير. نزلت معه. تركت الطلاب وذهبت إلى المدير. كان لديه عربية منصور، جاءت إلى المدرسة لتقوم بعمليات تفريغ للمعلمين بسبب ظروف الانتفاضة الثانية، الحصار، والاختناق. نصرخ ونتحدث ونفضفض. انتهينا من الورشة الصباح.

 

أحمد البيقاوي: [01:54:06.20]
48 من وين؟

 

زياد خدّاش: [01:54:08.12]
من الطيرة.

 

أحمد البيقاوي: [01:54:10.43]
يعني هي قادمة بمبادرة فردية أم مؤسسات.

 

زياد خدّاش: [01:54:12.98]
كانت مؤسسة، كما أعتقد، كمؤسسة في رام الله. تشتغل فيها تفريع المدارس وتقوم بورشات تفريغ نفسية. كانت ترتاح بعد انتهائها من الورشة حتى اصطدمت معها. هذا يعني كان يسألها أسئلة غريبة. قلت: أستاذ ياسر، هذا دخل علي الصف وقال لي: أنت فعلت كذا وكذا. وقال لي: لماذا تحمل الهاتف وتتحدث مع درزي عن سميح القاسم؟ انتبهت عربية منصور سكتت، لم تقل لي: لماذا تحمل الهاتف؟ هذا ياسر الذي صار صديقي لاحقًا، كان يدعمني، ولحد الآن صديقي. قلت له: أتحدث مع سميح القاسم. قال: الشاعر؟ قلت: نعم. لم يعرف كيف يرد، لم يعرف هل هو صحيح أو غلط. كان مديرًا جديدًا. فتقول له: أستاذ ياسر، لديك مدرس استغل علاقته مع شاعر عربي كبير ليعلم، ليسمع صوته لطلابه، وأنت لا تعرف كيف ترد عليه. هذا كنز لديك، لا تتركه. هذا تعليم غير تقليدي. الشعر الذي يقرؤونه الطلاب، يسمعون صوته فورًا. ليس هذا فقط، بل يوجهون له أسئلة، كأننا عملنا ندوة. الله وراك ساكت، فالمدير تشجع وعرف ما معنى سميح، ومعنى تعليم قصيدته وصوته في الصف يظهر. كان المدير روحًا، جلست عربية، وياسر في ذلك الوقت، قالت له: ستكون مجرمًا إذا تخلّيت عن هذا المدرس. ومن يومها، ياسر مؤمن بي. ومن يومها، وهو يتابع تطوري وشغلي وكذا. وإذا تجاوزت قليلاً، يدافع عني. تعرف كيف؟ إذا فعلت شيئًا مبهرًا، يظهر تضامنه معي أمام الطلاب. يقول لهم: لديكم كاتب في المدرسة. يجب عليكم الاهتمام به وحبه.

 

أحمد البيقاوي: [01:56:05.18]
غالبية المدرسين اليوم في 2024 -2025 من نمطك ونمط الأستاذ ياسر أو نمط الاستاذ الذي لا تريد أن تحكي اسمه؟

 

زياد خدّاش: [01:56:18.35]
هناك معلمون مثلي، أعرفهم، يقولون الحقيقة ويقومون بنشاطات رائعة، زرتهم. ما هي مشكلتهم؟ الانتشار. ليسوا كتابًا، ولا صحفيين، ولا لديهم علاقات واسعة مع العالم الفني. موجودون في قرية معينة. هناك شخص في طولكرم، دلّتني عليه فتاة، قالت لي: تعالَ، انظر ماذا يفعل. أقسم بالله، يفعل أفضل مني. لماذا ليس معروفًا؟ قال لي: لا أعرف، أضع ما أفعله على وسائل التواصل الاجتماعي مثلك. الوزارة تقول لي: الوزارة حائرة، مرة يقولون لي: ما هذا؟ مرة يقولون لي: تمام. أتذكر اسمه. أعتقد أن اسمه أحمد. أظنه من طولكرم. يجري من جنين، من جنين، من جنين. معلم. حتى في الأخير، ترك لأنه لم يستطع استيعاب النظام أو المنظومة. وآخرون في مدارس أخرى، كنت أذهب أشجعهم، وأحيانًا أتعلم منهم. لكن الأضواء ليست مسلّطة عليهم. لماذا سلطتها عليهم؟ كنت أنشر أولاً كل ما أفعله على صفحتي. كان الناس يرونها. وحتى الصحفيين يأتون لإجراء مقابلات معي عليها. ليس هذا فقط. كان شيئًا جميلًا يحدث أن يأتي الناس من...

