نُخلق وننشأ بأسمائنا وأدياننا وأصولنا التي نستطيع التأقلم معها، أو قبول أننا لم نخترها وكفى، في المقابل، تجد الظروف والأحداث التي لم تختر منها شيئًا أيضًا، ولكنك تشعر بمسؤوليتها طوال الوقت، ومسؤولية تأثيرها عليك، فهي ما صنعك، وأنت نتاجها، فتحاول إدارتها، أو تغيير ما تود تغييره، حتى تحقق ما تود، أو تشعر بشعور أفضل، بكل بساطة.
هذا بالطبع، لا يشمل عمومنا، بل من ابتلاهم الخالق بخاصية المراجعة والحفر الذاتي الذاتي في مسارات الحياة، ابتداء من أول لحظة وعي، إن حضرت، بجانب من ابتلاهم الخالق أيضًا بمحيط فيه أصحاب لديهم هذه الخاصية، ويشعرون أن من يعيش من دونها ناقص.
قد تقضي حياتك تحاول تغيير وقع حادثة أو ظرف، تجلد نفسك طويلًا على ما كنت، وعلى كونك هذا، تُخلص في الجلد، فأنت على قناعة كاملة بمسؤوليتك، على ما جرى ويجري، وعلى ما أنت عليه، تجلد بقدر حاجتك لمسح حادثة أو ذكرى وكل تبعاتها، بقدر ما تكره ما أنت.
لو كان هذا النقاش يدور حولك وحدك ومعك فقط، كانت ستكون المهمة أسهل، كسهولة اكتشاف أن البهارات المركزة في الطعام تُهيّج معدتك، ستقاوم لفترة حب إضافتها وطعمها، قد تخفف البهارات في يوم، وتقنع نفسك في يوم ثان أن البطاطا المسلوقة المهروسة وجبة لذيذة، في النهاية ستدير رغبتك ومتعتك ومقادير البهارات، حتى تكتشف مقدار الخط الرفيع بين المهيج والمقبول لمعدتك. على سبيل التسخيف والتهوين طبعًا.
المشكلة أولًا، وهي الأكبر، أنك لا تعيش في جزيرة نائية خالية من البشر وتفاعلاتهم، وتفاعلك معهم، ستحتاج للتركيز بمسار إضافي، عليك أن تدير تفاعلاتهم مع ما كنت، سيذكرونك دائمًا بما كنت، سيقتلون طاقة جميلة تُحركك لمساحات، قد تكون بالفعل أكثر راحة.
اعذرهم، ولا تجلد نفسك أكثر، وتذكر أن وعيك لحاجتك سيكون متأخرًا دائمًا، وإن حضر مبكرًا، سيحضر دون طاقة كافية، وإن حضر مبكراً وبطاقة كافية، قد يحضر بجانب وعي مخادع، أنك تستطيع الاستمرار على ما أنت عليه. لا ذنب كبير عليك بكل هذا، ما دمت بتلك الدوامات.
وستعذرهم، لأنك بكل بساطة لن تستطيع التعبير عن كل هذا، حتى ولو ميزته جيدًا، لا لغة ستعينك.
ولأنك حتى حسمت ما حسمته، عرفوك وعرّفوك، يظنون أنهم يعرفوك جيدًًا، ويتحدثون بيقين عنك، حتى شخصيتك صارت تُعرّف بأن فلانًا يعرفها جيدًا، لن يضحوا لأجلك بالتنازل عن شيء من هذا، لن يهزوا ثقتهم بأدوات تحليلهم للآخر لأجلك، وحتى لو درات الأيام وصرت مكانهم، لن تنجح بفعل بتغيير المعادلة كثيرًا. لا ذنب كبير عليهم هم أيضًا.
من الممكن أن تكون تلك الدوامات قدر لا مفر منه، مسار حياة، قد يكون السفر والعزلة حل مؤقت يتيح لك التركيز في أبعاد أقل، في النهاية ستعود، أو قد يعودوا هم، إن كنت مرتاحا كفاية حينها، وعلى قناعة بأنك أتممت ما أردت، ولم يعد أمامك إلا قبول مجرد صور قديمة لك معلقة في أذهان كل من حولك، احذر التفاصيل التي لا تراها، احذر ذاك التعليق المخطوط خلف إحداها، احذر حتى الاستماع لهوامش روايات صورك التي تعرفها جيدًا، أيًا كان الراوي، احذر، قد تنكسر كل ادعاءاتك بالتجاوز والنسيان، هنالك ما لم تتجاوزه تمامًا، أو ما نسيت خوضه، هنالك ما سيعيدك إلى الدوامة الأولى، للبحث عن تعريف دوامات جديدة، دون أي فرصة للعودة لما قبلها، وكأنك ما نجوت، أبدًا.