في غزة، الحياة مش مجرد يوميّات..
سلسلة انتظار وخوف وترقّب، وتكتيكات صغيرة للبقاء، ممكن ما سمعنا عنها في الأخبار.
حياة في الحصار، وبين الحرب والهدوء وعودة الحرب، أو محاولة لعيش محطّات حياة معلّقة بين أسماء الشهداء والذكريات معهم، ومع الأمكنة أو ما تبقّى منها.
في هذه الحلقة من بودكاست تقارب، يوثّق مقداد جميل المقداد، من قلب مخيم الشاطئ، كيف عادت الحرب بعد إعلان وقف إطلاق النار، وكيف صار الناس يعرفوا القصف من "نغمة الصوت"، وكيف فقدت الحياة معناها البسيط.
🔹 كيف بتكمل يومك لما الزنانة ما بتسكت؟
🔹 هل فعلاً في لحظة وحدة آمنة؟
🔹 شو بصير بذاكرتك لما تمتلئ بالحرب والنزوح والشهداء؟
🔹 وهل الحياة اليومية في غزة حياة… ولا مجرد محاولة للبقاء؟
نحكي عن:
– لحظة العودة إلى المجزرة
– "المشهد الطبيعي" بعد إعلان الهدنة
– كيف صارت الغزّاوْة تسمّي أيامها بأسماء الحروب
– ولِماذا حتى الذاكرة الشخصية… مش ملكك تحت القصف
🧑💼 الضيف: مقداد جميل المقداد – كاتب ومدوّن من غزة، يعيش في مخيم الشاطئ، ويوثق شهادته اليومية من قلب المجزرة.
🎙المحاوِر: أحمد البيقاوي
بودكاست تقارب: برنامج فلسطيني أسبوعي، يطرح أسئلة التقارب الفلسطينية.
شكرًا لصديق تقارب:
المهندس والصحفي سعد الوحيدي، على حضوره كواليس الحلقة ومناقشة أفكار الحلقة.
نرفق لكم في الأسفل نص تفريغ الحلقة الصوتية بالكامل:
مقداد جميل: [00:00:00.00]
كل واحد يطلع برّة (خارج) غزة، يقول يا عمي احنا مش عايشين وهذي كثير أنا سمعتها.
أحمد البيقاوي: [00:00:04.29]
كثير، كأن وقف إطلاق النار هو الضوء في آخر النفق، هو الموعد او التاريخ او الوقت المرتقب الذي بناءً عليه نقيس يومياتنا.
مقداد جميل: [00:00:14.28]
هو يمكن نحن دائمًا نحب الامل يعني بقدر ما هو قاتل.
مقداد جميل: [00:00:19.68]
أول لحظات حين حكوا إنه وقف اطلاق النار قريب جدًا وخلال يومين سيعلن عنه، الناس كلها كانت متبلّدة.
مقداد جميل: [00:00:28.35]
لكن حين دخلنا وقف إطلاق النار، ورجعت الحرب كانت وطأتها نفسيًا كثير صعبة، أصعب مما قبل الحرب.
مقداد جميل: [00:00:37.65]
ماذا هناك؟ يا جماعة الخير! هبلتونا. انا أين امشي أين أعيش طيّب؟!
مقداد جميل: [00:00:42.48]
أي سبب أيّ كلمة بين واحد والثاني تعمل خلافًا كبيرًا، يؤدي إلى مشكلة بين كل الموجودين.
مقداد جميل: [00:00:49.59]
السيجارة الواحدة وصلت (سعرها) 200 شيقل. في الهدنة رخصه وصلت 7 شيقل.
مقداد جميل: [00:00:53.73]
من كم يوم طلبتْ منّي "الآيس كريم"، طب نحن في حرب! وأنا بالنسبة لي لا أخاطر أن أخرجها (ابنتي) على الشارع اليوم!
مقداد جميل: [00:01:00.53]
كان في صوت غير صوت الزنّانّة (طائرة مسيّرة). في الحارة عندنا صراخ كبير. ماذا يعني الصراخ الكبير هذا؟ تعرف أن هناك مباراة.
مقداد جميل: [00:01:06.92]
أنا أين سأُنفِّس يعني؟ إذا هيك سيطلع ينفّس غضبه في أهل بيته مثلًا. وهذه -للأسف- مشكلة عبّرت عنها كثير مؤسسات وتقارير تحكي عن ازدياد حالات العنف الأسري.
مقداد جميل: [00:01:19.73]
مرحبًا أنا المقداد جميل مقداد، كاتب وباحث من غزة. موجود حاليا في شمال غزة. اليوم حكيت أكثر وبإسهاب كبير مع أحمد البيقاوي في "تقارب". حكينا بحوار كثير كان ممتع ومميّز. أخذت فرصة واسعة لأن أحكي عن الحياة اليوميّة في غزة، عن مشاهد عودة الحرب، ومشاهد العوده (من الجنوب للشمال). الحوار كان مميّزًا بالنسبة لي. أخذت فرصة أكثر إني احكي. الحوار كان ممتع، وشكرًا كثير لأحمد ولفريق العمل على هذه الفرصة.
أحمد البيقاوي: [00:02:14.63]
مرحبًا واهلا وسهلا فيكم في حلقة جديدة من "بودكاست تقارب" معكم انا احمد البيقاوي وضيفي لليوم العزيز مقداد جميل مقداد. أهالينا في غزة يعيشون يوميّات الإبادة بصعوبة بالغة. البعض فيهم يحكي فعليًا في الأمل بالنجاة والبعض الآخر يُسمّيه "وهم النجاة" من الحرب والإبادة. ولكن اللحظة التي توقف فيها إطلاق النار وصار وقف إطلاق النار الأخير كانت لحظة أمل ولحظة فسحة كبيرة جدًا. البعض بدأ يبني حياة، يرجع لبيته، ويبني فعليًا ويخطط لمستقبله. عودتها (الحرب)كانت من أثقل اللحظات على أهالينا في غزّة. لأوّل مرة كنت عندما أحكي مع الأصدقاء. اسمع صوت كسرة في أصواتهم منذ بداية الحرب ما سمعتها.
أحمد البيقاوي: [00:03:00.70]
في حوارنا لليوم. سنخوض مع مقداد، عن مشاهداته وشهادته على هذه الحرب وهذه الإبادة، ونخوض فعليًا في التفاصيل أكثر من لحظة وقف إطلاق النار وما بعدها، حتى ما بعدها.
أحمد البيقاوي: [00:03:15.91]
مهم أن أنوّه قبل أن نبدأ، أن مقداد بعث لي قبل بداية التسجيل أصوات الزنانات (الطائرات المسيّرة) كانت قريبة جدًا واقترح فعليًا أن نؤجّل الحلقة او نؤجل التسجيل، ولكن هذا الواقع الذي يعيشه أهلنا في غزة. مقداد اجتهد كي يوفّر الانترنت ويوفّر الجهاز ويوفّر التقنيات اللازمة لنقل صوته. نحن سنجتهد فعليًا -قدر الإمكان- بتنظيف الصوت وترتيبه وعزل الزنانة القريبة جدًا من الصوت من التسجيل، ولكن سنترك أيضًا في البداية الصوت كما هو، ونحاول إزالته تدريجيًا مع تقدُّم الحلقة حرصًا منّا حتى على أن تخوضوا معنا التجربة بالكامل.
أحمد البيقاوي: [00:03:58.07]
أعرف انه البودكاست فيه تحدٍ حقيقي بأن يكون الصوت معزولًا، ويعطيك فسحة بأنك أنت والضيف أو انت والحوار في غرفة واحدة مغلقة. ولكن في حالة اهلنا في غزة وفي حالة مقداد تحديدا موجود في غرفة ليس فيها شبابيك. سنترك الصوت كما هو في البداية. ولكن حرصًا منّا على إيصال الأفكار سنجرّب قدر الإمكان مع مرور الحلقة ومرور الوقت نزيله كي نعطيكم راحة اكثر بالاستماع والتركيز في أفكار ومشاهدات مقداد.
أحمد البيقاوي: [00:04:28.01]
قبل أن نبدأ أريد أن أحكي لكم شكرًا جزيلا على اشتراككم في قناة اليوتيوب وقنوات الاستماع ومشاركة هذه الحلقة مع كل حدا ممكن يكون مهتم فيها. شكرا على اقتراحاتكم ومشاركة مقترحاتكم للافكار والضيوف لمعالجتها في "تقارب"، ومساهمتكم أيضًا في إعداد هذه الحلقات. وشكرًا لكل من يساهم في استمرار "تقارب" ودعمه من خلال الرابط الموجود في الوصف، وبهكذا نبدأ..
مقداد جميل: [00:04:56.35]
يعني هيك الوضع تمام.
أحمد البيقاوي: [00:04:58.42]
هيك عال العال بدأ يُسجِّل عندك؟
مقداد جميل: [00:05:03.85]
تمام. صحيح.
أحمد البيقاوي: [00:05:08.47]
طيّب ممتاز، والله "الزوووم" ساعدنا بعزل (صوت) الزنّانة.
مقداد جميل: [00:05:14.32]
هههه.
أحمد البيقاوي: [00:05:16.54]
يا أخي احكي لي، اذا أردت أن تصف صوتك، كيف تصفه؟ يعني باليوميات.. أثره.
مقداد جميل: [00:05:23.08]
صوتي؟
أحمد البيقاوي: [00:05:23.44]
صوت الزنانة.
مقداد جميل: [00:05:26.41]
صوت الزنانة نفسه؟ والله يعني هلقيت هو فعليًا صار جزء من حياتنا لكن مستحيل نتقبله. يعني مهما حكينا مستحيل نتقبله. فجأة يصير هكذا عالٍ جدًا. كل شيء يصير مشوّشًا يعني. لدرجة إنه لو أنا أحكي معك حاليا دون السماعة، لا أسمعك بالمرّة. انت تكون تشتغل كذا.. يعني تداخلها كثير شاذ وسيء جدًا ليس مريحًا. يعني مهما حكينا إنه ممكن مرّات نعتاد عليها، هذا شيء صعب جدًا.
أحمد البيقاوي: [00:06:02.89]
هي تبقى 24 ساعة؟
مقداد جميل: [00:06:07.09]
والله يعني نحن ونصيبنا، مثلًا طول الليل كان مثلما تسمع حاليًا، الليلة. لكن مثلا هيك فجأة على الساعة ستة الصبح أعطونا ساعة هدوء كانت يعني بدون.. فجأة تقريبا 08:15 رجعت. قلت هذا من نصيب أحمد.
أحمد البيقاوي: [00:06:28.96]
طيّب وحين أنت تبعث لي تقول لي ان صوتها عال جدًا. تُفرّق أنت بين انّه هي اليوم صوتها عالي او صوتها بعيد؟
مقداد جميل: [00:06:38.53]
طبعا طبعا مرات تكون يعني.. تعرف كيف في اصوات مثلًا في حياتك لو في مثلًا نجار في الحارة، خلص في اصوات تصير طبيعيّة؛ سيارة الماء، سيارة الغاز، هذه أصوات خلص انت تتأقلم معها. في الأيام العاديّة بدون حرب مثلا كان صوتها موجودًا، طبيعي، في الهدنة كان صوتها موجود طبيعي خلص هو صوت يعني نغمته بسيطة خلص موجودة بشكل طبيعي، لكن فجأة ممكن يعني على وصف الناس هي بتهستر أو مثلا يصير يقول: مالها جُنّت؟ فجأة يصير الصوت عال جدًا مثلما نسمعه حاليًا. لكن هو له من أمس تقريبًا المغرب الصوت جدًا جدًا عال بشكل يعني غير طبيعي وهذا يعني يجعل الناس تكون قلقانة. الكل يصير يحكي ماذا سيصير في المنطقة؟ الله يستر. مثلًا يوم رجعت الحرب يوم 18 (آذار/ مارس) قبل.. هي رجعت الساعة تقريبًا 2 الفجر، فمن قبلها طول الليل وقبلها تقريبًا من المغرب كان الشيء سيئًا. كان الصوت عال. الناس ثاني يوم استيقظت تقول نحن عرفنا لماذا كان الصوت أمس عاليًا جدًا، وكنا نشكّ أنّ هناك شيئًا. فرجعت الحرب ورجع القصف. ففهمت الناس إنه حين يصير الصوت بهذا الشكل معنى ذلك أن هناك حاجة تصير أو يعني في هدف في لهم رقابة لشيء معين، في لهم يعني مثلما نقول يريدون أن يصيدون شيئًا معيّنًا.
أحمد البيقاوي: [00:08:14.76]
تعرف نحن عندنا شب صديقنا في الفريق اسمه "عوف سلامة" بطل الملاعب بالصوت، يأخذ أيّ صوت كتحد، عنده ينظّفه ويرتّبه، فلما بعثت له الصوت كذا كذا كذا، بعثت له صوت الزنانّة، فيقول تمام خلص سنعالجه، فقط دعه يضع لي تلفون ثاني (للتسجيل) على جنب. وبعدين مكثنا نتناقش مع الفريق إنه نحن نقدر أن نعزل الصوت قدر الإمكان، يعني نقدر أن ننظفه ونشيل صوت الزنانة، لكن لأجل الحوار الذي صار بيني وبينك الصبح، إنه انت تقول لي صوت الزنانة قريب كثير، أحمد، كذا كذا كذا. فتريد أن نُسجّل أو لا؟ قلت لا، سأبقيه. سأكسر قواعد البودكاست، وأبقي الصوت فعليًا الصوت الآن موجود وحاضر. لكن -إن شاء الله بهمة عوف- سيخفيه لنا لغايات تحريريّة، لأجل الناس فعليًا تُركّز أكثر في الأفكار لتجنّب تشتيت الزنّانة. وعندي سؤال: هذا المكتب خلفك يعني شو الوضع؟
مقداد جميل: [00:09:16.67]
مكتبتي الشخصية.
أحمد البيقاوي: [00:09:18.41]
مكتبتك الشخصية؟ نحن من أين نسجّل الآن معك؟
مقداد جميل: [00:09:23.60]
أنا في البيت حاليًا.
أحمد البيقاوي: [00:09:25.34]
في أي منطقة؟
مقداد جميل: [00:09:25.88]
يعني أنا كان عندي هدف إنه أنا يوم ما أكون في بيتي، أريد أن أعمل مكتبة، وخصصت هذا المكان لي. اليوم أنا عندي مكتبة ومكتب خاص لأي شيء شغل أريده، معيّن، كذا خلص هذه الغرفة مكتبة لي، أقرأ فيها، أريد أن اشتغل، عندي مكتبي. أنا موجود في مخيم الشاطئ في مدينة غزة، وهو ما يسمى حاليًا شمال أو الشمال أو هو بالمسمى الصحيح هو شمال وادي غزة ليس الشمال لأنّ التقسيمات مختلفة عن كيف الناس تفهمها. الناس تفهم هذا الشمال لكن هو فعليًا الشمال عندنا شيء غير الشمال الذي الناس تفهمه. عندنا في محافظة الشمال؛ محافظة شمال غزة. أنا في مدينة غزة وهي موجود أصلًا في الشمال.
مقداد جميل: [00:10:10.57]
دير بالك الموضوع كان عامل عقدة للناس الذين يعيشون في الشمال في غزة، في الحرب. كانت الناس كلها تقول: شمال غزة يعاني، شمال غزة محاصر شمال غزة فيه مجاعة. وهذا المسمى(الشمال) هو مسمى إسرائيلي، إنه حين بدأت الحرب وضعوا مسمىً شمال الوادي، في وادي غزة يفصل ما بين محافظتين؛ محافظة غزة، ومحافظة الشمال. ويفصل ما بين ثلاث محافظات خانيونس ورفح ومحافظة دير البلح والمحافظة الوسطى. فهم قالوا للناس أن يخرجوا من الشمال للجنوب. فصار مسمى شمال الوادي هو الشمال. بمفهومنا نحن أهل غزة الشمال هو الشمال يعني محافظة الشمال وليس مدينة غزة. فلما صار موضوع المجاعة وموضوع الحصار، إنه الناس تقول الشمال محاصر، الشمال محاصر. صارت الناس مثلًا تبعث تبرعات تقول هذا التبرّع لشمال غزة، فالذين في الخارج غير فاهمين إنه نحن حين نحكي شمال فنقصد الشمال كلّه يعني مدينة غزة و الشمال. فصار هنالك أزمة. أنا مثلا أهلي بقوا في الشمال، وأنا كنت نازحًا في الجنوب، فكانوا يقولون في سياق توزيعات المساعدات مثلًا تأتي مساعدات إلى جباليا وجباليا موجودة في الشمال. طيب لماذا لا تأتيكم نفس المساعدات هذه؟ ولماذا لا تأتي المساعدات على مدينة غزة بنفس القدر؟! يقال إنه لا، هذه المساعدات مخصصة للشمال. لا يا عمي الشمال الذي يفهمه الناس في الخارج هو الشمال ككل، شمال الوادي، مدينة غزة والشمال. لماذا أنتم تعملون تفرقة؟ وكانت هذه مشكلة جداً انه الناس الذين في غزة يعانون أكثر من الناس الذين في الشمال تحت مسمى أنّ المساعدات تأتي للشمال. وهذه قصّة طويلة، يعني معاناة صغيرة مركّبة في الحياة.
أحمد البيقاوي: [00:11:59.73]
لكن هي التصنيفات المحليّة الموجودة؟ هي: شمال/ وسطى/ جنوب، صح؟ شمال. وسط جنوب؟
مقداد جميل: [00:12:09.63]
شمال/ غزة/ وسط/ جنوب.
أحمد البيقاوي: [00:12:12.39]
شمال/ غزة/ وسط/ جنوب.
مقداد جميل: [00:12:13.98]
محافظات غزة: الشمال وغزة والوسط والجنوب.
أحمد البيقاوي: [00:12:20.13]
تمام.
مقداد جميل: [00:12:20.52]
التسمية الإسرائيليّة قسمتها ما بين شمال وجنوب فقط.
أحمد البيقاوي: [00:12:24.39]
هي هذه التي عملت فعليًا الخلل، والناس غالبيّة الناس صارت تعتمد التقسيم الإسرائيلي الذي صار ما بعد الإبادة.
مقداد جميل: [00:12:35.96]
هو لأن التقسيم الإسرائيلي فصلت القطاع كله لقسمين. فأنت خلص صرت تتأقلم أن هذا قسم نسميه الشمال، وهذا قسم الجنوب. حتى لو انت في الوسطى فهو ضمن الجنوب. انا حتى حين كنت أكتب مقالات وأكتب يوميات عن الحرب كنت دائمًا أحاول أن اوضح هذه التسمية للناس. حين أحكي شمالـ، استدرك وأرجع احكي لهم إنه أنا أقصد شمال الوادي وليس شمال القطاع، عشان الناس تفهم كمان نحن عن ماذا نحكي. وهذا تفصيل كثير مهم، لأنه ليس كل ناس في الخارج، يفهمون الموضوع.
أحمد البيقاوي: [00:13:10.19]
مقداد قبل ان نخوض أكثر، أريد أن نتعرّف عليك. يعني بودي فعليًا لو كنّا نتعرف عليك في ظرف آخر، ولكن يعني في "تقارب" نترك الضيف يعرّف نفسه كما يحب، ليس فقط يعرّفنا على حاله، فتفضل عندك المايكروفون.
مقداد جميل: [00:13:28.28]
والله أنا ما جهزت حالي للتعريف، لأنه يعني ليس شيئًا يستاهل دائمًا أن نعرف مع إنه أحيانًا يكون صعبًا، فأنا إذا أريد أن أحكي: المقداد جميل المقداد، كاتب وباحث. معي مزاولة مهنة المحاماة أيضًا. أههتم دائمًا بأن أكتب عن المعاناة اليومية في قطاع غزة، عن المعاناة الفلسطينية بشكل عام، لكن في الحرب ركّزت أكثر على المعاناة اليوميّة في غزة، لأنّ هذا الواقع الذي أعايشه. أحب دائمًا أن أحكي قصص عن الناس، يوميات او اشياء أعايشها. عندي دراسات وأبحاث وأوراق يعني سياسيّة كتبتها سابقًا. أهتم أيضًا في الجوانب البحثيّة، أكتب في السياسة، في العلاقات الدولية، في القانون، في السياسة الداخليّة الفلسطينيّة، والجوانب المتقاربة من هذه المواضيع.
أحمد البيقاوي: [00:14:29.08]
طب مرّة ثانية لكن مع تفاصيل أو بتفاصيل أكثر. انت أين نشأت؟ أين ولدت؟
مقداد جميل: [00:14:37.97]
أحمد لو تعيد السؤال، النت عندي يتقطّع.
أحمد البيقاوي: [00:14:40.97]
لا تمام ما في مشكلة. انت أين وُلدت؟
مقداد جميل: [00:14:47.27]
انا ولدت في مدينة غزة، حتى إذا تريد أن أخصص أكثر في "عيادة الوكالة (الاونروا) لأنه نحن لاجئين. أنا لاجئ من قرية حمامة وهي قضاء عسقلان. موجود، ووُلدت، وما زلت أعيش حاليًا في مخيم الشاطئ غرب غزة. نزحت على الجنوب. يعني كانت فترة قاسية جدًا، وهذا جعلني أعرف غزة بالنسبة لي كم هي عزيزة عليّ، ومقدار تمسّكي فيها، ومتمسّك حتى في المكان الذي وُلدت فيه، المخّيم والحارة والناس الذين من حولي، والأهل، وجعلني أعرف أيضًا مقدار حبي للمكان، هذا شيء كثير كان فارق. وأكثر: أنا ما طلعت من غزة إلّا مرّة واحدة في حياتي. وكان عندي حلم دائمًا إنه أنا أريد أن أطلع من غزة، وهذه مفارقة. تحدّثت عنها سابقًا إنه أنا طول عمري أريد أن اطلع من غزة، أنا حاليًا لا أريد أن أطلع من غزة، إلا يعني حين أرى كيف ستكون غزة، وأطمأن عليها.
أحمد البيقاوي: [00:15:51.73]
لكن قبل الإبادة فعليًا لماذا كان في حلم اسمه حلم أن تطلع من غزة؟
مقداد جميل: [00:15:59.32]
لأننا ما أخذنا حريّتنا، وما أخذنا حقّنا في الحياة الكاملة. وهذا بالنسبة لي مشكلة. صح كنا نأكل ونشرب ونعيش بشكل الناس اليوم تصفه إنه نحن أهل غزة حياتنا كانت أجمل من كل العالم. مدينة صغيرة تتنقل بسهولة فيها، ليس فيها صعوبات كالتي نسمعها. صعوبات المواصلات في الخارج، كل شيء موجود عندك. الأسعار كانت يعني مقارنة بالذي نسمعه في العالم كانت يعني جدًا رخيصة. لكن أنا كمقداد لم أكن أتطلع على هذا الشيء. كنت أتطلع على حريّة، الحريّة بمعناها، إنّه أيّ واحد في العالم اليوم بكل سهوله قادر يحجز تذكرة طيارة، ويعمل فيزا ويطلع على أي مكان. أنا كنت اسمع من ناس اصدقاء واقارب انه مثلا يسافر بين بلد وبلد يوم وليلة ويرجع. فكان عندي شغف بهذه الحريّة. يعني إنه نحن ما أخذنا حقّنا بهذه الحريّة. وهذه كانت بالنسبة لي مشكلة كبيرة، تحضر مسلسل تشاهد فيلم ترى الناس في الخارج مثلًا، تشاهد ريلز على انستغرام تلاقي الناس.. يعني في مشاهد كثير واسعة وفي عالم واسع. لا نحن حاصرونا في سجن صغير ونحن محاطين فيه. يعني ممنوع نطلع ممنوع نتحرك أنا إذا بدي اتحرك. فقط مهمتي اليوم اتحرك من غزة لدير البلح لرفح لخان يونس وهذا أضيق شيء. وبالنسبة لنا كغزازوة (نسبة لغزة) يعني أنا فقط أريد أن اطلع، أين؟ ما عندي مكان أذهب له غير البحر مثلًا. فكانت هذه بالنسبة لي شخصيًا، مشكلة، لأنني أريد أن أرى العالم وآخذ حقي في أن أكون حُرًّا.