 

أحمد البيقاوي: [01:57:36.86]
ما هي نسبتهم هؤلاء مرّة ثانية. الآن يعني بالمشهد العام الذي نحكي عنه؟

 

زياد خدّاش: [01:57:42.92]
قليل قليل الآن هم يكونون مثقفين وقرّاء.

 

أحمد البيقاوي: [01:57:48.02]
نحن يعني اليوم اليوم. فقط أنا عم أصل لواحد من أسباب تأخر التعليم بفلسطين في السنين الأخيرة. وبقدر أفهم لماذا صار هناك مدارس خاصّة في الضفة، رغم عدم حاجتنا للمدارس الخاصة. يعني بعتقد ممن كان ثاني لكن إنّه هي فقط تُقدّم أو تُحضر أستاذ هارب من المدرسة الحكوميّة أو تقول له اعمل لك شغلة، اعمل لك شغلة حلوة.

 

زياد خدّاش: [01:58:10.91]
احمد. المدرسين العربي معظمهم هذا الحكي أحكيه بجرأة، رغم أنه خطير. بجيب 50 بالتوجيهي او 60 ما بروح (يدرس) إلّا عربي. وبتكون علاقته مع القصيدة أو مع الشعر ولا يكون قارئ، وعلاقته مع القصيدة ومع الشاعر. باهتة جدًا. ليس فيها شغف. ليس فيها حب. لا يكون قارئًا كما يجب. تخيّل خطورة أن هذا يأتي ليُدرّس قصيدة لمحمود درويش أو المتنبي أو حافظ البرغوثي أو حافظ.

 

أحمد البيقاوي: [01:58:36.98]
يكون فيه فقط طالب بالصف. بعرف من عائلة مثلًا تعرف عائلة تعرف قصه درويش. أو تعرف هذا.. لا يعود هناك مكانة للأستاذ يعني.. مطلقًا

 

زياد خدّاش: [01:58:47.15]
زياد خدّاش: كانوا ينكشفون. كنت أسألهم أسئلة، يعرفون فلانًا؟ لا. كيف تدرّس القصيدة؟ يعني لا أفهم هذا الكلام. ونسبتك عالية للأسف. عرفت كيف؟ والمدرس الذي يفتح الباب وأنا منخرط في عمل غريب أو نشاط رائع مثل الرقص والنقاش، يفتح الباب ويطلق عبارة أمام المدرس وأمام الطلاب. هذه العبارة أمام الطلاب. الطلاب كانوا يضحكون عليها في لحظتها. تتذكر المدرس الذي دخل عليك يومًا وقال لك: يا رجل، اذهب وتزوج أفضل لك. قلت: أتذكر، حسن. أتذكر الأستاذ الذي قال لك ذلك. يومها ضحكنا، لم نفهم ماذا قصد. واستغربنا أنك لست متزوجًا يومها. بعد ذلك، عندما كبر وصار في الجامعة وتخرج، قال لي: عرفت ما معنى أن يقوم الشخص بعمل إبداعي يخالف ما يحدث في المدرسة. لأنك كنت مختلفًا، والمختلف دائمًا يخيف أو يثير الحيرة.

 

أحمد البيقاوي: [01:59:58.72]
بين الأساتذة مين الاستاذ المحبوب الأكثر والذي يعني بالضرورة أو بالنتيجة يكون محبوب للطلاب. يعني مكانةً يعني هيك بتعرف إنه يمكن أنت يُحبونك. يعني قريب منهم.

 

زياد خدّاش: [02:00:14.74]
بجوز لأسباب أخرى.

 

أحمد البيقاوي: [02:00:16.12]
آه، لأسباب أخرى. لكن أنت فعليًا لست الأستاذ التقليدي أو الأستاذ الذي على المعايير. فأنت فئة على جانب. لك ماذا يكون بروفايل الشخص الأستاذ الذي عنده مكانة اجتماعية وعنده وضع وعنده وضع سياسي وكذا يجعل لطلاب سعيدين به، والأساتذة لا يفتحون الباب عليه وهو يُدرِّس؟

 

زياد خدّاش: [02:00:39.66]
الرياضة. الموسيقى.

