مع تفجّر أحداث السابع من أكتوبر، وصولًا للحظة استشهاده الفارقة، بدا أننا لا نعرف الكثير عن مسار يحيى السنوار في غزة. وسعيًا وراء تفاصيل أكثر، بحث الإعلام فيما قاله الرجل من داخل سجنه، ولاحقت الفضائيّات رفاقه في محاولة للتعرّف على شخصيّته، وفهمها.
سلوك السنوار في غزة بعد خروجه من السّجن هو ما كان يُصدّره الإعلام دائمًا، كي يعبّر عن شخصيّته، بشكل يربطه بجهاز "مجد" الأمنيّ، وبواحدة من أكثر المراحل حساسيّة في تاريخ النّضال الفلسطيني الحديث: الهوس الأمني في السّجون والتحقيق مع "العملاء"، الأمر الذي دفعنا للبحث عن حياته في السجن، وبين رفاقه، لنجد روايات عديدة ومتناقضة، عن رجل مبادر، لا تنضب الفكرة من رأسه، أمضى أكثر من عقدين في السجن، واحتكّ بالجميع. كيف تغيّرت شخصيّته من التزمّت إلى مزيد من الانفتاح والتفهّم؟ وكيف طوّر علاقته مع مختلف الفصائل داخل السجن وخارجه لاحقًا؟
حافظ الرجل المنظّم والدقيق، و"الدينمو"، والمفاوض العنيد، على صلابته السياسيّة، كان يجيد رسم الخيوط، ويعرف كيف يصوغ المعادلات. في هذه الحلقة من #بودكاست_تقارب نحاول تتبّع مسار الرجل من داخل السجن، ما هي معالم شخصيّته؟ كيف كان يفكّر؟ وكيف تغيّر؟ ماذا أراد من طوفان الأقصى؟ وماذا يقول مشهد القتال الأخير عن رجل لا يعرف الندم؟
يستضيف #بودكاست_تقارب في الحلقة 148، الأسير السّابق شادي الشرفا من القدس، وهو أحد قيادات "الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين"، وممثلها في السّجون، يرفض أن يُطلق عليه لقب "أسير محرر"، مكث 24 سنة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، منها سنوات طويلة رافق فيها قائد حركة حماس، الشهيد يحيى السنوار حينما كان أسيرًا، وربطتهما علاقة وطيدة.
خلال سنوات سجنه، حصّل شادي معرفة عميقة، وراكم وعيًا، وعاش واطلع على تجارب غنية، نال في السجن درجتي البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وكذلك في إدارة الأعمال، ثم نال درجتي ماجستير، الأولى في الدراسات الإقليمية/ الدراسات الإسرائيليّة، والثانية في إدارة مؤسسات المجتمع المدني، وهو الآن مرشّح لنيل الدكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة بيرزيت. يُعرّف نفسه أيضًا بأنه باحث ومختصّ في الشؤون الإسرائيليّة.
"بودكاست تقارب" برنامج حواريّ فلسطيني أسبوعي يُعرّفه اسمه، يخوض بمسارات شخصية ويسعى لنقاش التقارب والتباعد في الأفكار بعد سنين من البعد والابتعاد تَبِعت الربيع العربي، وسنوات كورونا والتباعد، حلقة جديدة في سهرة الخميس وضيف ومسار جديد.
يُقدّم وينتج "بودكاست تقارب" أحمد البيقاوي، وهو مدوّن وصانع محتوى من مدينة طولكرم، يعمل في مجال إدارة الإعلام الفلسطيني والعربي منذ 2014. ساهم في تنظيم وتأسيس العديد من المنصات الإعلامية والمبادرات السياسية والاجتماعية.
تفريغ الحوار كاملا:
شادي الشرفا.aac
Notes
[00:09:24.04]
من هو شادي الشرفا؟!
Transcript
شادي الشرفا: [00:00:00.08]
مسك البارودة هيك رفعها، حطّها على عينه، السنوار حط البارود هيك قاله طخ؛ طخ بعيني.. طخ بعيني وبشدّ بالبارودة.. دائمًا منتظم، ودقيق جدًا، يعني بطلع أوّل واحد.. أوّل واحد بتشوفه ع راس الطابور.
أحمد البيقاوي: [00:00:14.84]
الحديث ليس من ساعة ما طلع من السّجن، وكأنّه كان ملحوق. الرجل وهو في السجن أصلًا كان هيك!
شادي الشرفا: [00:00:19.82]
بتصير (إدارة السجن) تيجي مشان الله يا سنوار مشان الله ايش بدّك؟! السنوار الذي أنا أعرفه هكذا؛ لم يكن مُتزمِّتًا دينيًا.
أحمد البيقاوي: [00:00:27.80]
بماذا بتعتقد أن السنوار تفاجأ بعد خروجه من السجن؟!
شادي الشرفا: [00:00:32.18]
يعني أنا أعتقد أنّ السّنوار كان محظوظًا أكثر من باقي الأسرى، باعتبار أنّه كان قريبًا من الهيئات القياديّة التي كانت تحكم قطاع غزة، وجزء منها كان موجودًا في الخارج. إطلاقًا لا يمكن تشبيه أبو إبراهيم بـ "أبو عمّار". الشيخ صالح العاروري حين جاء، أعطى قرارًا بتبرئة كل من تمّ التّحقيق معه، وهذا كان خطوة جريئة تصطدم إلى حدٍّ ما مع السّنوار.
أحمد البيقاوي: [00:00:55.28]
شو يعني حرّض؟
شادي الشرفا: [00:00:56.87]
إنّه انشر كي تخاف حماس ولا توقّع على صفقة بهذا الشكل..
أحمد البيقاوي: [00:01:00.87]
يعني عم بضغط على حماس من خلالكم؟
شادي الشرفا: [00:01:02.13]
التّسريبات التي صارت في 2010، هذه كُلّها تسريبات كان خلفها "أبو إبراهيم". مهما عمل السنوار ستجد من ينتقده.