مقداد جميل: [00:17:42.19]
أقدر ان اتنقّل بأي مكان، حتى يمكن لو أنا غير قادر أتنقّل مثلًا ماديًا حاليًا. لا أنا أريد أن يكون عندي فرصة وقت ما أكون قادرًا ماديًا أن أتنقّل بسهولة، ما اكون مقيّد بالمعبر. يعني في شغلة أثّرت فيّ حين سافرت. أنا سافرت مرّة وحدة في حياتي في شهر يناير 2023. يعني قبل الحرب بتسعة أشهر، كنت في اسطنبول ثلاثة أسابيع فقط. يعني 21 يوم تمامًا، غادرت من اسطنبول يعني ليلة رجعت من اسطنبول على القاهرة كنت على طائرة شركة القاهرة، أعتقد.
أحمد البيقاوي: [00:18:29.61]
مصر للطيران.
مقداد جميل: [00:18:30.18]
طيران مصر، فكل الموجودين -اه مصر للطيران- فكل الموجودين مصريين أغلبهم مصريين الموجودين. وبينما الطيّارة تهبط يعني ما هبطنا، ما وصلنا الأرض. وحين بدأت الاتصالات تلقط (الإشارة) مع الناس، أمامي كان في واحد مصري يتصل على أهله وأولاده في مصر في القاهرة، يحكي لهم إنه أنا مجرد ساعتين وسأكون عندكم. يعني مجرد ما ينزل من الطائرة، ويخلص الإجراءات ويأخذ المواصلة من المطار للبيت، كبيرها بالنسبة له يحتاج ساعتين. فأنا هنا يعني الشيئ كثير، يعني تقدر تقول قهرني. أنا أريد 24 ساعة إلى أن اصل أهلي. وهذه كانت فعلا، وأكدت لي إنه أنا محتاج بعد ذلك حين أرجع غزة، أرجع وأسافر منها. وهذه كانت جدًا فارقة اللحظة، إنه أنا الآن سأغادر، ويأخذونني على الترحيل، والترحيل طبعًا قصة ثانية ومعاناة طويلة وسيّئة، وأمكث في الترحيل للفجر.
مقداد جميل: [00:19:36.16]
سأترحّل من الفجر ولله اعلم متى سأصل المعبر. بعد ذلك سأبدأ إجراءات في المعبر إلى أن أقدر أن أصل المعبر الفلسطيني. ثم أدخل من رفح لغزة. فكانت هذه الإجراءات كلها تأخذ معي تقريبًا 24 ساعة. أنا وصلت الساعه 8 مطار القاهرة، الساعه 8 ونصف في اليوم الثاني كنت في غزة، فهذه كانت بالنسبة لي مشكلة، إنه انظر كيف العالم اليوم، انت تطلع ساعتين بتكون وصلت بلد ثانية، ترجع، قادر ترجع في أي لحظة. أنا لا. أحتاج اقل شيء من 24 إلى 48 ساعة كي أسافر. أنا حين طلعت من غزة وصلت اسطنبول بعد تقريبا 48 ساعة ما بين انه انا متى طلعت ومتى بدأت الإجراءات وانتظار في المعبر وانتظار في الترحيل وفي المطار وفي غيره. فأنا عندي شغف بفكرة الحريّة ليس كرهًا بغزة، بقدر ما إنه أنا بدي أنا وكل أهل غزة نشوف العالم. نقطة ثانية؛ هذا الشيء لمسته أنا في الترحيل. كان معي كثير شباب ونحن خارجين من غزة. شباب صغار يعني. أنا أعتبر حالي مطلع على العالم؛ لي أصدقاء في الخارج أحكي معهم كثير، وأعرف التفاصيل. قادر أتخيّل، أقرأ كثيرًا أشاهد أفلام كذا، فأعرف ماذا في العالم، كم العالم واسع وقديه العالم منفتح أكثر. وقديش العالم فيه اختلاف ثقافات. بس شفت هذا المشكلة التي نحن نعاني منها وشبابنا واهلنا يعانون منها.
مقداد جميل: [00:21:14.82]
حين كنت في الترحيل من المعبر للمطار ومعي مجموعة شباب من غزة. شباب صغار 18 -20 سنة، مثلا هو رأى الكوبري (الجسر) في الطريق. نحن في الباص رأى الكوبري فهو استغرب انه ما هذا يعني؟ كان في الليل وكانت إضاءة الكوبري فاستغرب، شاهد إضاءة في السماء. أنا فهمت تلقائيًا أن هذا كوبري (جسر) فهو استغرب. ما هذا؟ وكانوا يعني يتطلعون مثلًا في المطار على الناس الموجودين أشكالهم/ ألوانهم. وكانوا يتطلعون باستغراب، كأنّهم لأوّل مرّة يرون الناس هكذا. فأنا يعني.. تُحس إنه حتى شبابنا وأهلنا وأطفالنا لا يرون العالم بشكل حقيقي. نحن منغلقين في مجتمع مغلق ليس عندنا قدرة أن نستكشف الثقافات الثانية، ما دخل علينا أجنبي مثلا. يعني في كل العالم، العالم هو عبارة عن عالم مختلط، أنت يأتيك زيارات/ ناس أنت تطلع وتشوف العالم. نحن مثلًا لو كان في مثلًا أحيانًا مرّ مثلًا في مخيم الشاطئ اجنبي او وفد اجنبي الناس تستغرب وتصير تتفرج عليه. يعني شوف هذا غريب، وهذه مشكلة فعلًا. لأننا لم نأخذ حريتنا، ما شفنا العالم بشكل حقيقي. ما اندمجنا بهذا الاختلاف الثقافي وشفنا انه ليس فقط نحن الموجودون. في عالم في لغات في اشكال في اختلافات كثيرة في العالم. في حريّة أوسع من إنّه أنا فقط عندي اروح على البحر اروح على متنزّه البلدية، فقط، الذين يعني هم أفضل مكانين تقريبًا حاليًا.. كانوا يعني، حاليًا خلصت حاليًا.
أحمد البيقاوي: [00:22:58.74]
مقداد أنا كنت أتغلب كثير دائمًا ما قبل الحرب، نحكي على أثر الحصار على أهالي غزة، وعلى جيل فعليًا الجيل الذي طلع والجيل المحاصر يعني بمعنى وعيه وعي محاصر، بالكامل، فأنت فعليًا قاعد بالضبط تصف الشيء الذي نحن كنا يعني قلائل جدًا الذين كانوا يحتكّون بأصدقاء ويشوفوا حتى فعليا الصدمات او نوعيّة الصدمات التي كانوا يتعاطون معها حين كانوا يسافرون أو يتعاملون معها. ففي بالضبط هذا الشيء. سابقًا كان يُحكى عن الحصار كمعبر، كقفل على بوابّة عادة. أو إنه الأخبار أو المواد التي فعليًا لا تدخل قطاع غزة، لكن أثارها على الناس فعليًا بشكل إنه صار في جيل كامل حين جاءت لحظة الإبادة. هو جيل محاصر اصلًا، وعيه وعي محاصر فعليا، وعيه وعي يعني محدد او محدود أيضًا بسياق قطاع غزة، هذا اشي كثير ثقيل يعني. يعني فكرة كتير ثقيلة. لكن إذا أريد أن تستطرد أكثر بالتفاصيل هذه، ماذا يعني جيل محاصر؟ أنت طلعت ورجعت ورأيت ماذا يعني جيل فعليًا يُعرّف الحياة بهذا السياق المحاصر فقط، ومع العلم مع الذكر يمكن أنا أعرف أكثر من غيري من المستمعين أنت يعني من الناس كنت تكسر الحدود والحصار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى معرفي وعلى مستوى شبكات وعلاقات اجتماعية، فيعني كنت توسِّع مداركك كي تقدر تحكي على هذا الشيء فأنا يعني إذا ينفع أن تساعدني بهذا الموضوع.
مقداد جميل: [00:24:35.56]
هو أنا مثلما ما حكيت لك يعني، هذا الشيء تلمسه في الشباب بشكل كثير ملحوظ. في تفاصيل أكثر لهذا الحصار الذي نحكي عنه. أنا لماذا استطعت كمقداد أن احكي عنه، لأنني كنت كتير واعي له، وكنت كتير واعي إلى أن العالم أوسع من غزة. وهذا كانت مشكلة كبيرة عندنا، نحن دائمًا نفكر ان العالم فقط يعني كما نحكي اننا محور الكون، وتطلع برّا (للخارج) تكتشف أننا لسنا محور الكون. وحين سافرت أنا في ليلة صار فيها قصف في غزة، كانت هي الفترة هذه ما قبل الحرب بأشهر. الفترة التي أنت بتصير إنه طلع صاروخ صاروخين من غزة. ردّ الاحتلال بقصف، فأنا يومها كنت طالع مع مجموعة شباب أصدقائي وكنا في يعني في أحد المقاهي في اسطنبول. وكانوا يعني يأخذونني في جولة، كانت يعني جولة أتعرّف فيها على العالم. فاهم كيف؟ أوّل مرّة أدركت كيف إنه أنا بعيد عن السوشال ميديا. بعيد عن.. إنه أنا فقط أريد أن أشوف أخبار غزة. غادرت تقريبًا 12 ونص، أفتح الاخبار، فتحت اول شيء جروب أهلي لأنه أنا أحبّ أن أطمئن على أهلي يعني بيحكوا قصف قصف قصف، وكان يومها في عمليّة كمان في الضفة. فتداخلت الأمور مع بعض، فلأوّل لحظة اكتشف أنّ هناك حياةً أوسع من الحياة التي نعيشها والتي تتمحور حول إنه: صار في غزة كذا، صار قصف، صار حدث، نحن كانت هكذا حياتنا، إنه محاصرة بواقع مفروض علينا إنه واقع إنه انت اليوم حياتك ما بين فقط تأكل وتشرب. اذا انت بتشتغل بتشوف شغلك. اذا انت بتدور على شغل انت يعني بتروح تدور على شغل في الحياه بترجع بس بتشوف الاخبار.
مقداد جميل: [00:26:36.83]
اليوم مستحيل مستحيل في حياة ما قبل الحرب، يكون في حدا في قطاع غزة ما بشوف الاخبار. الاخبار مش الأخبار اليوميّة اللي في العالم. الاخبار السياسية. الاخبار التي مثل: سكّر المعبر؟ فتح المعبر؟ متى الرواتب؟ رواتب حماس؟ ولا راتب السلطة؟ متى الشؤون الاجتماعية؟ متى.. صارت أيضًا هذه في آخر سنين، وهي رواتب الجرحى من المساعدات القطرية اللي كانت رواتب مسيرات العودة. الشباب مثلا حياتهم حياة مختلفة. أنا مثلا فقط حياتي في الجامعة على ماذا أبحث؟ على ماذا يبحث طالب الجامعة؟ في العالم طالب الجامعة حياته واسعة أوسع من إنّه.. بالنسبة لي أنا أعرف أنّ الجامعات بعيدة نوعًا ما، يعني مواقع الجامعات في العالم نوعًا ما تكون بعيدة عن المناطق السكنيّة المكتظّة. خلص لأنه الجامعة لا تكون بين البيوت وبين كذا. لا نحن عندنا الجامعة يعني انت بخمس دقائق عشر دقائق تصلها. في الجامعة مثلًا تطلع من الجامعة بين المحاضرة والمحاضرة، تروح تجلس في أي مطعم في أيّ شارع في اي كذا وترجع. لا الحياة خارجًا بالنسبه لطلاب الجامعات أوسع وأكبر وفيها امتيازات اكبر. يعني مثلا كان عندي صديقة درست في امريكا ورجعت، مثال يعني هو مثال تافه لكن تطبيق "أنغامي" للموسيقى، اكتشفت في مرّة إنه تطبيق "أنغامي" مثلًا يوفّر للطالب اشتراك رخيص مقارنة بالشخص العادي.
مقداد جميل: [00:28:16.99]
فمثلا شايف حتى الشغلة البسيطة هذه غير موجودة لأهل غزة. انت طالب هناك عندك امتيازات مختلفة حتى في الأشياء/ الرفاهيات. اليوم طالب غزي ما عنده اي نوع من الرفاهية ما عنده اي امتياز. تُحاول تقنع الطالب انه سيطلع برا. تلاقي الاف الطلاب الذين أنهوا توجيهي خلصوا مثلا البكالوريوس ويريد أن يأخد ماجستير يتنافسون على فرص كتير قليلة جدا. لماذا؟ لأنه هو فجأة يكتشف إنه حين يتواصل مع شخص يعرفه في الخارح أو صديقه الذي خرج يدرس برّا يكتشف إنه موجود في جامعة او في واقع معدم. يعني جامعة تقليدية لا تتعدى كونها عبارة عن مرحلة بعد مرحلة المدرسة ليس أكثر؛ نفس الاسلوب، نفس النمط. نفس كذا.
مقداد جميل: [00:29:08.67]
في هذا الموضوع أنا أنهيت الدراسة الجامعيّة في 2016 طلعت من كليّة الحقوق من جامعة الازهر. عندنا الجامعة جامعة الأزهر. تُدرّس ماجستير بعد البكالوريوس. ولاحقًا صارت دكتوراه في بعض التخصصات، فمن الذي يُدرّس البكالوريس ومن الذي يُدرّس ماجستير. نفس المدرسين والأكاديميين والدكاتره. هم الذين يُدرّسون هذا الشيء. والدي كان مهتم جدًا إنه أكمل تعليمي. فأوّل ما أنهيت الجامعة حكى لي إنه إذا انت حابب تدرس الماجستير أنا أشجّعك ومحتاج، يعني انا نفسي اشوفك تدرس ماجستير، قدِّم وأنا مستعد اتكفّل لك بكل تكاليف. فأنا رفضت نهائيًا. قال لماذا؟ قلت له: يعني أنا لماذا أدرس اليوم؟ أين سأدرس ماجستير؟ أنا اليوم أدرس في جامعة الأزهر درست التخصص على يد نفس الدكاترة، وسأرجع أدرس نفس التخصص في الماجستير على يد نفس المعلمين والدكاترة! نفس الكتب، نفس الاسلوب التدريسي. نفس النمط نفس الحياة. طب أنا ماذا استفدت؟ ماذا قدّمت لنفسي؟ ماذا قدّمت لغيري؟ فحتى في الجانب التعليمي أنت مقيّد ومحاصر. أنت ما في عندك غير كم جامعة وكم تخصص وبالعكس حتى الدكاترة. الدكتور هذا الذي يشتغل يُدرّس في جامعة الأزهر مثلا يكون يعطي ساعات في جامعة فلسطين في جامعة الأقصى في الجامعة الإسلاميّة. فأنت حتى لو تريد أن تنوِّع في تعليمك أنت محاصر بنفس الـأسلوب. تريد أن تطور في تعليمك؟ انت محاصر بنفس الاداء ونفس المنهجيّة العلميّة، نفس العقليّة. فلا يومها أنا حكيت إنه حين أريد أن ادرس ماجستير أو ادرس اي تخصص ثاني انا محتاج اطلع من هذا النمط. محتاج اطلع من هذه الحياة من هذا الاسلوب كي أكون فعليا استفدت. ليس فقط إنه انا أخذ شهادة وخلاص، يعني صفيت هذي الشهادة بجانب الشهادة الثانية. لماذا؟ فهذا أيضًا جزء من شكل الحصار.
مقداد جميل: [00:31:17.10]
أشياء ثانية؛ أيضًا أطفالنا يعيشونها مثلًا: فُتحت في السنوات الأخيرة مولات في غزة، أو نحن في غزة نسميها مولات (تجارية). حين سافرت رأيت ان هذا المول الذي عندنا هو ليس مول يعني. يعني شيء بسيط لا يتعدى كونه سوبرماركت او يعني متجر هكذا فيه كم محل مثلا. في هذه المولات مثلًا فتحت مطاعم بسيطة صغيرة تُقدّم وجبات للأطفال. فيما يخص مساحات الألعاب. اكتشفت ان عندنا مساحة الألعاب الموجودة في المول أو في المتاجر هذه لا تتعدى حجم الغرفة التي أجلس فيها. انا حين خرجت رأيت كيف أنت في عالم أمام الاطفال؛ عالم من المدن الترفيهية والملاهي والالعاب وهي تضاهي حجم المول الذي نحن عندنا نسميه مول بثلاث أربع أضعاف. فهذه الأشياء فارقة في حياة أطفالنا. الطفل اليوم ليس عنده نمط الحياة والرفاهية الموجود في الخارج، ليس عندنا المساحات. يعني أنا كشخص مثلا أحب أن أمشي وأحب امشي. حين كنت أحب أطلع أمشي في غزة، يجب أن أصل البحر أو اصل احياء ومناطق معيّنة. انا موجود في مخيم الشاطئ، مخيم الشاطئ هو يقع على البحر لكن مثلًا البحر الذي يقابل مخيم الشاطئ مساحته ضيّقه جدًا وهو مخيّم. يعني منطقة تعاني من مشاكل الصرف الصحي، ومن انها بيوت متلاصقة وسيّئة وحاراتها وضعها صعب. فأنا أضطر أن أذهب على حيّ ثاني هو حي الشيخ عجلين او تل الهوا الموجود أقصى جنوب مدينة غزة، هناك في الكورنيش. فحتى مثلًا أنا لو أريد أمارس الرياضة، مثل رياضة المشي أضطر أن امشي مسافات طويلة كي أمارس الرياضة بمكان مهيّأ وهو طريق البحر. بينما اليوم الشوارع غير مهيّأة عندن بشكل جيّد؛ مساحات ضيّقة صعبة. هذا الشيء لاحظته أيضًا يعني، كان فارق معي حين كنت في اسطنبول مشيت مسافات طويلة اكتشفت انه في اليوم أمشي مسافات كثير كثير كثير كثير كبيرة. يعني وصلت مرّة أوصل 10 أو 15 كيلو متر.
مقداد جميل: [00:33:32.65]
هذه أنت لا تمشيها أصلًا في غزة، أنت في غزة ما بتمشي كيلومتر، إلا وتتعب لأن الشوارع غير مهيّأة، ما في مساحات. الموضوع المدينة مكدّسة جدًا جدًا جدًا جدًا. في الخارج أنا كنت امشي بأريحيّة وأكون مرتاح. يعني ما أحس بهذا التعب الذي أنا أرجع له كما أرجع في غزة بعد مشي. فهذه أيضًا أشياء ضيّقة جدًا على الناس.
مقداد جميل: [00:33:56.57]
موضوع الكثافة السّكانيّة ضيّق جدًا على الناس وعملهم. يعني مشكلة مشكلة كبيرة جدًا جدًا. غير موجود أيضًا بنفس الشكل الذي نراه في تفاصيل يعني مختلفة جدًا. وهذا كثير نعاني منه. وللأسف للأسف المشكلة التي حكيت عنها، مشكلة الوعي أو حصار الوعي. انّ الناس نفسها لا تعرف انها موجودة في هذه المشكلة. يعني الناس تعيش في وضع هي لا تعرف انّه مشكلة. لا تعرف انّ هذا الشيء هو بالنسبة للعالم في الخارج مشكلة. يعني لو أتينا بواحد من مصر، من تركيا، من امريكا، من اي بلد ثاني ووضعناه في غزة، سيعاني من مشكلة في هذه الحياة، فهذا غير موجود. فقط أنت حين تطلع وتكتشف العالم تكتشف إنّه انت فعلًا لا تعيش وكل واحد يطلع خارج غزة، سيقول يا عمي نحن "مش عايشين" وهذه كثير أنا سمعتها يعني، يرجع يقول والله ما احنا عايشين. احنا وين عايشين؟! احنا كيف عايشين؟ فتصير في هذه التساؤلات إنه أنا أين أضيع حياتي؟ وما هذه الحياة التي أعيشها؟ تكتشف أنّ هناك خلل وفي فجوة!
أحمد البيقاوي: [00:35:11.77]
آخ يا مقداد. تعرف هذه هكذا سنة ونص من الإبادة. سنة ونصف من الإبادة. سنتان من الإبادة. في ناس عندها التاريخ بدأ من هنا. يعني من لحظة 7 اكتوبر بدأت تتعرف على غزّة وحتى الصور والأشياء. حين الناس فعليًا تشعر بالحنين إلى أماكنها بتنعمل مؤثّرات بصريًا على الانستجرام والتيك توك فتصير فعليًا "لالا لاند" يعني أيضًا يصير في تضارب وفي تناقض على مستوى الرؤى والتفكير وهكذا.
أحمد البيقاوي: [00:35:46.18]
مقداد بنقاش هويتك أو نقاش نشأتك وعلاقتك مع فلسطين. من أين بدأت قصتك مع فلسطين؟ ما هو الحدث الأول الذي ممكن أن تستحضره؟
مقداد جميل: [00:36:02.27]
الانتفاضة. يعني أنا مواليد 1994، تقريبًا دائمًا أقول لمن حولي انه أنا ما بتذكر كثير تفاصيل في حياتي ما قبل الـ 2000 أو ما قبل سنة 1999، يعني أنا هذا العمر الذي أتذكره، يُقال انه الأطفال ما قبل 3 سنوات ما بتذكروا شيء، لكن أنا شخصيًا مش قادر أستحضر شيء قبل هذه السنوات، فتبدأ ذكرياتي فعليًا في هذه الفترة، كان البيت الذي أنا موجود فيه كان قبل أن نعيد بناءه كان "بيت اسبست"، مثل بيوت مخيم الشاطئ المعروف في المخيمات. أكيد انت بتعرف المخيمات، كنا قاعدين في ما نسمّيه قاع الدار، اليوم يسمّونه صالون -تتطوّر اللغة مع الوقت- فنرى المشاهد التي نعرفها؛ محمد درة، إيمان حجو وغيره. هذا يُرى في التلفزيون، لكن نحن أيضًا نرى نفسها(المشاهد) في الواقع. جارنا الذي استشهد مثلا راح على جبل المنطار كانت هي منطقه التمركز التي يتواجه فيها الناس والشباب مع قوات الاحتلال، وجبل المنطار حاليًا الجيش دخلوا قبل أسبوع تقريبًا حينما دخل حي الشجاعية، وعمل عليه موقع عسكري مؤقت. فحتى هذه الأشياء أنا استحضرتها حينما نشروا الصور للمنطار وهو الجيش عليه قبل أسبوع، انه هذه الأشياء التي تبدأ فيها سنوات الانتفاضه الأولى، كان عندنا دفاتر كانت كثير منتشرة انه يستشهد شخص فينشروا له صور كانت صور بتكون صور قابلة للصق، انت تفكّها من الورقة وتلصقها على دفتر أو على حائط أو على كذا، صور صغيرة جدًا. ففي البدايات كنا كتير يعني عندنا شغف، و اهتمام في الشهداء تحديدًا قصصهم، كان لدينا اهتمام أن نجمع صورهم، وبتذكر كان عند أخوي دفتر فيه مجموعة كبيرة من صور الشهداء، والدفتر يعني فيه صفحات، احنا مثلا حين نروح على المدرسة الباصات التي على باب المدرسه تبيع صور الشهداء.