 

أحمد البيقاوي: [02:00:43.53]
كيف الرياضة والموسيقى يعني؟

 

زياد خدّاش: [02:00:45.12]
الرياضة، مدرّس الرياضة، يعني دائمًا قريب من الطلاب وهكذا. مدرّس الموسيقى يأخذهم على قاعة وعزف وغناء. هذا أيضًا ممكن أن يكون قريبًا منهم بغض النظر عمّا يفعل يعني أو مستواه أو تأثير العرض الذي يُقدّمه للطلاب. لكن في أحيانًا أريد أن أقول لك شيئًا كي نكون عادلين.

 

أحمد البيقاوي: [02:01:05.97]
من ناحية ثانية. من ناحيه ثانية، الأستاذ بروفايله يجب أن يكون الأستاذ محافظ؟ يلبس كذا؟ يعمل كذا؟ ابن عائلة كذا؟ من تنظيم كذا؟ على علاقة مع كذا؟ عنده سوشل ميديا أم ليس عنده؟ أريد أن أفهم اليوم التحديثات. اعمل لي تحديث فعليًا للأستاذ الذي عنده مكانة الأستاذ في المدرسة.

 

زياد خدّاش: [02:01:26.81]
زياد خدّاش: أسئلتك جديدة وغريبة، فما عمري سألتها هكذا. الأستاذ الذي مسؤول في فصيل أو معروف عنه أنه يعمل في المكان الفلاني في الجهاز الفلاني، هذا 100% قوي، والطلاب حوله وكذا، لا أعلم ماذا. الأستاذ المرشد هو القوي بعيدًا عن. هناك مدرسون مريحون، دمهم خفيف وأقوياء وأذكياء يعرفون كيف يكسبون حب الطلاب. كيف يؤدون واجبهم بطريقة هادئة. يركزون كثيرًا على الجلوس، يمزحون معهم كثيرًا. تحدث حالات مثل هذه كيف؟ وهناك شيء آخر. أين يسكن وعلاقته مع أهالي الطلاب. يعني إذا كان يسكن في الحارة، إذا كان يسكن في البيت. هذا كل الطلاب بالبيرق وعلاقته مع آبائهم وعلاقته مع خالهم وعلاقته وشغله يتقاطع مع أقاربهم. بالتأكيد يكون شخصًا يعني نوعًا من الاحترام يعني.

 

أحمد البيقاوي: [02:02:41.02]
يعني إذا جاء أستاذ من الخارج فعليًا. يعني من من خارج البلد.

 

زياد خدّاش: [02:02:45.76]
"أكل هوا"

 

أحمد البيقاوي: [02:02:46.24]
مش معروف "أكل هوا"

 

زياد خدّاش: [02:02:47.95]
أكل هوا، يأتون من طولكرم ومن جنين ونابلس وجدد، طبعًا يكون أول مرّة يُدرّس. والآن أحكي لك في أوّل مرّة دخلت فيها صف أنا ماذا صار معي؟ بالضبط مثلما يحدث مع (المعلمين) الذين يأتون من الشمال. أنا ليس عندي تجربه في التعليم. 50 واحد صوت عالي، شغب. لا أعرف ماذا أفعل. كيف أسيطر عليهم؟ بعد ذلك خرجت على المدير قلت له  لا أعرف كيف أضبط؟ قال لي ماذا أفعل لك يا أستاذ؟ هذه مهمّتك. هل عليّ أن أذهب على كل الصفوف؟ يعني أنتبه للمدرسين الجدد؟! كانت سنة أولى وكثر نحن (المعلمون) الجدد.

 

أحمد البيقاوي: [02:03:26.46]
أي سنة هذا؟

 

زياد خدّاش: [02:03:28.47]
هذا الحكي. اه. انا أقول لك اي سنة. 99 او 98 في قرية ما، تمام. الآن أنا كنت أسمع عن مُدرّس مصري عامل شغلة إنه يأخذ شكل مهرّج أمام الطلاب كي يضحكهم. لكن هذه إذا زادت عن حدّها تُدمّر الهيبة، ويتحول لواحد اراجوز يعني يستهزئون به. ففكرت. قلت أريد أن أفعل شيئًا سريعًا، بسرعة بسرعة فكّرت.. اه في البداية حكيت لهم قصّة ومثلت فيها صوت الحيوانات، كانوا صغار يعني وطلع صوت الحيوانات..

