"إسرائيل" تبحث عن عدو جديد! من بعد إيران؟
26 يونيو 2025
الاستماع للحلقات عبر منصات البودكاست
محمود يزبك
ضيف الحلقة
محمود يزبك

منذ قيامها، لم تنتظر "إسرائيل" أعداءها، بل صنعتهم كما ترسم حدودها.
الخوف ليس حالة طارئة، بل مشروع دائم في العقيدة الصهيونية.

اليوم، وبعد أن "توقفت" المعركة مع إيران، تفتح "إسرائيل" ماكينة الخوف من جديد، وتتجهّز لعدو جديد.
عدوٌ قد يكون أقرب مما تتخيّل. وقد يكون أنت!

في هذه الحلقة من بودكاست "تقارب"، نغوص في العقليّة الإسرائيليّة، ونفتح ملف صناعة الأعداء في "إسرائيل":

📍 كيف تُخاض معارك اختيار العدو؟
📍 لماذا تصرّ "إسرائيل" على تضخيم كل عدو؟
📍 من الذي يربح من الخوف؟ سياسيًا… عسكريًا… داخليًا؟
📍 ماذا بعد إيران؟ من سيكون العدو القادم؟
📍 ولماذا لا تستطيع "إسرائيل" العيش بلا عدو؟

 

🎯 ونناقش:

🔍 كيف استخدمت "إسرائيل" صدام حسين كخطر مركزي؟
🔍 كيف خوّفت العالم من القذافي ومن نظام الأسد؟
🔍 كيف يصنع الإعلام الإسرائيلي الخوف وينشره للعالم؟
🔍 لماذا يكون العدو أحيانًا "صديق اليوم"؟

 

🧠 الضيف: د. محمود يزبك
مؤرخ فلسطيني من الناصرة، باحث في التاريخ والسياسة، ويُحلّل العقلية الصهيونية.

🎙️ المحاور: أحمد البيقاوي



نرفق لكم في الأسفل نص تفريغ الحلقة الصوتية بالكامل:

محمود يزبك: [00:00:00.09]
الدول العربية والإسلاميّة لا تستطيع ولن يُسمح لها، ويجب ألّا يُسمح لها لا بامتلاك المقدرة التكنولوجية ولا بتطويرها.

 

محمود يزبك: [00:00:10.26]
(إسرائيل) لا تستطيع العيش دون أن يكون لها أعداء. وأكثر من يفهم هذه النظرية هو نتنياهو.

 

أحمد البيقاوي: [00:00:18.00]
دكتور كم أخذت علاقة إيران لانتقلت من حليف إلى عدوّ (لإسرائيل)؟

 

محمود يزبك: [00:00:22.98]
مباشرة مع سقوط "نظام الشاة" مباشرة. وحتى اذا انتهت هذه القضية التي نحن بصددها في هذه الأيام في إيران، فتوقعوا أن يكون هنالك عدوًا خارجيًا جديدًا.

 

محمود يزبك: [00:00:35.04]
95% من المجتمع الإسرائيلي في هذا اليوم يؤيّد نتنياهو ويؤيّد الحرب. انظر كيف ربح نتنياهو.

 

محمود يزبك: [00:00:46.41]
وكيف يمكن أن توحّد هذا المجتمع الغريب عن طريق أن يكون هنالك أعداء. ولذلك قضية العداوة والأعداء هي قضية أساسيّة، جذريّة مركزيّة في الفكر الصهيوني.

 

أحمد البيقاوي: [00:00:58.80]
من أين يستمدون الثقة بالاستمرار بصناعة الأعداء، وصناعة المعارك وهم لديهم قناعة أن الأصدقاء -ما بين قوسين- الموجودين عندهم طوال الوقت سيبقون ملتزمين معهم بدعمهم؟

 

محمود يزبك: [00:01:11.47]
أنت أصبحت تحت الهيمنة الاسرائيلية وليس أكثر من ذلك. والسّعيد بهذه الهيمنة يا أخي الله يعطيه! ماذا نفعل له أكثر من هذا؟!

 

محمود يزبك: [00:01:20.44]
يعطيكم العافية يا إخوان. مرحبًا بكم جميعًا. يتحدث إليكم محمود يزبك؛ الدكتور محمود يزبك من جامعة حيفا. أولًا أستاذ أحمد أنا أريد أن أشكرك حقيقةً شكر جزيل جدًا. لم أتوقع أن يكون الحديث بهذه السلاسة؛ لأنه أولًا كان موضوع مهم جدًا بالنسبة لي شخصيًا، وأنت استطعت أن تخرج من الداخل الكثير من المشاعر التي كانت دفينة.

 

محمود يزبك: [00:01:47.44]
هذا الحديث اليوم كان حديثًا هائلًا وهامًا جدًا، وخاصةً في قضية لا نتحدث عنها كثيرًا. لا يتحدث عنها الإعلام العربي كثيرًا، وهي قضية استراتيجيات "إسرائيل" في صناعة العدو. وصناعة العدو بالنسبة لـ"إسرائيل" هي قضية مهمّة جدًا وجذريّة في هذا المجتمع؛ لتجميع الإسرائيليين نحو قضية محاربة العدو، وبدون أن يكون عدو خارجي لـ"إسرائيل" يخاف الكثير من زعماء الصهاينة ومن ضمنهم نتنياهو أن يتفتّت هذا المجتمع.

 

أحمد البيقاوي: [00:02:40.67]
مرحبًا وأهلًا وسهلاً بكم في حلقة جديدة من "بودكاست تقارب" معكم أنا أحمد البيقاوي، وضيفي لليوم الدكتور محمود يزبك. "إسرائيل" في هاتين السنتين دفعتنا لخوض كثير من التجارب، وأرتنا فعليًا حقيقتها بشكل مكشوف أكثر وأكثر. وفي الغالب ربما إذا صحّ القول أننا رأيناها كيف أنها تضخّم من حجم خصومها وأعدائها. لدرجة في بعض الأحيان الخصوم الضعفاء أو الحاضنة الضعيفة لبعض خصومها تحب صورتها في أعين الاحتلال أو كما يُصدِّرها. لكن فعليًا خلف هذه الصور وتضخيم حجمها، استراتيجية موجودة لدى "إسرائيل" تتعلق بصناعة الأعداء والاستثمار بالخوف أكثر طوال الوقت. رأيناها في أكثر من محطة ونراها اليوم فعليًا في حالة إيران أكثر وأكثر.

 

أحمد البيقاوي: [00:03:31.17]
هنالك خطر فعليًا على الوجود الإسرائيلي من قِبَل إيران؛ لأنه في الأساس أصلاً الوجود الإسرائيلي أو وجود "إسرائيل" في هذه المنطقه فعلياً غير منسجم وسيبقى غير منسجم، ولكن نرى أيضًا في نفس الوقت كيف أن الاحتلال على مستوى الرواية والبروباغاندا خاصته وحتى استعراضه للمخاطر يبالغ في الحديث عن المخاطر الإيرانية على الاحتلال.

 

أحمد البيقاوي: [00:03:58.51]
في حلقتنا اليوم، في حوارنا اليوم، نتجاوز إيران قليلًا حتى نحكي عن العقلية الاسرائيلية. نحكي عن عقلية نتنياهو أكثر وأكثر في صناعة الأعداء تحديدًا، وبدأنا فعليًا من مكان يتجاوز إيران، ويحكي أكثر على فكرة أن "إسرائيل" دائمًا كانت تستحضر الأعداء؛ من صدام حسين إلى القذّافي إلى حافظ الأسد إلى بشار الأسد إلى اليوم فعليًا الحوثيين، وإيران كما يحكي عنها.

 

أحمد البيقاوي: [00:04:25.78]
قبل أن نبدأ الحوار أود أن أشكركم مقدمًا على اشتراككم في قناة اليوتيوب وقنوات الاستماع ومشاركة هذا المحتوى مع كل أحد قد يكون مهتم فيه.

 

أحمد البيقاوي: [00:04:35.02]
شكرًا أيضًا على تفاعلكم المباشر مع هذا المحتوى، تفاعلكم ومشاركاتكم تساعدنا في الانتشار وفي وصول المحتوى إلى المهتمين فيه أكثر. وشكرًا لكم على اشتراككم في النشرة البريدية الخاصة التي نعِدُّها ونبعثها لكم على البريد أسبوعيًا، بعيدًا عن زحمة الإشعارات تصلكم فيها تفاصيل خاصة بالحلقة هذه، وتفاصيل خاصة بالحلقة القادمة تصلكم يوم الجمعة، بإمكانكم أن تجدوا الرابط في الوصف، والشكر دائم أيضًا لكل من يساهم في دعم تقارب واستمرار تطوير محتواه من خلال أيضًا الرابط الموجود في الوصف. وبهكذا نبدأ:

 

أحمد البيقاوي: [00:05:18.32]
طيّب يا رب. دكتور أول شيء أنا أود أن أقول لك، البارحة أنا رأيت فيديو، والآن هو "تريند" والناس تتداوله، وتعرف أنا أحب فطرة الناس السياسية وكيف أنهم يشعرون فيها ويتواصلون فيها ويعبِّرون عنها. رأيت فيديو متداول متعلِّق بكيف أن نتنياهو ماهر جدًا في صناعة الأعداء، فيقول لك أنهم جمعوا له مجموعة من المقاطع وهو يحذّر فعليًا من صدّام حسين ويأتي بعده أن حدث اقتحام، القذافي، بعدها بشار الأسد، بعدها المنطقة. وهنالك نقطة واضحة لي ودائمًا ما نعرِّج عليها؛ أن "إسرائيل" دائمًا تستغل الخوف أو تُعظِّم من الخوف والقلق الموجود حولها دائمًا، وكأنها أيضًا محترفة في صناعة الأعداء.

 

محمود يزبك: [00:06:04.05]
نعم. حلو نعم ممتاز.

 

أحمد البيقاوي: [00:06:06.27]
أنت ترى فعليًا بالحالة الموجودة اليوم دعنا نحكي بمنطق "إسرائيل" أكثر، هي تشتغل أكثر على تعظيم الخوف والقلق الموجود حواليها وتمتهن صناعة الأعداء أيضًا؟

 

محمود يزبك: [00:06:22.11]
انظر يا أستاذ. يعني عمليًا "إسرائيل" منذ تأسيسها وقبل تأسيسها، يعني النظرية الصهيونية تقوم على مبدأ أساسي، وهذا المبدأ هو أن المجتمع المحيط بإسرائيل أيًّا كان هذا المجتمع. يعني إذا كان قبل الانتداب البريطاني يعني حتى في أواخر الدولة العثمانية، وبعد ذلك أيام الانتداب البريطاني، قبل قيام "إسرائيل" وبعد أن قامت "إسرائيل". هنالك مبدأ واحد يسير حتى هذا اليوم؛ وهو أنّ المجتمع اليهودي حينما تقوم الدولة، وانتبه معي هنا أنا أحكي لك قبل قيام "إسرائيل" بحوالي 40-35 سنة حينما كتب مثلًا واحد اسمه روبين من زعامات الصهاينة في أواخر الدولة العثمانية؛ أن الدولة حينما تقوم _وهو هنا يتنبأ بإقامة "الدولة اليهودية"، ولكن حينما تقوم- يجب المحافظة على المجتمع الذي سيكون في هذه الدولة. وكيف يتم المحافظة على هذا المجتمع؟ عن طريق شيء واحد؛ وهو أن المنطقة التي تحيط بدولة "إسرائيل" المستقبلية يجب أن تحافظ على عداوتها مع إسرائيل. يعني وكأنه منذ البداية اسرائيل تعرف أنها هي يعني عبارة عن زرع غريب في المنطقة، وبما أنها مزروعة زرعًا غريبًا استعماريًا في المنطقة فيجب أن يكون هنالك توحُّد في داخل المجتمع. وكيف يمكن أن توحِّد هذا المجتمع الغريب؟ عن طريق أن يكون هنالك عداوة. ولذلك قضية العداوة والأعداء هي قضية أساسية، جذرية، مركزية في الفكر الصهيوني، ونتنياهو لم يخرج عن هذا الفكر بأي شيء. هو عمليًا يعني يستعيد الصورة التي تم رسمها في حوالي 1912 في أواخر الدولة العثمانية. ولذلك لا شيء جديد في هذا إلا طبعاً لمن لا يعرف، يعني من لا يعرف أصول الصهيونية في هذه القضية قد يستغرب أنه وكأنّ نتنياهو يعني هو الذي يخترع الأشياء! لا بل هو يُطبّق نظريات صهيونية موجودة منذ البداية؛ لأن "دولة إسرائيل" زرعت في منطقة زرعًا يعني. وهذه المنطقة التي زُرعت بها لم تكن يعني دولة اعتيادية إنما بالقوة، بالاستعمار، بالاستيطان، بطرد السكان، بالجرائم، بالمذابح وإلى آخره ما حصل في عام 1948.