مقداد جميل: [00:38:22.88]
فتشتري مثلًا صورتين بشيكل أو ثلاث صور بشيكل وتروِّح، أول شيء تعمله انك تفتح الدفتر، وترى أين الصفحة الفارغة فتقوم بلصق الصورة عليها، وتجمع أغلب الشهداء كانوا شهداء من غزة؛ لانه احنا كانت لدينا اهتمام أن تتعرف على الشهداء الذين في منطقتك، أو في بلدك أو الذين تعرفهم. مثلًا جارنا استشهد فهذا يلفتك انه ليش استشهد؟ كان هنالك مواجهة، فذهب. أتذكر في بداية المواجهات في الـ 2000 كان جارنا من دار سلامة أعتقد، استشهد وكان طفل صغير جدًا يعني، أنا استغربت يومها انه ليش طفل صغير يعني؟! مش انه شاب من الشباب الذين يقومون بعمليات استشهادية، ففهمت يومها انه هو راح على المنطار، وكان هنالك مواجهة فاستشهد. هذه التفاصيل يعني كانت جزء كبير من النشأة والتعرف انه قضيتك تعرفها من خلال الشهداء، وهذا كان أمر كثير لافت. وظلت هذه الدفاتر موجودة عندنا لفترة طويلة. بصراحة اليوم ما بعرف وين موجودة؛ لانه كنا كأطفال أو كإخوة كنا نستخدمها فهي أكيد موجودة عند واحد منا. غير ذلك يعني صور الشهداء التي تلصَق في الشوارع، المخطوطات التي تصير في الشارع عن شهيد معين عن كذا. وهناك أيضًا الارتباط.. حين طلعت في هذه الفترة أناشيد الشهداء التي ظلت لفترة طويلة مثل "فتنت روحي يا شهيد" وكذا، كانت كثيرًا ما تسود في عزاء الشهداء. وكان هذا الشيء أيضًا لافت يعني هكذا يجعلنا كأطفال أو كأشخاص صغار نستكشف ونفهم ما الذي يحدث، وكيف ولماذا، ولماذا هذا الذي يحدث حاليا! يعني هذه فترة الطفولة التي هي عبارة عن مجموعة تساؤلات، وأنت تجد حالك نشأت في بيئة حديثها هو الشهداء، حديثها الانتفاضه القصف.. كذا ومنها هي تكون المدخل حتى تتعرف.
أحمد البيقاوي: [00:40:36.05]
وهذا الوقت الذي -تعرف- تتضارب فيه معاني الحياة، مع العاطفة، مع النفسية، مع الاهتمام، مع كل شيء. يعني حتى الاسئلة الأولى، الشهادة الأولى فكرة الموت. فكرة الشّهادة. فكرة الثأر. فكرة الخسارة فكرة التضحية. كل هذه التفاصيل فعليا تتداخل في الوقت الذي أجيالنا تأتي لتكتشف معنى فعليًا العاطفة التي الواحد ممكن يأخذها من أهله. العواطف التي ممكن أخذها من استاذه، العاطفة أو الاهتمام التي ممكن أن يأخذها من محيطه، يصير فعليًا في مجموعة من الصور المختلفة، وأعتقد اسوأ شيء -تعرف بحالتنا يعني- يمكن أيضًا -لا أعرف- إذا صار معك نفس الشيء إنه ارتبط التعريف العاطفي او الاهتمام والتقدير بالجنازة والموت. دائما حين كنّا نمشي بالجنازات كنا نتخيّل جنازاتنا.
مقداد جميل: [00:41:33.65]
تُحسّ إنه يعني انّ هذا الشخص الذي طلعت جنازته. العدد هذا يعني قديش هذا بالنسبه للناس مهم. أيضًا في جانب ثاني موضوع الذكريات. وهذا كثير من من الطفولة يعني أتذكرها في جارنا استشهد. كانوا أيامها يحكوا في قوّة خاصّة. دخلت في مكان قريب واستشهد في الحدث يعني جارنا استشهد، جارنا بيته ملاصق لبيتنا بنفس الليلة هذه الفترة كنا سنبني يعني سنعمّر بيتنا ونعيد بناؤه. يعني في إطار التطور الذي نعمله ما بين بيت اسبست لبيت باطون، جارنا كان موجود عندنا قبل بليلة. ليلة استشهاده، يعني كان موجود عندنا تناول العشاء عندنا، وكان جاء ليرى موضوع السباكة في البيت، كي يعني نتفق معه أن يساعدنا في هذا الشيء، يعني هو هاي شغلته فاستيقظنا ثاني يوم يقولون انه. رشدي هو اسمه رشدي عقيلان استشهد. فكل الذي كنا نحكيه انّه هو امس كان عندنا امس تعشّى عندنا. يعني كان قاعد معنا وتعشى. وراح، صار الحدث، استشهد. فأنت تصير يعني تربط هذه الأشياء في الذكريات. كل ذكرياتنا مرتبطة بالواقع هذا، واقع انه الناس الذين في حياتك هو إمّا شهيد/ أسير. أيضً عندي قريب ابن عم امي. ابن عم والدتي. اعتقلوه. اعتقله الاحتلال في 2002 في حي تل الهوا. وهو طلع بالمناسبة، طلع في الحرب. يعني طلع في شهر تموز الماضي بعد 22 سنة. فهو أيضًا مثلًا صار الحدث، حكوا إنه يوسف اعتقلوه.. اعتقلوه. دخل الجيش واعتقله. أتذكر انّه مثلًا قبل اسبوع كنّا قاعدين معه، وكنا نراه وكذا. هذا الشيء يصير مرتبط إنه نحن ذكرياتنا...
مقداد جميل: [00:43:45.63]
نبدأ نكوّن ذكريات للأشخاص الذين استشهدوا، الذين اعتقلوا، الذي انجرح أو الذي حدث له مثلًا حدث معين مرتبط بالاحتلال وبالواقع، فهذه هي ذكرياتنا هكذا. ذكرياتنا عبارة عن مجموعة أحداث تتعلق بموت، اعتقال كذا.. وبتصير هكذا حياتنا. الشخص الفلاني الفلاني استشهد فاحنا لنا ذكريات معينة معه. الشخص اعتقل احنا لدينا ذكرى معينة معه، فتصبح حتى ذاكرتك هي عبارة عن هذه الأحداث، وصعب لفترة معينة تستدرك شيء معين أو ذكرى معينة بدون ما تربطها بالقضية أو بالتفاصيل. وخصوصا هذا الشيء صار منغمس جدًا في حياتنا ما بعد الحرب. يعني احنا لنا سنة ونصف حرب، فصارت حياتنا كل حدث وكل تاريخ مرتبط بذكرى متعلقة بالحرب، هذا الشيء احنا كنا نحكي فيه كأهل غزة ما قبل الحرب هذه كنا نحكي فيه، لكن كيف كنا نحكي فيه؛ انه في شهر 12 مثلاً هذا الشهر مرتبط عندنا بحرب 2008-2009 والتي كانت من شهر 12/2008 واستمرت حتى شهر 1/2009، في شهر 5 في عندك حرب 2021، في شهر 11 عندك حرب 2012، في شهر 7 كان عندك حرب 2014، فاحنا كان بالنسبة لنا في هذه السنة في مجموعة نقاط فارقة. هي هذه الحروب، فلا الآن احنا دخلنا في انه منذ تقريبًا سنة ونصف إبادة حرب، فخلاص صارت كل الأشهر هذه مرتبطة بذكريات الحرب وذكريات المعاناة وذكريات القصف.فخلص أنت بتنتقل لمرحلة جديدة وهي انك مش تتذكر انه في الشهر هذا كان في حرب أو لا! هي كل الأشهر كان فيها حرب، لكن بتصير تتذكر في الشهر هذا ماذا كان فيه كعلامة فارقه في الحرب!
مقداد جميل: [00:45:50.52]
الشهر هذا احنا كنا في شهر مارس يوم 18، يوم عودة الحرب كانت بنفس اليوم ذكرى مجزرة النابلسي. عندما الناس راحت على النابلسي تجلب طحين وصارت المجزرة. في نفس الشهر تقريًا شهر 3 أيضًا استذكرنا انه المجاعة، أنا كنت في الجنوب وأهلي في الشمال، فمثلا كنت قاعد مع اخواني وأهلي فنتذكر موضوع المجاعة كيف كانوا هم يعانون وكيف كنت أنا في الجنوب نوعا ماً أشعر بالذنب؛ انه أنا على الأقل لدي بعض الطعام، وهم ما عندهم. في شهر 11 أنا مثلا كمقداد وكأهلي أتذكر أول نزوح وأول خروج لنا من البيت بعد الحرب بشهر، كنا يعني رافضين فكرة الخروج. لكن يومها تعرضنا لقصف شديد. احنا لازم نطلع، وتعرض الشارع لقصف مدفعي، يعني هذه كانت كرسالة انه انتم في الشارع هذا الوحيدين الذين بقيتم ولازم تخرجوا، فهو يقصفك قصف عنيف جدًا في الشارع عشوائي، حتى تكون مجبر أن تخرج. فمثلاً بتصير بالنسبة لي شهر 11 ذكرى النزوح الأول، شخصيا مثلا بالنسبة لي شهر 5 هو ذكرى نزوحي من رفح. أنا خرجت من غزة إلى رفح لغاية ما دخلوا رفح أنا اضطررت وطلعت على الوسطى على الزوايدة. فمثلًا شهر 11 بالنسبة لي هو النزوح الأول من مخيم الشاطئ، شهر 3 هو ذكرى المجاعة، شهر 5 هو ذكرى نزوح رفح، بالنسبة لي مثلا صار مرتبط شهر 1 بذكرى العودة إلى غزة، فهكذا تصير الحياة أيضًا يعني، حياتك وأيامك وذكرياتك مرتبطة بأحداث متعلقة بالواقع، بفلسطين، بغزة، بالحروب، بالشهداء، بالموت، بالقصف، بالنزوح، وذلك يعني يجرّ مجموعة ذكريات تتراكم متعلقة بهذا الواقع.
أحمد البيقاوي: [00:47:49.50]
مقداد كيف؟ كيف تميّز الوقت؟ يعني أنت تحكي سنة ونصف وتذكر أشهر؟ محطات زمنيّة طوال الوقت. لكن كيف فعليًا تربط؟ تفضّل؟
مقداد جميل: [00:48:04.83]
كيف أربط الوقت؟
أحمد البيقاوي: [00:48:06.54]
لا، كنت أريد أن أسال لكن شاهدتك أمسكت (الهاتف لتفحّص) التسجيل. التسجيل شغّال تمام، صح؟ عندك على التليفون الثاني..
مقداد جميل: [00:48:12.93]
آه تمام. لكن جاءتني مكالمة وفصلت الجوال.
أحمد البيقاوي: [00:48:15.99]
حوّله لنا وضعيّة طيران الله يرضى عليك. قلقت أنا حين شاهدتك أمسكت التلفون.
أحمد البيقاوي: [00:48:23.70]
أحكي قاعد على عامل الوقت مقداد، بمعنى انه في اللحظة التي الناس تفقد فيها عامل الوقت أو الجدوى من مراقبة الوقت من انه بدأنا يوم جديد او نحن باليوم الفلاني او بالشهر الفلاني او بالسنة الفلانيّة. بعد سنة ونصف من الأحداث المكثّفة لست متأكدًا أو ما عندي فكرة كيف الناس فعليا في القطاع او حدا مثلك فعليا كان يتعامل مع الوقت بحد ذاته انّ يوميّاته تمشي. مثلًا كانت الناس تربطها دائمًا انتبهت انه يجب أن يكون في تاريخ ما ينحكى عن وقف إطلاق النار، بمعنى دائمًا كنّا نحكي حين أقابل أحدًا في شهر خمسة، يقول لي يحكون أنه في شهر 12 في وقف اطلاق نار، نحكي بشهر 12 يحكوا بشهر ثلاثة، يحكون إنه في وقف اطلاق نار، فكل حدا كان عنده مسار، لكن انتبهت كثير إنه كأنه وقف اطلاق النار هو الضوء الذي في آخر النفق، هو المرتقب، هو الموعد او التاريخ او الوقت المرتقب الذي بناءً عليه نقيس يوميّاتنا.
مقداد جميل: [00:49:18.75]
هو ربما احنا دائمًا نحب الأمل، يعني بقدر ما أن الأمر قاتل وبقدر صعوبته لكن احنا بنحب الأمل. فدائما كنا نبحث عن هذا الوقت، أو حتى الوقت الذي نبحث عنه في الأخبار، عند واحد محلل لا تدري من أين أتى به، من مصدر مثلًا تم فيه التصريح. فمن بداية الحرب، يصير هنالك جدال، مثلًا أتذكر في بداية الحرب في شهر 10 كنا في البيت مع أهلي، وأخواتي كنّ نازحات عندنا. وكان لدينا نقاش؛ قدّيش بتتوقعوا تستغرق الحرب؟ أخوي يحكي لي أسبوعين وتنتهي. قلت له: لا مستحيل أسبوعين، هذه الحرب طويلة. فيقول: لا لا أسبوعين وتنتهي. قلت له هذه الحرب طويلة. وأنا يعني حتى حين استطلتها(شعرت بأنها ستطول) حكيت له شهر أو شهرين. قال لا كثير، قلت له يعني لا لا الحرب طويلة هذه، مستحيل أن تكون كأي حرب. فالكل يحكي لا شهرين كثير، لا لا يمكن. الناس صارت مثلا تقول شهر شهرين، في البداية حينما كان الاحتلال يحكي الحرب ستطول، وستستغرق أكثر من شهرين ثلاثة. كنا نستقل الوقت هذا أو يعني نقتنصه من تفاصيل معينة. في بداية الحرب كان في تصريح مثلًا للوزراء الاسرائيليين يقول انه خلال الحرب عملوا خطة، أنها قد تمتد لثلاثة أشهر، جهوزية الجيش لثلاثة أشهر. فالناس تأمّلت وقالت ثلاثة أشهر هذا وقت طويل، لكن تلقائيًا احنا بنصير ننتظر هذه الثلاثة أشهر. أتذكر حينما نزحت إلى رفح، الشخص الذي كنت نازح عنده هو عم زوجتي، وكان يقرأ كثيرًا في الإعلام الاسرائيلي والعبري، ففي مرة من المرات حكى لي: هذه الحرب ستستمر حتى ما يسمُّوه عيد الشجرة _ما بعرف تفاصيله كثير بصراحة فما بحثت عنه_ والذي يأتي في منتصف شهر 2، وكنا في شهر 12 فأنا حكيت له ذلك كثير! لكن في عقلي أنتظر شهر 2.
مقداد جميل: [00:51:15.08]
لماذا؟ لأنه في أعياد وفي رمضان وهكذا، والناس فجأة صارت تحكي لا. هذه الحرب ستنتهي قبل رمضان. فتلقائيا احنا بنصير نعلّق آمالنا وحياتنا على شهر 2، قبل رمضان ستكون انتهت. تمام! جاء شهر 2 ولم تنتهي. طيب دخلنا رمضان قالوا نصف رمضان لا بد أن يكون هنالك هدنة، العرب لن يقبلوا أن يستمر الوضع هكذا، اذاً ستنتهي على العيد. فالفكرة انه احنا نتعلق بالوقت ربما لانه احنا كثير بنحب نتمسك بالأمل، وبصراحة بصراحة يعني موضوع الوقت فارق، يعني لما احنا حتى يكون في وقت معين مثلا نعلّق آمالنا عليه ونعلّق وقتنا وحياتنا فيفرق معنا شخصيًا. كيف؟ انه احنا نشعر أن ثمّة شيء قادم. يعني لا نشعر أنفسنا كأننا معلّقين بالهواء، على الأقل يعني أنا كنت مثلًا في الزوايدة نازح آخر نزوح لي امتد من شهر 5 حتى شهر واحد لغاية ما عدت إلى غزة. وهذه المدة أطول من النزوح الأول في رفح الذي كان من شهر 11 حتى شهر 5. فكانت هذه الفترة دائمًا وللأسف كل فترة يعلِّقونا على وقت، فحين دخلوا رفح قالوا هنالك مقترح لبايدن والذي قيل فيه أنه بالكثير بالكثير في شهر 7 أو شهر 8 ستنتهي الحرب. كلنا كنا معلّقين حالنا على هذا الأمل. أن ذلك سيتم في شهر 8. في شهر 8 صارت مجموعة من الأحداث من بينها اغتيال هنية وغيره. وفشلت كل هذه التفاصيل، فاحنا أصبح لدينا هبوط حاد في موضوع الأمل. لا ننتظر وقت محدد، ولا نعرف. يعني كانت فترة دخول الحرب في غموض في مراحلها أو أين ستصل. وهنا يعني الناس تصبح تمشي في الشارع وأنت تنظر للناس في الشارع تمشي
مقداد جميل: [00:53:17.60]
يعني تمامًا كما نسمّيه كالهائم على وجهه، يعني لا أحد له ملامح، لا أحد يعرف ماذا يعمل. أنت تمشي في الشارع هكذا؛ يعني كما يُقال: "سارحة والرب يرعاها". لا تدري ما الذي تعمله! أنت فقط ماشي، وأنت نفسك حتى اذا كنت ذاهب لأي مشوار فلا تتذكر حتى إلى أين أنت ذاهب! لأنك في حياتك العامة التي هي حياة الحرب وظروفك، لسنا نعرف أين نحن ذاهبين، فتصير وكأنك تمشِّي يوم بيومه وأنت غير مدرك لوجهتك، ومجهول تمامًا لديك الذي سيحدث. فحينما رجعت مثلًا موضوع المقترحات وهذا كان فارق حين تم انتخاب ترامب، في شهر 11 صارت التحليلات؛ انه من سيفوز؟ طيب ما موقف كل واحد؟ عندما انتُخب ترامب أيضًا دخلنا في نفس المرحلة انه مرحلة غموض. ترامب سيدعم اسرائيل بشكل مطلق، وليس هنالك نهاية للحرب وكذا، بعد شهر أتذكر في شهر 12 الذي قام به ستيف ويتكوف وهو مبعوث ترامب، فأصدر أول تصريح كان يحكي فيه أن الرئيس يريد أن تنتهي الحرب في وقت قريب. بعد ذلك بيومين خرج تصريح أن الرئيس يريد الحرب أن تنتهي قبل تنصيبه حتى، ويومها كانت الحرب قد انتهت في لبنان، فالناس صارت معلّقة انه 20 واحد احنا ونريد أن تنتهي الحرب. أنا شخصيًا وقتها أدركت أن الحرب ستنتهي في 20/1 أو قبل ذلك، لأنني كنت يعني لأسباب سياسية أعرف طبيعة الواقع، وما دافع ترامب أن يعمل ذلك؛ لأنه أراد أن يظهر بمظهر انه عمل شيء قبل تنصيبه وأن تنصيبه كان شيئًا فارقًا بأنه قد خرج الرهائن يوم تنصيبه أو قبل التنصيب، فكنت أنا أحكي للناس هكذا وكنت واثقًا، والناس نفسها بشكل عام كانت تنتظر هذا التاريخ الذي هو شهر واحد لموضوع الانتهاء، فهو فعلاً الوقت احنا نقيسه كنا بأننا نحدد علامة أو تاريخ أو حتى ليس بالضرورة أن يكون تاريخ بقدر ما انه فرصة
مقداد جميل: [00:55:17.65]
وكما أن الناس الأهلية تحكي أن هنالك مقترح مصري جديد. احنا مش عارفين متى حماس سترد، ولا عارفين متى اسرائيل ستردّ، ولا عارفين متى سيتفقون، لكن احنا عندنا الوقت الذي هو المرحلة الزمنية وليس الوقت المحدد بالتاريخ، مرحلة زمنية التي هي الفترة القادمة التي سيصير فيها ردود، فنتوقع أن هذه المرحلة الزمنية سيكون هنالك سبب أن ينتهي الوضع الذي نحن فيه. إذا غدًا مثلًا قالوا أن الطرفين رفضوا الاتفاق أو المقترح، فيصير فجأة بين الناس خلص فقدان للأمل فجأة. يعني آخر يومين صدرت أخبار والناس تفاءلت، قالت هنالك مقترح، تمام يعني طالما يوجد مقترح فإذاً الأمور تسير بشكل أفضل. يعني حتى الناس لا تتعلّق بالتاريخ أو بالحالة الزمنية تحديدًا، لكن يعني اذا كان هنالك مقترح، مفاوضات فنعلِّق عليها الآمال، ونشعر أن شيء قادم، ويعني ربما ينجح. حين يقولون فشلت المفاوضات والمفاوضات متوقفة ولا يوجد وفود، فالناس تعود لتلك الحالة؛ حالة الغموض انه ما في وقت معين، ما في تاريخ محدد، فلن يكون هنالك انتظار. فالفكرة أننا دائمًا نحاول أن ننتظر شيء معين، وهذا الانتظار لهذا الشيء هذا هو الذي يجعلنا قادرين أن نكمل المسير. يعني هو الذي يمنحنا أن نتأمل، ننتظر، نطلع نمشي مثلا في الشارع ونحن نشعر أننا سنقوم بروتين الحياة اليومية التي نعيشها بقلب ورب(بدافع مخلص في العمل).ليش؟ لانه أنا سأكمل؛ لانه يوجد نهاية، والنهاية هذه يمكن أن تكون بتاريخ كذا، ربما تكون بعد المفاوضات، بعد المقترح بعد الشيء القادم.