 

زياد خدّاش: [02:04:11.01]
مرحبًا يا سيدي. قال الفأر يا سيدي أنا أشعر بجوع شديد. أرجوك لا تقتلني. أنا فأرٌ جميل.

 

زياد خدّاش: [02:04:20.06]
وقتها. أصنام هكذا. ما هكذا. طلاب صغار. قصص. القصة تجمدهم. القصة تجعلهم. يعني ينسون أين هم. القصة تدخلهم في أنفسهم. ففرحت قليلاً أنهم كانوا كمل أستاذ. قلت لهم: أواصل بعد ذلك. ولكن هناك شيء أريد أن أخبركم به. وجاءت الفكرة. كنت أسمع وأخرج تمام. وأجيء وأقول لكم حرية. بعد ذلك، بعد أن أقول: حرية. ماذا تفعلون؟ تغنون الأغنية. هذه. هوب، هوب، هوب، هوب، هوب، هوب. حرية. كيف أنت هكذا. هيا أستاذ، هيا أستاذ. أريد أن أكسبهم الآن قبل أن أعلّمهم، قبل أن أعلّمهم أي شيء. يعني أريد أولاً أن أجعلهم يحترمونني في نفس الوقت يحبونني. أريد أيضًا أن يحبوني، أكون مثلهم. خرجت ودخلت بكل حرية. بديل عن صباح الخير. لهم كان في فوضى، أليس كذلك؟ كل واحد صار يطبق بشكل منتظم. أنا أقول: حرية، وأنت تفعل هكذا حب، حب، حرية. المرة الثانية أيضًا لم تنجح. المرة الثالثة كان مشهدًا رائعًا. جاء الأساس الثاني وجاء المدير، كان بجانبي. قال لي: ما الأمر؟ قلت له: أحاول أن أكسبهم. قال لي: اذهب واكسبهم، اذهب، أدّهم بطريقتك. أحاول أن أهديهم. قال لي: لكن الصوت عالي. كان مديرًا ثانيًا. قلت له: ما الصوت العالي يا رجل، دعني فقط أكسبهم. بعد ذلك أفكر كيف يكون الصوت منخفضًا وأغلق الباب كله. طيب، هيا، يضحكون. الأساتذة. ما هذا؟ من هذا؟ من أين جاء؟ ماذا يفعل؟ حرية، مرة أخرى. قضيت الحصة كلها أدربهم على كيف يكون الإيقاع منتظمًا. بعد ذلك، ماذا قلت لهم. قلت لهم: الحصة القادمة آتي وأقول لكم حرية. كرروا اللازمة هذه والتطبيل ثلاث مرات. بعدها نبدأ الدرس. وإذا توافق، أذهب إلى الشعبة الثانية وأفعلها. كان الأستاذ انتهى. فكرت أن هذه محاولة ناجحة جزئيًا أن أهديهم وأنتقل للدرس كلما دخلت عليهم. حرية، حب، حب، حرية وتطبيق. هذه الشعبة الثانية غارات عملتها عندهم. هذه ساعدتني في أن أضع قدمي في المكان المناسب، المكان الأول. يعني لا يزال هناك خطوات أخرى، فصاروا أصدقائي، شيئًا فشيئًا. بالطبع، لم ينجح الموضوع بشكل كامل. لكن بشكل عام صاروا يصغون لي. وكلما شاغب واحد أو أحدث فوضى أقول لهم: لا يوجد غدًا حرية، كله انتهى تمامًا، وهكذا. هكذا، بداية المعلم الذي يفكر ماذا يفعل. ربما الذي ساعدني على ذلك، أحمد، كوني كاتبًا، ليس شخصًا، يعني ليس له علاقة بالكتابة ولا بالفن. ماذا يفعل؟ الكثير من المعلمين يتركون التدريس بسبب شغب الطلاب. يتركون المدرسة، لا يكملون معهم. يتعرضون للتنمر.