شادي الشرفا: [00:01:12.15]
أنا شادي الشّرفا من القدس، طالب دكتوراه ومختص وباحث في الشّؤون الإسرائيليّة. اللقاء كان طويلًا، الأسئلة كان فيها الكثير من التحدي. المحاور أحمد كان ذكي جدًا بالأسئلة، آمل أن أكون قد أجبت على الأسئلة التي طُرحت، بالطريقة الصح. وآمل أن أكون يعني قد أوفيت حقّه لهذا الرّجُل الشهيد الذي قدّم الكثير. وأنا أعتقد أنّ هذا الحوار سيفتح سجالات كثيرة، ونقاشات كثيرة، خاصّة أنني تكلمت عن قضايا يعتبرها البعض حسّاسّة، وتابو ممنوع النقاش فيه، وممكن أن نتعرّض لهجوم من هُنا وهناك. وأنا أعتقد أنّ هذا رأيي، من يريد أن يقبل رأيي فليقبل، ومن يعترض فليعترض. وعلى رأي شسمه، أنا ضدّ رأيك لكنني مستعد أن أموت دفاعًا عن حقِّك في التعبير عن رأيك. فأعطيتُ رأيي، لكن أنا أقول أنّ هناك أشخاص في ذهني، جزء منهم استُشهد لأنني كنت أتأمّل إذا تحدّثوا عن السنوار. روحي مشتهى واحد من الشخصيات القريبة جداً من السنوار، إذا صح أنّه استشهد يعني هذا ممكن أن يُقدِّم أفضل صورة عن هذا الرجل، وهو الوحيد الذي يُمكن أن يُقدّم الصورة الكاملة عن السنوار، خاصّة أن روحي مشتهى يتمتّع بمصداقية عالية، وكان قريبًا جدًا من السنوار.
أحمد البيقاوي: [00:03:07.11]
مرحبًا وأهلًا وسهلًا فيكم في حلقة جديدة من "بودكاست تقارب". معكم أنا أحمد البيقاوي، وضيفي لليوم العزيز شادي الشرفا، شادي الأسير السابق، والقيادي، والباحث، والضيف، والمحلل، والمتخصص بالشؤون الإسرائيليّة. هذه أوصافه المتعدّدة في الإعلام. ولكن ما لفتني فعليًا في جانب من مقابلاته وهي المقابلات التي يتحدّث فيها عن الشهيد يحيى السنوار. عادةً وفي محاولة لفهم مزاج وسلوكيّات وطريقة تفكير ومنهجيّة عمل الشهيد يحيى السنوار، كان الإعلام يفضّل دائمًا العودة إلى رفاق دربه داخل السّجون. في حلقتنا اليوم سنخوض مع شادي في محاولة للتعرّف على مسار الشهيد يحيى السنوار؛ صفاته، طريقة تفكيره، نهجه، الفوارق بينه وبين قيادات أخرى. لماذا كان هذا الرجل استثنائيًا داخل السجن؟ وبعد تحرره وحتى في شهادته؟ سنحاول أن نصل إجابات لهذه الأسئلة من خلال شادي.
أحمد البيقاوي: [00:04:14.35]
شادي الباحث الذي سيكون موضوعيًا معنا في هذا الحوار، وشادي المتخصص بالشؤون الإسرائيلية، والباحث في الشؤون الاسرائيلية أيضًا الذي سيعطينا إطلالة أيضًا عن الإسرائيليين، وكيف كان يراهم الشهيد السنوار. وأيضًا شادي القيادي داخل التنظيمات الفلسطينية أو أحد قيادات التنظيمات الفلسطينية داخل السجون، وهذه مساحة منحته المجال كي يتعرّف على الجانب التنظيمي من السنوار، وشادي الشخص والصديق والرفيق للشهيد السنوار.
أحمد البيقاوي: [00:04:52.52]
قبل أن أبدأ، أريد أن أشكركم دائمًا على مشاركتكم معي أفكاركم ومقترحاتكم للمواضيع والأسئلة، وكل أفكاركم التي من الممكن أن تخطر لكم، سواء خلال هذه الحلقة أو بشكل عام، وشكرًا أيضًا على مشاركتكم هذا المحتوى مع كل شخص ممكن أن يكون مهتمًّا فيه، وشكرًا على اشتراككم في قناة اليوتيوب وقنوات الاستماع بفضل هذه الاشتراكات بكون أقرب لكم دائمًا. وشكرًا أيضًا لمن يساهم في استمرار "تقارب"، ومن يستثمر في محتوى "تقارب" ومن يدعم استمراره من خلال الرابط الموجود في الوصف. وبهيك بنبلّش..
أحمد البيقاوي: [00:05:31.76]
شادي أهلًا وسهًلا، أوّل سؤال: عندي فضول؛ جميع من يكون عندهم تجربة أسر، يخرجون وقد اعتادوا الاستيقاظ باكرًا؟!
شادي الشرفا: [00:05:40.34]
هههه آه أنا عندي مشكلة بالسهر، وهذا يزعج كثيرًا الأصدقاء والأصحاب لأنّه يعني أنا معتاد على النوم باكرًا، والصحو باكرًا..
أحمد البيقاوي: [00:05:52.65]
ما الذي يجعلك فعليًا لا تُغيّر هذا النّظام أبدًا؟! بتعرف أنا كل شخص أقابله في "تقارب" أساله كم أنت شخص صباحيّ؟ لكن لم أسألك هذا السؤال..
شادي الشرفا: [00:06:04.98]
اسمع تعويد، العدد الصباحي (في السجن) يكون مبكرًا، يعني يأتونك ع الـ05:30 - 06:00 أو السادسة إلّا رُبع. وأنا طالما أفقت ووقفت، لا أعرف العودة للنوم، لا أستطيع، خلص. أنا أصلًا من الشخصيات التي تعاني أساسًا من الأرق، وأستيقظ عدّة مرّات، فإذا ما أفقت، أقوم أفرشي أسناني، وأغسّل، وأجهّز نفسي، لحين فتح الباب كي أخرج للعب الرياضة، يعني أطلع فورة (استراحة) وألعب رياضة، وهكذا الواحد يبرمج حاله، على هذا الأساس يعني.
أحمد البيقاوي: [00:06:36.15]
فتحت لي سؤال أنت: في ناس تقف للعدد وترجع للنوم؟
شادي الشرفا: [00:06:42.06]
الغالبيّة العظمى.
أحمد البيقاوي: [00:06:43.92]
آه والله! يعني هاي الصورة على إنّه السّجن فعليًا يُرتّب لك نومتك ليست صحيحة؟
شادي الشرفا: [00:06:53.99]
لا بالعكس. أصلًا في شباب قضّوا (مدة) السجن في النوم. يعني كنت أقول لهم.. كنت أحكي لأصدقاء: مدّة السجن لكم غير محسوبة. مثلًا محكوم 5 سنين أقول له أنت محكوم باعتبار سنة، لأنّك قضيت 4 نوم!