أحمد البيقاوي: [00:56:59.97]
جاء الوقت، وجاءت لحظة وقف إطلاق النار. يعني تحقق الأمل أو وصلت أنت المحطة. كيف كان الشعور وقتها؟
مقداد جميل: [00:57:17.66]
هو ربما بالنسبة للناس في أول اللحظات حينما قالوا أن وقف اطلاق النار قريب جدًا وخلال يومين سيعلنوا عنه. الناس كلها كانت متبلّدة للأسف؛ لانه صار عندنا مجموعة أحداث انه يطلع خبر انه صار موافقة على المقترح، صار كذا، فالناس تحتفل، ثاني يوم الناس تنتكس، وللمفارقة انه اللحظة الحقيقية جاءت للناس، فالناس ما كانت متوقعة انه هي تفرح، وهذا الناس كثير كانوا يقولونه على تويتر وعلى المنصات الثانية، فعندما يصير إعلان حقيقي الناس سوف لن تفرح لسبب انه هي انتكست كثير وما بدها يكون هذا الإعلان كذب مرة أخرى. لكن لا فعلًا أنا أتذكر يوم أن حدث الإعلان الحقيقي كانت لحظة فارقة جدًا وكانت لحظة تاريخة، أنا وقتها يعني ما كنت عارف انه أمسك الجوال واكتب على تويتر: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر". يعني أنا من الشعور الذي حولي، ما كنت مستوعب إني بعمل أي حاجة سوى أنني فقط أكتب هكذا! أريد أن أصف للناس الذي يحدث حاليًا. وكان المشهد حوالينا إطلاق نار، احتفالات فظيعة غريبة، الشعور داخليًا كان كثير بصراحة ما بين ألم وما بين فرح انه في ظرف يعني مشاعر مختلطة، وأنا ربما حاليًا حتى مش قادر أحكي لك عنها بالتفصيل، بقدر ما انه هنالك في الداخل شيء معين، هي هذه اللحظة التي أنت تشعر وكأنك أشبه بما لو كان هنالك أحد مثلًا يركض ركض كثير كثير كثير كثير لمسافة طويلة وهو لا يعرف لمتى سيتوقف، وفجأة يقف، هكذا تشعر أن هذه لحظة الراحة التي أنت لا تستوعب أصلًا أنك قد وصلتها! فهي هذه كانت اللحظة، انه احنا هكذا قلنا خلص، قلوبنا ستهدأ، ونشعر أننا قد وصلنا، صحيح أننا لا نعرف إلى أين وصلنا، لكن نحن وصلنا وكفى! لكن هذه الراحة الداخلية التي تشعر فيها
مقداد جميل: [00:59:23.99]
يعني أتخيل صعب أن يصفها أحد وصعب أن يشعر فيها أحد سوانا! لماذا؟ لأن منسوب التوتر قبل الإعلان عن اللحظة وقبل دخول وقف إطلاق النار كان كثير صعب. حتى المخاطر والمخاوف كثير كثير كثير كثير كلها كانت كل مخاوف الحرب كانت تتجمع في آخر يوم أو يومين ما قبل وقف إطلاق النار. أنت بتصير تفكر أنا لغاية الآن بيتي بخير! طيب أنا خلال يوم أو يومين ممكن يختفي! أهلي مثلا كلهم بخير، أو لم يتصاوب منا أحد وما انقطعت رجله أو صار كذا. وإن شاء الله كلهم يظلون بخير. فأنت أول ما يتم الإعلان عن هذه اللحظة فالكل هكذا أحس بشعور، دعني أصف لك إياها كيف؛ أنا ما بعرف أسبح تمام؟ مرة واحدة فقط في حياتي تعلمت أن أسبح، وما تعلمت سوى طريقة معينة، وهي حينما أنت تسبح على ظهرك انه أنت ترمي حالك هكذا، ظهرك للمياه، وجسمك يطفو هكذا وتترك نفسك بشكل كامل. فهذه اللحظة هي تقريبًا متقاربة جدًا مع شعورنا كانت. انه انت دخلت في مرحلة وتارك حالك للماء وللحياة وأمواجها هكذا وماشية. لكن أنت ضامن تمامًا أنك لن تغرق أبدًا. ضامن انك تارك نفسك لشعور منيح كثير ولشعور مريح. يعني انتهى هذه اللحظة هي التي جاءت والتي كنت تنتظرها، وفي داخلك اطمئنان.
أحمد البيقاوي: [01:01:02.84]
لكن غير زابطة انت فعليًا.
مقداد جميل: [01:01:04.70]
كانت فعلًا لحظة..
أحمد البيقاوي: [01:01:05.51]
مش زابطة! انت فعليا حمامي. ومخيم الشاطئ ولا تعرف أن تسبح. وسبحت مرّة واحدة، فقط. صح؟
مقداد جميل: [01:01:12.11]
اه انت هكذا مسكتني هههه..
أحمد البيقاوي: [01:01:15.68]
هههههه.
مقداد جميل: [01:01:16.85]
يقولون حماميّ وأيضًا حتى احنا معروفين الذين يعيشون في المعسكر والحماميّين وأيضًا دار مقداد، مختصّين في الصيد والبحر وهكذا. هي مش زابطة فعلًا لكن مش مشكلة يعني.
أحمد البيقاوي: [01:01:30.74]
هذه فعليًا أنت عارف معنا بالكواليس فعليًا زميلنا وصديقنا سعد الوحيدي ففعليًا مباشرة يقول لي كيف يعني هذا لا يعرف يسبح يعني؟!
مقداد جميل: [01:01:44.57]
ههههههه. ماشي يا سعد تمام فقط لأنّه غزاوي سأمشّيها.
أحمد البيقاوي: [01:01:55.00]
أكمل لي يا صديقي. حين وصلنا هذه المرحلة، أو هذا الشعور الذي تحكي عنه. في ناس تصف وبأكثر من شكل. وفي ناس تقول ما صار في تغيير. لكن في شيئ عاطفي؛ اندفاع الناس للحياة جعلها ترى تغيّرات إنسانيّة. تغيّرات اجتماعية. تغيرات أمنيّة. لمستها بشكل سريع. أنا على السوشال ميديا مقداد لا أقدر أن أرى فعليًا.. تعرف في عندنا تأخير بالصوت فهذه. لأجل ذلك فعليًا تتداخل أصواتنا مع بعض. لكن الذي كنت أحكي لك إيّاه إنه انتبهنا انه الناس على السوشال ميديا اندفعت على الأقل على التعبير على العودة للحياة سريعًا، تنضّف بيوتها، ترتّب بيوتها، ترجع تفتح مطاعمها او تفتح مصالحها مرّة ثانية؛ المباريات، المقاهي. في تفاصيل صغيرة كثير بالحياة صارت الناس أكثر تعبّر عن هذه الممارسات. هذه السلوكيات باليوم يوم هكذا شاهدت أنا بالسوشال ميديا. على الأرض كيف كان؟
مقداد جميل: [01:03:01.50]
الآن الذي يحكي لك انه لا يوجد شيء تغير فأنا يعني أستنكر هذا الاشي، ولا أراه أصلا شيء واقعي أبدًا. كل شيء تغير؛ بداية من المشاعر الداخلية انه احنا خلص يعني بتحس بالنجاة. ولو انه يعني اذا أردنا أن نحكي مصطلح النجاة فسنحكي تفاصيل كثيرة يعني، اليوم احنا لا نشعر بالنجاة سوى النجاة الجسدية، لكن هنالك مشهدين أتخيل؛ لكن المشهدين أيضًا يرجعون لنفس الشيء الثابت وهو العودة للحياة. المشهد الأول؛ انه احنا كنا بنرجع بنستكشف المدينة، وكان الأمر جدا مؤلم خصوصًا خصوصا الناس الذين كانوا يعيشون في الشمال، واحنا يعني الذين كنا نازحين في الجنوب، واحنا أصلا في الشمال بيوتنا ورجعنا للشمال؛ شمال الوادي. والناس الذين كانوا نازحين من رفح ورجعوا لرفح، ورجعنا ورأينا كيف المدينة تغيرت، وكيف تدمرت وكيف انقلبت رأسًا على عقب! فالمشاهد الأولى هي مشاهد الاستكشاف. أنا أول ما دخلت غزة اتصلت على أخوي، وجعلته يأتيني بالسيارة يعني، هو كان قد خبَّأ شوية بنزين من أجل المشوار، حتى لا يجعلني أكمل الطريق مشيًا. فحكيت له قبل أن أصل البيت فقط در بي في مناطق أراها كيف يعني مدمّرة في الطريق، حاول أن تدخلني في المناطق التي تدمّرت، أنا أحببت أن أرى، فكان الشعور سيء فعليًا؛ لانه أنت تستكشف المدينة، وتستكشف ذكرياتك، وتفاصيلك وحياتك. مثلًا أول ما تدخل انت غزة عن طريق دوّار النابلسي وصولًا من شارع الرشيد أو شارع البحر. أنت تستكشف مكان من أحب الأماكن لقلبك وهو شارع البحر وشارع رشيد وهو الكورنيش؛ المكان الذي كنت تروح تسهر فيه، وتقعد في المقاهي فيه، تقعد أنت وأهلك وعيلتك في أي لحظة أنت زهقان، طفران، الجو حار مثلًا وبدك تستبرد قليلاً، تأخذ سيارة، أو تطلع بسيارتك
مقداد جميل: [01:05:03.66]
تصل البحر، وتجلس هناك. فأنت تراه قد مُحيَ أثره! أنا ما عرفت الطريق، انا دخلت غزة ما عرفت الطريق، فكان أخوي يتواصل معي ويقول لي: أين صرت؟ فقلت له: انا مش عارف! فيقول لي: طيب أنت وين هلقيت بالضبط احكي لي؟ قلت له والله ما أنا عارف وين أنا! أنا دخلت غزة لكن أنا مش عارف وين! الشيء الوحيد الذي جعلني أعرف أنني في غزة؛ انه شركه جوال تضع سيارات بث حتى تقوِّي الإرسال. فكانوا يقولون بأن سيارة البث هذه موجودة عند دوار النابلسي. الدوار ممسوح وكل محيطه ممسوح! لكن انا رأيت سيارة البث، فأنا عرفت انه هذا دوار النابلسي، قبلها يوجد جامع وهو جامع الشيخ عجلين، تم بناؤه في السنوات الأخيرة، لكن كانت طريقة بناؤه حديثة جدًا، وحتى الناس كانت عندما تأتي وتراه يقولون: هذا جامع فضاء، يعني النمط المبنيّ فيه لا يشبه نمط جوامع غزة! هكذا نمطه كثير حديث، وشكله تشعر وكأنه آله أو جهاز فضائي، الجامع كله مدمّر، الشغلة الوحيدة التي رأيتها من الجامع المئذنة والتي أصلًا منظرها غريب وكأنها جهاز أو آله، وكانت هي الوحيدة الباقية منه. فأنا هذا الشيء الوحيد الذي من خلاله عرفت أيضًا أنني موجود في غزة. فأنا حكيت له أنا حاليا موجود في الشيخ عجلين عند دوار النابلسي. لولا هذه التفاصيل الموجودة لما كنت سأعرف أنني في غزة! فأقول لك أول شعور كان أن الناس بدأت تستكشف ذكرياتها وحياتها، تستكشف المدينة المدمّرة، التفاصيل، الشوارع. كيف تغيرت! وهذا كان جدًا مؤلم. مؤلم مؤلم مؤلم، يعني بقدر ما انه احنا كنا بنمشي في شارع الرشيد في نتساريم، وبنمشي بدون تعب و مسافة طويلة حتى نصل غزة بقدر ما انه كنا مبسوطين.
مقداد جميل: [01:06:53.44]
صحيح حينما دخلناها كنا قد بدأنا نتألم. فهذا كان الشعور الأول؛ انه احنا نتألم. أنا أستكشف ذكرياتي. الناس التي دخلت غزة ورأيت بيوتها مدمّرة ورأت ذكرياتها ورأت تفاصيلها، الناس التي راحت للأسف يعني تستكشف جثث أبنائها في الشوارع مثلا، الذي دخل على شقة أو على بيته ويرى جثة أخيه حتى يدفنه، هذا كثير كان مؤلم جدًا مؤلم. الشعور الثاني المقابل، يعني احنا أخذنا وقت انه احنا نستوعب الشعور الأول شعور الألم، وأشكّ أن أحدًا لم يشعر بالألم، يعني كلنا شعرنا بالألم، حتى الناس التي ما فقدت بيتها، حتى الناس الذين ما فقدوا أي شخص، كان جدًا مؤلم؛ لانه انت ترى حياتك وبيتك وحارتك وذكرياتك مدمّره كان جدًا مؤلم. لكن بقدر ما كان مؤلمًا كان فيه شعور احنا بسرعة كنا بنحاول نحقّقه. وهذا كان جدًا لافت، انه الناس تحاول أن ترجع للحياة. وهنا ما بدي أحكي انه احنا رجعنا للحياة والناس رجعت للحياة بقدر ما أريد القول انه الناس تحاول! لانه من فترة صارت في ناس بتقول انه غزة رجعت للحياة وغزة كذا.. ليش؟ لأنه في مطعم أو اثنين فتحوا وبالمقابل طلعت ناس تقابلها بانه لا. غزة ما رجعت للحياة عشان مطعم أو اثنين أو ثلاثة وغزة لا زالت تعاني! وأنا مع الرأيين بشكل متناقض أنا مع الرأيين. الرأي الأول ما عرف يعبّر بشكل صحيح عن غزة والبعض كان يحاول أن يركب الترند؛ انه احنا رجعنا للحياة، واحنا صامدين وكذا. لكن هو فعليًا احنا صحيح احنا نسمّيها محاوله بقدر ما انها ليست عودة للحياة. لأن العودة للحياة تعني عودة غزة لحياتها الطبيعية. لكن اليوم في مطاعم رجعت، في محلات رجعت، في مشاريع رجعت، وهذا كان شيء كثير جميل، وللملاحظة يا أحمد.. أنت معي؟ تسمعني؟
أحمد البيقاوي: [01:08:54.63]
اه اه سامعك.
مقداد جميل: [01:08:57.75]
لأنه عندي الانترنت شكله.. تمام. للملاحظة أن هذه العودة للحياة ما كانت فقط في الهدنة، ما كانت بعد وقف إطلاق النار، بل هذه موجودة من قبل. أنا أهلي عندهم مطبعة، لدينا مطبعة افتتحها والدي من سنه 1993، يعني في الحرب كان عمرها 30 سنة. المطبعة احترقت بشكل كامل في الحرب نتيجة القصف والمدفعية، طابقين كاملين بآلاتها وبكل شيء فيها قد احترقت. اهلي مثلا الذين كانوا موجودين هنا. المطبعة هي مصدر رزق للعائلة ككل لأهلي، فخلال الحرب مثلاً حدا من إخواني صار يبيع مياه يعني صار يبيع مياه مثلّجة عشان عندنا طاقة، فصار يبيع مياه مثلجة ويبيعها للناس. واحد ثاني افتتح بسطة ليبيع حاجات وطعام وهكذا.. واحد ثالث صار يجلب شرائح إلكترونية ويعمل بث انترنت للناس ويبيعهم انترنت. فهذه أيضًا محاولة عودة للحياة، يعني هذه أيضًا تدل على انه كيف كل أهل غزة، أنا أضربه كمثال على أهلي، لكن احنا كأهل غزة هكذا. ما في حدا بحب أن يظل في هذا الواقع، كلنا دائما بنحاول نكمل، بنحاول نعيش بنحاول نرجع، فالذي عنده مطعم وعنده إمكانيات ولا يزال وضعه ربما تمام، حاول انه يرجع يفتتحه بأقل الإمكانيات، في ناس افتتحت مقاهي في غزة مثلًا في خيمة، عمل خيمة وأحضر كم كرسي، ورأى انه هو في الحارة التي عنده لا يوجد أحد يرفِّه عن الناس، ما في انترنت، ما في حدا يعمل مشروبات، ما في حدا مثلًا يعمل بث مباريات كرة، الليلة الماضية مثلًا كان في صوت غير صوت الزنّانه في الحارة عندنا؛ صراخ كبير، ليش الصراخ كبير؟
مقداد جميل: [01:10:48.27]
فتعرف انه يوجد مباراة، أنا ما بشاهد كورة خذ بالك، لكن أول ما أسمع هذا الصوت، فبعرف انه في حدا بيشاهد كورة قاعد. فهذا مثلًا انتشر واحد عمل خيمة، وجلب كراسي، وشاشة، ووفّر انترنت، والناس تأتي وتحاول أن تكمل بأي شكل من الأشكال. مطاعم كثيرة افتتحت وكان في اشي لافت أنا أحببته بصراحه؛ أغلب المطاعم التي كانت لا زالت بخير وأماكنها بخير وافتتحت مكانها، كانت تجلب جرافة أو آلات ومعدّات من الآلات المحلية رغم أن تكلفتها كبيرة، كانت تجلبها وتفتح الشارع المحيط لها. يعني في مطعم في مكان شغلي في شارع اليرموك افتتح جديد، هو موجود ما قبل الحرب لكن بدأ يجهّز مكانه جديد، فالشارع مدمّر ومغلق من الردم والركام؛ لانه كل المنطقة تم قصفها ومسحها، فالمطعم حتى يفتتح ويؤهل هو بنفس الوقت محتاج إزالة الركام وفي نفس الوقت الناس محتاجة إزالة الركام، فجلب جرافة وأزال كل الركام الموجود في الشارع، ووسَّع الشارع وفتحه، حتى يصير الشارع مفتوح، وبنفس الوقت هذه مساعدة للناس، وأذكر ربما يوجد على الأقل أربع او خمس مطاعم عملت نفس الشيء، عشان يفتتح هو جلب جرافه، وعمل محيطه وشارعه، زبط وأهّل المكان، أزال الركام عمل زينة، دهن الشارع، هذه ما بنقدر نحكي عنها انها بمثابة عودة للحياة بل هي محاوله؛ لانه لا زال في الشوارع الأخرى؛ الشارع المدمّر الذي صار عبارة عن مجموعة خيم، الشارع المدمر، البيت الذي ترى مثلا بيت هاوٍ وفي غرفه لا زالت موجودة ومؤهلة والناس قاعده فيها!
مقداد جميل: [01:12:37.27]
مثلا أنا حاليا موجود في شقتي في عمارة أهلي، البيت الذي بجانبي شقة أخوي انقصفت، يعني أنا في نفس الطابق في شقة جانبي مقصوفة، انقصف فيها غرفة، فأغلب الحيطان الموجودة على الشارع انقصفت وراحت. أختي بيتها انقصف وراح، فأختي بدها تنزح عندنا، ولا يوجد مكان لها. فأنا اقترحت عليها بكل بساطة؛ نضع شادر(غطاء بلاستيك كبير) في الشقة المقصوفة طالما فيها غرفتين موجودتين فنضع شادر ونغلقها وتقعدين فيها. وهذا الموجود، وتعيشين كأنك موجودة في بيت. وهذا مثال على كثير ناس هكذا يعيشون بهذا النمط، فلأن هذا نمط الحياة، فهذه محاولة انه احنا نرجع للحياة، أنا بدي أرجع للحياة. صحيح ما عندي البيت، ما عندي المقومات الكاملة، فبرجع للحياة بخيمة، برجع للحياة تحت بيت مدمّر، لكن هل هذا يعني انه أنا رجعت للحياة بشكلها الطبيعي؟! هل هذا يعني أنني رجعت للحياة التي تجعل الناس تقول: والله غزة رجعت للحياة؟! لا هذا الاشي يعني غير منطقي وغير طبيعي أبدًا. هي محاولات انه نرجع للحياة، لكن الترويج انه هي رجعت للحياة هذا غير منطقي وغير صحيح؛ لانه يعطي الصورة للعالم انه والله يا عم ها هي غزة تمام، مثل الفل، وها هم أحياء ومبسوطين وطبيعي! لا. بينما نحن نتألم كل يوم عندما نرى شارع مدمر، وأنا أتألم كل يوم حينما أطلع على شغلي، أرى الخيم مسطَّرة في الشارع الذي أنا كل يوم كنت أراه؛ شارع نظيف وحلو وكل الناس عايشين فيه بخير. فيعني ثمَّة شعورين متناقضين؛ شعور انه انت بتحب الحياة وبدك ترجع، وشعور انه لا زال هنالك ألم و تفاصيل مؤلمة جدًا.
أحمد البيقاوي: [01:14:24.02]
وتعرف المشكلة بنمطين من تصدير الرواية. أنهم متناقضين بكثير من الأماكن او صاحبهم لا يؤمن إنّه فعليًا في معادلة ممكن يكون بين الاثنين. يعني بالضبط كيف انت حكيت فكرة إنه اختك موجودة في البيت، قاعدة في بيت اليوم هكذا شكله في غرفتين فاضيين والبقيّة فعليا وُضع شادر (غطاء بلاستيكي). هذا لا يجعلها قاعدة في بيت. لكن وكأنّه حتى محاولات العودة للحياة بحد ذاتها صار في خوف منها. لأنه نحن محتاجين فعليًا نجعل الناس بقدر الإمكان عايشة او متواصلة مع وضعنا الصعب بشكل متطرّف. في المقابل في الشيء الذي أنت أسميته (ترند) لكن أنا لا اعتقد انّ اسمه (ترند) أعتقد في المقابل المتطرّف الآخر تعرف صار في يعني أنتبه تعليقات انّ فلان الفلاني هو شخص لطيف أو شخص يُعبّر عن شباب غزة، فقط لأنه يلبس عادي يعني كما نحن نلبس، نحن نهتّم باللبس وبالشعر وبالأشياء، ونهتم بمظهرنا بالإمكانيات الموجودة، ففي صور طوال الوقت تكون متناقضة انه يا إمّا انت تكون مُعفّر يا إمّا تكون كثير جميل. ولا أعتقد انّ في شيء ترند، لكن في صراع بين روايتين موجودتين طوال الوقت. نادرًا ما حدا يحكي عنهم كما أنت حكيت الآن.
مقداد جميل: [01:15:41.85]
هو يعني أعتقد الخلل الأكبر بالفهم الخاطئ في الخارج. يعني أنا ما المشكلة اليوم أن ألبس وأمشّط واطلع على شغلي؟! يعني وأنا أيضًا بدي أعيش يعني، وعشان انت تفهم انه أنا ابن غزة، أنا أخرج كل يوم وأنا أرتدي ترينغ وشعري معفَّر بالغبار، وذقني لازم تكون طويلة وهكذا.. طيب رغم كل شيء احنا كنا نحلق شعرنا في الحرب، واحنا في الخيمة وتحت النزوح نذهب إلى الحلاق ونحلق، طيب أين المشكلة؟! الفكرة فقط انه العالم أيضًا كيف يستقبل هذه الصور، العالم كيف بده يفهمنا! احنا لا زلنا في معاناة، وحتى أنا أيضًا أثبت لك أنني في المعاناة فمش لازم أنا أظل أنشر لك صورة أنني اليوم متبهدل ومتمرمط، ووالله شعري هكذا انه أنا كنت أزيل الركام، طيب أنا أزلت الركام وزبّطت بيتي، بيتي الذي انا موجود فيه قد انحرق! وزبّطت بيتي وأزلت الخراب، فمش لازم أبقي البيت على السكن(الرماد) الذي فيه والردم الذي فيه حتى أثبت لك انه انا في حرب، وانه انا لم أعود للحياة الطبيعية بعد! وها أنا ذا عايش في بيت كان لونه أبيض اليوم لونه اسود، وأختي مثلا تعيش في بيت عبارة عن شوادر! فأيضًا هذه مشكلة في العالم كيف سيتلقّى الأمر؟ يعني كيف سيتلقّى التفاصيل هذه. قدّيش هي تفاصيل غير حقيقية، يعني هي محاولة لكن هي ليست الحياة الطبيعية! وأيضًا انت ما تحسب علي انه الشيء الذي أنا أعمله أو محاولتي اني أعيش انه هذا يعني خلص انت تمام! طيب ما احنا كنا بنحكي انه غزة ما قبل 7 أكتوبر وما قبل الحرب لم تكن حية أصلًا! لو أن أحدًا سمع هذا الكلام سيأتي أحد ويحكي انه غزة كانت عايشة، غزة كانت عايشة وكان عندنا كثير مقوّمات، وكان لدينا كثير تفاصيل حلوة وكلنا بنحبها! لكن مهما كانت هذه المقومات جيدة فهي ليست المقوّمات الحقيقية للحياة الصحيحة والسليمة لأي انسان طبيعي!