 

أحمد البيقاوي: [02:07:42.66]
دراسات ابحاث معلومات مصادر.. مستوى الشغب عند الطلاب في المدارس الفلسطينية بذات يعني ضمن متوسط الشغب في المدارس العربيه عمومًا؟

 

زياد خدّاش: [02:07:57.12]
أتوقع نفس الشيء. أنا أعرف بعمّان بصير مشاكل كثير خاصة المدارس الثانوية. مشاكل كثيرة وطوش وتنمر وقتل وحالات قتل واستدعاء الشرطة. يعني أحيانًا تأتي الشرطة على المدرسة تفض خلاف بين مدرّس وطالب او بين مدير ومدرّس. لكنّها قليلة، أحسّها في العالم العربي اكثر. لا أعرف لماذا.

 

أحمد البيقاوي: [02:08:19.64]
أنا يصلني انطباع منك أن من الأفضل فعليًا إنه نحن وبدل أن نجتهد بأن نغيّر سلك التدريس وسلك التعليم انه فقط نعطيه حجمه اليوم. لأنه نحن في نظام من الصعب تغييره. من الصعب إصلاحه. من الصعب أن يواكب حاجة الطلاب. فبالتالي هالة أو مسميات مثل صانع تغيير مجتمعي، وصانع التغيير، ومربي الاجيال، والحديث هذا يمكن يجب أن نتواضع فيه بالمرحلة هذه.

 

زياد خدّاش: [02:08:49.04]
بالطبع، يعني أريد أن أخبرك شيئًا يا أحمد. الخراب في المدارس له علاقة بالخراب العام. نحن ليس لدينا دولة حقيقية. بعد ذلك، معظم الموظفين الذين يعملون في الدولة هذه، خصوصًا في وزارة التربية وفي المناهج. إذا كنت تسألني عن من يضع المناهج، وهذا موضوع آخر. يعني أتخيل أن الذي يضع المنهاج يجب أن يشارك فيه. يجب أن يكون شخصًا مثل قديس، واحد يختلط بالبشر، واحد له تاريخ عظيم من النزاهة والجمال والثقافة. هكذا أتخيل. أراهم لا يقرأون. يمكن، بطريقة معينة، أن يكون هناك نوع من المساومات، نوع من التنازل، نوع من العشوائية، نوع من التخبيص. أعرف كيف، لا أتحدث عن كلهم. يمكن أن يكون لديهم نوايا حسنة ويحاولون. لكن المنظومة كلها لم تسمح لهم بأن يجتهدوا ويبدعوا.

 

أحمد البيقاوي: [02:09:54.44]
لكن ارجع لي انت رحت لمكان ثاني. انت مع فعليا انه تخفيف يعني بدل مطالبة النظام ومطالبة المدرسين بالارتقاء لمستوى المسميات التي اعتدنا تسمية المدرسين فيها إلى محل أن نعفيهم من هذا الثقل الكبير الموجود، لأنّ من الصعب عليهم.. من الصعب على الأستاذ أن يكون صانع تغيير اليوم بـ2024 بهذا النظام بالواقع الذي نعيشه.

 

زياد خدّاش: [02:10:22.73]
بالطبع، المواضيع كلها مرتبطة ببعضها. لا أتوقع من المدرس أن يكون كما قلت، أي أنه يصنع تغييرًا شاملًا. هو يصنع تغييرًا في بيئته في صفه. بالنسبة لي، أنا سبب التغيير. قلت لك أنا سبب التغيير لأنه إذا لم أكن، كنت سأموت قهرًا في المدرسة. هذا المكان الثقيل ومسؤولية الطلاب تجاهي. يعني، أنا أيضًا شعرت بمسؤولية. كنت في أحد الصفوف، أنام في البداية. إلا أن طالبًا سألني سؤالًا أيقظني بقوله: أستاذ، لماذا لا يوجد فصل خامس في الحياة؟ لماذا هناك فقط أربعة فصول؟ قلت له: من قال لك هذا السؤال؟ قال لي: أنا لحالي. قلت له: ما اسمك؟ قال لي: أنا زاهر، وهو الآن مهندس ومتزوج ولديه أولاد. شعرت بالإحراج. يعني هذا سؤال مهم. كيف أنا نائم، وهناك عبقري يسأل سؤالًا رائعًا؟ قلت لهم: اكتبوا عن الشتاء. صف ثاني نائم، يعني قلت لهم اكتبوا موضوعًا. أعطيتكم موضوعًا تقليديًا يعطيه كل المدرسين. نمت ونمت. ليس نمت هكذا، شبه نائم. البداية كانت مروعة لي وكنت أفكر في الخروج، لكن كما قلت، ترددت، لا يوجد بديل. ثم سألني هذا السؤال. استيقظت. عيب عليك، ماذا تفعل؟ شخص يسألك سؤالًا، يجب أن تجيبه، يجب أن تعممه. قلت لهم: شباب، معًا، لماذا لا يوجد في الحياة فصل خامس؟ وما هو الفصل الخامس الذي تحبونه؟ ربيع، صيف، خريف، شتاء. نريد أن نخلق فصلًا خامسًا. وكتبوا كتابات. لن أقول لك إنها عبقرية ومبالغة، لكنني تفاجأت بها لأنها أكبر من مستواهم. فصرت أشعر بمسؤولية مضاعفة. بدأت طريقتي في التدريس أيام ما كنت أدرس بشكل تقليدي. مهارات، قواعد، إملاء، قصيدة سميح القاسم. أحببت أن أتحمل المسؤولية أكثر في تعليمها وعلمتها بالطريقة هذه. يعني بصوت سميح، الطلاب حتى الآن يقولون لي: أستاذ، تتذكر عندما جعلتنا نتحدث مع سميح القاسم؟ نحن لم نكن نعرفه جيدًا، لكنه تبين أنه شاعر كبير. قلت لهم: بالطبع.