أحمد البيقاوي: [00:07:07.79]
اها
شادي الشرفا: [00:07:09.62]
آه في ناس عندهم قدرة غريبة على النوم. بعرفش كيف، يمكن راحة بال. يمكن راحة بال. هلا أنا يمكن أقول لك الذين يشتغلون في العمل التنظيمي بالسجن دائمًا عندهم هموم، وفي مشاكل، وفي قضايا بدهم يحلّوها ثاني يوم، وفي عندهم مهمّات وعندهم كذا، فأنت بكون عندك مهمات وتراكم مهمّات وواجبات كثيرة. صعب جدًا أن تنام لأنّك لن تُنجز، بدّك تنجزها بتضلك تفكر فيها أو على الأقل أنا لست من النوع اللي يعني بمشيها هيك.
أحمد البيقاوي: [00:07:45.38]
طيّب يعطيك ألف عافية. وعندي سؤال، قلت لي من قبل.. نحن ما نزال في الأسئلة التمهيدية ونحن في مكالمتنا الهاتفيّة الماضية، قلت لي فعليًا ما بعد 7 أكتوبر أخذوك أو اعتقلوك فعليًا عشان يتعرّفوا على من خلالك أو من خلال أكثر من حدا عن شخصيّة أبو ابراهيم. ما هو أغرب سؤال سألوك إيّاه وقتها؟!
شادي الشرفا: [00:08:12.74]
لا هو مش سؤال المزبوط. يعني هو كان يحاول أن يهين السنوار يعني يشتم السنوار، وأنا رددت عليه الردّ المناسب وجعلته يفرمل (بمعنى يزن كلماته) لأنه هو حين بدأ يشتم واستخدم تعبير (خنزير) بدأت اشتم أنا، فقال لي لا خلص. قلت له إذا تشتم أنا سأشتم، وبدأت أشتم سارة نتنياهو يعني، فبالتالي هو وقّف وقلي خلص لن أسبّ. قلت لا له تسب كي لا أسب أنا أيضًا. يعني بهذا الشكل يعني الفكرة كانت إهانة أو محاولة الإهانة، وبنفس الوقت يعني يحاول أن يأخذ أي معلومة ممكن أن تفيده على المستوى الشخصي. بمعنى صديق السنوار أو أحد أصدقاء السنوار قال لي المعلومة الفلانيّة، يعني هذا على المستوى المهني الوظيفي.. أيضًا يجب أن ننظر إلى مُركّز جهاز المخابرات الإسرائيليّة (الشاباك) يُسمّونه "مُركّز شاباك" باعتبار أنه موظّف، ويشتغل في مهنة معيّنة، بالتالي عليه جلب تقارير وتقديمها، على أساس أن يتقدّم بالمهنة، بالتالي هو يحاول الحصول على أي معلومة ممكن أن تخدمه، يعني هذه هي فكرتهم.
أحمد البيقاوي: [00:09:24.04]
طيّب احكيلي أنت فعليًا، بنشوف تعريفات كثيرة لك على جوجل. أريد أن أعطيك فرصة. نحن هكذا في تقارب، لا نُعرّف الضيف، أو نفرض عليه تعريفًا مسبقًا. نعطيك الفرصة اليوم تجدد تعريفك كما تحب، وتُعرّفنا عن حالك وعلى حالك، تفضّل..
شادي الشرفا: [00:09:40.84]
شادي الشرفا.. لم أتوقع هذا السؤال على كل حال. ظننت أنّك ستقدّم التعريف. عادةً يقدّمونني بتعريف باحث في الشؤون الإسرائيليّة. يعني أنا شادي الشرفا من القدس، عمري 47 سنة. أهتم كثيرًا في القراءة والدراسة. عندي درجتين في البكالوريوس أخذتهم داخل السّجن. إدارة أعمال واحدة، والثانية علوم سياسيّة وعلاقات دولية، وأخذت درجة الماجستير أيضًا في الدراسات الإقليمية والدراسات الإسرائيلية أيضًا في السّجن. والآن أنا أستكمل الدكتوراه في جامعة بيرزيت في العلوم الاجتماعية.
شادي الشرفا: [00:10:21.53]
أمضيت في السجن ما يقارب 23-24 سنة، من ضمنهم الاعتقال الأخير والذي استمر مدّة 20 سنة، وقبلها مجموعة اعتقالات يعني متقطّعة. أحد هذه الاعتقالات كان عند السلطة الفلسطينية حوالي 5 أشهر وأنا "مطارد". والآن يعني أعمل على رسالة الدكتوراة، وإضافة لذلك يعني أكتب مقالات، وأتابع الشؤون الإسرائيليّة وأعمل كمحلل للشؤون الإسرائيليّة باعتبار أنّ عندي هوس -وهذه من السّجن- بمتابعة الإعلام العبري والإصدارات العبريّة وكذا، وهيك.
أحمد البيقاوي: [00:10:58.26]
شادي، كيف لا تحب أن يصفوك؟ أو يصنّفوك؟ بما أنّهم يستضيفونك ويعطونك التصنيف.
شادي الشرفا: [00:11:04.71]
التصنيف الذي لا أحبّه نهائيًا "الأسير المحرر" كلمة "أسير محرر" لأنّه أنا لم يتم تحريري. أنا أنهيت مدّة اعتقالي وتم الإفراج عنّي. يعني أنا كنت أتمنى أن يتم الإفراج عنّي بصفقه تبادل مشرّفة، أخرج من السّجن غصبًا عن إرادتهم، وغصبًا عنهم، لكن أنا أتممت 20 عامًا وأنا أنتظر هذه الصفقة، ولم تأت هذه الصّفقة، أو أتت مجموعة صفقات أنا لم أكن جزءًا منها، بالتالي أنا لستُ أسيرًا محررًا. أنا تم الإفراج عنّي بعد الانتهاء من محكوميّتي. تعريف أسير محرر أعتقد أنّه غير ملائم، ولا يتناسب.