أحمد البيقاوي: [01:17:42.87]
صحيح صحيح.
مقداد جميل: [01:17:43.59]
ليست الحياة الطبيعية أبدًا. غزة التي كانت ما قبل 7 اكتوبر كانت أول ما يزيد المطر مثلاً في مساحات كبيرة خصوصا في المخيمات؛ مخيم الشاطئ، مخيم جباليا وغيره تغرق بشكل كامل، مثلًا مثلا يعني، وهذا مثال بسيط.
أحمد البيقاوي: [01:18:03.12]
مقداد بوقف إطلاق النار كانت الناس يعني قدام كمان الصور التي تحكي عنها محاولة العودة للحياة او محاولة اظهار العودة للحياة تمام، للتأكيد على الحق في الحياة. يعني مرّة ثانية، لكن كان في تخوفات أو مخاوف داخلية من العودة او من عودة الحرب أو عودة الإبادة؟
مقداد جميل: [01:18:27.58]
لو تعد السؤال أحمد.
أحمد البيقاوي: [01:18:31.45]
أقول خلال وقف إطلاق النار كان في محاولات مثلما تفضّلت. سواء محاولات العودة للحياة أو إظهار العودة للحياة لتأكيد الحق في الحياة، يعني على الجهتين او ممارسة الحياة حتى إذا ما بدنا نروح باتجاه تأكيد أو إظهار تأكيد. لكن خلال هذه اليوميّات خلال عشرات الأيام ما يقارب 50 يوم من وقف إطلاق النار كان في تخوّفات ومخاوف حاضرة دائمًا من عودة الإبادة؟
مقداد جميل: [01:19:06.46]
أكيد يوجد، لكن أيضًا كل شغلة بدنا نحكي عنها سأحكي لك أشياء متناقضة. الناس كانت مدركة انه مجرد أن تدخل التهدئة ووقف إطلاق النار فيكون عندها شعور انه خلص يعني انتهى الأمر. حتى الهدنة الأولى التي حدثت في شهر 11. آسف على الصوت ها هي عادت.
أحمد البيقاوي: [01:19:26.16]
آه رجعت الزنانة تمام.
مقداد جميل: [01:19:27.69]
في شهر 11/ 2023 التي هي الصفقة الاولى التي كانت 7 ايام، كانت الناس تحكي بثقة انه خلاص طالما دخلنا الصفقة فمستحيل ترجع الحرب. وكلما تمدّ يوم يومين ثلاثة فيظنّون ان الأمر انتهى، ستمدّ للأبد ولن ترجع الحرب، فدائما يوجد لدى الناس أمل انه خلص بمجرد أن نبدأ وقف اطلاق النار صعب ترجع الحرب، وخصوصا أن هذا الوقف لإطلاق النار كان طويل، وبنفس الوقت كان هنالك تخوّف عند الناس، تحسُّه في التفاصيل، وتفهمه جيدًا في التفاصيل؛ كما لو أراد أحد ما أن يرجّع مشروعه او مطعمه او عنده مشروع صغير ويريد أن يرجعه، لديّ صديق كان له مقهى في غزة مشهور فكنت أحكي له ليش ما ترجع؟! صحيح انه تدمّر لكن بمقدورك أن تفتح في مكان ثانٍ. فكان يحكي لي: انه ليس بعد، لا زلنا لا نعرف ماذا سيحدث. أنا كنت أقنعه، انه لا يعني ستمدّ الهدنة وسيدخلون المرحلة الثانية وخلص. فقال: لا لا يوجد أمان حاليا. وفعلا كان هذا الشيء الناس تلمسه؛ انه انت تحاول أن ترجع للحياة، وتحاول أن تكمل، وفي نفس الوقت انت أشبه وكأنك تضع رِجل في الداخل ورِجل في الخارج! هل أكمل أم أظل واقف أنتظر وأرى ما سيحدث؟! لأن الأمور كانت هشَّة وصعبة ومخيفة؛ انه ماذا سيصير الآن؟! وكذا.. كان هنالك تخوفات كبيرة، وكانت الناس خائفة لا زالت أن ترجع، وللأسف بقدر ما كان في ناس خايفه، عودة الحرب واستئنافها كان كثير صعب على الناس كان أصعب أصعب
مقداد جميل: [01:21:06.77]
أصعب أصعب من أي وقت ثانٍ. ربما لما كنا في الحرب قبل وقف إطلاق النار كنا في ظروف يعني خلاص لا مفرّ احنا داخلين في الحرب يعني احنا موجودين فيها، تمام؟ فخلاص ماذا سيحدث يعني؟! إما أن أُقصف وأموت، أو سأنزح مرة أخرى. احنا يعني وكأننا نتعوّد على نمط المعاناة، وطبعًا التعوّد يعني انو احنا نتعوّد على ممارسته وليس على تقبُّله أو أننا نعتبره طبيعيّ. لكن كنا فيها يعني في النهاية ما دخلنا. لكن حين دخلنا وقف اطلاق النار ورجعت الحرب كانت وطأتها نفسيًا كثير صعبة أصعب من ما قبل الحرب. أصعب من ما قبل وقف إطلاق النار، أصعب من الحرب العادية؛ لانه يمكننا القول يعني أننا أدركنا نعمة انه احنا نكون في وقف اطلاق النار، عشنا تقريبا سنة و3 أشهر في حرب وعشنا في هذا المعاناة، حينما دخلنا الـ 45 يوم أو الـ 42 يوم الجديدة في وقف اطلاق النار بدأنا نشعر يعني قدّيش الحياة جميلة وانه الأمر ممتع؛ انه انت تكون تعيش في الهدوء، تعيش شعور بعيدًا عن القصف بدون شعور الخوف؛ انه انت اذا صار قصف اتصل على أخوك اتصل على أهلك، اتصل على ابنك، اتصل على قريبك، اتصل على صاحبك، بشعور انه انت تطلع الصبح على شغلك او على السوق او على اي مكان والامور هذه وانت مش قلقان، قبل وقف إطلاق النار في الحرب مثلًا انت العصر المغرب بالكثير تتوقف حياتك، انت تقعد في البيت ممنوع تطلع؛ لانه الامور بتصير خطر ومخيفة، فشعرنا عكس هذا الاشي في وقف اطلاق النار، حسيت قدّيش انه انت مثلا تكون الساعه 9 بالليل قاعد مع أصحابك في الحارة ولا في المقهى ولا في مكان تاني
مقداد جميل: [01:23:13.44]
وتروّح بسهولة بدون خوف وبدون أن تكون قلقان، وبدون ما التلفون يرن؛ وين انت؟ وين صرت؟ والوضع مش تمام وكذا.. فمجرد أن رجعت الحرب وتم استئنافها كان الأمر كثير كثير كثير كثير كثير صعب، كان مؤلم جدًا، مؤلم غير ألم الخوف والقصف بل كان هنالك ألم نفسي كثير حاد يعني، وصعب وصفه غير انك مثلا تقول أن أحدا غرز سكينة مثلاً في صدرك، وكانت يعني حادة جدًا ومؤلمه، وهذا انا لمسته جدًا في الناس. كلما أحكي مع أحد يتواصل معي ويحكوا لي مثلًا ما رايك؟ ماذا سيحدث؟ أصدقاء وشباب عاديين يحكوا لي لماذا هكذا؟! يعني لماذا عادت الحرب! الناس يعني دخلت في حالة هستيريا انه كيف هكذا! يعني ليش ليش؟! وكان هذا جدًا سيء نفسيًا، تشعر أن الكل لديه لمسة الخذلان هذه، أو فقدان الأمل أو لمسة الألم النفسي الحاد موجودة في كل كلمة كل حدا يحكيها. وحتى هسترت(هستيريا) الناس لدرجة انه كانت الناس تحكي يومين وتنتهي خلص، وهينا موجودين تقريبا صارلنا يمكن 20 يوم وللأسف الوضع نفسه، فهي فعلا العودة كانت أصعب من البداية نفسها.
أحمد البيقاوي: [01:24:39.59]
طب ينفع فعليًا إذا بدك تحكي لي المشهد اليوم الأول من العودة تحديدًا. أنت أين كنت؟
مقداد جميل: [01:24:53.90]
العودة على غزة أم عودة الحرب؟
أحمد البيقاوي: [01:24:55.91]
لا لا عودة الحرب.
مقداد جميل: [01:24:56.96]
صار عندنا عودات كثيرة.
أحمد البيقاوي: [01:24:59.87]
الله يكثر منهن.
مقداد جميل: [01:25:01.13]
عودة الحرب كنت نائمًا.
أحمد البيقاوي: [01:25:02.69]
الأولى. الأولى. الأولى.
مقداد جميل: [01:25:04.85]
العودات المنيحة، الأولى نعم. كنت نايم والله؛ لانه هي كانت العودة في رمضان وأنا في رمضان كنت بسهر شوي وبنام ساعتين قبل الفجر. فكنت نايم واستيقظت على انفجارات كثير قوية جدًا جدًا جدًا. وكانت فعلا هي من أقسى الضربات في الحرب، أول شيء فكرت فيه بنتي؛ لانه يعني كانت مفزوعة من كمية القصف، ثاني شيء فكرت فيه حسّيت فيه شعور داخلي أنا فكرت فيه بيني وبين نفسي وما حكيته لحدا. مجرد ما رجع القصف شعرت بألم نفسي سيء وإدراك انه احنا داخلين على مرحلة سيئة، ليش؟ لانه احنا دخلنا ما قبلها بمدة والتي هي إغلاق المعابر، وهي كانت أشبه بتحذير للناس؛ انه انتم اذا الأمور ما انحلت فانتم داخلين على وضع أصعب، والوضع الأصعب هو عودة الحرب. فانا كان عندي ادراك داخلي انه احنا طالما دخلنا في عودة الحرب ودخلنا في مرحلة القصف هذه فلن يكون سهلًا حلها في يوم أو يومين، وحكيته لكثير من الناس، وكان الناس يقولون: لا لا. يوم يومين وتنتهي، فوطأتها النفسية كانت كثير سيئة. كنت في البيت وأنا في طابق عالي الطابق الخامس في عمارة، وانت عارف كيف الوضع بكون في فلسطين. انت بتكون عمارة ويكون الأخوه عايشين في طوابق، والاهل فاضطررت _لأنني في طابق عالي انه خلص أكثر امانًا وفوق الصوت يكون أعلى_ أن أنزل على بيت أهلي ونتجمع كلنا مع بعض لغاية ما نفهم ما الذي يحدث حاليًا.
مقداد جميل: [01:26:48.20]
نصف ساعة، ساعة كان مستمر القصف لغاية ما فهمنا انه في عودة للحرب. استيقظنا _وأنا طبعا لم أنم؛ لانه خلص انت يظل لديك هوس ومهتم تعرف ما يحدث وما الاخبار_ جاء الصبح، تعرف المشهد الذي نكون فيه هائمين على وجوهنا، ومش عارفين شو بنعمل؟ تطلع على الشارع فتكتشف أن الناس هكذا، كل الناس في الأسواق، كل الناس تشتري، كل الناس تستنزف البضائع الموجودة؛ لان الناس خلاص انقرصت من الحرب انه طالما دخلنا في حرب فإذًا احنا داخلين على وضع جدًا صعب، بدنا نخزن، بدنا أكل بدنا ماء. وكان هكذا المشهد جزء من الوقت، الناس موجودة كثير في الشوارع، تروح على الأسواق، تروح على الدكاكين والسوبر ماركتات، وجزء ثاني بعدها خلص الناس بدأت تختفي من الشوارع؛ لانه هي أدركت انه العوده للحياة التي كانت تحاول أن ترجع لها هلقيت هي ممنوعة منها! وانه هي بدها ترجع للنمط الذي كان ما قبل الهدنة؛ انه خلص احنا قدر الإمكان سنبقى في البيوت، ما بدنا نطلع، بدنا نحافظ على سلامتنا؛ لانه الوضع كان جدًا يومها مرعب، يوم عن يوم بدأت الامور يعني تتأرجح ما بين انه أنا اظل في البيت، ولا أنا أكون قادر اطلع؟ الناس اليوم صارت تطلع، لكن يعني تخرج بحذر؛ لانه خلص أنا لن أظل في هذا الوضع لمدة طويلة، وبدنا نعيش، فطبيعة انه احنا كيف بدنا نعيش، أكيد لن نظل في البيوت من أجل أن نعيش، بدنا نطلع نشتغل، بدنا نطلع على السوق، بدنا نشوف حياتنا.
أحمد البيقاوي: [01:28:32.70]
طيب من مكان ثاني الآن انت تحكي لي على تسكيرة المعابر، تحكي لي فعليًا على بالضرورة على نقص بالمواد التموينية بالاكل بالشرب، كمان واضح مع التشويش في نقاش على التواصل في يوميات، تغيّرت تمامًا وواضح لي مع صوت الزنانة هذه ليس هناك أمل بنوم يعني مثل باقي الخلق. إذا تريد أن تحكي لي فعليًا على هذا الجانب الذي أنت حكيته بالآخر، إنّه الناس صار عندها رغبة بإنه بدها تطلع وبدها تمارس يومياتها بحذر فعليًا. لكن بجانب منه أصلًا أنت محدد يعني ليس عندك الإمكانيات، اذا بدك تشتري مونة او تخزن أعتقد المؤونة يعني محددة ومحدودة. لست متأكدًا كم الشيء الواقعي يشبه فعليًا الأخبار التي نسمع عنها على مستوى يعني الحديث عن عودة مجاعة او عودة تجويع او عودة الحديث. لكن أيضًا ينفع تشاركني أكثر، اليوميات على مستوى الأكل والشرب، نمط حياة يومي من يومياتك أنت وأهلك وناسك؟
مقداد جميل: [01:29:36.26]
هو احنا في عنا مشكله في غزه؛ انه موضوع البضائع وموضوع المساعدات هذا كثير شائك، ليس من ناحية سياسيه بقدر ما هي ناحية مجتمعية، بكون في بضائع، مجرد أن يصير هنالك تصعيد أو يصير في ظرف صعب خصوصًا في هذه الحرب يعني، الناس بتصير بدها تخزِّن، تخزِّن لكن بالمقابل انت تجد التجار تخزِّن البضائع من طرفها حتى هي تستغلك في وقت لاحق وتزيد السعر. فهو من ناحية في بضائع فيوجد لكن ليست بضائع بالقدر الكافي، وليست بضائع أساسية، يعني اليوم نحن من تقريبًا شهر و10 أيام بدون معبر، اللحوم اختفت نهائيا؛ لانها غير موجودة لانه هذه الاشياء تستهلك سريعا، البيض مثلا والحليب والأشياء التي هي مقومات للحياة. خصوصا حياة الاطفال وحياة المرضى وغيره، اختفت نهائيا فنمط الحياة اليوم يجعلنا وكأننا محصورين في نوع محدد من البضائع والطعام لأسباب محددة. أولا؛ انه ما في بضائع كافية في البلد، ما في بضائع كافيه من ناحيه انه استنزفت، انت طالما في اغلاق مستمر فهنالك استهلاك. ثانيا؛ لانه حاليا كما تعرف ما في كهربا وما في عند الناس مقومات مثلًا كهربا انه يشغل ثلاجات او اشي. وبالتالي كانت فكرة انه انت تخزّن كمّ من البضائع فصعب جدًا. يعني انا لو بدي اخزن لحوم مثلا أو بدي اخزن حليب، أو بدي أخّزن بيض او مثلا بدي اخزِّن دجاج، الله يطعم. ممكن أخزّنه لفترة طويلة بكون كثير صعب. فانت في النهاية مصير الناس تلجأ لنوع محدد من الطعام والذي هو: الأجبان التي لا تخرب بدون ثلاجة مثلا، زيمثل الأجبان الصفراء أو لا أعرف ماذا تسمُّونها.
مقداد جميل: [01:31:40.22]
يعني هذه الاجبان الطبيعية طبعا صعب جدا أن تتخزّن، الحليب والأشياء هذه أيضًا صعب أن تتخزّن لانه لا يوجد ثلاجات. الاشياء النواشف مثل الزعتر، الزيت، الدُّقة (أكل فلسطيني)، الرز، الطحين. هذه الخيارات التي تكون موجودة عندك، فانت يكون مطلوب منك أن تعيش نمط حياة مرتبط بهذه الخيارات؛ يعني اذا انا بدي أفطر اليوم فلديّ خيارات محددة، فآكل نوع من الجبنة المتوفرة عندي، والتي هي قليلة جدًا وهي جبنة مصنَّعه، وليست جبنة صحيّه أصلا. أو أنني آكل زعتر أو زيت أو دُقَّة غزّاويّة مثلا مثلا هذا اذا كنت أريد تناول الإفطار. انا مثلا بدي أتناول الغداء، بنسبة كبيرة اليوم الناس إما أنها تطبخ المعلّبات، وللناس قصه طويلة معها في الحرب، يعني قصة سيئة والناس تحقد عليها جدًا؛ لانه في فتره ما كانت فقط الناس تستلم معلّبات وفقط تأكل معلبات؛ معلبات فاصوليا، معلبات بازيلا، فهذا أيضًا خيار موجود عند الناس. اليوم تطبخ رز مثلا، تتغدى رز، فانت بعد فترة بتكتشف أنك لا تأكل شيء سوى الأرز، وتأكل زعتر وزيت. طبعا هذا الاشي على مدار النهار يولد عندك أزمه، انه انا مثلا أصل لآخر النهار أنا جائع، أنا ما أكلت الأكل الكافي المشبع لي حتى أكون قادر أكمل فنمط الطعام كثير سيء للأسف، والأمر الأسوء ليس علينا
مقداد جميل: [01:33:14.79]
نحن كأشخاص كبار قادرين نستوعب هذا الأمر، يعني قادرين نتقبّله. لكن الذين غير قادرين يستوعبوا هم الأطفال، مثلا طفل يطلب يأكل بيض أو مثلا يشتهي أن يشرب حليب، يكون هذا الأمر صعب ومرهق له، انه انت كيف ستفهِّمه هذا الشيء؟! وهنا أنت تكون أمام تحدٍ كبير مع الأطفال، مع المحيط. انه انت كيف طفل مثلا عمره 3 سنوات، أنا بنتي عمرها سنتين ونصف تقريبا او سنتين و8 شهور. فحينما تطلب شيء معين يكون عندك صعوبة انت كيف ستستوعب وتفهِّمها ان هذا الشيء غير موجود؟! كيف بدك تفهِّما أن هذا الاشي غير موجود؛ عشان انت ما بدك تجيب لها اياه؟! أم بسبب أن هذه الإمكانيات أصعب منك وانت غير قادر أن توفرلها اياه؟ وهذا أيضًا تقيسه على كثير أطفال يعني، وكل اطفال غزه للأسف للأسف بتصير في عندك تحديات يومية ومعاناة يومية، ليس لأجل أن تأكل أنت، يعني انت في النهاية فاهم ما هية المعاناة، وجربت انه انا مثلا في بعض الايام أعيش على ساندويش صغير من الزعتر، وأتقبّل هذا الأمر تحت الحصار. لكن الأطفال، انت اليوم ستعاني؛ اولا في انه انت ماذا ستوفرلهم طعام، وطعام يعني ليس أي طعام، يعني الطفل لا يأكل أي طعام احنا نأكله، فبالنسبة له هو يعني يحتاج طعام مشبع حتى يكون قادر أن يعيش، الشغلة الثانية نفسيًا، كيف انت ستلهيه عن الشيء الذي هو فقده.
مقداد جميل: [01:34:49.64]
كيف ستفهِّمه ان هذا الشيء لست قادر أن توفره؛ لانه الظروف حكمت عليك هكذا. وليس لأنك انت تريد أن تحرمه. الأمر الثاني، التفاصيل اليوميه معهم مع الحياة ومع الاطفال، انه انت في معاناة مع الزنّانة مثلا، كيف سينام الاطفال؟! انت كيف بدك تنام! تستيقظ مثلا في الليل على الصوت حينما يصير فجأة بهذا الشكل الذي انت سامعه حاليا عالٍ جدا جدا.أنت فجأة تستيقظ ايش فيه؟! يعني بتقول يا ساتر! طيب لكنها موجودة طول النهار معنا! لكن ذلك فجأة والصوت صار عالٍ وتقول يا ساتر مالها؟ وهذا الاشي يجعلنا نسخر منها دائما، في سخرية وفي نكت بتطلع عليها في الحياة اليومية في غزة ونحكيها في الجروبات، مثلا بين الأهل والاصحاب. مرات لما يصير صوتها مزعج بشكل فظيع وغريب. الناس بتصير تسخر منها وتحكي مثلا ناقصها بنزين مثلا ما فيها بنزين كذا.. "بتنتِّع" يعني انت بتحوّل السخرية لوصف يومي لما يصير حاليًا. وفي تفاصيل كثير مرتبطة بهذه الأشياء في حياتنا اليومية. هذا في جانب الأكل، في تفاصيل يومية أيضًا لما بعد عودة الحرب؛ انه الهواجس انه انت كيف تتحرك وكيف تعيش؟ كيف تطلع؟ يعني مثلا انا اول امبارح قصفوا عنا على رأس الشارع في شارعنا نفسه شخص على دراجه هوائيه، وهو عادي يعني شخص كان ذاهب يعبّي ماء وقصفوه، وكان في سيدة ماشية بجانبه، وكان في رجل ماشي بجانبه، واستشهدوا واصيبوا الذين حوله.