 

أحمد البيقاوي: [02:12:57.02]
أستاذ زياد ماذا يحدث مع الأساتذة بعد التقاعد؟.

 

زياد خدّاش: [02:13:01.27]
هههه حسب. حسب الأستاذ.

 

أحمد البيقاوي: [02:13:08.05]
طيب ينفع أن لا تجاوب عن حالك الآن؟ بعدين..

 

زياد خدّاش: [02:13:09.94]
لن أجيب، لأن إجابتي مختلفة يعني.

 

أحمد البيقاوي: [02:13:12.43]
اه تمام أرجوك.

 

زياد خدّاش: [02:13:14.83]
ههه أنا متأكد. إمّا يذهب على "إسرائيل" يشتغل عامل. أو يعني يفتح له دكانة. طبعًا هو أكيد سيشتغل لأنه لن يكفيه الراتب التقاعدي. شايف كيف؟ يعني.

 

أحمد البيقاوي: [02:13:25.00]
الراتب التقاعدي كم يعني؟

 

زياد خدّاش: [02:13:27.31]
يعني 3000 - 3500 - 3400 حسب السنوات يعني. لكن أنا بالنسبة لي 3900 - 4000 يعني.

 

أحمد البيقاوي: [02:13:34.66]
900 دولار ألف دولار يعني!

 

زياد خدّاش: [02:13:36.55]
لا بالشيكل.

 

أحمد البيقاوي: [02:13:37.63]
اه فاهم، 900 دولار 1000 دولار يعني.

 

زياد خدّاش: [02:13:39.82]
اه تقريبًا.

 

زياد خدّاش: [02:13:40.45]
لأنني قضيت ستين سنة، تقاعدت بشكل رسمي يعني. لكن هناك من يتقاعد مبكرًا حسب السنوات. إذا أولاده يشتغلون، يقعد في الدار. ماذا يفعل؟ لا شيء. أنا أحكي لك عن الرجل الذي ليس في حياته كتب، ولا سفر، ولا رغبة بالاستمتاع، وهذا ليس إدانة له. هو لم يعش في ظروف تشجّعه أن يعيش الحياة.

 

أحمد البيقاوي: [02:14:02.53]
لا، يمكن لا يعرفها ولا يكتشفها يعني.

 