 

محمود يزبك: [00:08:57.38]
ومن المتوقع كان أنّه حتى قبل 1948 يعني في سنوات الثلاثينات حينما تم شراء بعض الأراضي وإخلاء بعض الأراضي العربية الفلسطينية من سكانها للمستوطنين اليهود، هذا خلق عداوات كبيرة جدًا، وتُرجمت هذه العداوات يعني في سنوات الثلاثينات حينما كانت الثورة الفلسطينية الكبرى 1930-1936 ولذلك يعني كان واضح بالنسبة إلى آباء الصهيونية أو مُفكري الصهيونية الأوائل أنّ "إسرائيل" حتى تستطيع أن تستمرّ يجب أن يكون لها أعداء، لأنّ خلق الأعداء يؤدي إلى وحدة داخلية، وانظر ماذا حصل هذه الليلة بالذات التي نتحدث بها. يعني الآن يوم الخميس/ يوم الاربعاء كان استطلاع للرأي في التلفزيون الإسرائيلي في القناة 13 وهذا الاستطلاع كانت متوقعة جدًّا نتائجه. ماذا قال استطلاع الرأي هذا؟ سُئل الإسرائيلي سؤال هل تؤيّد الحرب؟ هل.. يعني يسأل الإسرائيليين هل تؤيّدون الحرب؟ تؤيّدون موقف نتنياهو من الحرب؟ قبل الحرب بأسبوع واحد فقط؟ نتائج الاستطلاعات كلها كانت تشير إلى أنّ نتنياهو يخسر الكثير من مقاعده؛ يخسر الكثير من أسهمه في المجتمع الإسرائيلي، لكن مباشرة مع هذا الاستطلاع في يوم البارحة، يوم أمس كان متوقعًا. أنا كان متوقع بالنسبة لي. واضح وضوح تام ما هي النتيجة؟ ستكون 75 في المئة من المستطلعة آراؤهم 75 في المئة، ومنهم طبعًا من هؤلاء ال 75 في المئة عرب فلسطينيين في داخل "اسرائيل" يعني المواطنين في "اسرائيل" أعطوا النسبة بأنّ "إسرائيل" تؤيّد الحرب وتؤيّد نتنياهو. يعني حصل على ما لا يحلم به، وإذا يعني أنزلت من هذا المجموع الفلسطينيين أنهم حوالي 20 في المئة من السكان في "إسرائيل" مواطنين. معنى ذلك أنّ 95 في المئة من المجتمع الإسرائيلي في هذا اليوم يؤيد نتنياهو ويؤيّد الحرب.

 

محمود يزبك: [00:11:14.17]
انظر كيف ربح نتنياهو من طريقة خلق العدوّ، والتعامل مع العدو الخارجي. ولذلك نتنياهو طبعًا يفهم هذا جيّدًا، ويعني من أكثر الناس الذين يفهمون القضية الصهيونية وكتب عنها حتى في كتبه. يعني هو يُطبّق عمليًا ما تعلّمه من والده، ووالده (بنتسيون نتنياهو) كان يعني أستاذ تاريخ في التاريخ الصهيوني ونظرياته في التاريخ الصهيوني معروفة، ونتنياهو دائمًا يعني مرّات عديدة يستشهد بآراء والده.

 

محمود يزبك: [00:11:50.81]
ولذلك يعني السّؤال الذي تفضّلت به حضرتك الآن هو سؤال حقيقة، يعني في لُبّ الواقع الذي يتعامل به نتنياهو مع المجتمع الإسرائيلي، ولن يدع هذا المجتمع الإسرائيلي -إذا أراد نتنياهو أو شخصيّة إسرائيليّة أخرى أن تعيش، يعني وتكسب في الانتخابات وغيرها- إلّا أن تؤلّب المجتمع على الجيران. نحن نُسمّي حالنا جيران (العرب المحيطين في إسرائيل) لكن هو يُسمّيهم الأعداء، ولذلك إذا ما تمّ -فلنفرض يعني- الصلح مع الأردن ستجد على إنه يعني التركيز سيكون مع دولة أخرى في المنطقة، إذا ما تمّ يعني فلنفرض مثلًا مع لبنان فستجد أنه دولة أخرى وهكذا دواليك، لأنّ "إسرائيل" حسب النظرية الصهيونية نفسها لا تستطيع العيش دون أن يكون لها أعداء. وأكثر من يفهم هذه النظرية هو نتنياهو ويطبّقها. يعني هو رئيس وزراء لأكثر من 20 سنة في "اسرائيل". عقدين من الزمن ليس لعبة خُرافيّة. يعني هذا ما لم يحصل تقريبًا في "اسرائيل" عمره كلّه صغير على بعضه البعض. ولكن هذا لأول مرّة رئيس حكومة يستطيع يعني أن يُنتخب من جديد مرّة في إثر مرّة، وكلّ مرّة قبل الانتخابات حينما يشعر بأنّ أوضاعه السياسيّة الانتخابية ضعيفة. فإذا أنت ترى أنّ هنالك تفجير لقضية حرب ما، في مكان ما، هذا يعني شيء مثبت وواقعي 100 في المئة بالسؤال الذي تفضّلت به حضرتك.

 

أحمد البيقاوي: [00:13:27.84]
يعني مع أنّك دكتور تقول لي إن هذا تكتيك واستراتيجية يعني موجودة في العقليّة الصهيونية، لكن أنا أفهمها في مراحل البناء، يعني بمعنى إنه في شيء احترازي موجود أو في شيء تحفيزي لمؤيديك وحاضنتك لأجل فعليًا أن تتحفّز أكثر ضدّ الأعداء وبنفس الوقت تبني تهتم في البناء. بس هذا ليش ما تغير حتى مع كل مرور السنين وحتى فعليًا تقديم "إسرائيل" نفسها كدولة قوية، مع ذلك تبقى يعني تستخدم الخوف مع مجتمعها وبذات الوقت ترجع دائمًا طوال الوقت لاختراع أو تعظيم -دعني أقول- الأعداء الموجودين المحيطين فيها.

 

محمود يزبك: [00:14:07.36]
لأن دولة تعتمد الاستعمار يعني النظريات الأساسية في الاستعمار، وقد طوّرت النظرية الاستعمارية أكثر من كل الدول الاستعمارية الأخرى، فيعني هنا الاختلاف الأساسي ما بين الاستعمار الحديث أو القديم وما بين "اسرائيل" كدولة استعمار هو أن هذا الاستعمار؛ هو استعمار اسرائيلي، استعمار إحلالي؛ بمعنى أنه يريد أن يحلّ مكان شعب آخر موجود في المكان. بينما في كل دول الاستعمار وتاريخ الاستعمار في العالم لا يوجد إلا فرنسا أرادت أن تفعِّل مثل هذه النظرية في الجزائر في بعض المناطق وليس في كل الجزائر، في الأجزاء الشمالية من الجزائر بأن يكون استعمارًا إحلاليًا، ويتم إقامة مستوطنات في الجزائر. هذا بالنسبة للفرنسي، لكن الإسرائيلي منذ البداية، منذ اللحظة الأولى هو إحلالي؛ بمعنى إخلاء المنطقة من السكان وأن يستعمرها هو لوحده، ولذلك هذه النظرية فشلت، يعني الإحلال كاملاً لم يتم تطبيقه، لماذا؟ يعني أنا أعتقد أنه كان خطأً تاريخيًا يعني في نظر الحركة الصهيونية والآن يحاولون تصحيح هذا الخطأ. بمعنى في عام 1948 الهدف كان المنطقة التي تقوم بها "إسرائيل" أو التي قامت عليها "إسرائيل"؛ أن تكون خالية من كل تواجد غير يهودي، من التواجد العربي الفلسطيني بشكل كامل، ولذلك عمليات الطرد الممنهجة التي كانت عام 1948 يعني حينما تراها وتقرأها وتحلّلها فيعني كانت في حالة من عدم إبقاء ولو فلسطيني واحد في داخل الدولة التي ستقوم، لكن نتيجةً لأخطاء تم ارتكابها في تلك الفترة من قبل الحركة الصهيونية، يعني الذي حصل _ولا نريد أن ندخل الآن في هذا؛ لأن هذا نقاش طويل عريض_ أن بقي حوالي 140 ألف فلسطيني داخل حدود دولة "إسرائيل"، هذه هي الإشكالية التي نشأت بعد ذلك، وهؤلاء الـ 140 ألف فلسطيني في داخل "إسرائيل" كما نعلم جميعًا بدأوا يتكاثرون، يعني لم يكن هجرة مثلما عند اليهود في "إسرائيل" وإنما كان ذلك تكاثر طبيعي، هذا التكاثر الطبيعي أدى إلى أنه حتى عام 1967 هؤلاء الـ 140 ألف يصبحون حوالي 20% من السكان، وما زالوا حتى هذه اللحظة يحافظون على نفس النسبة، على الرغم أن 90% من المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع مهاجرين جاؤوا من خارج البلاد بعد عام 1948 إلى "إسرائيل".

 

محمود يزبك: [00:16:44.17]
لكن في 1967 هنا كانت الإشكالية الكبرى للحركة الصهيونية. هذا من ناحية واحدة يسمى عسكريًا انتصار. قامت "الدولة الإسرائيلية" وحرب وإلى آخره وانتصرت الأردن ومصر وسوريا. ولكن في داخل هذا الانتصار بدأت النقمة الإسرائيلية الداخلية. بمعنى أن الضفة الغربية وقطاع غزة حينما تم احتلالهما وجعلهما تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، الجولان كانت قضية سهلة. لماذا؟ لأنه تم طرد السكان من الجولان مباشرةً ما عدا القرى الأربع؛ القرى الدرزية التي بقيت هناك. وإنما باقي كل القرى السورية التي كانت في الجولان السوري المحتل تم إخلاؤها بشكل كامل، وهذا تطبيق فعلي وناجح للنظرية الصهيونية، لكن في داخل المنطقة التي أصبحت تسمى المحتلة 1967، إضافة لمنطقة الـ 48 أصبح عمليًا الإسرائيلي اليهودي مع مرور السنين بعد كل هذه السنوات من الاحتلال يعني يشكّل تقريبًا يعني حتى من الناحية العددية أقل من الفلسطيني، يعني يعتمد أي إحصاء نتحدث به بمعنى أن الفكر الصهيوني الأيديولوجية الصهيونية في هذه الفترة بعد 1967 ضربت نفسها بيدها، صحيح أن مساحة "إسرائيل" كبرت في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن يعني السكان معظمهم بقوا وليس كلهم؛ لأنه كان هنالك كذلك عملية طرد وهجرة إلى خارج الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

محمود يزبك: [00:18:27.08]
ولكن الغالبية العظمى من الفلسطينيين بقيت في أماكنها. ومما خلق قضية ديموغرافية حقيقية، يعني النقاش الديموغرافي في سنوات الثمانين في "إسرائيل" كان نقاشًا هائلًا. هل "إسرائيل" دولة يهودية تريد الصهيونية تحديدها؟ أم هي دولة يعني مشتركة فيها مواطنين مع هوية اسرائيلية، يعني مع هوية وجواز سفر اسرائيلي مثلي أنا الفلسطيني في أراضي ال1948 والتي فيها الفلسطيني في القدس؟ ونتحدث عن يعني كمية محترمة من الأعداد السكانية في منطقة القدس حوالي 400 ألف، هؤلاء يحملون هوية ولكن يعني بشروط أقل يعني بمرحلة ب دعنا نسميها(مواطنة ب) والفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال. حينما جاءت اتفاقيّة أوسلو، آباء الصهيونية في تلك الفترة اعتقدوا أن اتفاقية أوسلو هي المنفذ الوحيد لإقامة دولة فلسطينية صغيرة إلى جانب "إسرائيل" وتحت السيطرة الإسرائيلية. لكن الذي رفض هذه الفكرة برمّتها وهي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيلي؛ لتخليص "الدولة اليهودية" من الديموغرافيا الفلسطينية، لتقليصها وتخليصها من هذه المشكلة هو نتنياهو نفسه! الذي استغل قضية أوسلو لكي يتسلق على مقتل رابين رئيس الحكومة، ليصبح رئيس حكومة منذ ذلك اليوم وحتى هذا اليوم. والقضية الأساسية عنده أنه يجب التخلص من الفلسطينيين يعني كعامل يمنع إقامة "الدولة اليهودية". ولذلك الفلسطيني بالنسبة لنتنياهو هو عامل تخويف للمجتمع الإسرائيلي. ولذلك أنت ترى ميزان العنصرية يرتفع من سنة إلى أخرى حسب الوضع الانتخابي الذي يريده نتنياهو.

 

محمود يزبك: [00:20:30.70]
يعني مثلًا في جامعة حيفا عندنا كان هنالك مركز يقيس العنصرية سنويًا. يعني كل نهاية عام يوجد عندنا هذا المركز الذي يقيس مدى أو مستوى عدم قبول الفلسطيني في "إسرائيل" وفي الضفة الغربية. وهذا المقياس نراه بشكل واضح، يعني بعد إفشال إتفاقية أوسلو، ليس فشلًا، فأنا أقول إفشالًا؛ لأنه كان إفشالًا متعمدًا من قبل نتنياهو نفسه. فأنت ترى أن مستوى العنصرية الإسرائيلية يرتفع من سنة إلى أخرى بطريقه ثابتة وبارتفاعٍ مستمر. حتى وصلنا إلى هذه الأيام. يعني حتى قبل 7 أكتوبر أنت ترى أن مقياس العنصرية في "إسرائيل" والكره للعرب ونظريات ترحيل العرب وهذه نظريات موجودة يعني داخل "إسرائيل" تتحدث على أنه يجب التخلص من العرب في يوم ما وبطريقةٍ ما. حتى الآن لم يحسم الأمر كيف يكون. لكن يعني أنت ترى مثلًا حزب كـ بن غفير أو حزب سموتريتش، ولكن بن غفير هو الأهم بالنسبة للسؤال الذي نتحدث عنه. بن غفير يعني ينتمي إلى حركة "كهانا" وحركة كهانا أخرجت من القانون الإسرائيلي متى؟ في فترة إتفاقية أوسلو يعني بالرغم من أن هنالك أجواء أوسلو ووارد أن يتم التوصل إلى سلام. فالمحكمة العليا الإسرائيلية أخرجت قانونيًا عن القانون حركة كهانا قبل مقتله، ويعني لماذا؟ لأن "كهانا" الحركة هذه التي ينتمي إليها بن غفير تقول بشكل واضح ودون لبس في هذا الكلام: يجب التخلص من الفلسطينيين بأي طريقة، إما الطرد الكامل أو القتل أو أي طريقة كانت فتكون!