مقداد جميل: [01:36:41.43]
فأيضًا أنت تصير حتى حياتك اليومية مرهقة بانك مهما صار بيومك ومهما صار بحياتك، أنا اليوم بدي اطلع بطلع مثلا على الشارع تمام؟ بصير افكر مع حالي طيب أنا وين ماشي حاليا؟ أنا ماشي في الشارع، بحاول أنا شخصيًا أمشي لحالي مثلا مثلا، بغض النظر انه الاحتلال ما اله ايّ مبرر انه هو يقصف و يقترف الكثير. لكن أنت تتخيل انه ممكن يكون الاحتلال بده يستهدف هذا الشخص، طيب لا انا لو ماشي جنب هذا الشخص، افرض أن هذا الشخص جاءه صاروخ وأنا أكون جنبه وأصبت أو استشهدت. فلا دعوني أمشي لوحدي بعيد. طيب لا، في مجموعة هنا انت تصل لمرحلة مرات أنا حينما أكون افكر هكذا يعني أشعر أنني انهبلت(جننت)، يعني ايش في يا جماعة الخير! أنا وين امشي؟ انا وين أعيش طيب؟ انا بدي اظل قاعد في البيت يعني ما اروح اشتري، ما اروح اتسوق، ما اروح على شغلي مثلا، ما اروح اجيب المياه، ما اروح اجيب كذا! فتصير هكذا التفاصيل، تفاصيل مرهقة، تفاصيل متعبه جدا، وكلها أشياء مركبه على بعض. وبتضغط على على عقولنا. وبتخلي الحياه اليوميه هيك مرهقه. بتوصل انت اخر النهار مرهق. حتى لو انت مثلا ما عملت شي كتير. بتوصل عندك ارهاق. لانه انت جزء كبير من يومك. بتقضيه بالتفكير في طبيعه الحياه. في طبيعه توفير الاشياء. في طبيعه. ازا انت اليوم بتفكر طبيعه تنقلك انا وين بدي امشي او كيف؟ فكيف بالنسبه للتفاصيل تاني زي الاكل.
أحمد البيقاوي: [01:38:16.36]
مقداد تعرف أنت يعني هادئ رايق. عندك قدرة عالية جدًا على صياغة الأفكار بلا عصبيّة، يعني بانسيابية عالية. شكرًا. لكن هذا لا يعكس المزاج العام الغاضب جدًا في القطاع، والذي كل فترة كان من بداية الإبادة يطلع بشكل ما، مرّة غاضب من مساعدات، مرّة غاضب من إدارة محليّة. مرّة غاضب من مخبز. مرّة غاضب من حاله، ومرّة غاضب يعني الغضب كان عنوان طوال الوقت الذي فيه الغزي غير قادر او الاحتلال والمحتل ليس بوجهه، ولكن فعليًا في تفاصيل كثيرة موجودة حوله يُعبّر من من خلالها وفيها الغضب، ممكن تشاركني فكرة الغضب أو القهر كيف يطلع فعليًا بهذه السياقات التي تعيشونها؟
مقداد جميل: [01:39:13.61]
هو الغضب خصوصا في هذه الحرب، في هذه الظروف التي عشناها كان سمة أساسيه للحياة اليوميه في غزه؛ لانه احنا وضعنا في ضغط وفي طبيعة حياة ما جربها المواطن الغزاوي مطلقا في الحروب. يعني احنا بنحكي عشنا حروب كثيرة، ولا مرة كانت بهذا الشكل والنمط، هذا انعكس على الحياة اليوميه، انعكس على المزاج الشخصي، فطلع باشكال كثيره، وطلع كل يوم عارف يعني كيف كل يوم؟ يعني لما انا كنت في الدير؛ في دير البلح نازح ما قبل العودة بتمشي في الشارع مثلا بتخاف انت بسوق دير البلح شوارع دير البلح هي مدينه صغيره وضيقه كتير، فالسوق فيها كان عباره عن شارع متكدّس إلا ما تكون يعني رأيت له صوره، واذا في صور أنا ممكن أبعث لك اليوم، مكدَّسين جدًا لدرجة انت تمشي متلاصق بالناس، وبتأخد وقت في المشي في مسافه قصيرة التي هي 100 متر، تأخد وقت، انت تفكر انه انا بدي انتبه انه انا ما اخبط حدا وانا ماشي، لكن مجرد ما تخبطه ليش؟ لانه اليوم الناس مشحونة بكمية غضب وبكمية عصبية وبكميه قهر مش طبيعية! فاذا انت مجرد ما انت تفكر انك خبطته مثلا بكتفك او اشي ممكن هو يتطلّع فيك نظرة يعني ما الذي انت عملته؟! وكانك قد خبطته بصاروخ! هذا مثال مثلا بسيط، فالغضب كان كثير يصدر بأي لحظة أنت تحاول الناس تطلعه بأي مخرج، باي طريقه. مثلا في الوسطى كانت هي منطقة معروفه أنها فيها العشائر تسيطر يعني العشائر موجوده. يعني عائلات هذه المنطقه لعائله كذا، هذه المنطقه لكذا كذا. فكانت مثلا المنطقه هذه كثيرًا ما تشهد صراعات عائليه وخصوصا في وضع الفلتان، وفي وضع الذي ليس هناك حكومه قادرة انه هي تسيطر بشكل كافٍ؛ لانها مستهدفة طبعا، فيصير هذا الوضع يستخدم السلاح بشكل مستمر، فمجرد ما تصير طوشه او مشكله مع شخص معين تجد مثلا العيلتين فجأه هجموا على بعض وصاروا يطلقون النار على بعض، وإلا ما يحدث للاسف أن نفقد ارواح! هذا نمط، الانماط الثانيه كتير يعني موجودة.
مقداد جميل: [01:41:36.79]
مخابز غزة اغلقت تقريبا قبل اسبوع، قبلها كان الشارع الذي فيه مخبز هو عبارة عن شارع مغلق؛ انت ما بتقدر تمشي فيه. وكل الناس الموجودين فيه هم عبارة عن ناس غضبانين، قلقانين، أي سبب، اي كلمه بين واحد والثاني تُحدث خلاف كبير يؤدي الى مشكله بين كل الموجودين؛ لانه الناس عايشه اليوم على طابور يطلع على الساعه 6 الصبح على طابور المخبز عشان يوصل الظهر العصر وهو معه ربطة خبز للاطفال، وأيضا في انماط ثانية ظهر فيها هذا الغضب واحنا رأيناها يعني، المسيرات التي طلعت الفتره الماضيه كانت هي جدا مسيرات غاضبة، هي طلعت بنمط سياسي صحيح، وطلعت بهتافات سياسيه، لكن هي كانت تعبير كبير عن شعور الناس، وانا كنت أتناقش مع كثير اشخاص في الفتره الماضيه من كل الأطراف التي هي متناحرة سياسيا او متناحرة؛ لانها اليوم هي دخلت في خلاف يعني عميق وصعب، وانا شخصيا أراه مؤسف أننا نصل في الحرب لخلاف بهذا الشكل. يعني بهذه الشدة. فكنت بحكي لبعض الناس انه مش عاجبهم موضوع المسيرات؛ لانه المسيرات التي طلعت وكانت بتطالب انه وقف الحرب وانه بوجود حلول سواء كانت تطالب حماس أو فتح او غيرهم بحل، فكنت أحكي للناس ليش الناس ما تطلع يعني؟! خلي الناس تطلع. ليس دعوة مني أن الناس تطلع بقدر ما انه اليوم انت في ظرف حرب، دع الناس تعمل ما تريد طالما التصرف أو الفعل الذي هي تعمله لا يضر الاخرين، ولا هو مؤذي للناس ولا يتعدى على الاشخاص الثانيين فخليها تعمله!
مقداد جميل: [01:43:28.02]
طالما هذا التصرف اليوم مش خطأ، هذه المظاهرات اليوم الناس بدها أي شيء حتى تنفِّس عن غضبها. يعني أنا امي نزحت في بداية الحرب من البيت لما قلت لك أول مره طلعنا من مخيم الشاطئ، نزحت ورجعت بعد شهرين تقريبا، نزحت في بداية شهر 11 ورجعت آخر شهر 12، آخر السنة 2023، فوصلت ورأت البيت محروق ورأت المطبعة عندنا محروقة ما كان منها إلا انها تطلع في الشارع وتصرخ وتشتم، وتجيب سين وصاد وعين وتحكي وكذا.. وتشتم كل الأطراف، وانا يومها تفهّمت أنا كنت نازح في الجنوب وهي كانت في غزة، وانا حكيت لهم اتركوها اتركوها تحكي اللي بدها اياه. وجاء بعض الناس حكوا لها ليش يا حجه تشتمين؟! يعني الحياة مش هيك! حكيت لهم ما تخلوا حدا يحكي لها لا، لانه اذا أنا اليوم ما بدي اطلع اشتم وما بدي اطلع احكي وما بدي اطلع أنفِّس عن غضبي فأنا سأموت مقهور، وكل الناس حالهم هكذا. اليوم مثلًا المظاهرات طلعت لاسباب سياسيه مرتبطه بانه كيف طريقه انهاء الحرب وكيف.. وانه أنهوا الحرب وكذا وكذا وكذا. لكن بنسبة كبيرة الناس التي خرجت هي ناس مش مسموع صوتها، واحنا كلنا مش مسموع صوتنا للأسف. أنا شخص مثلا بكتب لما بدي أنفّس عنّي بموضوع انا أحكي عنه مثلا، بروح بكتب مقال وأنشره في مكان. بكتب على تويتر وأشتم على تويتر، ولو أنني في هذه الحرب يعني انا أثبتت مع نفسي قدرة هكذا شخصية أن أظل ماشي هكذا عدل وأن لا أسبّ لا على سين ولا على صاد. ويعني كان أمامي تحدي انه انا ما ادخل في خلافات داخليه ابدا، مع اي شخص ولا مع اي خلاف الناس بتحكي عنه فيه، ونجحت فيه حتى الان، الحمد لله.
أحمد البيقاوي: [01:45:27.05]
والله مقداد هذه..
أحمد البيقاوي: [01:45:27.83]
آثار بعد الزواج، هذه..
مقداد جميل: [01:45:28.91]
هههههه. لا لا لا هذه حتى بعد الزواج صار فيّ إنه أنا.. لكن يا عمي انت تصل لمرحلة إدراك انه احنا عايشين في حرب، يعني حرب تطحن فينا كلنا! انا مش فاضي احكي عن هذا، أنا أسبّ على حالي لكن ليش انا اطلع احكي واسبّ واغلط واعمل، وانا الصاروخ على بعد كم متر عني! فالأمر هكذا شائك قليلا. لكن مش كل الناس عندها انترنت تحكي مثلنا، ومش كل الناس قادره تكتب مثلنا. ومش كل الناس قادرة تعبر مثلنا، في ناس هو تعبيرها انه هي تطلع تصرّخ في الشارع، في ناس تعبيرها المظاهره اللي طلعت. بغض النظر اذا كانت المظاهرة هذه لها توجه سياسي ولا هذه المظاهره في سين او صاد دعا لها، ولا في افيخاي ادرعي ولا ما بعرف مين روج لها أو دعمها. لكن أيضًا اذا انت اليوم تترك الامور تمشي بانسيابيه، وتدع الناس تعبر بدون ضرر فهذا مش مشكله كبيره ولا مشكله شائكه، بالعكس. مثلا في عنا موضوع الدخان، الدخان في غزة وصل أسعار خيالية جدا، انت لما تحكي السيجارة الواحدة وصلت 200 شيكل! من شيكل حتى 200 شيكل! نعم في فترة وصلت فيها 200 شيكل في الحرب، في الهدنة رخصت ووصلت 7 شيكل، ولا زال الناس تعتبرها غالية، فمره في رفح كنت بحكي كانت أسعار الدخان بتغلى بتغلى تغلى فبحكي لصديق من اصدقائي:
مقداد جميل: [01:47:03.64]
والله الجماعة هان والسلطةه والحكومه هنا غلطانين، بقول له انا بلاقي اي طريقه أرخّص اسعار الدخان بكسب كل الشعب. خلي اسعار الدخان رخيصه وخلص يا عم! الناس اليوم ما بتدخن، والقهوه كتير غالية، وقية القهوة اليوم 60 شيكل، تخيل يعني كيلو القهوة عبارة عن 240 شيكل في غزة! هو كان اغلى كيلو القهوة 40 شيكل فقط. فانت الآن الناس حتى الاشياء التي تنفس عن غضبها فيه وعن عصبيتها فيه، وعن مشاعرها فيه مش موجوده. يعني اذا الناس التي تدخن ما بتدخن، الناس التي تشرب قهوة وما بتقدر تشرب قهوة اليوم، الناس عندها ضغط هائل، بده يعرف كيف اليوم يوفر المياه الحلوة لاولاده، بده يعرف كيف يوفر مياه الغسيل، والمياه للاستخدام الشخصي، فهو بدو يعرف شو يوفر أكل، اذا انت بتنزل على السوق، ما بتلاقي اكل جيد وما بتلاقي اكل بسعر منيح! اذا لقيته تجده بسعر خيالي، طيب انا وين بدي أنفِّس؟ يعني اذا هيك فسيطلع ينفِّس غضبه في اهل بيته مثلا، وهذه للاسف مشكله عبّرت عنها كثير مؤسسات وتقارير بتحكي عن ازدياد حالات العنف الاسري، وحالات العنف ضد النساء وغيره. هذه مشكلة كثير كبيرة وموجود اليوم فهذا مثال طيب دعوهم يا عم يطلعوا ودعوهم يكتبوا، يحكوا، يسبّوا، وخلينا كلنا نحكي ايش فيه ورانا؟!
أحمد البيقاوي: [01:48:36.71]
مقداد انت عندك يعني مساحة وعندك منصة وانت من قبل يعني عندك مسارات تدوين طويلة، فيعني وجدت لنفسك مسار تفريغ ومسار لإيصال رسالة لك، وأعتقد أيضًا حتى فكرة سفرتك الوحيده السابقه ربما ساعدتك حتى ماذا تتوقع وماذا لا تتوقع. يعني قادر تعرف كمان الناس الذين في الخارج وانت بتحكي معاهم كيف يتلقَّون، وانتبهت في مرة انك انت اشرت فعليا لصديقنا وحبيبنا أحمد دراوشه بانه هو من أكثر الناس المسموعة والمشاهدة، واكثر الناس مصداقية، بالحرب هذه كنت اسمع كتير ناس بتحكي لي انه في فجوة حقيقية بين القناة الفلانية وبين الواقع، بين المحلل الفلاني وبين الواقع، بين المراسل الفلاني وبين الواقع. تمام؟ واضح انه فعليا كل حدا كان يشيمرر رواية ما او سياسة تحريرية ما، وجعلت فعليا الناس بمحل تشعر بانه الحرب التي يحكي عنها او اليوميات، هي ليست حاضرة فيها، او ليست ممثلة فيها كفاية أو فعليا يحكى عنها بشكل متسيِّس وكذا. وكما تعرف كل فترة انه بتطلع حرب على x او على y او على z من الناس. متى انت بدأت تشعر انه في فجوة على مستوى الرواية حول الاحداث التي تعيشها، أوتراها بين الواقع وبين الشيء الذي اذا توفر لك انترنت او توفر لك تلفزيون أو راديو بتشاهده او تسمعه..
مقداد جميل: [01:50:20.60]
اول شيء يعني انا حاب احكي فقط عن احمد، هو أحمد كثير شخص رائع والناس كانت جدا تمدح فيه، لدرجة انه ما بعرف اذا مر عليك، في واحد في الشارع في دير البلح بياع وقّفني في الصيف بحكيلي انت بتشبه مين؟ بحكي له مين؟ فحكى لي: احمد دراوشه. قلت له: معقول انا أشبه أحمد دراوشة؟! بقول لي: ااه، احمد دراوشه. فقلت له: على فكرة، انا بعرف احمد دراوشه وكان بيني وبين احمد تواصل يعني بشكل مستمر، بنحكي وأعبر له ماذا تقول الناس في الشارع. فالرجل استغرب فيقول لي: انت بتحكي جد؟ انت بتعرف احمد دراوشة؟ بحكي له: ااه انا بعرف احمد دراوشه، وانا سأحكي له هذا الكلام، فبعثت لاحمد يومها، واحمد قال لي: سلِّم لي عليه جدا، ورجعت للبياع وقلت له: بيسلم عليك احمد دراوشه، وهو بحكي لي: معقول هذا الكلام؟! قلت له: اه طبعا يعني أحمد دراوشه واحد منا يعني هو ليش بعيد! فيعني احمد كان من الناس اللي صوتها مسموع؛ لانه الناس بتحس انه هي بتاخذ منه شيء حقيقي، وشي مهم دائما انه الناس تحس دايما انه في حدا ينقل لها الحقيقة، ينقل واقعها وينقل صورتها، وينقل الشيء الذي هي تشعر فيه. ما تحس انه في حدا بيكذب عليها، يعني ما بتحس انه واحد يطلع ويوهمها بتصورات معينة، بافكار معينة وهي ما بتحس فيها؛ لانه بكل بساطة هذه التصورات وهذه الافكار التي ستنقلها وهي غير حقيقية، الناس الموجودة على الأرض، اكثر ناس راح تعرف اذا انت كذاب او اذا انت _ما بدي أحكي كذاب_ بعيد عن الواقع، ومش منطقي. فيعني هي التي تعيش الآن الواقع، وهي التي ترى وتعرف
مقداد جميل: [01:52:07.46]
فإذا كنت بعيدًا عن الواقع، مش الناس خارج غزة هي ستكتشف هذا الشيء، الناس التي تسمعك وتقرأ لك، وتراك هي التي ستعرف هذا الكلام، وكما أنه بنفس الوقت الناس الموجودة على الأرض هي ستعرف إن كنت بتحكي شيء حقيقي أو تصف حالها، فهذا الشيء أنا متى أحسستُ فيه؟ متى بدأت أشعر فيه، تقريبًا في ثاني شهرٍ من الحرب، لأنه نحن في بداية الحرب يعني، وأنا ما بدي أبدًا أي كلام مني يُفهَم إنه هو كلام سياسي أو كلام نظرة سياسية أو رأي سياسي، بقدر ما أنه تصوّر ورؤية للواقع، كلنا كان عندنا تصوّر لوضع معين، ووصلنا لدرجة من الحماسة العالية للظروف التي نعيش فيها، وكانت بصراحة أغلب الناس هيك، لكن يمكن في بداية الشهر الثاني من الحرب اللي هو شهر 11 شهر نوفمبر 2023 بدأت الأمور تظهر بشكل مختلف، اكتشفنا فجأة أن الواقع الذي نراه على التلفزيون. والرواية التي نراها على التلفزيون، واللي بيطلع المحلل (س) والمحلل (ص) بيحكي عنها والخرائط اللي بيحكي عنها، والصورة العظيمة التي يُحكَى عنها مش كتير قريبة من الواقع كما نراها، وهذا مش تكذيب للصورة، يعني أنا لا أكذّب شكل القوة أو النمط لجهة محددة بقدر ما إنه، أنا إذا كنت قريب جدًا من الناس وكنت فاهمها صح وأعرف ماذا تعيش أكون أكثر صدقًا، وهذا الشيء بدأنا نحس فيه منذ شهر 11 وكل الناس أحسّت به، مش لإنه في حدا أو قوة معينة أو فيه جهة سياسية كاذبة.
مقداد جميل: [01:54:07.30]
أو مثلًا هناك جهة سياسية مش حقيقية، بالعكس أنا متأكد، كلّ الذي كنا نراه حقيقي، لكنّ قوة الحرب التي عشناها، وقوة القوة العسكرية التي تم استعمالها ضدنا ضد غزة، وضد كل من هم في غزة بما فيهم الحكومة وبما فيهم الأطراف السياسية كلها وبما فيهم نحن وبما فيهم المقاومين حتى كانت يعني غير متوقعة وغير منطقية أبدًا. فكان المطلوب في هذه اللحظة حين يُعرَضُ شيءٌ غير قريب من الواقع. واكتشفنا أنه غير صحيح، ولا يلامس واقع الناس، أنا تلقائيًا أغيّر من هذه الرواية وأعطي رواية قريبة من الناس، لكن هذا الشيء للأسف كان مستمرًا في تصدير بعض الروايات التي لم تكن قريبةً من الناس. وكانت روايات غير واقعية، وهناك أسوأ رواية، الناس للأسف لم تعد تحبّ هذه الرواية، رواية الأسطرة، رواية الأسطورة، وأنا أيضًا أرجع لموضوع التناقضات. لأننا نحن كأهل غزة والفلسطينيين الموجودين في غزة، اليوم، عشنا شيئًا من المستحيل بلا شك، أيّ فلسطيني أو غير فلسطيني، أي واحد في العالم يعيشه، من ناحية قوة المعاناة التي عشناها، قوة الحرب، أنا دائمًا أقولها أنا أشك أن الفلسطينيين منذ نكبة 1948 حتى هذا اليوم عاشوا الذي عشناه بغض النظر عن أي رأي آخر. يعني، تمام؟ عِشنا وهذا شيء جدًا عظيم عظيم عظيم عظيم بقدر أنه كان قدرتنا على التحمل وقدرتنا على أن نعيش كان قريبًا من الأسطورة، لكن بنفس الوقت نحن لسنا أسطورة، وأنا دائمًا كنت حين يتحدث الناس عنه على السوشيال ميديا أدينه وأستنكره وأرفضه.
مقداد جميل: [01:56:04.32]
يعني نحن لسنا أساطير، لماذا؟ لأن الناس، تمشي أنت في الشارع في السوق وتسأل أحدَهم: أنتم صامدون؟ الناس صار عندها مجموعة كلمات تكرهها، مثل: أسطورة، صامدين، بطل، وصار هناك قاموس للكلمات المنبوذة بين الناس، ليس لأنهم لا يحبون أن يكونوا أبطالًا، الناس يحبّون أن يكونوا أبطالًا، ليقاوموا ويتحملوا هذا الواقع، لكن الناس اكتشفت أنها أبسط من الصورة التي يتم ترويجها، بسيطة جدًا لدرجة أنهم حين تنقطع المياه يعانون، مثلا يكونون غير قادرين على توفير الماء فيتعبون، الناس دائمًا تحب أن يتحدّثوا عن صعوبة معاناتهم وأوضاعهم، بدلًا من الحديث عن البطولة والعظمة، صحيح أنّ قدرتنا وصمودنا وبطولاتنا في مواجهة النزوح هي بطولات، لأننا نواجه النزوح بقدرة، لو كان هناك شخص خارج غزة عاشها بهذه التفاصيل لن يكون قادرًا على عيشها بهذه الطريقة، أنْ تنزح اليوم وما زلت بعد 150 يومًا قادرًا على أن تنزح مرة أخرى بنفس الوقت، هذا الشيء صعب، صحيح أنها بطولة، أنك قادر على أن تواجه، لأنك لو لم تكن قادرًا على أن تواجه هذا الشيء لتركتَ نفسك وتخلّيت عن أطفالك، وقلت يا عمي أنا ما بدي أكمّل أنا بدّي أموت هنا، مش قادر أنزح، كان هناك أناس كل يوم تستيقظ صباحًا، يبحث ليوفّر الماء، يشتري الأغراض بعمل بسطة ويذهب ليشتغل.