زياد خدّاش: [02:14:04.60]
هو لم يكتشفها لأن البيئة لم تعرّفه عليها. لم يكن.. عاش في بيئة يعني قاحلة وبخيلة. لكن أنا محظوظ كنت. أنا ابن ابن مُدرّس شاعر كان. وبعد ذلك أصحابي الأدباء والكتاب حولي دائمًا والعرب أيضًا. لاحقًا اشتغلت بالصحافة الثقافية وأقرأ كثيرًا وأسمع موسيقى. أشاهد أفلام عُجنت بالعالم الفني، تجربتي مختلفة. تجربتي لا أقدر أن أعكسها على الآخرين. وأنا ليس لأني عبقري أو لأني مجتهد. بيئتي كانت هي كثير أخرجتني، وتورطت في نفس الوقت بالتدريس المناقض، مكان للجمود والثبات. وعالم الكتابة مكان للانفتاح والمرونة والأسئلة وهكذا. عرفت كيف؟ يعني فعلًا أنا أراهم. عندهم نقابة اسمها نقابة المتقاعدين. أنا أراهم يصعدون للأعلى. في صديق لي مهندس فاتح أمامهم يعني مكتبه، أراهم جالسين يتحدثون في السياسة وأيام المدارس. والغريب أن معظم حديثهم ذكرياتهم على أيام المدارس. تتذكر الموجّه (التربوي) الذي جاء وعمل هكذا؟! تتذكر حين الطالب الفلاني صرخ علينا؟ تتذكر حين كذا؟ يعني لا ينسون أيام المدرسة أو ما تزال تسكنهم لسبب واحد، لأن عالمهم يعني محدود، أحمد. عرفت كيف؟ أنا آسف أنني أتحدّث هكذا، وأظهر وكأنني أدينهم، لكن أنا أحكي عن هذا الرجل الذي عالمه محدود. كان بإمكانه وأنا متأكد عنده قدرات هائلة. لكن أحدًا لم ينبشها، ولم يكوّنها، بيئته فقيرة.

 

أحمد البيقاوي: [02:15:42.15]
عنده. يبقى له أي مكانة اجتماعيّة؟

 

زياد خدّاش: [02:15:44.67]
نهائيًا. بعد التقاعد يتحوّل شخص واحد يقول له: هذا متقاعد، يُعرّف عليه: "متقاعد". أنا الحمد لله محظوظ فيها قليلًا، كانوا الناس يسلموا عليّ: زياد مبروك، مبروك التقاعد، الحمد لله. لا أحد قال لي: ييي تقاعدت؟ أين ستذهب، ماذا ستفعل؟ كيف ستصير حياتك؟ حكاها لي واحد وهربت من أمامه، يعني تجاهلته. لكن الكل: أبو الزوز الف مبروك التقاعد. الآن حياة جديدة، لانهم عارفين أنّ الوظيفة تخنقني. وعارفين إنّه أنا لي حياة أخرى. حياة الكتابة والنشر والقصص والمسرح والدراما. يعني في بديل قوي رجعت له انا بكامل صفائي. يعني رغم أنّ العالم التعليمي أو المدارس، عالم المدارس والعالم الذي أنا أسمّيه تقليدي جامد، أفادني جدًا وأضاف لي. على الأقل صنع لي تحدي.

 

أحمد البيقاوي: [02:16:43.16]
أنت تعرف نحن لا نلاقي سببًا لأن يكون الشّخص مدرِّسًا..

 

زياد خدّاش: [02:16:47.24]
طبعًا.

 

أحمد البيقاوي: [02:16:47.84]
في 2024 - 2025.

 

زياد خدّاش: [02:16:50.47]
طبعًا مئة في المئة.

 

أحمد البيقاوي: [02:16:53.44]
أنا لا أعرف صراحة، يعني يعني أنا مع الوزارة/ المفتّشين الأجهزة. يعني أيّ حدّ فعليًا ممن يفرض سلطته في البلد، المفروض يتعاطى معك. يعني بشكل آخر. يمكن هذه المادّة هيك مادة مرتّب فيها كل أفكارك عن الموضوع يعني، ابتداءً من حين كنت تنام للمرحلة التي فيها يعني تحارب المتقاعدين.

 

زياد خدّاش: [02:17:13.96]
أيوة تمامًا.

 

أحمد البيقاوي: [02:17:17.71]
يعطيك ألف عافية. أنا بالعادة أترك يعني الحيّز الأخير، مساحة مفتوحة لكلّ ضيف.

 

زياد خدّاش: [02:17:27.22]
اه اه.

 

أحمد البيقاوي: [02:17:28.69]
عندي سؤال في النهاية، أنت قدمك تظلّ تهتزّ دائمًا؟

 

زياد خدّاش: [02:17:34.93]
اه، أنت سامع الاهتزاز؟

 

أحمد البيقاوي: [02:17:37.03]
أنا مش سامع الاهتزاز، نحن نراه.

 

زياد خدّاش: [02:17:40.15]
رجلي تحت يا زلمة!

 

أحمد البيقاوي: [02:17:41.47]
صح، لكن الشاشة تهتزّ طول الوقت! هههه

 

زياد خدّاش: [02:17:46.12]
على فكرة ليس توتّرًا. أنا هكذا.