 

محمود يزبك: [00:22:31.23]
وبعد أن صعد نتنياهو إلى الحكم وأصبح رئيس حكومة لمدة طويلة، قام في آخر انتخابات بسبب احتياجاته الشخصية. ماذا فعل؟ قام بشرعنة يعني بضرب موقف المحكمة العليا الإسرائيلية من الحركة الكهانية، وقام بشرعنة حركة بن غفير وجعلها حركة شرعية، وتآلف معها وأصبح بن غفير مثلما نراه جميعًا وزيرًا يعني يجول ويصول في "إسرائيل" وكأنه الرب الأعلى لليهود. وأهم من ذلك أنه حقيقةً (بن غفير) أصبح يحصل في الاستطلاعات الأخيرة على حوالي 9 إلى 10 مقاعد! يعني حوالي 10% من الناخبين الإسرائيليين أو من أعضاء الكنيست الإسرائيليين ينتمون لحركة عنصرية "إسرائيل" حتى نفسها المحكمة العليا أرادت التخلص منها! وهذا الدليل القاطع على المجتمع الإسرائيلي كيف يتعامل مع الآخر بأنه يريد أن يقيم دولة يهودية لها اليد العليا (التفوق اليهودي) فيعتقد هؤلاء أن لديهم تفوق ليس فقط عددي إنما لديهم تفوق عقلي ولديهم تفوق في كل المجالات، وأن الشعوب الأخرى المحيطة بإسرائيل هي أدنى! يعني هذا يعيدنا إلى النظرية النازية مئة بالمئة. بمعنى أن النازيّة حينما قامت نظرت إلى اليهود على أنهم من الشعوب الأدنى وأن الشعب "الآري" أو الألماني هو الطبقة الأنقى. وهذه المصطلحات يتم استعمالها وتداولها كلمة بكلمة لدى الحركات العنصرية الإسرائيلية. ولذلك نتنياهو طبعًا يعني أكثر من يعرف هذه التركيبة للمجتمع الإسرائيلي، ويعرف أنه كلما كان في خطر يجابه المجتمع الاسرائيلي، فالمجتمع هذا يتوحد بقوة كبيرة جدًا مثلما نرى في هذه الأيام.

 

محمود يزبك: [00:24:48.74]
يعني أين الخلافات التي كانت قبل شهر أو شهرين في داخل المجتمع الإسرائيلي: مع الأسرى وضدّ الأسرى. مع غزة وضدّ غزة، وإلى آخره. والتظاهرات والمظاهرات وأمّهات وأهالي الأسرى الإسرائيليين، كل هذا اختفى حينما بدأت الحرب مع العدو الخارجي؛ ايران، هكذا. ولذلك نجح نتنياهو في هندسة المشروع الصهيوني الحالي وكله أنا باعتقادي ليس من اجل خدمة المشروع الصهيوني، إنما بالنسبة لنتنياهو من أجل خدمة مصالحه السياسية، ولكن هو يفهم أكثر أنّه لخدمة مصالحه السياسيّة يستطيع أن يضحي بعدد من الإسرائيليين 100 -1000 - 500 المهمّ أن يكون هنالك عدو خارجي قوي، كبير يهدد إسرائيل، وهذا الآن الدور هو دور ايران. قبل ذلك كان دور حزب الله، وقبل ذلك منظمة التحرير الفلسطينية وبعد ذلك حماس. المهم أن يكون هنالك عدو. و"إسرائيل" لن تتنازل إلا إذا يعني جاءنا حاكم جديد لا أعرف من هو. غير موجود على الساحة. يعني إذا تتطلع على من قد يخلف نتنياهو اذا مات غدًا نتنياهو ومن يخلفه، تجد أنّه على الخارطة السياسية عمليًا يعني كلها، من له إمكانيّة أن يصل إلى الحكومة، يتعامل بنفس المنطق الذي يتعامل به نتنياهو. ولذلك هذا السؤال الذي سألته هو سؤال مركزي أستاذ ويجب على المجتمعات ليس فقط المجتمع الفلسطيني، أنا باعتقادي على المجتمعات العربية ككل، أن تفهم مغزى ومعنى هذا السؤال الذي يسعى دائمًا الحاكم الاسرائيلي لإيجاد العدو على حساب الدول التي تسمى مجاورة لـ "اسرائيل" أو عدوّة لـ "إسرائيل". نعم.

 

أحمد البيقاوي: [00:26:46.48]
نحن عادةً في "تقارب" نعطي الضيوف مجالًا ليعرِّفوا بأنفسهم. لكن أود أن اسألك أنت فعليًا ألا تشعر أن هذا المجتمع أو هذه العقلية متعِبة؟ يعني ألا يأتيك شعور بينك وبين حالك بأنك تتمنى لو أنك تدرس شيئًا آخر؟ أو أنت في مكان يجعلك تتعمق في مجتمع آخر؟

 

محمود يزبك: [00:27:04.24]
أنا عملت الماجستير في جامعة حيفا، وعملت الدكتوراه في الجامعة العبرية بالقدس. بعدها انتقلت إلى جامعة اكسفورد وإلى آخره، وعدت إلى جامعة حيفا. أستاذ، يعني حوالي 35 سنة متواصلة، أستاذ تاريخ الشرق الاوسط في جامعة حيفا، منيح. في فترة ما كنت أيضًا رئيس قسم التاريخ في الجامعة. خلال كل هذه السنوات من التجربة. يعني حينما نقول في جامعة حيفا مثلًا. أنت تعرف أنّ حوالي 70 في المئة من الطلاب في جامعة حيفا.. وهي عمليًا جامعة في منطقة الجليل. يعني حيفا في جنوب الجليل على الساحل، ولكن معظم الطلاب الفلسطينيين في منطقة الجليل، والجليل طبعًا هو المنطقة الأكبر التي يسكنها الفلسطينيون في "إسرائيل". حينما يعني يطلبون أن يدرسوا يأتون إلى جامعة حيفا. هنالك الآن توجّه أكثر إلى تل أبيب والقدس وجامعة العبرية وإلى آخره، ولكن غالبية الدارسين يأتون لجامعة حيفا، مواصلات أسهل وإلى آخره. 70% في المئة من الطلاب هم من اليهود. فلذلك في غرفة التدريس عادة يكون لديك في أيّ درس في أي حصة. 70 في المئة من اليهود و30 في المئة من الفلسطينيين. عادة طبعًا الفلسطينيون لا يخدمون في الجيش (الإسرائيلي). نحن نتحدث عن طلاب في السنوات العشرين من العمر. الطالب اليهودي عادةً يأتي للدراسة في الجامعة بعد أن أنهى الخدمة العسكرية. والطالب العربي يأتي إلى الجامعة بعد أن أنهى المدرسة الثانوية. أنت تستطيع أن ترى الفرق الكبير، يعني ثلاث سنوات هذه من الخدمة العسكرية تُشكّل عقلية وسلوكية الشخص الدارس، الطالب في قاعة المحاضرات. وإلى جانبه. يعني تخيّل معي اذا تعرف حدا أنهى الصف الثاني عشر عمره 17 ونصف. يعني دخل على 18 سنة، ومباشرة دخل إلى الجامعة في إمكانيّة التفكير ما بين الاثنين. والتجربة الحياتيّة كبيرة جدًا يعني في فارق كبير.

 

محمود يزبك: [00:29:24.37]
فيأتي الطالب الفلسطيني يعني تقريبًا لم يلقى في حياته يهوديًا واحدًا. يعني منذ ان وُلد هذا الطالب في قرية ما في مدينة ما عربيّة، في الناصرة مثلًا التي يأتي منها أو في أي قرية من قرى الجليل، يأتي إلى الجامعة ولم ير يهوديًا يعني، لم يتحدث لغة عبريّة، على الرغم من أنه يتعلّم اللغة العبرية منذ نشأته منذ الصف يعني الثالث او الرابع الابتدائي يبدأ بتعلُّم اللغة العبرية يستطيع أن يتحدّث ولكنّه لم يمارس اللغة ممارسة حقيقيّة فيدخل إلى الجامعة، واذا به يرى 70 في المئة من هؤلاء الناس الذين دخل معهم يتحدثون شيئًا آخر، لغة أخرى، يتصرّفون بطريقة أخرى، يعني من ناحية اللباس، من ناحية التصرف/ السلوك وإلى آخره، يحصل نوع من الاستغراب. يعني جاء غريبًا إلى مجتمع أغرب من الغريب بالنسبة له. وحينما تبدأ النقاشات في داخل قاعة المحاضرات خاصة المحاضرات الصغيرة التي يكون فيها عدد الطلاب قليل، وأن أعلّم يعني أدرس التاريخ الفلسطيني في الجامعة، المجتمع الفلسطيني. فحينما يبدأ النقاش وطبعًا يبدأ نقاش حادّ جدًا. ونصل إلى يعني هنا وهناك في مفاصل 48. طبعًا الفلسطيني يعرف ليس علمًا، الشاب الفلسطيني هذا ليس فقط علمًا إنما تجربةً أمّه، وأخوه، عمّه وجدّه، وجدّته وإلى آخره، أبناء بلده قد طردوا من بلدهم. مضبوط قريته موجودة وهو يعيش فيها. ولكن الغالبيّة العظمى من أهله تم طردهم أو جيرانهم أو يعني أو القرى الأخرى. فحينما يبدأ النقاش من الأحقّ؟ ومن صاحب الحق؟ يكون نقاش يعني في مستويات أنا أتحدّث عن سنة أولى وسنة ثانية في الجامعة، ليس في المراحل المتقدّمة. أنت تبدأ ترى يعني الانفعالية غير مبنية على حقائق واقعيّة، يعني حقائق علمية دعنا نسميها، من قبل الفلسطيني، لأنّ هذا موجود يعني في الجينات أصبح؛ إنه طُردنا وهُجّرنا ومن طُرد وهُجّر يشعر بالظلم.

 

محمود يزبك: [00:31:51.59]
وإنما الإسرائيلي يعني ينتمي يكون عادةً لبيت ما، عائلة ما جاءت من دولة ما. لا أعرف من اي دولة هو يعرف بالضبط هذا الفتى أو الشاب. من أين جاء اهله من بولندا أو من يوغسلافيا أو لا أعرف من أين، ويعرف بالضبط أنّه تم طرد الفلسطيني الذي يسكن هو مكانه في قرية ما أو في أرض ما، على أرض ما في داخل "إسرائيل". وحينما يبدأ النقاش يصبح النقاش عبارة عن نقاش قيمي من ناحية قيمية. هل يحق لك انت أن تطردني من ارضي ثم تستوطن مكان بيتي؟ وأنا يعني أقبل هذا الوضع؟!

 

محمود يزبك: [00:32:32.67]
فلذلك يكون نقاش حادّ. في خلال سنوات طويلة من هذا النقاش كلما كان الوضع متأزمًا من ناحية سياسية او عسكرية إلى آخره، تجد انّ النقاشات هي نقاشات كبيرة جدًا جدًا وعمليًا تشكل الواقع، الواقع الفكري لدى المجتمعين. فهنا في مشكلة، مشكلة كبيرة جدًا في صاحب الأرض الذي يدّعي أنه يمتلك كل شيء. وبين القادم الذي أخذ منه كل شيء. لذلك من يفهم هذا الصراع هو اكثر شيء السياسيين الاسرائيليين، دائمًا يوجّهون هذا الصراع مثلما تفضلت.

 

محمود يزبك: [00:33:19.15]
الآن أنت سألت سؤال مركزي يا أستاذ. يعني عمليًا مرّات يعني يعتقد الواحد أن السؤال جانبي. ولكن هو سؤال مركزي جدًا جدًا إنه في لُب الفكر الصهيوني والصراع العربي الإسرائيلي، ولذلك من يعتقد أنه إذا ما انتهت الحرب -لا أعرف كيف ستنتهي هذه الحرب- وأن "إسرائيل" يعني تصبح دولة يعني لها علاقات ومُطبّعة مع بعض الدول العربيّة وانتهت القضية. لا. هذه القضيّة يجب أن تفور من جديد طالما أن "إسرائيل" لم تستطع أن تُشرعن وجودها ويعني طالما فيه شعب فلسطيني مُهجّر من بيته ويحاولون إبادته والقتل والدمار والتدمير. طالما هذا موجود فلن يكون هناك شرعنة لهذه الدولة، نعم.

 

أحمد البيقاوي: [00:34:13.52]
 من فضلك دكتور فقط طمئني أن التلفون لا زال يسجِّل، لأنه جاءتك مكالمة هاتفية ااه.

 

محمود يزبك: [00:34:19.88]
اه اه والله! ماذا أفعل؟

 

أحمد البيقاوي: [00:34:23.06]
اضبط وضعية طيران التلفون خاصتك، أول شيء.

 

محمود يزبك: [00:34:32.03]
نعم عدت إليك.