مقداد جميل: [01:57:48.24]
ليش؟ لأنه يريد أن يعيش أولاده، هذه بطولة لكنّها ليست بالشكل الذي يصوّره العالم، أننا أبطال خارقون؛ سوبرمان وعندنا قدرات مختلفة عن العالم، لكن هذه بطولة بسيطة متعلقة بالفرد، بالمعاناة اليومية، لا أعرف كيف ستصل للناس؟ لكنّها بطولة شخصية، بطولة فردية، مثلًا بينك وبين أسرتك. أنت بطل بينهم، أنت قادر اليوم بعد كل هذا التعب أن تصحو صباحًا وتوفّر لهم ما يحتاجونه، تمام. لكن هذه ليست بطولة في مواجهة آلة إبادة، وليست أسطرةً في مواجهة آلة حرب اليوم تمحو كل ما هو أمامها، وليست بطولة حين نصوّر البطولة كأنها حالة غير إنسانيّة، بالعكس اليوم رواية الأسطرة ورواية البطولة صارت مرهقة جدًا للناس، لأن العالم اليوم صار مصرًا أن يضعها في خانة واحدة، صار مصرًا أن يضعها في خانة مؤسفة جدًا ومؤلمة ومرهقة، إنه أنا أريد رؤيتك في صورة البطل الذي إذا طلع صاروخ وإذا نزل بيان إخلاء أنت لا تتنفس، ولا تكون قادرًا أن تحكي، وما تحكي لي كلمة. أنت تنزح وتصمت، وتطلع تحكي لي على تويتر وعلى فيس بوك وعلى إنستغرام وتكتب نحن صامدون رغم كل هذه الظروف. النزوح العاشر والنزوح 12 وأنا ما زلت صامدًا. الناس تريد هذا الكلام، لكنّ الناس في غزة لا تريد هذا الكلام، الناس في غزة تريد أن تحكي عن معاناة هؤلاء الناس، عن معاناة النزوح رغم أنه قوي وقادر.
مقداد جميل: [01:59:32.83]
ويحاول أن ينزح مرة واثنتين وثلاث، مش عشان تشوف صورتي بطل، لا، هو يعمل هذا لأجل أولاده. لأجل زوجته، لأجل أمه المريضة. أو لأجل أبيه ولأجل أخيه، لكنه يريدك حين ينزح المرة العاشرة و11 أو 12، ولا يجد مثلًا مواصلاتٍ للنزوح، أن تحكي أنت عن هذه المعاناة. تحكي عن كمية التعب والمعاناة وأن قرار النزوح هذا صعب، وقرار النزوح ليس مجرد بيان إخلاء يعني. يلا أحضر السيارة وبكل رفاهية وأنا أسمع أغنية وأطلع، أو مثلا أنا أسمع أغنية "أنا دمي فلسطيني" أو أسمع "يا شمال غزة يا صامد" وهذه البطولات التي يروّج العالم لها اليوم، وهذا مؤسف جدًا، أنا يا أحمد كتبت "تغريدة" قبل يومين. وأحيانا "التغريدات التي أجد عليها جدلًا أو بلاقي الناس ممكن تفهمني غلط وتسبني أحذفها، لكنّي ما رضيت أن أحذفها أبدًا. كتبت: أنا نفسي كل الناس المتضامنين معنا والداعمين لنا والذين يحبوننا يعيشوا فقط 24 ساعة معنا فقط 24 ساعة ويطلعوا، يعيشون نفس تفاصيل القصف. نفس تفاصيل النزوح. يسمع "الزنّانة" يسمع صوت الصواريخ، المدفعية المتواصلة، ونصيبنا اليوم أنّ المدفعية، صباحًا ما فيه مدفعية، لكنها طول الليل كانت شغالة، فيسمع هذا الكلام، هل تعرف الردود التي لقيتها؟ مش إنه يقول والله يا ليت، يعني نحن نحب أن نكون بينكم، والله حاسين بمعاناتكم، شيء صعب، ويا ليت أن نكون معكم. لا، الناس تقول لي: أنت تتكلّم عن المتضامنين معكم، عن الذين يحبونكم، أنا فكّرتك بدك تحكي عن المتخاذلين، أنت تتكلّم عن المتضامنين، لماذا تريدهم أن يعيشوا بشكل سيّئ؟ طيّب طيّب يا عمي إيش هو يعني بده يعيش العار؟ طيّب طيّب أنا أعيش هذا الكلام يعني، إيش بتحكي أنت قاعد؟ أنا، الذي تعتبره عيبًا أو عارًا أنا أعيشه، يعني طيّب إذا أنت تحبني، قل: أنا أتمنّى أن أعيش تجربتك لكي أحس فيك، ولقيتهم يشتمونني ويسبونني.
مقداد جميل: [02:01:49.75]
إذا أنت تتمنى لمن يحبونك ويتضامنون معك، ماذا تركت للمتخاذلين؟ ماذا تركت للعملاء؟ طيّب يا جماعة ما المشكلة؟ ما أنتم تحبوننا طيّب تعالوا، إيش المشكلة يعني؟ أنا أمنية، أمنية غير متحققة، يعني صعب تتحقق، اكتب لي، اكذب عليّ، اكتب لي يا ليت، فالناس بدها تأخد منك صورة محددة، صورة إنه أنا أطلع على تويتر، أحكي إنه نحن صامدون في الشمال موجودين. نحن لن نخرج. نحن مستمرين تحت القصف ونحن في البيوت، أما حين تطلع تعاني بده يصير روايته إنه واستعينوا بالصبر والصلاة، الله معكم، استغفروا ربنا، لا تجزع، طيّب يا جماعة الخير هذا الصوت الذي أتحدّث به حين أكون يائسًا وأكتب على السوشال ميديا، هذا غير إنه الصوت هذا صوت الناس الذين ليس عندهم سوشيال ميديا. صوت الناس التي تقف على طابور المياه. صوت الناس التي تقف على طابور المخبز أيضًا، هذه قصة شائكة جدا جدا جدا ومرهقة لنا. إذا الناس الذين في الشارع ما عندها سوشيال ميديا ما بتشوف هذه الرواية وبتشوف مثلًا قناة محددة وبتتعب من القناة. إحنا بنشوف آراء الآلاف من الناس على السوشيال ميديا بدها إيانا يصورونا بشكل معين.
مقداد جميل: [02:03:13.72]
وهذا للأسف جدًا بيطلع في نهاية اليوم أو بعد يوم طويل من المعاناة مرهق نفسيًا لنا، أنتم تريدوننا بهذا الشكل. طيب أنا أفكر: ليش هيك أصلًا؟ يعني ليش العالم يريدنا هكذا؟ ليش العالم ينظر لنا على الصورة الوردية صورة البطل ورمزية البطل ولا ينظر إلى صورة مَن يُعاني، وهذا شيء مؤسف، نحن أمام آلة إعلامية للأسف ظلّت تروّج لهذه الصورة لسنوات طويلة، وما كان هناك تنظيم محدد لطريقة تصدير هذه الرواية، من الجميل أن نتكلّم كم هم أبطال أهل غزة قادرين أن يكملوا، لكنّ الأجمل أن نتكلّم عن أهل غزة، كم هم متعبون؟ كم هم مرهقون، كم أن البطولات وجزء كبير من البطولات التي يعيشونها، البطولات اليومية، هي بطولات مرغمون عليها، لأن أهل غزة يريدون أن يرتاحوا، مش مرغمين بين والله هم يعني مجبرين، وأن هناك أحدًا يحمل سلحًا ويجبرهم إنه يلّا تعال عيش صورة البطل وصوّر للناس إنه أنت هيك، وفعليًا هناك سلاح وهناك طيّارة فوقهم، تجبرهم أن يكونوا كذلك. لكن هم مرغمون لأن عندهم عائلاتهم، وأهلهم، وحياتهم يريدون استكمالها، وهذه الرسالة مهمة جدًاكل وسائل الإعلام أن تتحدث عنها، وكل الإعلامين يتحدثوا عنها، ولأجل ذلك كنا نحب الذي مثل أحمد ومثل المراسلين الذين في غزة، الذين ينقلون عن معاناتنا، الناس الذين صمدوا في الشمال وحكت عن معاناتنا. الصحفيين الذين ينقلون رواية حقيقية وصحيحة، وهذا شيء كثير مهم.
أحمد البيقاوي: [02:05:00.07]
يعطيك العافية هؤلاء أغضبوك كثيرًا. أنا شاهدت التغريدة التي تكلّمت عنها.
مقداد جميل: [02:05:05.38]
تعبت وأنا أحكي.
أحمد البيقاوي: [02:05:07.15]
لا لا، أنا أنا شاهدت التغريدة التي تحكي عنها. لا أنت لم تتعب وأنت تحكي. أنت هنا بتحكي بغضب يعني مختلف عن..
مقداد جميل: [02:05:14.92]
هنا أنا أمسك حالي يعني بشكل، لكن في مراحل ثانية يكون، لكن خلص يعني تسجيل وهكذا.
أحمد البيقاوي: [02:05:22.24]
لا، ينفع أيضًا أن تأخذ راحتك.
مقداد جميل: [02:05:24.46]
ولا في كمان نقطة إنه انا أيضًا أمسك نفسي لأنني أحاول أن أكون بخط متوازي.
أحمد البيقاوي: [02:05:29.98]
لكن لماذا تضبط نفسك؟ ليش تضبط حالك؟
مقداد جميل: [02:05:33.16]
أضبط نفسي لأننا أيضًا بالنسبة لأنفسنا، نعتبر أنفسنا أبطالًا يا أحمد يعني ابطال، لاننا نتعب، لكننا لسنا أبطال بالرسالة التي هم يريدونها. يعني هناك فرق بين بطولاتنا وبطولاتهم هم بالنسبة لهم، أقصد.
أحمد البيقاوي: [02:05:47.23]
حاليا لا أقصد حاليًا انت لماذا ماسك حالك من التعبير؟ يعني ليه ضابط تعبيراتك حاليًا في الوقت الذي..
مقداد جميل: [02:05:53.98]
أقصد في الصوت أو في الصراخ يعني...
أحمد البيقاوي: [02:05:56.86]
اه.
مقداد جميل: [02:05:59.80]
اه.
أحمد البيقاوي: [02:06:01.96]
لا، انا أعتقد أصلًا حتى هذا السلوك عن شكل مخاطبة الناس، كيف نخاطبهم؟ ما الرسالة التي نوصلها لهم؟ ما الصورة التي تطلع؟ ما الصورة التي ما تطلع؟ ما الفكرة التي تطلع؟ ما الفكرة التي ما تطلع، بتعرف عمل شيء؟ يعني في بداية الحرب كان هناك شيء جماعي منظم موجود ضد كل شيء في الخارج، لكن اليوم فعليًا صار هناك شيء داخلي موجود في القطاع، وبعد ذلك للأسف أسوأ شيء صار وجود روايتين موجودات، هذا الأسوأ على الإطلاق. يعني انت كيف وصفتهم أنهم يتناحرون على الأرض ويتناحرون فعليًا على السوشيال ميديا، وأسوء شيء بالنسبة لي هذا الذي يصيبني بالجنون، يعني دائما إنه من هو فلان؟ لكي ينقلب إلى ترند وسط إبادة؟ يعني مين ما كان يكون!
مقداد جميل: [02:06:44.62]
صح.
أحمد البيقاوي: [02:06:44.86]
أمس أو أول أمس، بطلّع انه والله يا مقداد، في ناس يعني كانت قبل الإبادة حسابات تطلع أمامك، انت ما بتتشرّف تدخل تنظر من هو حتى، وماذا كتب! بيوم كامل يتحول تريند كل الكوكب يحكي عليه، ويتحول لتغريدته وكأنه فعليا الاسرائيليين قاعدين براقبوها ويتتبّعوها، والناس تتجيَّش وتفرّغ غضبها، او فعليا تشعر انه هي تناصر غزة، وتناصر القضيه، وتتصدى للاحتلال بهذا الشكل، من الذي يمثل التناحر أو حالة الاستقطاب في الرواية.
مقداد جميل: [02:07:14.98]
وهذه هي المشكلة؛ انه هم صاروا بيعتقدوا انه هذه طريقتهم في المواجهه، انه الطريقه هي أن نكون على السوشيال ميديا، وعشان هيك حينما تكتب أي شي هم ما بحبوه، وليس بالتصوُّر الذي هم يريدونه فأنت تصير تحت النار، تحت نار كلماتهم يعني! ولا كانك عايش سنة ونصف في الحرب، انت بتصير مواجَه بالكلمه، وبالشتيمة وبهجوم غير طبيعي! طيب يا جماعة أنا انسان ولي قدرة ولي مشاعر، ولي حياه! وللاسف هذا جدًا مرهق، مرهق مرهق بشكل الناس ما بتتحمله وما بتستوعبه أبدًا.
أحمد البيقاوي: [02:07:52.38]
وربما انت تشاركني انّ هذه الحالة تحديدًا هي يعني بسياق فلسطيني، وبسياق المقاومة وبسياق غزة وبسياق كل فلسطين، وصراعنا مع الاحتلال، ولا مرة كانت موجودة، أتذكّر انها كانت محدودة كثير في حرب 2008-2009، كثير محدودة، يعني كانت هكذا واضح انه في أسماء قاعدة بتقول شيعة، ويتحمّلون، ومش عارف ايش.. وحماس التي افتعلت الحرب.. والله لا يقيمهم، وطلع عزام الأحمد قال: بدخل على دبابة اسرائيلية أو شيء كهذا يعني، ذاك الجو يعني، لكن أيضًا الاشي كان كثير محدود. لكن لاحقاً 2011/ 2012/2013 كل فكرة السلوك الخاص بالأنظمة؛ بتجييش الرأي العام وخلق رأي عام شعبوي للأسف أنا ما بعرف كيف صار يعني هو الحالة السائدة عندنا، رغم انه احنا ما عندنا هذه الأنظمة نفسها.
مقداد جميل: [02:08:41.58]
اليوم صار أكبر؛ لانه انت فاهم السوشال ميديا كيف صارت، وفي نفس الوقت انه الحرب استغرقت وقتًا بشكل كبير. يعني الحرب طوّلت بشكل انه الناس صارت تعتبر انه هذا هو النمط الطبيعي للحياة، انه في حياة هي تحت القصف وفي معاناة، خلص أنا بدي أكمل حياتي تحت القصف، يعني؛ الذي يحكي رأيه السياسي حتى لو كان مش تمام واستنكاري مثلًا ويهاجم الناس الذين تحت الحرب، عادي صار يهاجمهم؛ لانه بالنسبة له الناس تحت الحرب هذه هي حياتها الطبيعية. خلص تكمل حياتها كما هي، وأنا بدي أهاجمك اذا انت تحت الحرب، والذي ليس تحت الحرب أيضًا نفس الشيء، لكن على موضوع انه هنالك تجييش، انا للأسف رأيت انه موضوع التجييش هذا يعني هو من طرفين صار، وصارت حالة كثير سيئة! سيئة جدًا لدرجة انه أنا أول مرة مثلا في حياتي، أرى مثلاً سلسلة تغريدات وناس تصل فيها لمرحلة انه هي مثلًا تشتم شهيد أو تغلط عليه تحت مسمى هو تحت بند (س) من الناس، اذا انت لك خلاف سياسي مع (س)، فليس بالضرورة يعني أن تتطرف تجاه الثوابت التي كلنا كفلسطينيين بالنسبة لنا هي ثوابت! الشهداء مثلا بغض النظر من أي طرف كان الشهيد. أنا لم يسبق لي مثلا أن رأيت أحدًا يحكي عن أي فلسطيني ارهابي. أنا شخصيا، لكن في ناس بتحكي لي انه كان في ناس تحكي هكذا. لكن أنا خلال وقت تحت الحرب، وواحد كذا يحكي عن واحد إرهابي! فهذا بالنسبة لي شيء مستنكر. وبنفس الوقت العكس؛ انه انت تجيِّش جيش كامل من أجل تغريدة أم لأجل (س) أو (ص) من الناس، وتعتبره انه هو الشخص المتسبّب في كذا، أو هو الشخص الذي أدّى لحالة معينة. طيب ما هو احنا تحت إبادة وتحت حرب! وكلنا اليوم تحت النار وتحت الاستهداف! وما قبل كل هذا الشيء هنالك أدوات اسرائيليه و هنالك اعلام اسرائيلي يجيّش جيش كامل، جيش كامل وهو بيقوم بدوره، ولا ينتظر من الفلسطيني أن يقوم هو بهذا الدور! ولو انه هو ربما قد يستغل الفلسطيني، لكن هذا الجيش موجود مسبقًا، وأداته الإعلامية تروِّج للتغريدات وللشخصيات التي هو يريد أن يستهدفها منذ زمن؛ عشان تعملها قتل معنوي داخلنا قبل أن يستهدفها بصاروخ أو بطيارة.
أحمد البيقاوي: [02:10:57.48]
هؤلاء كانوا موجودين من ما قبل 7 اكتوبر سواء على مستوى حسابات اسرائيلية او حسابات داعمه لحسابات اسرائيليه، وكثير انعمل تحقيقات عنهم، وبذات الوقت الانسان الفلسطيني الذي يسمح لنفسه أن يصف فصيل فلسطيني بالإرهاب يعني وفقًا للمعايير الأمريكية يعني فهذا أيضًا كان موجود سابقًا. لكن تشعر فعليًا أن الجنون الذي صار اليوم يعني هو هكذا تنامي فجوة بين الواقع وبين السوشال ميديا، بين الإعلام واحد، ومن مكان ثانٍ _تعرف حتى الإبادة أخذت طابع تعذيب واستنزاف طويل المدى لأهالي غزة، يعني انت باليوم كان يصير فيه أكثر من حدث، أكثر من خبر، أكثر من قصة، والذي ربما لو هذا الشخص حكى شيء لا يأخذ مدى.. يعني ما بيقعد تريند أكثر من ثلاث ساعات يعني! ما في تريند كان يأخذ يوم يعني، لكن واضح انه اليوم مع الشكل الجديد يوجد هكذا حيِّز ومساحة وفراغات تعبَّأ. بدي أسالك مقداد..
مقداد جميل: [02:11:58.83]
لا. يوجد ثمّة نقطة فقط أحمد عشان..
أحمد البيقاوي: [02:12:00.24]
تفضّل.
مقداد جميل: [02:12:00.36]
في نفس السياق، هو صحيح انه موضوع الاتهامات وموضوع الخلاف السياسي هذا عبارة عن فجوة بين الواقع وبين الحياة، لكن يوجد جزء منه هو تعبير عن الواقع، لكن كيف تعبير عن الواقع؟ ذلك ليس بالشكل الذي يتم تصديره. يعني اليوم الناس عندها سخط وعندها غضب، ويكاد يكون هذا الغضب على جهة سياسية محددة، نعم. لكن طبيعة تصدير الغضب في السوشيال ميديا ومن هذه الاطراف فجّ وبشكل شرس لدرجة انه تجعلنا كأشخاص _أنا غير مسيَّس مثلًا_ فأنا أستنكر انه التلاعب بالرأي العام او التلاعب بصوت الشارع بطريقة سياسية، وتصديره وكانه هو رأي سياسي لطرف على حساب آخر. يعني أنا لازم صوت الناس يتم نقله، ولازم الناس حتى التي تشتم على طرف محدد ننقلها ونحكي؛ لانه هذا شعور الناس وسخطها بعد سنة ونصف من الحرب. لكن الذي لا يُقبَل انه انا كطرف سياسي استغلّ هذا الصوت، وأجيِّشه بطريقتي لرأيي السياسي ولحساباتي السياسية. وهذا الأمر الذي كان مرهقًا للناس. أنا شخصيًا ليس لديّ مشكلة أن أنتقد أي طرف سياسي مثلًا، لكن مجرد أن أحكي رأيي السياسي مثلا تجاه سين أو صاد وأجد انه البوست خاصّتي أو الرأي الذي سأحكيه سيتم استغلاله من أطراف وهكذا فبكل أسف أنا سأتوقف عن حكيه. وفي المقابل سأجد طرف ثاني يحكي عنه، وهذه بالفعل مشكلة يعني، وهي دوّامة ليس لها حل!
أحمد البيقاوي: [02:13:44.23]
ليس لها لكن أنا يعني.. تعرف هذه حالة ابتزاز. يعني تحديدًا الآن التهديد صار إنّه أفيخاي أدرعي (الناطق باسم الجيش الإسرائيلي) أو واحد من الحسابات الاسرائيليّة يأخذ لك تغريدة، انت تعبّر فيها عن غضبك. فأنت لم تعد تعبّر عن غضبك لأجلها. هذه الثنائيّة. أتذكّر مظاهرات على على مستوى كثير أصغر يعني كثير أصغر. حين كنت تطلع مظاهرة ضد المفاوضات ولا ضد التنسيق الامني برام الله كان يأتيك رجل أمن. تمام. هو أسير يعني فيقول لك يعني اسير سابق. يقول لك أنا مسجون عشرين سنة، انت يعني ستعلّمني الوطنيّة.. فهذا كان يخضعني دائمًا لأوّل امتحان انه أخلاقي، انّه فعلًا أنا ماذا عملت؟ يعني من يعلّم من؟ وهكذا ونحن ناشطون صغار كان دائمًا تحدي. والشيء الثاني أنّ قضيّتنا الإسرائيليين طبعًا الطبيعي ان يستهدفوننا طوال الوقت، فهم يستهدفون ابو مازن طوال الوقت. هل يعني هذا الحكي ان لا أحكي عنه؟ سموتريتش اليوم عالطالع والنازل يريد أن ينهي السلطة، نحن لا نحكي على السلطة يعني؟ السلطة فعليًا تستخدم هذا الخطاب نفسه، ومشكلة فعليًا حين يتم ابتزازنا بقضيّة إنه الاحتلال يأخذ تغريدة عني ولا منّي إن لا، الاحتلال طبيعي جدًا يأخذ كل تغريدة فعليًا تتماشى مع مخطط له، ولكن هذا الحكي لا يعني أنني وإيّاه واقفين على نفس الأرضيّة! عادي.
مقداد جميل: [02:15:01.07]
وهذه للأسف صارت مع مراسل مشهور في غزه قبل أسبوع وصارت مع مراسل ثاني أيضًا قبل الهدنة بفترة قصيرة. وهم المراسلين للآسف ممن يحبّهم الناس يعني. وفي طرف سياسي جدًا يُحبّهم ويعبّر عن واقع الناس، لكن انت مجرّد ما تحكي رأي شاذّ عن سياقهم العام تلاقي حالك في صدام مباشر ومرهق جدًا معهم وهذا يُتعبنا كلّنا للأسف.