أحمد البيقاوي: [00:11:45.52]
في أيّ بُعد اجتماعي للموضوع؟ أم أنه مجرّد الفكرة التي تتحدّث عنها؟
شادي الشرفا: [00:11:51.13]
لا الفكرة. لأن الفكرة أنّ هناك قصور عند التنظيمات الفلسطينيّة. يعني التنظيمات الفلسطينية تترك جنودها في الأسر لعقود يعني في هناك من تجاوز 4 عقود داخل الأسر وهذا قصور. يعني بالمنطق مثلًا أنت حين تُرسل جنديًا للمعركة، يذهب إلى المعركة 6 أشهر، سنة، يا أخي 3 سنوات، بعدين تقول له ارجع على بيتك روِّح على بيتك. تشعر وكأنّ التنظيمات الفلسطينية أحد قصورها أنها أرسلت الشباب للقتال وتركتهم للقتال عقود. حسنًا، استدعوهم للبيت، أعيدوهم. يعني تتحمل التنظيمات الفلسطينيّة مسؤوليّة أن تترك خلفها الأسرى. وهذا قصور.. قصور كفاحي أوّلًا، وقصور مبدئي. في إشكاليّة مبدئيّة؛ قصور مبدئي بمعنى إنه وأخلاقي أي أنّك تتنازل عن جنودك. يعني هذا قصور أخلاقي بشكل كبير جدًا. يعني كيف تترك جنودك في السّجون لعقود من الزمن؟ يعني هذه إشكاليّة موجودة عند التنظيمات الفلسطينية، المحاولات التي رأيناها مؤخّرًا هي محاولات من فئة معيّنة وهي حماس، محاولتان، محاولة السابع من أكتوبر، وقبلها محاولة، لكن باقي التنظيمات يعني وكأنّها غائبة وهذا الموضوع لا يُقلقها، يعني حتى تنظيمات أمينها العامّ مُعتقل لا تعمل شيء يعني، وتنظيم مُرشّح رئاسي مثل مروان البرغوثي، تنظيمه لا يفعل شيء من أجل الإفراج عنه. في إشكاليّة أخلاقيّة أولًا، ثم هي إنسانيّة ثم هي سياسيّة وإلى آخره لكن بالأساس هي إشكاليّة أخلاقيّة.
أحمد البيقاوي: [00:13:27.29]
أنت تعتقد أنّ ملفًا مثل ملف المعتقلين يعالج ما بعد الحروب والمعارك أم أثناءها؟
شادي الشرفا: [00:13:33.86]
طبعًا، شوف، لا يمكن -هذا سؤال مهم على كل الأحوال- هلّأ لأنه إدراكنا، نحن لدينا إدراك عميق بأن صراعنا طويل الأمد، لا يمكن الانتظار حتى يحل الصراع أو التوصّل لتسوية سياسيّة، بالتالي يلا تفرج عن الأسرى. لا. فبالتالي معركة الأسرى هي معركة يوميّة، هي معركة على الوجود الفلسطيني أيضًا هي معركة إنسانيّة وأخلاقيّة يعني، ويعني حتى حين تم التوصّل لاتفاق يعني تم تجاهل الأسرى يعني باتفاق أوسلو الأسرى القدامى، ملف الأسرى لم يكن حاضرًا. يعني تخيّل أنا مرّة في أحد اللقاءات مع شمعون بيرس هذا المجرم اللي كان رئيس وزراء إسرائيلي كان أيّامها أعتقد 10 سنوات على أوسلو أعتقد أو 15 عام على أوسلو في أحد المحطات العبرية جاؤوا على سيرة موضوع الأسرى الفلسطينيين. فماذا يقول بيريس؟ يقول: نحن حين ذهبنا نوقّع على الاتفاق حملنا ملف الأسرى. لأن من الطبيعي أن يطالب الفلسطينيون بالإفراج عن الأسرى. وتفاجأنا بأن الفلسطينيين لم يطالبوا بالإفراج عن الأسرى. فتركنا الملف ووضعناه جانبًا. لاحقًا بدأت المظاهرات والاحتجاجات الشعبيّة الفلسطينيّة التي تطالب بالإفراج عن الأسرى فرأينا أهميّة هذا الملف -هو يحكي ويقول بيرس- لدى الشارع الفلسطيني فبالتالي وضعناه كأحد ملفّات الابتزاز للجانب الفلسطيني من أجل تقديم تنازلات. يعني حين ذهب أبو عمّار وأبو مازن وكذا وكل الذين هندسوا أوسلو من أجل التوصّل لاتفاق كان غائبًا عن ذهنهم قضيّة الأسرى، لم تكن موجودة، وهذه إحدى إشكاليات أنّ القيادة الفلسطينيّة لا تنظر إلى المناضلين والمقاتلين باعتبار أنهم فعلًا أبناءها.
شادي الشرفا: [00:15:25.91]
يعني في مصطلح الثورة الجزائرية يقول "الثورة تأكل أبناءها"، ويبدو أنّ هذا حال الواقع الفلسطيني، وهذا نتيجة أنّ لدينا.. يعني الثورة قيادتها أوّلًا، يعني القيادة يعني ليست مناسبة، أو لا تتلاءم ولا تتوافق مع الحالة النّضالية الكفاحية للشعب الفلسطيني.
أحمد البيقاوي: [00:15:48.93]
يعني أنا أظن يا شادي إنه في جزء من التعريف الذي تحدثت عنه، قضية مثل قضية المعتقلين تعالج خلالها ولا تعالج بعدها. بتعرف يعني هذا السؤال يتعلّق أيضًا بالقيادات، حين نأتي ونسأل قيادات التنظيمات لماذا لا تتغير؟ قيادات المؤسسات- المجتمع المدني أو العمل الأهلي لماذا لا تتغير فتحس طوال الوقت في وكأنّه لأنّ معركتنا طويله وكثر منّا لا يعرفون أنّ المعركة طويلة، وخلال المعركة الطويلة من الصعب أن يأتي جيل ما ويقطف الثمار فتُحس طوال الوقت إنّه في سؤال لأسئلتنا، أسئلة كثيرة بقضيّتنا تتعلّق بأنه خلالها أو أن الواحد يجب أن يرتجل، ينسحب من المشهد، ويترك المساحة لغيره لأنّ معركتنا طويلة أم يواصل حتى يكون جزءًا من المشهد القادم. فأحسّ أنّ هذا -السؤال- كثيرًا ما أتعرض له في "تقارب". بالمناسبة نفس منطق التفكير ليس فقط في قضيّة المعتقلين والأسرى، أيضًا ينسحب الأمر على قيادات مؤسسات مجتمع مدني أو حتى على قيادات التنظيمات وهيك، وحتى فكرة إنّه عندنا أجيال شابّة كثير ليس عندها أي مواقع تأثير فعليًا، لأنّه في أجيال قاعدة محلها، وسؤال الشباب عندنا ليس سؤال NGO - مجتمع مدني- إنما سؤال ثاني يعني، فيكون طوال الوقت هذا النقاش القائم على إنّه نحن لا نُعرّف معركتنا على أنّها "معركة طويلة" يعني، فبتصير فعليًا "الثورة تأكل أبناءها" وتأكل كل شيء فعليًا ليس فقط تأكل أبناءها.