 

أحمد البيقاوي: [00:34:34.22]
ورجع يسجِّل؟

 

محمود يزبك: [00:34:40.31]
أنت معي؟

 

أحمد البيقاوي: [00:34:41.27]
نعم معك، عاودت تسجِّل مرة أخرى؟

 

محمود يزبك: [00:34:43.43]
أسجِّل؟ حسنًا ها أنا ضغطت.

 

أحمد البيقاوي: [00:34:45.02]
نعم، أنا أصبح لي عندك مقطعين الآن.

 

محمود يزبك: [00:34:49.34]
ههههه، ولا يهمك.

 

أحمد البيقاوي: [00:34:50.31]
طيب دكتور نحن بشق ثانٍ فعليًا في تقارب نهتم أيضًا أن نتعرف على فلسطينية كل ضيف وكيف تأسست. فإذا رجعت فعليا _أعرف أن هنالك مسار طويل موجود عندك_ للصور الأولى أو الصورة الأولى اذا نفع القول، المشهد الأول الذي أنت رأيته وعمل لك هذا التناقض مع كل الذي نحكي عنه. فماذا تستحضر من ذاكرتك؟

 

محمود يزبك: [00:35:14.76]
ههههه، سؤال رهيب هذا الذي تسأله أنت. يعني عمليًا.. أنا من سكان الناصرة. يعني عائلتنا موجودة في الناصرة قديمًا يعني منذ أيّام الظاهر العمر الزيداني يعني حاكم فلسطين الأول في العصر الحديث، فأنا يعني أوّل مرة حصلت معي "الصدمة" الحقيقيّة يعني كما أسميها يعني في جيل 12- 13 سنة بحرب 1967. المدارس تعطلت كنت أنا في الصف السابع على ما أظن. المدارس في "إسرائيل" تعطّلت لمدة أسبوع حوالي 10 أيام. وطبعًا نحن الأولاد سُعدنا لأننا تعطلنا من المدارس. ولكن فهمنا أنه في يعني شيء يحصل، شيء كبير يحصل. طبعًا لم يكن في إعلام وإلى آخره مثل اليوم. فالذي حصل إنه أكثر شيء أتذكره من هناك، من تلك اليوم من تلك الفترة كان في جيبّات سيارات جيب صغيرة. وكانت السيارات كلها أضواؤها مطليّة بلون اسود كي لا يظهر الضوء في الليل للطيّارات المعادية (بين قوسين) فهذا أتذكره لأنه كان في عندنا يعني حوالينا جيبّات اثنين إلى ثلاثة كانوا يطلونها. شو هاللون هذا؟!

 

محمود يزبك: [00:36:52.10]
المهم رجعنا للمدرسة. رجعنا للمدرسة بعد حوالي 10 أيام حرب 1967 احتلال هذه المنطقة كلها في 6 أيّام. ونحن رجعنا بعد 10 أيام من بدء الحرب. الشيء الرهيب كان.. طبعًا كانت تعليمات وزارة المعارف الإسرائيلية لمربي الصف، وهو عربي فلسطيني مثلنا مثله يعني أن يكتب على اللوح على السّبّورة جملة لن أنساها ولم أنسها في حياتي، وكتبتها في مقال كبير جدًا باللغة العبرية. كتبت حوالي 30 صفحة عن هذا الجملة، كتب: "دولتنا انتصرت على أعدائنا". يعني هذا أوّل ما تدخل على الصف أنت، وإذا به يكتب هذه الجملة، نحن طبعًا في البيت يعني الكل بالحارة الكل يحكي عرب يهود "إسرائيل" ضربت قامت حطّت إلى آخره. وطبعًا في مواقف يعني مواقف على ما يبدو هذه تنشأ مع الإنسان منذ ولادته، يعني ليست فقط يعني مكتسبة، في أشياء مكتسبة وفي أشياء تنشأ منذ الولادة.

 

محمود يزبك: [00:38:06.27]
فالذي صار إنه مباشرة حين كتب هذه الجملة وبدأ يقرأها الأستاذ، قام الطلاب الذين في الصف. ويعني ما أستحضره بذهني في هذه القضية أنهم يعني عملوا "العجائب" في داخل الدرس، يعني خرّبنا المدرسة تخريب وتكسير. ما هذا: دولتنا انتصرت؟! من أعداؤنا يعني؟ علينا نحن يعني؟ نحن أنفسنا الأعداء؟ فيعني تم في هذاك اليوم إنه كانت هذه الحصّة الأولى يعني، أغلقت المدرسة مباشرة لأنّه لم يتوقع أحد أن يكون ردّ فعل طلاب مدرسة ابتدائية كانت حتى الصف الثامن أعلى صف فيها. يعني انا كنت في الصف السابع والكل قام على ما يبدو. كل الصفوف كان فيها نفس الجملة مكتوبة. فأغلقوا المدرسة ليوم، يعني إعادة التفكير. وبعد يوم او يومين رجعنا إلى المدرسة لكن لا يوجد يعني لا ذكر لأعدائنا ولا لا. هناك في هذا الجيل فهمت فهمًا واضحًا من نحن؟ ومن هم؟ ومن هناك بدأت القصة تتطور. ويعني حتى في الدراسة حين وصلنا الدراسة الجامعية، اخترت أن يكون مشروع البحث في الماجستير كان عن فلسطين/ مدينة حيفا وكذلك الدكتوراه عن مدينة حيفا لأنه يعني تاريخيًا التاريخ للمدينة من فترة الانتداب والفترة العثمانية لأنه كان واضح بالنسبة لي أنه يجب.. يعني انا أحكي لك في سنوات الثمانينات كان الإنتاج العلمي الفكري الفلسطيني في القضيّة الفلسطينيّة التاريخيّة الاجتماعيّة قليل. يعني نحن القفزة الفلسطينيّة في الإنتاج الفكري في المشروع الفلسطيني الثقافي ككل بدأ يعني في هذه الفترة، بعد الثمانينات وصعودًا وهناك كان يعني أنا بالنسبه لي كواحد من الناس في الحيز العام الفلسطيني إنه كان سؤال مهم. ما هي حيفا؟ كيف حيفا؟ ولماذا حيفا؟ ماذا حصل؟ ولذلك نعم أنا بالنسبة لي قضيّة حرب 1967 هي كانت الحدّ الفاصل لمعرفة من أنا والهوية وكيف تُبنى الهوية وكيف بُنيت الهوية، نعم.

 

أحمد البيقاوي: [00:40:31.58]
دكتور أودّ أن أكمل من حيثما "إسرائيل" انتصرت على أعدائها كما كتب الأستاذ.

 

محمود يزبك: [00:40:38.85]
"دولتنا"".. يا ريت يا ريت كتب...

 

محمود يزبك: [00:40:42.27]
"دولتنا انتصرت على أعدائنا" فاهمني؟ يعني لو كتب أنّ "إسرائيل" موضوعية تكون القضية فيها يعني..

 

أحمد البيقاوي: [00:40:50.97]
لكن أنتم كسَّرتم المدرسة على رأسه. من تلك اللحظة تطوّر عندك فعليًا واشتغلت أن تُطوّر على فهم كيف أن "إسرائيل" تبني الأعداء، وكيف تبني الأصدقاء، كيف تبني صداقاتها وكيف تبني أعدائها. هل ينفع أن تعطينا هكذا ملامح مسار "إسرائيل" بدءًا من أنت كيف سلكته باختيارها للأعداء واختيارها للأصدقاء؟

 

محمود يزبك: [00:41:13.29]
يعني عمليًا أستاذ هو يعني إذا أخذنا قضيّة من 1948 يعني حين أقيمت "إسرائيل" إلى حدود معيّنة حسب قرار التقسيم. ولكن يعني كانها أصبحت قضيّة تاريخيّة نسيًا منسيًا. ولكن قرار التقسيم نفسه "إسرائيل" طبعًا لم تحترمه منذ اليوم الأول. بن غوريون طلب احتلال كل المنطقة التي عليها حدود 48 اليوم، ويعني معظمها كانت مخصصة هذه المنطقة لإقامة الدولة الفلسطينية فألغيت، فيعني لحتى 1967 في هدوء، لكن في يعني.. ما حصل هو إنه في زعيم واحد في المنطقة العربية. اليوم في اختلاف حول الزعيم والشخصية وهو جمال عبد الناصر، يعني أنا بالنسبة لي أعتبره زعيم أمّة قومي يعني أنشأ القومية ويعني عمليًا أنقذ جيل كامل من الضياع، هذا اعتقادي الشخصي، قد يختلف الكثير معي في هذا الموضوع، ولكن يعني هل يوجد مقدرة وعدم مقدرة لدى مصر ولدى عبد الناصر أن يقوم بمشروع نهضة الأمة من جديد. هذا اصبح الآن أنا باعتقادي قضيّة ثانويّة. القضيّة الأساسيّة إنه هنالك شخص وضع المشروع القومي في مقدّمة الأمور ليجُرّ المجتمع ككل أن يواجه مستقبلًا الدولة التي أدّت إلى النكبة الفلسطينية، وإلى عمليًا نكبة العرب ككل ليس نكبة فلسطين لوحدها، فيعني هذا حتى عام 1967 وبعد ذلك احتلال المنطقة في الضفة الغربية وقطاع غزة خلق اجواء جديدة في المنطقة. يعني بالنسبة للفلسطيني في داخل اسرائيل يعني من 1948 إلى 1967  الفلسطيني في داخل "اسرائيل" لا يوجد له مصدر معرفة يعني بمعنى انه الناصرة هي المدينة العربية الوحيدة التي بقيت في داخل "اسرائيل" كدولة. لم يكن في كل هذه البلاد ولو مطبعة واحدة مطبعة واحدة تطبع كتبًا عربية، أو تستورد كتبًا عربية من القاهرة ومن عمّان، فأنت كعربي لا تستطيع أن تقرأ كتاب، والعالم العربي مغلق أمامك بشكل كامل، وحتى إن كثير من الدول العربية اعتبرت الفلسطيني في داخل "إسرائيل" هو عدو أو حتى طابور خامس، يعني يتعامل مع "اسرائيل"، لماذا بقيتم هناك؟ بقينا هناك يعني هذا طبعًا سؤال.

 

أحمد البيقاوي: [00:44:04.19]
هذه قصة طويلة ثانية، هذه حين طرحت بحلقة مع الدكتور سليم تماري كانت مرعبة الفكرة حين تسمعها أن الناس كانت تلوم الناس التي بقيت في بيوتها يعني.

 

محمود يزبك: [00:44:14.69]
آه طبعًا على كلٍ، إنه 1967 وإذا فجأة ينفتح العالم العربي أمام عيونك، أنا أتذكر نفسي يعني 12 - 13 سنة حينما سافرنا أول مرة من الناصرة بعد احتلال جنين. هي أقرب بلد إلى الناصرة. وإذا هناك مررت بشارع مكتبي. أتذكر تقريبًا الاسم.. مجلات ومجلات يا الله! اسمها "الموعد" واسمها ماذا! شغلات يعني وعليها صور ممثلين وممثلات، وبجانبها في كتب أكوام كتب. بعدها أخذونا مرّة ثانية، بعد أسبوع - أسبوعين، ذهبنا على الخليل على مكتبة اسمها مكتبة "دنديس" في الخليل مشهورة. وأيضًا أمامك كتب من كل العالم العربي فيه، تنظر مفتوح مصر وسوريا وإلى آخره. وأخذنا نشتري وغادرنا على البيت وإلى آخره. فهنا بدأ يتشكّل الوعي أنّك أنت جزء ليس فقط من "دولة اسرائيل" موجود في داخل "إسرائيل". انت جزء من عالم، فضاء، كبير. وهذا الفضاء يعني ممتد إلى أماكن كبيرة جدًا. وبدأنا نقرأ يعني 14 - 15 - 16. الكتب التي تأتي من العالم العربي إلى الضفة الغربية. فالاحتلال بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين في الداخل وأنا أقولها في كثير مرات ودائمًا حتى أخجل فيها، ولكن هي أنقذتنا من سيطرة الاحتلال الإسرائيلي علينا. يعني هذه الامبراطورية الجديدة التي اقامتها "إسرائيل" باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان جعلتنا من جديد ان نصبح عربًا يعني فضاء عربي لم نكن نحلم به على ما يبدو قبل ذلك، لأنه قبل ذلك كلّه مغلق أنت في داخل حدود صغيرة وكل ما يحيطك يتحدث ويتكلم اللغة العبرية. وفجأة فإذا الكل يتحدث عربي، وأصبحت "إسرائيل" أقليّة في داخل أغلبيّة عربيّة. هذا تغيُّر هائل جدًا حصل في المنطقة، وما زالت المنطقة تتفاعل مع هذا الاحتلال نفسه حتى اليوم. يعني من 1967 وهنا كانت الغباء ومثل ما قال (شمعون) بيريز لاحقًا، فهم ما حصل على الرغم أنه أخطأ وفهم بعده رابين الخطأ الذي ارتكبته "إسرائيل" بحقّ نفسها باحتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة وأماكن أخرى.