أحمد البيقاوي: [02:15:31.75]
مقداد ماذا ستفعل بعد الحرب؟
مقداد جميل: [02:15:36.88]
لو كنت سأجيب لو من قبل فأنا كنت أتمنى في هذه الفترة كنت مخطط انه أنا بدي أطلع من غزة وخلص يعني، أبدأ إني أرى حياتي في الخارج، هذا طبعًا كان ما قبل الحرب يعني كانت هذه هي أمنياتي. لكن اليوم أنا بدي أطمئن انه غزة بخير، وبعد ذلك وقتها بفكر اني اطلع. يعني أنا متمسِّك بحلمي إني أكون خارج غزة لكن ليست غزة الموجودة حالياً. يعني تعرف كيف شعورك حينما تكون تريد أن تطمئن على أهلك أنهم بخير، وبعد ذلك تكمل. وغزة هي هكذا؛ يعني أنا بدي اطمئن انه غزة بخير. ليش؟ لانه كل تصوري السابق؛ انه أنا بدي أسافر وأطلع كان عندي معرفة انه أنا قبل كانت غزة مفتوحة، يعني قادر أنا في أي وقت أن أرجع لها، وأرى الذي أريده؛ أهلي فيها مثلًا. لكن الآن ثمّة حكي عن موضوع التهجير، موضوع إغلاق، موضوع انه الذي يخرج لن يرجع، يجعل اختياراتك كثير صعبة، ويجعلك أمام تحديات كثير صعبة. فأنا لا زلت متمسّك بحلم الحرية خاصّتي؛ انه انا بدي أطلع، وبنفس الوقت أنا حريتي اذا أنا بدي أطلع وأكون ممنوع إني أرجع فأنا بكون خرجت بطريقة ما بتفرق عن حياتي داخل غزة! أنا كنت عايش بطريقة في غزة ممنوع أطلع، وأنا الآن اطلع ثم ممنوع ارجع! يعني انت فاهم الفكرة، نفس فكرة الحرية، لا. أنا أريد هذه الحرية؛ أنا بكون في غزة وبطلع من غزة، وأكمل حياتي في الخارج، وبمقدوري في أي وقت أن أنزل لغزة، أنا هذا بالنسبة لي مفهوم الحرية، فأنا حينما أكون قادر أن أحقق هذا المفهوم، وأرى ما مستقبل غزة، وما الواقع الذي سيكون، فأتوقع انه أنا لازم أبدأ حياة ثانية في الخارج وأكمل. وهذا ربما لانه واقعنا غزة ستكون لفترة طويلة بوضع صعب، أنا عندي طفلة عمرها سنتين و8 شهور فـ..
أحمد البيقاوي: [02:17:31.57]
ما اسمها؟ ذكّرني باسمها
مقداد جميل: [02:17:34.27]
سلوان.
أحمد البيقاوي: [02:17:35.29]
سلوان. أنا أتذكّر من أول الحلقة يعني وأنا أحاول قاعد أتذكر وأتذكّره.
مقداد جميل: [02:17:43.45]
في هذه النقطة، هناك أمر أحب أن أحكي عنه، عن نمط الحياة الذي نراه، أو أطفالنا يرونه. وكتبت في مقال في "السفير العربي" وأنا نازح في الزوايدة، أمشي مع ابنتي مثلًا في الشارع، ترى الركام، بيت مقصوف، عندنا في الحارة الجامع مقصوف، هناك أكثر من بيت مقصوف، فتأشّر لي على الجامع المقصوف وتقول لي: مين عمل هيك؟ اليهود عملوا هيك؟ أنا يعني كل ما يصير شيء بحكي لها مثلا اليهود، الاحتلال عمل هيك، بس احنا بنحكيها اليهود يعني انه الاحتلال بلاش حدا يحكي عنا معادين للسامية. المهم، هي طفلة عمرها سنتين و8 أشهر بعد، يعني خلال سنة سنتين ستعي أكثر وستعي الحياة بتمشي في الشارع. شوارع مدمرة، حياة مش موجودة، انا كل تفكيري وهذا التفكير كثير عامل عليّ ضغط نفسي إنه ما ذنب البنت أن تعيش في واقع هو غير حقيقي؟ يعني أنا على الاقل وعيت وشفت أن هناك شكل آخر للحياة، وكنت أعرفه ورأيته. وحتى في غزة قبل الحرب كان هناك بعض هذا الشكل الحقيقي للحياة موجود. كان عندنا شوارع منيحة. كان عندنا المولات اللي على قدنا هاي الكورنيش اللي عقدنا. المواصلات سهلة. طيّب اليوم أنا بطلع مثلا مع بنتي بطلع على كارة مثلًا. والله يعزك حمار، بطلع في باص في شوارع مدمرة. جبال ركام، فأنا بالنسبة لي حرام أي طفل يعيش هذا المستقبل وهذه الحياة. حرام طفل يوعى بعد سنة وسنتين ويفكر انه هذا هو النمط الطبيعي للحياة. انه يكون عايش بين ركام وبين دمار. وهذا الشيء مش قادر أتقبله. بالنسبة لطفلتي مثلا انه يطلع هيك حياة وبهكذا نمط.
مقداد جميل: [02:19:37.60]
فأنا لأجل ذلك لدي هدف أبعد؛ انه أنا بدي أمنحها تعيش حياة أحسن، بدي أجعلها ترى العالم على حقيقته، أنا صار عمري 30 31 سنة وأنا لا زلت لم أستكشف العالم، أو غير مستكشف النمط الطبيعي للحياة. صار عمري 31 وأنا كنت في اسطنبول بركب المترو وأستغرب انه ما هذا يعني! بسرعة أصل بين مكان والثاني، واحنا غزة صغيرة، كانت المواصلات تتأخر فيها وهي صغيرة! فلو في اسطنبول يعني في العالم خارجيًا حينما استكشفته طريقة التعاملات، اختلاف الثقافات والتعامل الثقافي كثير بسيط وسلس مع الناس. يعني انت بتكون ماشي مثلا بكل بساطة مثلًا قعدت في المترو أو في الباص وقعدت بجانبك بنت بشكل طبيعي مثلاً. انت في غزة اذا انت بدك تقعد في مكان مثلا فيه كرسي فاضي بدك تقعد جنب بنت، فبتصير تفكّر تحسب حسابات أنا أقعد ولا ما أقعد. طيب ما في كرسي فاضي مثلا! لا أقصد انه شيء سيء، بالعكس؛ لان واقعنا احنا وثقافتنا المنغلقة فرضت علينا هكذا، وعلى كل المجتمع هكذا. فأنا لا زلت مثلا أعتبر نفسي أنني لم أكتشف العالم بالنمط الطبيعي والحقيقي. فأنا أيضًا لا أحب أن تنظلم ابنتي وتعيش نفس هذا الانغلاق الذي يجعلها تفكر أن العالم محصور بهذا الشكل، وبالعكس بشكل أسوا من الذي أنا عشته، تفكر انه العالم هو عبارة عن شوارع كلها ردم، شوارع كلها جبال، رمل، باصات مدمّرة، سيارات محروقة. وهذا شيء مؤسف جدًا. وليس فقط على ابنتي يعني بل على كل أطفال غزة. يعني مؤلم جدًا انه نرى خلال سنوات جيل سيوعى على هذا الشكل!
أحمد البيقاوي: [02:21:31.10]
مقداد. كيف تغيّرت علاقتك بابنتك؟ في الإبادة؟
مقداد جميل: [02:21:36.32]
في الحرب؟
أحمد البيقاوي: [02:21:37.22]
في الحرب، آه.
مقداد جميل: [02:21:41.27]
بصراحة أنا لن أقدر أن أحكي كيف كانت وكيف تغيرت؛ لانه هي أصلا الحرب جاءت في فترة حرجة، يعني اختلاف الها. يعني هي كان عمرها بداية الحرب سنة وشهرين يعني بالكاد كانت تستطيع أن تسبح، يعني بداية المشي وما بتحكي، حاليا بعد أن تجاوزنا سنة ونصف من الحرب صارت تحكي وتركض وتلعب، وتفهم كل شيء وتحاورني أيضًا. فما بقدر أقول لك انه تغيرت أو كيف تغيرت؛ لانه يعني هي ليست على شكل واحد أو على عمر واحد، لكن تغيرت بجانب ثاني؛ جانب المشاعر بالنسبة لي، حسّيت بمشاعر أنا لا أتوقع أنني كنت قد أُحس فيها قبل الحرب. يعني أتطلّع عليها اليوم مثلًا وأنا بلعب معها، تأملي لها، ونظراتي لها مختلفة جدًا عن قبل. طريقة تعاملي معها مختلفة جدًا عن قبل؛ يعني ممكن مرة حينما أُحس انه هي حكت معي كلمة أحس انه هي كيف كبرت وكيف صارت واعية للعالم بشكل لافت، فأستغرق وقتًا من أجل أن أتامل فيها وأتطلع فيها، وهذا شيء مؤلم. ليش؟ لانه انا في هذه النظرة أرى فيها كثير أطفال فُقدوا، فللأسف أتخيل وأتطلّع عليها كثير وبشعر انه لازم اتطلّع عليها أكثر؛ لانه بخاف في أي لحظة أفقدها، فأتطلع عليها، وأقول يا عمي كثير بحبها، وهي موجودة معي بشكل ما لحياتي، فأحضنها مثلًا وتحضنني هي. وأقول لها: أنا كثير بحبك. فبعد قليل، أشعر انه لا. أريد أن أبقى معها. وأشعر أيضًا انه غلط انه أرى فيها الأشياء الثانية.
مقداد جميل: [02:23:30.86]
وحين أنظر إليها مثلًا أصير أتذكر الاطفال الذين استشهدوا أو اب مثلا حامل طفلة. فقط هذه هي الفارقة مشاعريًا. واتوقع أغلب الأهالي هكذا يعني كل أحد لديه طفل بهكذا عمر أو حتى بأعمار أخرى بصير ينظر إليه، يتأمّله، هو يكون مدرك داخله انه احنا في وضع خطير، في أي لحظة ممكن أنت أو هو تكون مش تمام. فتشعر قدّيش انت متمسك فيه، قدّيش انت قريب منه، قدّيش انت لازم تقضي معه وقت أطول، في شهر واحد أو حتى في 2/1 ثاني يوم في السنة، أنا كنت قاعد في خيمة في الزوايدة، غليت قهوة تمام؟ جلبتها من المطبخ الذي أنا كنت فيه ووضعتها في الخيمة، والخيمة صغيرة كما تعرف يعني، فاردين الفراش هكذا، ووضعت غلّاية القهوة، ذهبت مسافة صغيرة أحضر شيء، ورجعت البنت كانت ماشية واصطدمت بغلاية القهوة من على النار، انحرقت رجلها تمام؟ يعني من مشط رجلها حرق يعني بسيط، بعثتها إلى المستشفى، كان الحرق بالنسبة لها يعني ليس سهلًا، كان درجة ثانية، فهذه الفترة استمريت لأسبوعين نروح على المستشفى تقريبًا كل يومين، صرت أرى أطفال؛ طفل مثلًا محروق، طفل عنده بتر، طفل قادم لكذا.. فوقتها أنا كثير كثير كثير كان يتحدثون عن انه هنالك مفاوضات وممكن تنتهي الحرب. كنت كل يوم أمسك ابنتي وبقعد معها وبدعي ربنا انه يا رب احنا كلنا نبقى بخير ولا يصيب أحد منا أي أذى.
مقداد جميل: [02:25:17.88]
فقط حينما يعلنون وقف إطلاق النار فقط! فبتصير العلاقة تشعر انه أنت أقرب جدًا، لكن حتى للعائلة ككل؛ لأهلك، لأطفالك، لزوجتك، خصوصًا الأطفال؛ لانه تشعر انك تريد أن تبقى معهم أكثر. وعلى صعيد ثانٍ تشعر أنهم فقدوا كثير في الحياة، ويعيشون نمط حياة غير سليم كباقي أطفال العالم، فتشعر أنت انك تفكر كيف ستعوّضهم قدر الإمكان هذا الشكل مما فقدوه. يعني منذ فترة مثلا طلبت مني "بسكليت" هذا وأنا نازح في الزوايدة في الدير؛ في دير البلح. بعد فترة خلص ذهبت واشتريت لها "بسكليت" واضطررت مع المواصلات الصعبة أن أحمله مسافة طويلة و داخل السوق وبين الناس حتى أحضر لها إياه. اليوم مثلًا بتحكي لي بدي شيء معين، من كم يوم طلبت مني وقالت: أشتهي تناول المثلّجات. طيب احنا في حرب وأنا بالنسبة لي ما بخاطر انه أطلعها على الشارع اليوم، لكن حملت حالي وأخذتها وطلعنا مشوار، أطعمتها مثلجات ورجعت. فأنت بتصير تحسبها هكذا انه اطفال فاقدين نمط حياة طبيعية. ولا بد أن تبذل جهد أكبر انك تعيّشهم أبسط شكل من الحياة. والذي انت لو اجتهدت مهما اجتهدت لن تمنحه الحياة الصحيحة والحقيقية. فهذه العلاقة بتصير انه انت كيف بدك تعوّضه في الحياه، وكيف انت بدك تكون دائما قريب منه؛ لانه انت عارف انه للأسف الفقد قريب سواء كان الفقد من طرفك أو من طرف..
أحمد البيقاوي: [02:26:56.44]
مقداد. نحن في "تقارب" نترك المايكروفون لكل ضيف في مساحة حرّة، مساحة لك. ماذا تحب أن تضيف/ تنفي/ تؤكد/ يعني هذه رواية للتاريخ، وشهادة للتاريخ. ممنون لك.
مقداد جميل: [02:27:11.45]
مع أنني أحس حالي تكلمت كثير حكيت كثير حاسس حالي، وكل سؤال أسهبت فيه بشكل، واستحضرت أمثلة...
أحمد البيقاوي: [02:27:19.58]
لا بالعكس، أنا أريد أن احكي لك على يعني افضل يعني افضل شيء بالنسبة لي. حتى ولو أني أعتبر إنه انا متابع وباليوم يوم فعليًا عارفين وعندنا أصدقاء وأهالي وناس موجودين وحاضرين في غزة، لكن ولا مرّة كان في قدرة عند حدا سواء داخل أو خارج يعطينا هذه الصورة التي أنت حكيت عنها على مستوى لغة على مستوى صور وعلى مستوى فعليًا هذه الانسيابيّة الموجودة، فممنون لك. تفضّل المايك معك.
مقداد جميل: [02:27:53.96]
انا مبسوط بهذا الشيء وان شاء الله يعني الواحد يكون قادر على الاقل انه يوصّل جزء، انه خليها هذه مدخل للكلمة التي سأحكيها، إنه رسالتي دائمًا لكل العالم أنّه مهما كنتم تقرأون ومهما كنتم تشاهدون ومهما كنتم تسمعون. لا شيء يصوِّر الواقع. ما في شيء قريب أبدًا من الواقع مهما كان معبّر يعني. يعني أنا لا أريد أن أكون.. يعني إذا سأحكي هذا الكلام، سأظهر كأنني كذاب، انه الكلام الذي حكيته كله، إذا أحكي أنه ليس قريبًا من الواقع، سأطلع انا كذاب. لا هو نحن نحاول أن نصف لكن ما في شي يوصل للمرحلة الحقيقية التي تكون فيها قادر على فهم الواقع بشكله الحقيقي وهذا يمكن لا اعرف يمكن تراني دائمًا أحكي على تويتر، كل شيء ينحكى وكل شيء يظهر في الصور وفي الفيديوهات وفي كل شي هو جزء بسيط من الواقع، لأنّ الواقع اكبر من هيك وأوسع من هيك للأسف. وأنا كنت أفضّل دائمًا نحن كفلسطينيين نبتعد. نبتعد جدًا عن اي خلاف سياسي، عن اي مشاكل جانبية وهامشية بقدر ما ان نركّز على الإبادة. انا حكيت لك إنه لا أحكي كثير عن الخلافات السياسيّة. ولا أدخل في طوشة، ولا أدخل في نقاش، حتى رأي سياسي لا أحكي. لا أحكي لا مقاومة ولا أحكي عن الشهداء. ولا أحكي عن الاحتلال. ولا أحكي عن حماس. ولا أحكي عن فتح. بقدر ما أركّز إنه كيف الاحتلال يقتلنا، وأركّز ان أوثّق الإبادة، وأحكي عن الإبادة.
مقداد جميل: [02:29:34.41]
أركّز أن أوصل صوت الناس ورسالتهم ومشاهد من الحياة اليومية. أغلب مقالاتي من بداية ما بدأت أكتب كانت تحكي عن الحياة اليوميّة. كيف الناس تعيش؟ كيف الناس تنزح لأن هذه مرآة للإبادة. الإبادة تصير، الصور والفيديوهات والأخبار تُصوّر، تُصوّر ان فيه مجزرة صارت، تُصوّر إنه في جريمة صارت. لكن انعكاس هذه الجرائم وانعكاس هذه الإبادة وانعكاس التفاصيل هذه موجود فينا، في حياتنا اليوميّة، موجود في طوابير المياه، وفي طوابير الخبز وموجود في الردم الذي نعيش فيه، وفي حياة الخيم، موجود حين أحسّه، ويدفعني أكتب. أنا قبل العيد بيوم ماشي في الشارع، في السيارة في شارع أنا كنت موجودًا فيه قبل أسبوع لكن فجأة لاحظت وأنا شارد الذهن في شباك السيارة، في ناس بجانبي من الشباك، ناس جالسة بجانبي في الشارع. أقول ماذا يفعلون؟ وإذا بهم خيمة، خيمة في الشارع، في الشارع يعني بين السيارات تمام؟ وجنبها قاعدين 2 سيدات ومعاهم طفلة. ماذا يفعلون؟كما لو أنك تكون قاعد في البيت، طالع مثلًا من غرفة النوم للصالون، وغرفة المعيشة، وقاعد انت وصديقك ولا انت وامك وتتحدثون، وقاعدين بشكل طبيعي جداً. فهذه الخيمة هنا وهم واضعين حجرين خارج الخيمة وفي الشارع، وقاعدين ويتحدثون بشكل طبيعي. وأنت تدرك انه هذا هو نمط الحياة الموجود حاليًا! انه هم بالنسبة لهم هذا الشارع الذي هم جالسين فيه والذي خيمتهم فيه هو الصالون،
مقداد جميل: [02:31:20.01]
هو غرفة المعيشة التي يتحدثون فيها، ويستحضروا تفاصيل حياتهم اليومية فيه. فأنت تفهم أن أثر الإبادة أن هنالك حياة في الشارع، هنالك نمط معيشيّ اختلف، وانه احنا بدنا نحكي عنه. فاذا أنا بدي أتفضّى وآخذ وقتي بانه أنا أشتم على فلان، وأحكي رأيي السياسي في فلان، وأحكي عن هذا وأحكي عن ذاك فلن أجد الوقت لأحكي عن هذه المرأه التي في الشارع! لن أجد الوقت لأحكي عن الطفل الذي يروح ويبحث عن خبز، والرجل الذي يصف في الطابور 10 ساعات من أجل أن يحضر الخبز! فأنا كنت دائما بحب انه احنا كفلسطينيين دائما أن نركِّز على الإبادة، وعلى حياتنا اليومية، ونركز على انه احنا بشر، بدنا نعيش، وبدنا حياة كريمة وطبيعية. وقبل كل هذا بدنا توقّف الحرب، وانه احنا لما بدنا نحاول نرجع لحياتنا _حين نحاول أنا أقول حين نحاول، يعني احنا ما رجعت حياتنا بعد_ لكن هذا مش لانه والله احنا بدنا ننسى الحرب، وانه احنا نسينا دم الشهداء، ولا أنا نسيت.. أنا زوج أختي استشهد، وعمتي أيضًا استشهدت تحت المجاعة، لكن ليس لأنني قد نسيتهم، بل لانه أنا عندي أولاد اختي موجودين في نفس المكان الذي أنا أعيش فيه، أبوهم استشهد لكن هم سيكملون؛ لانه اذا احنا ما أكملنا المسير، وما حاولنا نكمّل الأجيال هذه، والأطفال هؤلاء سيفقدون حياتهم كما فقد أبوهم حياته؛ لانه احنا بشر بدنا نعيش، يعني احنا اليوم اصلًا في الحرب فقدنا قدرتنا على الحزن.
مقداد جميل: [02:33:00.54]
يعني بستشهد أحد وأنت تدفنه، لا يكون معك حتى وقت انه أنت تفتح عزاء! انت مطلوب منك تروح تعيش وتبحث عن المياه، الخبز، توفّر طعام، فهذا الذي يحدث، احنا بشر بدنا نعيش، وبدنا نكمّل حياتنا، فهي قضيتنا قبل كل شيء؛ هي قضيتنا سياسيه لكن الناس هذه تعيش كبشر وقضاياهم اليومية قضايا إنسانيه تحتاج أن تكون الناس مستوعبة قدّيش هم بشر بدهم يعيشوا كباقي كل الناس! لأجل ذلك هم حينما تتوقف الحرب يحاولون، يحاولون ليس لانهم ينسون أو لانهم يخونون، بقدر ما انه هم يريدون أن يوصّلوا للعالم انهم يريدون أن يعيشوا. بالعكس هذا الاشي المفروض أن يكون دافع للعالم، دافع للعالم انه احنا بدنا نعيش. يعني أنا أحاول أن أوصل لك رسالة؛ انه أنا بدي اعيش. يعني هذا المفروض أن يدفعك أكثر لأن تحقِّق لي، وتعطيني حقوقي وتدفعني لتوفر لي الإعمار، المياه، الصرف الصحي، وتوفر لي الإمدادات والبنية التحتية وتساعدني. لانه أنا أثبت لك رسالة؛ انه أنا بدي أعيش. أنا مش متقبّل انه أظل عايش تحت الركام. ولهذا أنا أحاول، فقط!
أحمد البيقاوي: [02:34:19.40]
شكرًا.
مقداد جميل: [02:34:22.10]
عفوًا وشكرًا الك يعني، وشكرًا لكل الشباب إنه أعطيتمونا هذه الفرصة إنه أنا أحكي. يعني أنا من زمان ما حكيت بهذا الإسهاب وهذه التفاصيل، وللأسف من زمان ما حكيت بهذه الطريقة التي أنا في الآخر أشعر أن هنالك أحد قد فهمني بشكل خاطئ! أو انه أجد أحد يواجهني ويقول لي: لا. وصح وغلط، وهذا طلع وهذا ما طلع. فشكرًا على الفرصة.
أحمد البيقاوي: [02:34:44.09]
أحببت "تقارب"؟
مقداد جميل: [02:34:49.08]
بدي أحكي لك شغلة، أنا لا أحب الأشياء الطويلة، وأنا ملول جدًا؛ يعني تجدني ممكن أزهق بعد قليل من الوقت، ربع ساعة، ثلث ساعة، نصف ساعة وتجدني خلص كفى.. وهذا طبعي من زمان في المدرسة حتى وفي المحاضرات، لكن أنا أتابع تقارب، ربما ليس بشكل مستمر، وليس بالشكل المتماسك بأنني أشاهد كل الحلقة، لكن لا، حينما يكون هنالك حلقات لافتة أدخل وأعرف أن هذه الحلقة لافتة، أو هذه الحلقة فيها آراء ربما أريد أن أسمع بماذا الناس تحكي. فأكيد أحببته.
أحمد البيقاوي: [02:35:19.62]
أنا فعليا عندي نجاحين يعني، نجاح إنّه في شخص ملول اسمه مقداد فعليًا يرى الحلقات بالكامل، وشيء ثاني فعليًا مكثنا ساعتين ونصف ونحن فعليًا نُسجّل هذا الحوار، وهذه الشهادة، يعطيك ألف عافية.
مقداد جميل: [02:35:33.57]
آه والله السّاعة صارت 12.
مقداد جميل: [02:35:34.65]
وشكرًا جزيلًا لك. يعطيك ألف عافية.
مقداد جميل: [02:35:38.19]
وشكرًا كثير يا أحمد، وشكرًا لكل الشباب. الله يعطيك العافية.