شادي الشرفا: [00:17:14.81]
يعني في عندنا إشكاليّة يعني حتى المؤسسات الديمقراطية والجمعيات التي تطالب بتداول السلطة وإجراء تغييرات وتعديلات أغلب هذه المؤسسات يعني القائمين عليها هم القائمين عليها منذ عقود ولم يتغيّروا، يعني هم من جهة.. يعني لدينا نخبة ثقافيّة تطالب بتبادل السلطة والانتخابات، وهذه النخبة الثقافية هي التي تتربّع على عرش هذه المؤسسات التي تجلب ملايين الدولارات وهذه إحدى الإشكاليّات. تعرف المشكلة أين؟! هذه مسألة مهمّة على فكرة في مسألة التحرير يعني هي مسألة فلسفيّة يعني أنا أريد أن أطرحها بطريقة يعني قدر الإمكان أن تكون بسيطة. نحن نميّز ما بين الحريّة والتّحرر. الحريّة أن تتخلص من الاستعمار وكذا، لكن التّحرر أن تتحرر ذاتيًا، بمعنى يعني موقفك تجاه المرأة، تجاه الطفل، موقفك تجاه تبادل السلطة والديموقراطية، هذا جزء من مفهوم التّحرر، أنت لا تستطيع أن تُنجز حريّتك دون أن تتحرر. هذا الربط ما بين الحريّة والتّحرر ربط مهم جدًا، يعني مثلًا أعطيك مثلًا: الثورة الفرنسيّة، الشعب الفرنسي خلال الثورة البرجوازية استطاعت أن تسقط نظام الملك لويس السادس عشر، أسقطت هذا النظام وأقامت نظامًا جديدًا، يعني استطاعت (الثورة) استطاع الفرنسيون أن يُحققوا حريّتهم، لكن لم ينجزوا تحررهم بدليل أنّهم تحوّلوا إلى قوّة استعمارية بقيادة نابليون واحتلّوا نصف العالم. نفس الشيء ممكن أن اقول الحركة الصهيونية بشكل أو بآخر، يعني اليهود عانوا في أوروبا كثيرًا من ملاحقة ومعاداة وكراهية وإلى آخره وأنجزوا (بين قوسين) حريّتهم طبعًا على حساب الشعب الفلسطيني لكن لم ينجزوا تحرُّرهم باعتبار أنّهم تحولوا لقوة استعمارية ضد الشعب الفلسطيني وضد المنطقة بالمناسبة يعني ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، بالتالي نحن نربط ما بين الحريّة والتحرر، وإذا أردنا أن نتحرر، أن ننجز حريتنا من الاحتلال علينا أن نتحرر، يعني كتير شغلات يجب أن تتغيّر لأجل ذلك نحن نحدد طبيعة المرحلة الآن، ونقول "كنا زمان نقول هي مرحلة تحرر وطني"، الآن نضيف عليها "مرحلة تحرر وطني وديموقراطي" لأنه أنت عندما تنجز تحررك الديمقراطي أنت تستطيع أن تتحرر من الاحتلال. نحن نربط بين هذه المسائل من ناحية فلسفية وقيمية وإلى آخره، وهذا بعض الفصائل تبنّته ولكن بالممارسة يعني غير قائم، ويبدو أنّ هناك من يستأثر بالقرار الفلسطيني، ويريد أن يبقى قاعدًا على الكرسي، وفي هناك كراسي مختلفة، يعني الكرسي الذي قعد عليه السنوار، يختلف عن الكرسي الذي يجلس عليه غيره من الناس.
أحمد البيقاوي: [00:20:02.82]
شادي أنت كنت من عائلة مسيّسة أصلًا؟
شادي الشرفا: [00:20:07.29]
طبعًا يعني يعني أهلي كثير مرتبطين بالمسألة السياسية؛ أبوي عمل سابقًا، عمتي، عمي أبعد وكان ينتمي للجبهة الشعبية. عمتي انتمت للجبهة الشعبية، وهي التي يعني كانت مسؤولة عن عملية الإفراج عن جورج حبش عندما كان معتقلًا في سوريا. فالعائلة نعم يعني أعتبر أنّها مسيّسة، ويعني كفاحية بشكل أو بآخر طبعًا مش الكل يعني تلاقي هكذا وهكذا، ولكن يعني جزء قطاع واسع من عائلتي أعتقد يعني له ليس فقط الانتماء إنما أيضًا الممارسة الكفاحية والنضاليّة.
أحمد البيقاوي: [00:20:49.20]
وفي حالتك أنت، إذا أريد أن أعود للمشاهد الأولى التي تعرّضت لها، أو شهدت تعرض أحد ما لها، أريد مشهدًا أو قصّة حوّلت علاقتك مع فلسطين من مساحة رومانسيه أو من تفاعل رومانسي قائم على رموز، لاشتباك أكثر.
شادي الشرفا: [00:21:14.88]
يعني هذا سؤال صعب بصراحة، يعني لأنه يعني ليست مرحلة معيّنة أو حدث مؤسس دفعني بهذا الاتجاه. أنت تتكلّم عن تراكمات، جزء منها بالتربية المنزلية، جزء منه بالمدرسة، جزء منه بالحي، جزء منّه بالأيام الأولى حين التحقت بالعمل التنظيمي وأنا صغير. كل هذه يعني متشابكة ومترابطة، طبعًا في أحداث مهمّة في حياتنا، ولكن يعني ممكن في بعض القضايا التي كانت تؤثر فيّ وتدفعني بهذا الاتجاه والانتقال، يعني أن لا يكون العمل النضالي موسميًا وبناءً على ردّات فعل هي الوالدة بصراحة، يعني والدتي كانت تعرف واحنا شباب ممكن البوصلة تفقدها بشكل أو بآخر تصير تسهر وتروح وتيجي. فكنت لمّا أسهر أرجع ع البيت متأخر أحد أمي تنتظرني. قالتلي اخص هيك أنا ربيت ابني، وين النّضال وين الوطنية، وين أيام النضال الآن تعود لي في آخر الليل، يعني كانت تستفزّني بهذه المسائل، وأشعر بعقدة الذنب يعني، يمكن هذا توجيه الوالدة هو الذي دفعني. لاحقًا حين اعتقلت، في الاعتقال الأخير هذا الذي استمرّ 20 عامًا، في أوّل زيارة لي، أمي رأت لائحة الاتهام، وقرأت ما فيها من "مصايب"... تفجيرات مش تفجيرات وبطيخ وسيارات مفخخة ومش عارف شو. قالت لي يمّة ايش هذا؟ أنت كل هذا مسويّه (عامله)؟ قلت لها مش أنت التي كنت تحرضينني! مش أنت كنت تقوليلي ليش...؟!