 

محمود يزبك: [00:47:00.65]
ولذلك نعم، في هذه الفترة انتقل الشعور ليس فقط أنّك أنت فلسطيني، بل أنّك أنت عربي، وهذا الفضاء العربي الذي يسير حولك يذكرني هُنا حينما يعني توفي جمال عبد الناصر، أنا عندما توفي عبد الناصر كنت في الصف الثاني عشر في نهاية المرحلة الثانوية. في مدينة الناصرة التي كان يتوقع أن تكون مدينة يعني مفصولة عن العالم العربي ويعني جزء من "اسرائيل" ماذا فعلنا نحن طلاب المدرسة الثانوية؟ قامت جنازة مع نعش أسود فارغ لكن يمثّل نعش يعني إنّه جنازة جمال عبد الناصر. كلّ طلاب المدرسة وبعد ذلك خلال نفس النهار يعني خلال الساعات بدون يعني حتى تنسيق او تنظيم يعني بشكل عفوي. كل مدارس النّاصرة الثانوية وحولها، انضمّوا في مسيرة في جنازة انطلقت من المدرسة البلدية الثانوية في في الناصرة إلى مسجد السلام -كان مسجد اسمه ما يزال مسجد السلام في الناصرة- وهناك تمت صلاة الغائب على عبد الناصر، ومن ثم انطلقت المسيرة إلى ما يسمى منطقة العين في الناصرة، وجابت كل شوارع المدينة، يعني هذا المشهد أتخيّل الآن آلاف الناس الشباب يعني ينضمون لهذه المسيرة لتشييع جثمان عبد الناصر. فهنا يعني هذا الزعيم عبد الناصر حينما توفي كان له أثر كبير على المجتمع العربي الفلسطيني في داخل "اسرائيل" وهذا التشييع (الرمزي) الذي كان هو باعتقادي نقطة فارقة في الانتماء ليس فقط الوطني الفلسطيني انما الانتماء القومي العربي، ولذلك يعني لدى الفلسطينيين في "اسرائيل" ما يزال حتى اليوم الأحزاب المهمة هي ليست أحزاب بمعناها الفلسطيني الضيّق، إنما بمعناها العربي، الانتماء العربي، الدائرة العربية الكبرى هي الدائرة الأهمّ، ولذلك كلّ السياسات التي تتخذها "اسرائيل" يعني: التهويد والأسرلة، والقضايا الفارغة، والتعليم وتغيير مناهج التعليم يعني مثلما يحصل في القدس يحاولون تعليمهم المنهاج الإسرائيلي. طب نحن تعلّمنا مع المنهاج الاسرائيلي كل السنوات، ولكن بالنهاية الرواية التي أرويها هي ليست رواية المنهاج الإسرائيلي في التاريخ مثلا، إنما رواية بيتي، أهلي، أمي وأبي، وما زلنا نروي روايتنا؛ الأم والأب هم الذين يروون على الرغم من وجود كتب التاريخ اليوم طبعًا متاحة لكل العالم. إنما في الماضي كتاب التاريخ المتاح لنا هو كتاب المدرسة وهو منهاج وضعته وزارة المعارف (الإسرائيليّة) لم يكن به ولو مرّة واحدة كلمة فلسطين بأي بأي سياق كان. يعني كتاب التاريخ من الصف السادس 5 - 6- 7- 8- 9 حتى 12. لم ترد في هذi الكتب في هذا المنهاج والكتب كلمة فلسطين ولو مرّة واحدة. يوجد "ارض اسرائيل" ويوجد معارك الراباي شمعون والراباي لا أعرف من، إلى آخره وتاريخ اليهود. يعني إذا أردت أنا أحكي لك تاريخ اليهود (ذيبك) كما يقولون في العربيّة (يعني: عن ظهر قلب). لماذا؟ لأنّهم هم درّسونا إيّاه، طيّب جيّد، صار في عنده معرفة الواحد.

 

محمود يزبك: [00:50:46.47]
ولكن أن لا تدرس ولو كلمة واحدة عن تاريخك انت، هذا يعني يثير علامات سؤال. لكن هل عدم دراستي للتاريخ الفلسطيني في المدرسة يعني حدد هويتي؟ من أكون وكيف أكون؟ لا، طبعًا. هذا يدل على أنّه أهبل وابن أهبل من يضع المنهاج بهذه الطريقة لتغيير هوية يعني أنت تلد معها.

 

محمود يزبك: [00:51:11.31]
ولذلك في فترة لاحقة حاول بعض الوزراء الاسرائيليين -سأذكر لك اسمها- أن تغيّر المنهاج، يعني أن تعطي تعبيرًا ما (شولاميت ألوني: وزيرة التعليم الإسرائيلية سابقًا) تعطي تعبيرًا ما للوجود الفلسطيني. ولكن مباشرة بعد أن خرجت من الوزارة تم إلغاء هذا المنهاج وإعادة المنهاج من جديد، لذلك اليوم الطالب العربي يعني يتعلّم هنا وهناك في يعني بعض المواضيع عن التاريخ الإسلامي، التاريخ العربي، ولكن يعني تحت يعني رقابة كاملة، كيف يكون هذا التدريس. وعلى الرغم من ذلك: الهوية هي هوية يصنعها الناس ولا يصنعها منهاج لدولة احتلال.

 

أحمد البيقاوي: [00:52:01.57]
دكتور أريد أن أجرب أن أسألك ثم نرجع لنقطة صناعة الأصدقاء؛ صناعة الأصدقاء الأعداء وسياسة الخوف. في حالة إيران، إيران على مستوى العقيدة يعني يقال أول شيء أن إيران دولة براغماتية، ولكن فعليًا هنالك ثوابت موجودة عندها منها فعليًا الخصومة والعداء لإسرائيل. وعلى مستوى الخطاب وعلى مستوى الممارسة بالسنين الأخيرة فواضح فعليًا هذا الشيء بشكل جليّ، وبذات الوقت فعليًا "إسرائيل" تصف إيران بخطر وجودي على إسرائيل، بالمعادلة التي أنت حكيت لي إياها مسبقًا؛ كيف أن "إسرائيل" تصنع أعداء، وكيف بتستخدم الخوف حتى تضخّم من هذا الخطر أو الخوف وتسيطر فعليًا على مجتمعها بشكل جيد. كيف أنا سأعرف حجم خطر إيران على "إسرائيل" بعيدًا عن البروباغندا الاسرائيلية؟

 

محمود يزبك: [00:52:57.83]
يعني انت بتحكي السؤال في الوقت الحالي يعني؟ نعم.

 

أحمد البيقاوي: [00:53:01.82]
يعني إلى أيّ مدى أنت ترى أصلًا أنه في مبالغة عند "إسرائيل" ضمن الذي تفضّلت به قبل ذلك لقضية تضخيم خطر إيران على "إسرائيل"؟

 

محمود يزبك: [00:53:12.02]
أنا أعتقد يعني القضيّة الإيرانية يعني بدأت تشكل هاجس لدى القيادة الاسرائيلية بكل مُركبّاتها يعني حينما بدأت إيران تسعى لامتلاك التكنولوجيا والمعرفة. هذا هو الحدّ الفاصل ما بين أي دولة كانت و"إسرائيل". "اسرائيل" من ناحية تكنولوجية كلّنا نعرف أن عندها تقدّم تكنولوجي هائل. وهل هذا التقدُّم التكنولوجي الهائل جاء من فراغ؟ أم أنه يعني في هنالك عمل مستمر لإقامة معاهد علمية مثل "التخنيون" ومعهد "وايزمان" وباقي الجامعات التي تعمل وفيها التكنولوجيا شيء أساسي ونشأت يعني أجيال يعني فيها التكنولوجيا العسكريّة متطوِّرة، يعني هذه قضية لها سنوات طويلة، فحينما بدأت إيران منذ الثمانينات بتغيير النمط الفكري للنّظام بأنه يجب أن يكون هناك تطوير للمعرفة ولامتلاك المعرفة. هُنا بدأت المشكلة الإسرائيليّة.

 

محمود يزبك: [00:54:30.10]
يعني في باكستان حينما بدأ تطوير القنبلة الذرية وإلى آخره، كان يعني في طريقة سرّيّة وفي معزل. وإذا فجأة وجدوا أنّ باكستان كدولة إسلاميّة أتحدث. لكن في إيران لم تكن القضيّة بالسّر، إنما امتلاك المعرفة كان بالعلن وبرنامج متواصل لبناء جامعات ومعاهد بحث علمي متطوّرة وحقيقة بأعلى، وحتى يعني في السنوات الأخيرة أنت تعرف أنّ هنالك مسابقات للرياضيات عالميّة ومحليّة وإلى آخره. وإيران كان مفاجأة أن الجامعات الإيرانيّة يعني المجموع العام وصل في الترتيب العالمي إلى مراحل متقدّمة جدًا حتى أعلى من المراحل التي وصلت لها "اسرائيل" في المنظومة العالمية. وهناك كأنه تفاجأ الكثير من الناس والمراقبين وغير المراقبين بهذه الانجازات، وهنا يعني حينما بدأ هذا البرنامج التكنولوجي يتطوّر، وبدأت ترى يعني اسقاطاته في داخل المجتمع الايراني. "اسرائيل" تنبّهت إلى أنّ هذه قضيّة يعني هامّة جدًا، ولذلك يجب إنهاءها وإلغاءها والقضاء عليها. يعني نتنياهو يتحدّث عن هذا الشيء منذ حوالي 35 عام. يعني هو نتنياهو يقول في في كتابه الأوّل أن الدول العربية والإسلامية لا تستطيع ولن يُسمح لها ويجب ألّا يُسمح لها، لا بامتلاك المقدرة التكنولوجية ولا بتطويرها.

 

محمود يزبك: [00:56:16.37]
الآن المشكلة في ايران أنها لم تشتر هذه الأسلحة، لم تستورد هذه الأسلحة، إنّما قامت هي بنفسها بتطوير هذه الأسلحة التكنولوجية. يعني امتلكت التكنولوجيا وهنا ما شكّل -باعتقادي- العائق الأساسي أمام "إسرائيل" لأن إيران ستصبح أو قد تصبح فيما لو استطاعت او برنامجها التكنولوجي استمر بالتطوّر، تصبح مثالًا يحتذى به في بلدان أخرى في العالم العربي والإسلامي. وهذا هو الخطر الكبير يعني بالنسبة لـ "اسرائيل" هو يشكل الهاجس الأكبر؛ أنّ هذه التكنولوجيا تكون ممتلكة ويعني مُنتجة محليًا، لذلك ايران حسب "إسرائيل" يجب أن تتوقّف عن هذا. وطبعًا وصلت إلى ما وصلت إليه من المنتجات. لذلك القضيّة هي ليست قضيه صراع يعني تاريخي دعنا نقول، لا على العكس يعني إيران أيّام الشاه معظم التكنولوجيا في إيران أيام الشاه هي تكنولوجيا إسرائيلية. يعني لو أخذنا مثلًا مصافي البترول في عبدان في أماكن أخرى، من بناها؟ هم عُمّال ومهندسين إسرائيليين قاموا، يعني ولديهم المخططات الكاملة لهذه الأماكن، يعني أنا أعرف معرفة كاملة أنّ الناس التي عملت في ايران من "اسرائيل" في ايران لبناء هذه المؤسسات والمشاريع الكبيرة، حينما سقط الشاه، توقفت كل العلاقات مع "اسرائيل"، وإيران وضعت برنامجًا جديدًا. البرنامج الجديد هو امتلاك المعرفة لبناء هذه التكنولوجيات إن كانت بتروليّة أو غيرها. والتطور كان سريع نسبيًا لدولة مثل ايران التي كان تقريبا امتلاك التكنولوجيا فيها صفر، وإذا بها تصبح في مصاف الدول التكنولوجية في العالم. ليست لعبة القضية بالنسبة لـ "اسرائيل". ولذلك كان الهدف الاسرائيلي منذ البداية: أنّ هذا العدو أصبح عدوًا يتطوّر، ويجب القضاء عليه.

 

أحمد البيقاوي: [00:58:38.86]
كم احتاجت العلاقة لإيران حتى انتقلت من حليف إلى عدو برأيك؟

 

محمود يزبك: [00:58:45.31]
مباشرة مع سقوط نظام الشاه، مباشرة.

 

أحمد البيقاوي: [00:58:49.00]
كيف؟

 

محمود يزبك: [00:58:49.36]
لأنّ النظام الجديد (الخميني) يعني مباشرة حتى الخميني أثناء وجوده في باريس يعني في كثير من تصريحاته وكلامه كان يتحدث عن القضية الفلسطينية، عن الوضع الفلسطيني الظالم والمظلوم. هذه يعني مبدأيّة أساسية لدى الخميني كانت في باريس في لقاءاته وفي فتاواه، أنّ "اسرائيل" هي دولة ظالمة، وفي شعب مظلوم ويجب إعادة الحق للمظلوم. وحينما تولّى الحكم يعني مباشرة طوّر فقه الظالم والمظلوم؛ فقه كامل، وأنه لا يمكن لدولة يعني سمّت نفسها بالجمهورية الاسلامية الإيرانية أن تقبل ببقاء الظالم ظالمًا والمظلوم مظلومًا، فتغيّرت تحولت يعني في منتصف الثمانينات تحوّلت السياسة الايرانية بشكل واضح إلى يعني محاولة إحقاق الحق للمظلوم، وأصبحت قضيّة القدس القضية المركزية التي بشكّل عملية الظلم والمظلوم. ويهذا يعني أصبحت في العقيدة الدينية الإيرانية نفسها التي وضعها الإمام الخميني، هذه قضيّة هامة جدًا. ولذلك كل بناء الدولة عمليًا توجّه نحو قضيّة إحقاق الحقّ من الظالم مقابل المظلوم. يعني وهذه جزئية النّاس أحيانًا تتناساها أنه هنالك في جذر القضيّة الفكرية الدينية الإيرانيّة هذه القضية الأساسية. ومنها يعني ممكن اشتقاق الأمور الأخرى التي يعني بدأت. ولذلك يعني نتنياهو يقول منذ 35 عامًا تقريبًا أنّ إيران تتجه نحو العداء مع "اسرائيل" ويجب القضاء على هذا العداء مباشرة وهو في أوّله. ولكن طبعًا لم يستطع يعني، وحاول عدّة مرات يعني. "اسرائيل" حاولت عدة مرات أن تُحذّر الولايات المتحدة وأن تُشركها في محاولة لضرب التكنولوجيا الايرانية، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك. الآن الظروف اختلفت، وقد يحصل هذا الشيء يعني في الأيّام القريبة القادمة لا نعرف إلى أين تتجّه الأمور. نعم.