 

أحمد البيقاوي: [02:17:48.69]
تمام ههه لكن..

 

زياد خدّاش: [02:17:50.46]
أنا متماسك.

 

أحمد البيقاوي: [02:17:51.45]
لا لا لكن هذا كان يجب أن نفسّره لأن هذا لن يتعدل بالمونتاج. يعني مش راح ينعمل. راح تضل هيك الشاشه تهتزّ يعني، وهي تعبّر عنك.

 

زياد خدّاش: [02:18:00.42]
على فكرة انت بتحكي.. انت بتحكي للمشاهدين كي تُبرّر ارتجاج الشاشة.

 

أحمد البيقاوي: [02:18:04.77]
اه تمام أوك.

 

زياد خدّاش: [02:18:05.82]
أنه ليس سببًا تقنيًا يعني.

 

أحمد البيقاوي: [02:18:07.08]
لا وشحنة الكهرباء الزائدة هذه، ماذا سأقول لهم عنها؟!

 

زياد خدّاش: [02:18:12.36]
بدي أحكي شيء أخير.

 

أحمد البيقاوي: [02:18:14.25]
تفضّل براحتك. خذ راحتك.

 

زياد خدّاش: [02:18:18.69]
أنا كثير سعيد من حالي أنني استطعت أن أنقذ حالي، يعني وأريد أن أشكر الأدب والفنّ لأنه ساعدني وساندني في أن أنقذ حالي. وكثير فخور بأنّي خرّجت أجيالًا يلاقوني في الشوارع ويقولون لي: شكرًا. في الجامعات، في بيرزيت ومنهم من يتخرّج من الخارج ماجستير ويأتي، ويذكرّونني بأشياء وحوادث يعني أنا نسيتها. شايف كيف؟ بالمجمل هذه التجربة أنا دخلتها مقهور، غاضب، متردد، حزين. وخرجت منها يعني فخور بحالي، وأحسّ بالرضا النسبي عن الذي قدّمته لهذه الأجيال أو هذه الصفوف التي علّمتها. وهذه هي.

 

أحمد البيقاوي: [02:19:16.44]
يعطيك ألف عافية. شكرًا جزيلًا. أشكرك. شكرًا على هذا الحوار. وشكرًا يعني على هذا الانفتاح.

 

زياد خدّاش: [02:19:25.41]
أنا لا أقدر يعني إلّا أن أكون يعني هيك طبيعي بدون مصطلحات فلسفية ولا فذلكة ولا شيئ. أنا كنت أمامك وكأني جالس معك في قهوة، وندردش.

 

أحمد البيقاوي: [02:19:35.97]
وأتمنّى فعليًا يعني كمان تكون استمتعت أنت من مكان ثاني.

 

زياد خدّاش: [02:19:42.30]
جدًا. أسئلتك، أسئلتك لم أُسألها أبدًا حقيقة. أجريت الكثير  من المقابلات حول التعليم، كثيرة، كلّها متوقعة، لكن أنت غير متوقّعة نهائيًا، وطريقتك في طرحها أيضًا طريقة مختلفة غيرمتوقعة.

 

أحمد البيقاوي: [02:19:57.80]
ماكرة.

 

زياد خدّاش: [02:20:00.23]
ماكرة آه.

 

أحمد البيقاوي: [02:20:02.18]
يعطيك ألف عافية. وشكرًا جزيلًا لك. شكرًا شكرًا.

 

زياد خدّاش: [02:20:05.21]
ونلتقي إن شاء الله. شكرًا لك. شكرًا لبرنامجك الذي أتابعه منذ زمن، ولست أنا فقط، كثير ناس يتابعونه، وجديد ويناقش قضايا مهمّة بطريقة -أهم شيء الطريقة- دمها خفيف وجذّابة والحلو فيها أنّها أيضًا صادمة، إذا لم يكن العمل الفني أو العمل الإعلامي الإبداعي صادمًا ومختلفًا ويثير جدلًا، لن يكون أيّ شيء آخر.

 

أحمد البيقاوي: [02:20:34.97]
شكرًا جزيلًا لك. شكرًا نتعلّم منك. يعطيك العافية.

 

زياد خدّاش: [02:20:38.42]
الله يسعدك. سلامات سلامات. إلى اللقاء.

 

 

جميع الحقوق محفوظة © 2025