تحولت الحدود في بلادنا -مهما ضاقت أو كبرت مساحاتها- إلى أسوار السجن الكبير، والذي مهما كبر يبقى صغيرًا. فرحة المتحرر منها تمامًا كفرحة أسير محرر يخرج ليعانق الحياة من جديد قبل أصدقائه وأهله عند بوابة عوفر. ولكنّ تلك الفرحة لا تتجاوز القليل من الوقت، فيعود بنفسه وبكامل إرادته إلى ذات السجن، ولو روحيًا، كأسير يصحو على أصوات رفاقه الأسرى، يذكرونه بأمانة العمل لتحريرهم، وعلى صوت روحه: "انت صدقت حالك؟!"، فيعود لنفسية الأسير والمعتقل والمحاصر، أينما كان. مهما طال الوقت أو حاول الإنكار، سيعود، كما نعود كل يوم إلى ذات السجن، حتى يفقد موقع بوابة الخروج، ويعتاد الأسوار، وتنتظم مشيته ضمن الحدود المسموحة. مع ذلك، لابدّ من الإنكار المستمر، إنكار السجن وكل تفاصيله، وتجديد محاولات الهروب منه في سبيل كسره يومًا ما، حتى لو كانت فكرة العودة حتمية!. يومًا ما ستنكسر كل السجون، ولكن، هل ستنكسر معها تفاصيل السجين فينا؟! لا أظن!، كذاك الأسير الذي خرج من سجون الاحتلال بعد ٢٥ سنة، وبنى بيتًا كبيرًا يجمعه مع عائلته الكبيرة، وصمّم زنزانة أسفل بيته بذات المقاسات والمواصفات لزنزانته، ليهرب إليها كل ما ضاقت او اتسعت عليه كل مساحات بلادنا، مساحات السجن الكبير.