 

أحمد البيقاوي: [01:01:17.17]
طيب دكتور من مكان ثاني في ادّعاء أيضًا إنّه يعني الجذر الذي حضرتك تفضّلت فيه. البعض يدّعي أنّ إيران دولة براغماتية أيضًا شاهدناها بكثير مواضيع. فممكن فعليًا أن تتكيّف مع ظروف موجودة حولها وأمر واقع موجود. وخاصة انه في تاريخ طويل من اللحظة اللي انت تفضلت فيها. وبذات الوقت يقال أيضًا أنّ حالة النشاط الاقليمي لإيران أو حالة التمدد الموجودة عندها بالنسبة لـ "اسرائيل" هي عبارة عن قلق، لا يمكن فعليًا أن تتعايش معه.

 

محمود يزبك: [01:01:49.99]
نعم، عمليًا يعني هذا نظام براغماتي، طبعًا براغماتي، يعني واضح مئة في المئة. ولكن على الرغم من هذه البراغماتية يبقى فيه شيء اساسي؛ في قاعدة اساسية. يعني مثل الدولة الصهيونية مثل "اسرائيل" هي دولة براغماتية من ناحية واحدة، ولكن في شيء اساسي لا يمكن التنازل عنه "يهودية الدولة". ولذلك يعني إذا أخذت الدولة اليهودية الآن "اسرائيل" فيها يعني متدينين يشبهون من فكرهم الديني من ناحية التصرّف الديني اليوم وإلى آخره. والكلام الديني بحكي عنه لحاله، يعني يشبهون المسلمين، متزمتين مثلهم، ولكن يعني هؤلاء يشكلون مجموعة من السكان في "اسرائيل". في ايران النظام نفسه هو من الناحية الدينية يعني الدينية الاجتماعية التطرف الديني الاجتماعي له يعني مقولات معيّنة. أنا لا أريد أن أصفها متزمّتة أو غير متزمّتة لأنّه لا يهمني هذا الشيء. يعني هذا يهم الشعب/ الشأن الإيراني الداخلي نفسه، يقبل به لا يقبل به هذا هو شأنه هو، أنا لا يعني لا أريد أن أضع أخلاقياتي أنا كأنها هي الموجّه للآخرين. طبعًا لا. فلذلك يعني حينما يأتي نتنياهو في الأيام الأخيرة، ويقول -حتى لا يذكر اسم إيران، ويقول نظام "آية الله". يعني عندك في "إسرائيل" طيّب أنت يعني جزء كبير من أعضاء الحكومة الإسرائيليّة هم يعني تقريبًا بنفس الفكر الديني من ناحية المنهجيّة الدينيّة. طيب لماذا لا تسمّي الذين عندك "آية الله" أيضًا؟! فلذلك هي يعني دعاية سياسية، إنما البراغماتية هي مثلًا أنا أعتقد أنه حينما حصلت الحرب العراقيّة الايرانيّة بعدها مباشرة ووصول الطرفين الى طاولة المفاوضات. لإيران لم يكن مشكلة -على العكس- إقامة العلاقات الطيّبة مع العراق بعد أن انتهت الحرب. ولا ننسى أنه يعني في العراق هنالك نسبة كبيرة من السُّكّان ينتمون للطائفة الشيعية.

 

محمود يزبك: [01:04:20.74]
وإيران بما أنها الدولة الكبرى يعني شيعيًّا يجب أن توفّر لهؤلاء نوعًا من الغطاء الديني. ولذلك حتى في دول المنطقة يعني الخليجية المحيطة بإيران. حينما بدأت إيران تُطوّر التكنولوجيا كان نوع من تخويف رهيب جدًا من إيران. يعني أمريكا -"إسرائيل" والدعاية الأخرى الصهيونيّة استعملت ذلك من أجل أن تصبح "اسرائيل" جزءًا من منطقة الخليج العربي لتقف مع الدول العربية ضد ايران. ولكن ايران استطاعت ان تخترق هذه السياسة الاسرائيلية، وأن تُطمئن السعودية وأن تطمئن دول الخليج الأخرى بأنه على العكس طالما انّ ايران تستطيع ان تقيم علاقات جيدة مع الجوار العربي، واستطاعت ان تفعل ذلك. ولذلك يعني أمريكا و"إسرائيل" يعني في نهاية الأمر كانا يخسران امام ايران التي يعني تفتح مروحيّة علاقاتها مع العالم العربي المجاور لها، بينما "اسرائيل" هي التي تجد نفسها خاسرة على الرغم من سياسات التطبيع التي قامت بها بضغط امريكي على بعض الدول العربية.

 

محمود يزبك: [01:05:39.71]
ولذلك البراغماتية هذه شيء مهم جدًا، ولكن هذه البراغماتية انا باعتقادي من خلال فهم للاستراتيجية الايرانية ليس من اجل يعني احتلال او تركيع او إخضاع الجوار. البراغماتية هي النهوض بالأمة العربية والاسلامية حسب الفهم الايراني من اجل محاربة الظالم. هذه هي. و"اسرائيل" تفهم هذا جيّدًا وأمريكا تفهم هذا جيّدًا. ولذلك الصراع هو كلما قويت ايران من الناحية الاستراتيجية والتكنولوجية والعقائدية حتى كلما قويت والاقتصادية طبعًا كلما هذا أعطى لايران فرصة لكشف الظالم أكثر وأكثر وإقامة يعني -التخوف- هو إقامة معسكر لاحقًا يعني استراتيجي من المظلومين أمام الظالم. وهذا ما يخيف نتنياهو و"اسرائيل". ولذلك هذه التطوّرات الحاصلة في ايران هي عمليًا يعني بالصُّلب ضد المصلحة الصهيونية ليس الاسرائيلية فقط انما الصهيونية كفكر ان يسيطر على المنطقة، يعني ما معنى؟.. يعني انا لا أريد أن اتفرّع على الاتفاقات الابراهيمية (التطبيعية) ومعناها ومغزاها ولا غيره، يعني حتى تعرف ماذا؟ انا يُذكّرني هذا حين تم توقيع اتفاقية السلام الاولى مع الاردن، اوّل مرّة (وادي عربة) كنت في موقع ما فيه نوع من الاستشارات، وكان رأيي أنه الشرط الأول للأردن حينما تُوقّع اتفاق مع "اسرائيل" هو ليس إقامة مناطق تجارية حرة كما يسمونها في اربد، انما الشرط الاول يجب ان يكون يعني نقل التكنولوجيا، المعلومات التكنولوجية. الفكر. التعليم من المعاهد الإسرائيليّة للمعاهد الأردنيّة، أهم شيء كان. ولكن للاسف اعتقدوا انّ هذه النصيحة فارغة. وأنه يكفي أن نُقيم مصانع في المناطق الحرة. وندفع للبنت خمس دنانير باليوم يكفي ونتخلص من البطالة. والنتيجة ان بعد هذه السنوات مما يسمى السلام نرى أين الاردن كدولة من التكنولوجيا وأين "اسرائيل" من التكنولوجيا. وأين المصانع التي أقيمت في اربد وغيرها. وكم من البنات اللواتي كنّ يتقاضين 5-4 دنانير في اليوم، استطعنا إنقاذها من منظومة الفقر. فلذلك القضية الأساسيّة، الصراع.. هذا يعيدنا إلى الصراع الاساسي في هذه المنطقة هو التكنولوجيا. امتلاك المعرفة. امتلاك التكنولوجيا والمعرفة التكنولوجية. الصناعة التكنولوجية، وليس استيراد التكنولوجيا من الخارج. أنت تستطيع ان تستورد كل مهندسين العالم وتدفع مئات الملايين وتُحضرهم على كل الدول الغنية التي نراها، ويقيمون لك الأبراج هنا وهناك. السؤال أنت هل تستطيع أن تُقيم البرج من نقطة الصفر إلى النهاية؟ إذا عندك مهندس أنت أعددته كمجتمع وكدولة ومؤسسة لإقامة هذه التكنولوجيا. هذا هو الفرق الكبير بين الاثنين. نعم.

 

أحمد البيقاوي: [01:09:15.74]
طيّب دكتور لأجل إيران تبني التكنولوجيا التي تحكي عنها فعليًا كانت تُشغل "اسرائيل" في معارك موجودة بالمنطقة. وكانت يعني بدل ما فعليًا تُسهّل على "اسرائيل" استهدافها داخل ايران. كانت فعليًا تُشاغلها كما يقال في المنطقة. وهذا في البعض رآه مشروع تمدد أو مشروع سيطرة لإيران أو غيره لكن هذا التمدد الموجود حين نحن نحكي أنّ إيران صار عندها نفوذ وحضور ووجود في فلسطين، في اليمن، في سوريا، في لبنان وغيرها من النشاطات، كم هذا أيضًا كان يُسبب قلقًا لـ "إسرائيل"؟

 

محمود يزبك: [01:09:52.86]
نعم هو يعني هو يعيدنا إلى نفس السؤال المركزي الجوهري.

 

أحمد البيقاوي: [01:09:57.27]
سنظلّ نرجع له.

 

محمود يزبك: [01:10:00.45]
هو قضية الظلم والظالم يعني هذه قضية الظلم/ الظالم، الوقوف مع المظلوم يعني أمام الظالم. طبعًا يعني هذه المصطلحات صغيرة ولكن يشمل في داخلها يعني منظومة فكرية كبيرة جدًا، وتمدُّد ما يسمى تمدد يعني هو عمليًا يعني منطق استراتيجي لمحاصرة الظالم أمام المظلوم، ولماذا يحقّ لـ "إسرائيل" إقامة علاقات إبراهيميّة مع دول الخليج ومع المغرب. المغرب حارس المسجد الأقصى يعني المسؤول في العالم الاسلامي عن المسجد الاقصى يقيم علاقات. طيّب لماذا يعني يحق لـ "إسرائيل" ان تقيم تتمدد الى هذه المرحلة؟

 

أحمد البيقاوي: [01:10:49.51]
اسمح لي، اسمح لي دكتور. أنا لا أسأل بغرض التشكيك بإيران، لكن أجرِّب أن أفهم الاسرائيليين، العقلية الإسرائيلية كيف تعاطت مع الموضوع؟وليس الأمر كما تعتقد.

 

محمود يزبك: [01:10:59.32]
هذا بأثر رجعي..

 

أحمد البيقاوي: [01:11:03.67]
لا، لأنني أحسست أنه قد تم فهمي بشكل خاطئ.

 

محمود يزبك: [01:11:05.65]
لا لا، أنا أسأل نفسي ليس إلا. يعني المنطق هو أن لدولة ما مثل "إسرائيل" يحِق لها أن تقيم علاقات إبراهيميّة وعلاقات يعني تطبيع وإلى آخره. وتسعى الآن في الأيام الأخيرة تسعى لتوسيع العلاقة الإبراهيمية مع المملكة السعودية مثل ما كانوا يقولون في "إسرائيل". بينما لا يحق لدول أخرى أن تفعل نفس الأمر في أماكن أخرى. هذا طبعًا منطق الدعاية الأعوج. بمعنى أنه نعم يحق لإيران أن يكون لها علاقات إستراتيجية في كل المنطقة؛ لأن هنالك صراع كبير في المنطقة تقوده "إسرائيل". والطرف الآخر الصاعد في هذه المنطقة هو إيران. ولذلك يعني في لبنان فلنفرض يعني هنالك طبعاً مجموعة شيعية هامة جدًا من المجتمع اللبناني. وهذه المجموعة الشيعيّة عمليًا قد تم تغيير موقعها الاجتماعي السياسيّ في الدولة اللبنانية بمساعدة من إيران. ما المشكلة؟ أين تكمن المشكلة؟ أنا لا أرى في ذلك مشكلة بالنسبة لي. ثانيًا، يعني في فلسطين، إيران تجنّدت تجنّدًا كاملاً إلى جانب حركة المقاومة الإسلامية. هذا يزعج طبعًا "إسرائيل"؛ لأنها لا تريد أن يكون مع حركة المقاومة الإسلامية أي طرف داعم. ولذلك يعني فهذه قضيّة دعائيّة ليس أكثر وليس أقل، ولكن القضيّة الدعائية ما زالت "إسرائيل" تستطيع أن تجنِّد العالم الغربي الاستعماريّ إلى جانبها الذي ما زال يفكر في الطريقة الاستعمارية نحو المنطقة العربية الشرق أوسطية، والدول العربية والإسلامية موجودة في موقع أدنى في هذه العملية الدعائيّة تجاه الدول الاستعمارية، يعني بريطانيا، فرنسا، ألمانيا مثلاً هذه الدول الكبيرة يعني هذه دول استعمارية كاملة يعني خاصّة بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط. أنا أسال نفسي هل الموروث الاستعماريّ لدى هذه الحكومات انتهى مع انتهاء الاستعمار في المنطقة؟ أم أنّ الموروث الاستعماري ما زال يبحث عن عميل ليعمل من أجل تثبيت الموروث الاستعماري؟ و"إسرائيل" على استعداد كانت أن تكون هي هذا العميل الذي يؤسس ويقوّي الموروث الاستعماري في المنطقة.