أحمد البيقاوي: [00:22:48.24]
ههههه
شادي الشرفا: [00:22:48.24]
قالت لي آه يمّه، بس مش لهالدرجة يعني. مش هيك يعني لم يكن قصدي هكذا! فيمكن هذا واقعنا.. الحال الفلسطيني يعني أننا نريد أبناءنا أن يكونوا بشكل معيّن نضالي ورمزي، وبنفس الوقت يعني نخاف على أبنائنا هذا الخوف الكبير جدًا. فهذا التناقض الذي نعيشه أو تعيشه كل العائلات الفلسطينية، ليس كل العائلات الفلسطينية، في هناك يعني عالم موازي يعني مختلف كليًا لكن جزء كبير من شعبنا يعيش هذا العالم يعني.
أحمد البيقاوي: [00:23:19.74]
طيب على كيف الباحثين بحكوا، تعال موضع نفسك أو نموضعك فعليًا بنقاش حوارنا اليوم، نحن نريد بناء بروفايل عن يحيى السنوار، وأنت واحد ممن يعرفونه جيّدًا. هل يمكن أن ترسم لي خارطة العلاقة بينك وبينه في البداية، يعني.
شادي الشرفا: [00:23:51.66]
يعني هي العلاقة انتقلت من شكل إلى شكل آخر. في البداية كانت علاقة الفضول لأنّه ملفت للنظر. أنت أوّل ما ترى هذا الشخص يكون ملفتًا، وأنا جزء من سياستي حين دخلت السجون في الاعتقال الأخير أنني كنت أراقبه، أحب أن أنظر، يعني أراقب الشخصيات، لأنه ليس عندي أحكام مسبقة، وأرفض الأحكام المسبقة، أحب أن أبني رؤيتي تجاه الناس بناءً على التجربة والتعليم. في البداية كنت يعني مراقب، أتطلّع عليه بشكل ملفت للنظر، وعندي حالة من الفضول لهذه الشخصيّة التي حولها أناس دائمًا، ويمشي دائمًا بظهر مستقيم، وكذا، ويلعب رياضة، دائمًا مستقيم، في شيء ملفت للنظر؛ لاحقًا حين تعرّفنا عليه صار في حديث وكذا، ولاحقًا تحوّل إلى أستاذ، لأنني عملت معه في إحدى اللجان، اللجنة الوطنيّة، تحول إلى أستاذ، وسآتي على هذا الحديث. ولاحقًا حين صار في علاقة قريبة والمزح والنكت وتحكي معه قضايا لا تستطيع أن تقولها لشخص آخر. لم تعد علاقة "الشيخ والمريد" أو الأستاذ والطالب، انتقلت لعلاقة الصداقة المنفتحة جدًا، ويمكن هو كان منفتح معي أكثر من اللزوم، كونه يعني لأنني من خارج إطار حماس، يعني في قضايا ممكن يحكيلي إيّاها ويناقشها معي، لا يستطيع أن يناقشها مع أبناء تنظيمه، يعني هذا ساهم في تعزيز العلاقة بيينا بشكل أو بآخر، هاي المراحل.
أحمد البيقاوي: [00:25:32.91]
حين بدأت العلاقة أو لما يعني بتحكي عن المرحلة التي كان ملفتة لك كان هو في أيّ مرحلة؟
شادي الشرفا: [00:25:41.07]
هذا بدايو اعتقالي 2002. طبعًا أنا التقيت به في (سجن) عسقلان يعني، وكان ملفت للنظر يعني من بعيد، يعني على رأس طابور الرياضة مثلًا. صباحًا نخرج للرياضة (في ساحة الفورة) نركض نصف ساعة، وفي عسقلان كانت الساحة كبيرة جدًا، لاحقًا قسّموها، كانت ساحة كبيرة جدًا، فبتلاقي الصبح بالرياضة تقريبًا 150 (أسيرًا) يلعبون الرّياضة، وهناك طابور للركض لأنه بتعرف إنّك تركض وبالتالي تبقى في ركض مستدير رُبع ساعة بهذا الشكل ثُم رُبع ساعة بالشكل المعاكس على أساس أن تُحافظ على الرُكب -طبعًا لا أحد فينا حافظ على رُكبه-كلنا فقدنا ركبنا من الركض الدائري، فكان هو دائمًا أو في أغلب الأحيان على رأس الطابور أو الثاني في الطابور يعني مرّات بكون أبو شادي (الأسير السابق فخري البرغوثي) ومرّات يكون هو (يحيى السّنوار) على رأس هذا الطابور، ودائمًا يرتدي نفس اللباس الرياضي، يعني كان ملفتًا للنّظر، دائمًا منتظم ودقيق جدًا، يعني بطلع أوّل واحد، أول واحد تراه على رأس الطابور، وبالضبط على الرُبع ساعة ينهي اللّفة، وبالضبط عند نصف السّاعة ينتهي، ويوقف الركض، هذا الانتظام والدّقة عنده، كانت تلفتني، بعدين كان يُجري الحلقة الرياضية، ينهون النّصف ساعة، ثم يتجمّع هو ومجموعة من الشباب (مرّات 4 وأحيانًا 5) يلعبون "تمارين سويدي" قفز وتحريك الجسد وإلى آخره، ثم تمارين الضغط وهكذا، وهيك وانت تتمشّى، يعني تلف لفّة وتلعب ضغط، ثم لفّة أخرى، ثم لعب الضغط مرّة أخرى، وهكذا.. فكان ملفت للنظر دقّته وانتظامه وحضوره الدائم، وأنا تعرّفت عليه للمرّة الأولى بساحة الفورة خلال وقت الرياضة، يعني هناك كان النّقاش الأوّل والتّعارف الأوّل..
أحمد البيقاوي: [00:27:28.52]
باعتقادك هذه الأوصاف أو المهارات التي تتكلّم عنها، عنه، اكتسبها داخل السجن أو جاءت معه من الخارج؟
شادي الشرفا: [00:27:39.65]
أقولك شغلة في ملكات يمتلكها الإنسان. لا أقدر أن أقول فطرية، لأنه كلّه مكتسب يعني. لكن مكتسبة مسبقًا، يعني دقّته وجديّته، يعني هي نابعة من ظروف تنشئة معيّنة. لا تنس أنه لاجئ، وعاش في مخيّم بظروف يعني جدًا قاسية، ولاحقًا يعني كان له إنجازات كثيرة يعني خاصّة بتشكيل منظمة "مجد" الأمنيّة، يعني هذا الزلم مبكرًا عنده دقّة وانتظام، ومبادرة عاليه جدًا، ويمكن هذه نتحدّث فيها بعد قليل، يعني أكثر إنسان أنا رأيته منتج تقريبًا في حياتي، كان هذا الشخص.. منتج، أوضّح؟
أحمد البيقاوي: [00:28:30.27]
لا لا.. وضّح. وبعدين لا تطرح الأسئلة، وتقول نتكلم لاحقًا، تكلّم براحتك..