 

محمود يزبك: [01:13:55.48]
ولذلك يعني فرنسا، بريطانيا هي ليست قضية أن تدافع عن "إسرائيل"، إنما القضية أكثر من ذلك. هي تريد أن تثبت أخلاقيًا أن الموروث الاستعماري أو المشروع الاستعماري الذي كان في الماضي هو موروثًا حضاريًا وثقافيًا حتى هذا اليوم، يعني الشيء الغريب أن شعوبنا العربية وقيادتنا العربية عمليًا تتجاهله! هل هنالك أحد في العالم ينكر أن الاستعمار شيء سافل ومنحطّ وحقير وسلبيّ؟! لا أحد عاقل ينكر ذلك، ولكن الاستعمار أراد بعد انتهاء الفترة الاستعمارية الحقيقية على الأرض، أراد أن يثبت ويظهر في التاريخ أو في الموروث الحضاري أن الاستعمار ما قام به هو موروثًا حضاريًا إيجابيًا لشعوب المنطقة التي استعمرها، وكأنّ هذا الاستعمار لولا وجوده لما وصلت هذه الشعوب إلى ما وصلت إليه الآن. فالاستعمار شيء إيجابي وشيء رائع بالنسبة له، والذي يستطيع أن يقول لك أن الاستعمار شيء إيجابي فهو المستعمر الجديد، هو الإسرائيلي الجديد الذي يقوم بنفس السياسة. ولذلك هنا التقت المصالح لقاءً كاملاً، وللأسف حتى المفكر العربي ومع الدول العربية والقيادات العربية لم تستطع أن تواجه بل وحتى لم تواجه! هذه المقولة في الموروث الحضاريّ الاستعماريّ لمصلحة السكان. يعني نفس المقولة التي تم قولها حينما بدأ الاستعمار في القرن التاسع عشر. الآن هي عبارة عن موروث حضاريّ إيجابي. يعني فرنسا تمنُّ علينا نحن العرب في لبنان أو في الجزائر تمنُّ علينا بقولها: نحن عملنا لكم الكثير!

 

محمود يزبك: [01:16:04.41]
ولولانا لكنتم بعيدين جدًا لا زلتم عمّا أنتم عليه اليوم! الجزائر ضحّت بمئات آلاف الناس؛ أكثر من مليون ونصف بني آدم، ويقولون بكل ثقة طبعًا نحن عملنا هذا الشيء من أجلكم، من أجل مصلحتكم! ونفس الأمر بريطانيا جاؤوا واستعمروا فلسطين وأماكن أخرى، ويقولون هذا من أجل مصلحتك أنت. أنا أقتلك من أجل مصلحتك، هكذا يقولون! أنا آخذ خيرات بلدك من أجل مصلحتك! يعني هذا المنطق الأعوج والذي يتماهى معه بعض العرب المتمغربين يعني ما يسمى أنهم يريدون وينظرون للحضارة الغربية بنظرة إعجاب. بينما يعني أنا باعتقادي أننا نحن كشعب بل شعوب عربية دعنا نقول، وقومية عربية لا نستطيع أن نملأ الدنيا حضارة من هنا وآخر العالم. ولكن يجب علينا أن نؤمن بقدراتنا. أن نؤمن بمعرفتنا، أن نؤمن بأننا نخطط من أجل أن نفعل هذا، وهذا لا يأتي هكذا جزافًا يعني لوحده، لذلك يجب أن تكون مؤسسة اسمها دولة، وهذه الدولة تخطط من أجل يعني كما فعلت إيران؛ إقامة مؤسسات تخلق التكنولوجيا، تعلم التكنولوجيا، ومن ثم يأتي كذلك دور القضية الحضارية. يعني لو ذهبنا إلى أوروبا وأي مكان آخر وسألنا ما هي الحضارة الإيرانية؟ الدعاية التي تسيطر على الفكر العالمي هي أن إيران هذه دولة متزمّتة دينيًا وإلى آخره، يلبسون على رؤوسهم، وأمور من هذا القبيل. هذا ما يفهمونه. إنما يعني لو جئت إلى الحضارة الإسلامية وقرأت كتب الإسلام ورأيت كم عدد الذين هم من كبار المفكّرين الإسلاميين في العالم على مر العصور كانوا يتحدثون اللغة الفارسية، يعني لكان اختلف الأمر! لكن يوجد محو كامل لكل ما يسمى حضارات إسلامية وعربية في هذه الفترة، نعم.

 

أحمد البيقاوي: [01:18:06.59]
دكتور انت هكذا حكيت لي فعليًا كيف "إسرائيل" تعزز من مكانتها السياسية وحضورها السياسي وكيف أصلا تُقدّم حالها يعني إذا ينفع أن نقول حامية الحضارة الغربية في هذه المنطقة. على مستوى عسكري أيضًا نسمع دائمًا إنه "اسرائيل" تستثمر او تبالغ في الحديث عن الخوف أيضًا لأجل الصناعات العسكرية او الدعم العسكري وكي تعزز من موقعها العسكري. ممكن تحكي لي أكثر كيف "إسرائيل" تستفيد عسكريًا طوال الوقت من كل المعارك والحروب والمخاطر التي تحكي عنها.

 

محمود يزبك: [01:18:37.86]
يعني المعركة الأولى الأساسية باعتقادي هي معركة 1967. حينما انتصرت "إسرائيل" وانتصرت "إسرائيل" يعني لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك على دول عربية خلال ستة أيام، الآن لا يهم كيف حصلت المعركة، وكيف انتصرت لأن هذه قضية ثانوية، إنما أصبحت عند الدعاية الإسرائيلية أن هذا الجيش الإسرائيلي جيش يعني كبير وقويّ ولا أحد يستطيع أن يقترب منه. يمتلك كل ما يمتلك في العالم خلال ستة أيام. مصر، الأردن، سوريا! أكثر من ذلك! ماذا نريد بعد ذلك يعني؟! فمن هناك بدأت عملية التدرج في أن "إسرائيل" لكونها دولة غربية، وهنا يعني الاعتماد الآن أن "إسرائيل" دولة غربية، هي في الشرق ولكنها غربية؛ بحضارتها، بثقافتها، بمقوِّماتها. فتستطيع أن تسيطر وتنتصر على كل من هو شرقيّ وغربيّ. ويعني كان أمرًا سهلًا جدًا لشرح هذا ولتسويق هذا بل وأكثر من ذلك. يعني المقولة الثانية مباشرةً أن في حرب 1967 هذه حينما احتلت اسرائيل كل تلك المناطق، احتلتها بإنسانية، احتلتها بمعايير القانون الإنساني الدولي. بمعنى أنها لم تقتل أطفالًا، لم تقتل نساءً، لم تعذب أسرى وأنها تركتهم كلهم يعني ما شاء الله عليهم! فيعني خلقت نوع من معايير تتناسب مع معايير القانون الإنساني الدوليّ الذي كان يتصور في تلك الفترة، والكل اشترى هذا. إنما صور ما حصل للجنود المصريين مثلًا في غزة، وكيف تم تعذيبهم وقتلهم، فلا أحد تكلم عن ذلك! لأن المهزوم لا أحد يتحدث عنه، بل يتحدثون عن المنتصر. ومن هناك بدأت تتطور بشكل متسارع قضية أن هذه الدولة الغربية في الشرق الأوسط ليست دولة قد أقيمت بشكل استعماري إحلاليّ.

 

محمود يزبك: [01:20:51.22]
إنما دولة شرعية، وغير الشرعيين هم هؤلاء الناس الذين يمنعون تطورها. ومن هؤلاء الناس الذين يمنعون تطوّرها؟ هم هؤلاء العرب المحيطين بها! هذه هي الدعاية بكل بساطة. وكلما تقدمت السنوات أكثر وأكثر كلما هذه الدعاية أخذت تتصاعد، ويوجد من يؤيدها بشكل أكبر وأكبر في العالم. ولم تستطع الدول العربية مواجهة هذه الدّعاية لأنه أولًا لم يكن هنالك برنامجًا مخططًا له كيف تواجه مثل هذه الدعاية، وسقطت الدول العربية في حرب 1973 وحروب أخرى، احتلال لبنان 1982، وكأنه لم يستطع هذا التغلب على الفكرة التي زرعتها "إسرائيل". يعني أكثر من ذلك، يعني بعد 1967 مباشرةً أنت رأيت يعني متطوعين ليسوا يهودًا، كانوا يأتون من دول مختلفة في العالم. والحركة الصهيونية و"إسرائيل" قامت بتمويل هؤلاء المتطوعين ليأتوا إلى "إسرائيل" ليروا النموذج المتطوّر للكيبوتس وكيف يعمل، والزراعة وإلى آخره. ويعني حينما تلتقي ببعض هؤلاء المتطوعين الذين جاؤوا "اسرائيل" ومن ثم عادوا إلى بلادهم دخلت فيهم مثلًا في أمريكا أو في انجلترا أو إلى آخره.. يقول لك أنه يعني استفاق من الواقع بعد مدة طويلة، ولكن خلال وجوده في "إسرائيل" وبعد وجوده بمدة طويلة اعتقد اعتقادًا كاملًا بأن الرجل الأبيض له رسالة، ورسالة الرجل الأبيض تم تطبيقها على أرض الواقع من قبل "إسرائيل"، وأنت يعني الفلسطيني المظلوم يعني تصبح ثانويًا في هذه المعادلة طالما انه لم يكن هنالك من يخطط كيف يواجه هذه المعادلة؟ نعم.

 

أحمد البيقاوي: [01:22:54.48]
طيب دكتور مرة ثانية سأسأل السؤال العسكري كي أرى فعليا فكرة الفائدة او العائد الموجود بشكل اساسي. "اسرائيل" فعليا عندها تكنولوجيا عسكرية تبيعها، وبنفس الوقت ظهر عندنا بحرب بالابادة في غزة تحديدًا إنه "اسرائيل" ما عندها مخزون من السلاح كبير. حتى بعض القنابل النوعية الكبيرة التي كانت تُضرب تسمّى بأسمائها. ويُحكى فعليا هذه وصلت حديثًا قبل اسبوعين او 3 او 4. الآن طوال الوقت حفاظ "إسرائيل" على حضور الاعداء وتضخيمهم وتضخيم الخوف منهم. ثم تجبر حلفاء "اسرائيل" في الغرب على طوال الوقت على دعمها عسكريًا ودعمها بالسلاح. ينفع أن أقول أنّ "إسرائيل" أيضًا خلال وجودها طوال الوقت تسعى لتضخيم الخطر الموجود عليها كي تبقى تعاظم من قوتها العسكريه في المنطقة. في دلائل على هذا الشيء الذي أقوله؟

 

محمود يزبك: [01:23:51.25]
طبعًا مئة بالمئة. هذه مقولة مئة بالمئة صحيحة لا شك بذلك. وإذا أردت خذ قبل يوم أو يومين، البارحة، يعني أنا في عدة مقابلات البارحة قد استشهدت في مقال تم نشره في "يديعوت احرونوت". المقال يتحدث بشكل مفاجئ، أنا يعني قد فاجأني جدًا. يتحدث على أن منظومة الصواريخ الاعتراضية التي تسمى "حيتس3" وهذه تصنَّع في "إسرائيل" (المنظومة). تقريبًا نفد أكثر من نصفها خلال أسبوع واحد من الحرب. أنت تقرأ هذا في "يديعوت أحرونوت" يعني غريب الأمر! والمراقب العسكري في حالة مقال من هذا النوع لا يمكن أن يُنشر دون تأشيرة المراقب العسكري الإسرائيلي. فما الهدف من هذا؟ لماذا "إسرائيل" يعني وكأنها تتباكى على أن منظومة الصواريخ التي تعترض الصواريخ الإيرانية بدأت بالانخفاض، أعدادها تقل، ولا يستطيعوا إنتاج يعني كميات كبيرة. لأنهم في الصين ينتجون ربما 150 إلى 200 صاروخ من هذا النوع. لذلك تسأل نفسك سؤال لماذا؟ ماذا تريد "إسرائيل"؟ ماذا يريد المراقب العسكري؟ وطبعًا المراقب العسكريّ أعطى هذا الأمر بعد أن استشار على ما يبدو سياسيين في هذه القضية. وقال لـ "يديعوت احرونوت" انشروا الخبر، انشروا المقال. بمعنى أنه يقول أن "إسرائيل" اذا لم تساعدوني الآن ويوجّه الكلام إلى الولايات المتحدة في هذه الفترة التي أشعر فيها بالضعف. وها هي الصواريخ بدأت تقل عندي. فمعنى ذلك انه قد تعطى الفرصة لإيران لتنتصر علينا.

 

محمود يزبك: [01:25:43.65]
ولذلك نحن الآن في محادثات مع الرئيس الأمريكي نحاول إقناعه. يعني "إسرائيل" تقول: نحاول إقناعهم بالدخول إلى الحرب. وإذا لم تدخل يا رئيس أميركا إلى هذه الحرب وصواريخنا قد التقت؛ فمعنى ذلك أنك تعطي الفرصة للطرف الآخر العدو أن ينتصر عليك. الأمر الثاني، في نفس اليوم يعني تقريبًا كل التلفزيونات الإسرائيلية تتحدث عن الصحافة، تتحدث عن أن "إسرائيل" من ناحية أخرى تقريبًا قد قضت تقريًبا على المقدرة العسكرية الإيرانية يعني في الداخل. وتسيطر على أجواء إيران بشكل كامل. لمن يوجّه هذا الكلام؟ هل يوجه للمجتمع الاسرائيلي أم يوجّه للطرف الآخر؟ هذا يوجّه واضًحا. يعني إظهار القوة الاسرائيلية ليس ضعف، هناك في المقال الأول إظهار الضعف الإسرائيلي واستعطاف الرئيس الأمريكي أن ياتي لإنقاذنا. من ناحية أخرى يظهر القوة الاسرائيلية وأن أمريكا إن دخلت إلى هذه الحرب لن تدفع ثمنًا كبيرًا. نحن يعني نظفنا الحارة أمام القوات الامريكية. تأتون أنتم الأمريكان تضربون على المفاعل النووي وتذهبوا دون أن تخسروا خسائر كبيرة جدًا. وهكذا تتورط الولايات المتحدة في حرب، لذلك الدعاية الإسرائيلية حسب الحاجة؛ تتباكى وقتما يريد أن يتباكى من أجل إيجاد مصلحة ما، وأن يُظهر قوته، ولذلك هذه معادلة دائماً يتم استعمالها ويجب الانتباه إليها حينما تصدَّر إعلاميًا في "إسرائيل".

 

أحمد البيقاوي: [01:27:26.39]
في نفس الوقت خلال هاتين السنتين فعليًا ثمّة شيء صار واضحًا أن الأصدقاء وأصدقاء "إسرائيل" صاروا يشعرون أنها عبئًا عليهم، وصار هنالك حديث طوال الوقت بشأن كيف أن "إسرائيل" تجرّ فعليًا أصدقائها نحو معارك هي لا تريدها، وواضح لنا من الذي تفضّلت به حضرتك بذهنية "إسرائيل" ونهجها بقضية صناعة الأعداء طوال الوقت، والاستثمار بالخوف، أن هذا الأمر يعني يتحول واليوم نراه واضحًا، يتحول إلى عبىء على حلفاء "إسرائيل". ورأينا هذا الشيء ربما قبل يعني بضعة أشهر قليلة بقضية الإبادة، حين بدأت الدول الأوروبية ترفض فعليًا حصار غزة والإجراءات الموجودة. بالعقلية الصهيونية، من أين يستمدون الثقة بالاستمرار بصناعة الأعداء، وصناعة المعارك، وهم لديهم قناعة أن الأصدقاء -ما بين قوسين- الموجودين عندهم طوال الوقت سيبقون ملتزمين معهم بدعمهم؟

 

محمود يزبك: [01:28:21.60]
نعم هذا مئة في المئة صحيح، ولكن حتى الأوروبي الذي قبل شهرين أو ثلاثة بدأ يتململ، يعني يُجرّ إلى مناطق لا يريد أن يصل إليها. في نهاية الأمر حينما بدأت القضية الإيرانيّة قبل أسبوع فقط، رأينا ما هي المواقف الأوروبية في هذا الصراع. يعني لم يكن هنالك صوتاً واحدًا في اوروبا ياتي الى "اسرائيل" ويقول يا جماعة الخير (خففوا قليلًا). دعونا نستمر بالكلام والمفاوضات. الكل تجنّد الى جانب "اسرائيل" والكل وقف ضدّ ايران بمعنى انه "اسرائيل". نعم مثلما قلت هذا كلام صحيح. تستطيع أن تعتمد على هذا الدعم الاوروبي حتى على الرغم من أنف أوروبا. والسبب في اعتقادي يعود إلى الماضي الاستعماري لاوروبا. لأن "اسرائيل" طوّرت نفسها، واوروبا قبلت أن تطوِّرها أنّها هي يعني الممثل الغربي في منطقة الشرق الأوسط للدول الاوروبية والحضارات والثقافات الاوروبية.

 

محمود يزبك: [01:29:29.32]
لا بريطانيا ولا فرنسا ولا ألمانيا ولا غيره على استعداد أن تُفرّط بـ "إسرائيل" طالما أنّ "إسرائيل" هي التي قدّمت نفسها وما زالت تُقدّم نفسها بأنها يعني المُقدّمة للمشروع الأوروبي ككل، الحضارة والثقافة الاوروبية. ولذلك يعني حتى ماكرون نفسه الذي أراد أن يقيم مع السعودية اجتماعًا لدعم القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة في نيويورك، يعني تجده حينما بدأت بدأت القضية الإيرانية يتململ، هل سيستمر في هذا المشروع أم سيتراجع عن هذا المشروع؟.

 

محمود يزبك: [01:30:04.67]
لا يوجد، لأنّ أوروبا، ودعني أقول لك: أنا حتى أقولها أكثر، الفشل هو فشل عربي. الفشل هو فشل إسلامي، على أنه لا يستطيعون ولم يستطيعوا ولم يحضّروا أي برنامج متدرِّج متواصل خلال سنوات طويلة للوقوف أمام هذه الدعاية الأوروبية. وأنه أنتم يا اوروبيين مخطئين. يعني الإثبات للمجتمع ومن ثم الحكومات الاوروبية. أنّ هذا الموقف الاستراتيجي من "اسرائيل" هو موقف خاطئ، ولكن الأهم من كل هذا أنا باعتقادي هو موقف الولايات المتحدة، الذي الاوروبي كله، كل المحيط الاوروبي ما يزال حتى هذه اللحظة يعني يلعب في الملعب الامريكي، وبما أنه الملعب الامريكي يستطيع أن يجرُّ الآخرين لتأييد الموقف الاسرائيلي فهنا هذه المعضلة الكبيرة، وأنه ليس في المشروع العربي الذي يريد أن يُغيّر. يعني انظر ماذا حصل عندنا في قبل اسابيع عند العرب. مليارات الدولارات استثمرت في الولايات المتحدة دون أن نستطيع أن يعني على الأقل طلب بسيط جدًا. يا عمي أوقفوا الحرب بغزة. أنت تقدر، وأنت تستطيع يا سيد ترامب أن توقف الحرب في غزة. وكفى. لم يستطع. شربة ماء لم يقدر أن يُدخل على غزة. ودفعنا -يعني دفع العرب- يعني هذه الأموال الخياليّة ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا. هذه هي المعضلة، نعم.

 

أحمد البيقاوي: [01:31:39.87]
في نقطة دكتور، لو أزلنا الجذر الذي حضرتك تفضّلت فيه.

 

محمود يزبك: [01:31:44.82]
ينادون عليّ.

 

أحمد البيقاوي: [01:31:46.68]
حاضر حاضر. سأسأل هذا، آخر سؤال وبعدها نسجل فقط نقطة ونغلق على هذا. شكرا لك.

 

أحمد البيقاوي: [01:31:58.86]
في نقطة أخرى دكتور بقضية لو نحيّنا (همّشنا) الجذر العدائي الذي تفضلت فيه وقضية الظالم والمظلوم وقضية التكنولوجيا وكل شيء في شيء أو قضية حتى المفاعل النووي والقنبلة النووية التي يُحكى عنها كثيرًا اليوم بالأخبار أنّه لن يُسمح لإيران بأن يكون لها قنبلة نووية. لو نحيّنا (جنّبنا) كل هذا الحديث هل أقدر أن أقول أنّ "اسرائيل" لن تسمح لأحد في هذه المنطقة بأن تكون دولة قوية، بمعنى إنه حتى لو خرجت هذه الدولة فعليًا وقالت إنه أنا لا أريد أن أعادي "اسرائيل" وانا أريد أن يكون عندي سلام. لن يُسمح لها بأن تكون دولة غنية، لن يسمح لها بأن تكون دولة قوية، لن يسمح لها أن يكون عندها مضادّات طيران على سبيل المثال، حتى لو ما أسست جيش لن يُسمح لها بأن تكون دولة على مستوى الاقتصاد فقط إذا سأقول بهذا الشيء. هذا الادّعاء تراه دقيقًا، وفي شواهد عليه أو لا؟

 

محمود يزبك: [01:32:53.83]
هذا الادّعاء مئة في المئة صحيح. يعني انا اعتقد مئة في المئة. تعرف أكثر شيء يعني شاهد على هذا الشيء هو التطبيع. ما معنى التطبيع؟ تطيبع وطبّعنا. هل الدول التي طبّعت كانت متضررة من الصراع العربي الإسرائيلي او الفلسطيني الإسرائيلي؟ هذه الدول العربية التي طبّعت (علاقاتها) مع "اسرائيل" اصبحت يعني في عندها مكاسب من هذا التطبيع؟ هذا السؤال. إذا كان الدول العربية التي طبّعت مع "اسرائيل" كانت متضررة من الصراع العربي الفلسطيني، الفلسطيني/ الاسرائيلي. والله نقول كانوا متضررين يعني حرام، والله دفعوا أثمانًا باهظة. إنما أنت لا علاقة لك مع "اسرائيل". غير متضرر. على العكس. يعني انت سعيد ودفعة واحدة تقيم علاقات تطبيع مع "اسرائيل" في المنظومة الابراهيمية وإلى آخره. طيّب هل استفدت؟ هل في عندنا استفادة حقيقيّة لهذه الدول التي طبّعت مع "اسرائيل"؟.

 

محمود يزبك: [01:34:00.11]
تعال نسأل أنفسنا ماذا استفادت؟ يعني لو اخذنا الاقتصاد في دولة الامارات مثلا؟ قبل اتفاق التطبيع وبعد اتفاق التطبيع ماذا نجد؟ نجد شيء واحد استفادت منه دولة الامارات استفادت استفادة كبيرة جدًا هو عدد الطائرات التي تأتي من السوّاح من "اسرائيل" إلى الإمارات إلى دبي. يعني كم عدد هؤلاء؟ هل هؤلاء السواح الذين ياتون من تل ابيب عبر "طيران دبي" أو "الاماراتية" إلى الامارات، يعني غيّرت الميزان التجاري في دبي ولا في دولة الامارات؟ عيب يعني لم تغيّر بأي شيء ولو قيد أنملة. فلذلك هذه الدول لم تستطع أن تغيّر شيء في ميزانها التجاري ولا العسكري. وعلى العكس الآن هي مربوطة ربطًا كاملًا مع امريكا لا تستطيع حتّى اتخاذ موقف سياسي!

 

محمود يزبك: [01:34:58.68]
يعني انظر ماذا حصل. الحرب على غزة (منذ) سنتين تقريبًا. السّفير الإماراتي في "اسرائيل" لم يفتح فمه، لم يتحدث ولو بكلمة واحدة. وانت ترى امام عيونك 16 الف طفل يا رجل يقتلون خلال سنتين! 16 الف طفل غير النساء والأبرياء كلمة واحدة! ولو ما هذا التطبيع؟ إذًا هي القضية أنّك حينما تُطبّع تصبح جزءًا من منظومة أنت مُهيمن عليك. ولذلك يعني حينما أوجّه السؤال للسفير الاماراتي، طيّب يا أخي كلمة واحدة على الأقلّ! أن يقول حرام قتل 16 الف طفل. ولكن هذه اسمها "الهيمنة التطبيعية". ولذلك يعني أي دولة عربية تريد أن تقيم علاقات مع "اسرائيل" أيًا كانت تكون من الدول الجديدة الت لم تقم بعد علاقات مع "اسرائيل" يجب أن تفهم شيئًا واحدًا: أنّها تحت الهيمنة الاسرائيلية. وهذا يُعيدنا إلى الوراء، إلى قضية الخمس دنانير في المناطق الحرة (الأردن) كم عامل وعاملة تعلّموا من هذه التجربة؟ لا أحد. أنت أصبحت تحت الهيمنة الاسرائيلية وليس أكثر من ذلك. والمبسوط (السّعيد) بهذه الهيمنة يا أخي الله يعطيه. ماذا سنعمل له يعني أكثر من ذلك؟

 

محمود يزبك: [01:36:27.52]
ولكن يجب أن نكون متنبّهين إذا أردنا أن نكون أمّة -إن كنا في الإمارات أو في أي مكان آخر- يجب أن يكون لدينا المقدّرات والمقومات الذاتية لبناء أنفسنا. وإذا لم نستطع فعل ذلك، فهذه أمّة ودولة فاشلة، وستبقى فاشلة أيًا كانت تكون هذه الأمّة، إن كان في المنطقة العربية أو غير العربية.

 

أحمد البيقاوي: [01:36:51.02]
دكتور شكرًا جزيلًا. نحن نعطي المايك للضيف إذا أراد أن يعطي أي تعقيب، تعليق، نفي، تأكيد أي شيء، هذه مساحتك الحرة إذا أردت أن تحكي أي شيء. شكرًا جزيلًا لك تفضل.

 

محمود يزبك: [01:37:02.84]
أولًا أستاذ أحمد، أنا أريد أن أشكرك حقيقةً شكر جزيل جدًا. لم أتوقع أن يكون الحديث بهذه السلاسة؛ لأنه أولًا موضوع مهم جدًا بالنسبة لي شخصيًا، وأنت استطعت أن تُخرج من الداخل الكثير من المشاعر التي كانت دفينة، وجيد أن فعلتَ ذلك. فكل الشكر الجزيل. وإن شاء الله أتمنى لك التوفيق والنجاح. وأن نكون دروس للمستقبل بإذن الله، يسمعها الكل ويتعلم منها، شكرًا لك.

 

أحمد البيقاوي: [01:37:36.74]
الله يعطيك ألف عافية.

 

محمود يزبك: [01:37:38.90]
شكرًا لك. كل عام وأنت بخير.

 

جميع الحقوق محفوظة © 2025