شادي الشرفا: [00:28:37.80]
طيب ماشي. منتج يعني دينمو، يعني أنا كنت.. بنحكيله دائمًا، إنه أنت تشتغل على ديسكات CD نحن في السّجن بدأنا على نظام "الكاسيتات" الأشرطة، ثم وصلنا للديسكات، فأقول له أنت تشتغل على ديسكات. بقول كيف يعني بشتغل على ديسكات؟! يعني هو مثلًا اليوم كان يشتغل لجنة تنظيمية، بكرة اشتغل اللجنة الثقافية فيُزيل ديسك اللجنة التنظيمية ويضع مكانه ديسك اللجنة الثقافية، مباشرة يتحوّل القسم إلى نشاط ثقافي مخيف، يعيد ترتيب المكتبة بشكل سريع، يُعيد الأرشفة، يجمع كل الكتب الموجودة في الغرف، كي نُعيد الأرشفة، يُنظّم دورات لغة عربية وانجليزية وكذا، وهو متقن للغة العربية، دورات أدب، شعر، بلاغة، نحو وصرف إلى آخره. دورات في السيرة، حتى كان يُنظّم دورات سياسية، جلسات ثقافية متنوعة، نقاش كتب، أبدع فكرة الخبر العاجل، تعرف احنا اليوم دارج قضية الخبر العاجل. لكن سابقًا كانت الفضائيات جديدة، وفكرة الخبر العاجل كانت جديدة، فهو يعني تقمّص فكرة الخبر العاجل وصار يبعث أوراق لمجلة ثقافية يبعث لك ورقة صغيرة: "خبر عاجل" مكتوب فيها مقولة أو معلومة ثقافية ويوزّعها على كل القسم، في اليوم تصلك 4-5 أخبار عاجلة، نشيط جدًا حين يتسلّم المسألة الثقافية، وحين يتسلّم مثلًا اللجنة الوطنية وهي اللجنة المسؤولة عن السجن والمسؤولة عن الخطوات الكفاحية النّضالية ضد إدارة السجن من أجل تحقيق المطالب، يُزيل "ديسك الثقافية" ويستبدله بـ "ديسك اللجنة الوطنية" وبعدها لحّق عليه نشاطات.. بتصير الإدارة (إدارة السّجن) تأتيه: "مشان الله يا سنوار.. مشان الله ايش بدك؟ خطوات. خطوات. تصعيد. تصعيد! يعني ذات مرّة في قسم العزل الجماعي في ايشل (بسجن بئر السبع) يعني أتذكّر كل الضباط جاؤوا، ومسؤول المنطقة، والاكس الذي كان فيه (يحيى السنوار) كان مقاربًا للاكس الذي أتواجد فيه، والاكس هو الزنزانة الصغيرة التي تتسع لأسيرين فقط، وقف على الباب وقال له: سنوار ايش بدّك؟! طبعًا عملنا مجموعة خطوات تصعيدية غريبة هيك، أربك إدارة السجن، بالتالي حتى في العمل الوطني تلاقيه نشيطًا منتجًا بشكل كبير. وحين اشتغل أيضًا في اللّجان الأمنية في السجون بالمراحل المبكرة، أيضًا يعني دخل في حالة "الهوس الأمني" كما نُسمّيها، وصار يحقق مع كثير ناس على اعتبار أنهم جواسيس وكذا، فكان أيضًا يعني لم يتوقف يعني، هو يدعس البنزين ولا يتوقّف، يعني لا يوجد عنده مكابح.
أحمد البيقاوي: [00:31:23.68]
حتى في الفترات -وهذه ملفتة- التي لم يكن فيها يعمل بالعمل التنظيمي، كان يُبدع في قضايا أخرى يعني مثلًا، طبعًا يُساعد كل اللجان، يعني مثلًا مرّة وهو لا يشتغل في العمل التنظيمي، أنجز كُرّاس طبخ في السجن -أتمنى أنّ هذا الكراس يكون موجودًا، ويا ريت يكون موجود- عمل دفتر كامل كبير فيه كل طبخات السجن بالطريقة يعني كيف كتب الطبخ؟ يحتوي المكونات كذا كذا وبعدين خطوات الإعداد وملاحظات افعل هكذا ولا تفعل هكذا، يعني "منسف السجن" و"مقلوبة السجن"، "كنافة السجن" وإلى آخره. عنوان الطبخة وآلية عملها، ونسخها عدة نسخ ووزعها على السّجون، هذا لأنه لم يكن وقتها يشتغل في العمل التنظيمي، وكان يطبخ لكل السجن. حتى أثناء عمله في اللجان التنظيمية يعني أذكر مش عارف إنّه يوم خميس أو يوم جمعة كان يطلب الصحون من كل القسم، كل القسم (القسم 54 أسيرًا)، 24 غرفة، وكل غرفة فيها أسيران، وغرفة واحدة فقط فيها 6. فيطلب الصحون من كل الغرف (المردوانيّة) وهم عمال الساحة يجمعون الصحون. ويعطونه إيّاها، وهو على مدار أسبوع يجمع الخبز الناشف: يتجوّل على كل القسم، شباب لا أحد يتخلّص من الخبز اليابس، فيجمع الخبز بقايا الخبز، ويحوّلها لأجزاء صغيرة، ويعمل لنا كنافة لكل القسم، كل أسير يعمل له صحن. أنت تتكلّم عن مجهود يعني يأخذ منه 13-14 ساعة، أن تُقطّع الخبز أجزاء صغيرة، وتعمل لكل واحد -تعرف نحن نطبخ في السجن على بلاطة- يعني أنّك تحتاج أن تخبز الكنافة 54 مرّة، لعدد أسرى القسم كاملًا، كل أسير يأخذ صحنه. وكانت متعته هذه، يا خميس يا جمعة، ونحن اعتدنا كل خميس أو جمعة، في هذه السّاعة المحددة سيصل صحن الكنافة للجميع، وكان مبدع في هذه الكنافة. يعني هذا شوف قديش منتج هذا الزلمة، حتى في القضايا يعني ثقافية، كتاباته، وإلى آخره، كان منتجًا أيضًا في تنقيح روايات وأعمال أدبيّة لبعض الأسرى، وكان يطلب أن لا تضعوا اسمي إذا نقّحت، يعني يُساهم -كونه عنده لغة عربيّة قوية- ولكن لا تضعوا اسمي، ليس هناك من داع لشكر وغيره. عنده هذا الزلمة.. مُنتج مُنتج ولأجل ذلك يمكن أنه حينما تحرر، وغادر إلى غزة، مباشرة دخل في عمل عسكري وأبدع يعني بمعنى طوّر كثير مفاهيم بالعمل العسكري لأنّه منتج، هذا زلمة دائمًا عنده المبادرة وكذا.
أحمد البيقاوي: [00:34:25.78]
أنا أربط الذي تقوله مع ما قاله الباحث طارق حمود، الذي وصف السنوار حين خرج من السجن بقوله: منذ خرج من السجن وحياته قائمة عالساعة، مستعجل، يريد أن ينجز، فهو ربطها بما بعد السجن. الآن أنت وبحسب كلامك، غيّرت التعريف أصلًا، وأريد أن أرجع لطارق أقول له: الحديث ليس من ساعة ما خرج من السجن وكأن فاته الكثير، الرجل وهو في السجن أصلًا كان هكذا.. هيك أنت قاعد بتقول لي، إنه دائم الفعاليات ودائم الإنتاج.
شادي الشرفا: [00:35:01.92]
صحيح هذا ما هو معروف عنه، ولهذا السبب، وهذه واحدة من عوامل ثقة حماس به. قيادات حماس كانت تستمع له لأنها تثق به، تعرف أنه ينجز. حتى عندما عملت معه في اللجنة الوطنية أو ما يسمى باللجنة الانتقالية، كنت لأول مرة أرتاح وأثق به وأعرف ما سيفعل. كنا نتفق على ما نريده. في بعض الأحيان كنا نتناقش، وكان يستمع ويغير بعض المواقف. ولكن بشكل عام، تثق بقدرته على اتخاذ القرار وتثق بقدرته على تنفيذ هذا القرار. تشعر أن هذا الرجل يتحمل المسؤولية بشكل عالٍ جدًا. يعطيك إشارات بأنه لا داعي للقلق، الأمور تحت السيطرة. وفعلاً في كل القضايا التي عملنا عليها في السجن، كان فعلاً أهلًا للثقة بشكل كبير جدًا. هذا عزز ثقتنا به. لم يطلب أبدًا شيئًا خاصًا لنفسه، بمعنى أنه في بعض الأسرى بالسجون، قد يستفيدون من بعض الإنجازات لتحقيق مكاسب خاصة. لكنه كان ينجز ولم يطلب شيئًا لنفسه، كان زاهدًا. يعني يمكن أن ألتقي به بعد سنتين ونكون قد نقلنا من سجن لآخر، أجده يرتدي نفس بدلة الرياضة التي اشتراها مرة من الكانتينا، ولم يغيرها. لم يكن يهتم باللبس أو المكانة العالية أو أي شيء من هذا القبيل.
أحمد البيقاوي: [00:37:18.38]
إذا مضطر، أتركها وأضع مكانها موسيقى.. ليس عندي خيار!
شادي الشرفا: [00:37:25.79]
أرد عليه؟خليني أرد عليه.
أحمد البيقاوي: [00:37:30.38]
لأنني سأخسر تركيزك
شادي الشرفا: [00:37:41.09]
عفوًا أنا آسف جدًا جدًا.. نسيت شغلة لها علاقه بالشغل. البضاعة وصلت ونسيت أرتّب كي يتابعها شقيقي..
أحمد البيقاوي: [00:37:47.18]
لا بسيطة. بنفع بس نتاكد عالتلفون. وهلأ لو تعمل الهاتف وضع طيران، لتتجنّب أي شيء.
شادي الشرفا: [00:37:54.09]
لا.. تكلمت معه على الكمبيوتر.
أحمد البيقاوي: [00:38:00.96]
آه أوك.
أحمد البيقاوي: [00:38:04.59]
يُسجّل عندك عالتلفون؟
شادي الشرفا: [00:38:06.36]
نعم يُسجّل. هيك بسجل صح؟
أحمد البيقاوي: [00:38:08.91]
آها، هي الموجات الصوتية. شادي، يتكوّن عندي انطباع إنه لأنه لا أحد يجاري الرجل، وإلى جانب حضوره كشخص مبادر، وأيضًا من مكان ثالث فعليًا واضح أنه يُنجز. ولأنه لا أحد يجاريه ففعليًا ولكونه مبادر فإنه يكون دائمًا في المقدّمة. هل هناك صفات أخرى تجعل منه قيادي بارز؟
شادي الشرفا: [00:38:37.26]
في الحقيقة، هناك العديد من الصفات التي يتميّز بها، مثل دقة المواعيد. فهو دقيق جدًا في مواعيده. عندما نتفق مثلًا على أن اجتماعنا سيكون الساعة الثالثة والنصف في الكانتينا، يكون هناك في الوقت المحدد تمامًا. يعني، إذا كان الموعد في الثالثة والنصف، يدخل غرفة الكانتينا في الثالثة والنصف بالضبط. يحرص تمامًا على أن يكون الموعد دقيقًا. لا أعرف كيف، ولكن في هذه المسألة كان متواضعًا جدًا. لديه قدرة على الاستماع للآخرين. بمعنى، هناك من يستمع لك وهناك من يصغي. هذا الشخص يستمع لكل كلمة تقولها في المقترحات التي تقدمها ويناقشها واحدة واحدة. هذه من الأشياء التي تشعرك بالراحة، أنه يحترمك ويستمع لك. كنت صغيرًا نسبيًا بالنسبة له عندما عملت معه في اللجنة الوطنية، ولكن لم يحدث أبدًا أن قدّمت فكرة ولم يناقشني فيها. بخلاف العديد من الأسرى السابقين، كان يستمع ويقدّم اقتراحاته، ويمكن أن يتراجع عن موقفه للوصول إلى قاسم مشترك معك. هذا الحال معي باعتباري أنتمي إلى فصيل مختلف، ولكن داخل حماس أشعر وكأنه لا يوجد نقاش لقراراته. هناك هيبة لحضوره لدرجة أن قليلين جدًا يمكنهم مناقشته أمام الجميع.
شادي الشرفا: [00:40:24.82]
أحيانًا كنت أتجنّب مناقشته أمام الشباب عندما يعجبني قرار أو موقف، ولكن على انفراد كنت أقول له: "يا أبو إبراهيم، كذا وكذا"، ونتحدث معًا. يمكن أن جزءًا من الاحترام يفرض احترامه عليك، فتتوجه للحديث معه بطريقة مختلفة أو تبني علاقة بطريقة مختلفة. من ضمن الأشياء التي تجعله يتمتع بهذه الشخصية القيادية هي نظافته، نظافة اليد، طهارة اليد. هو ابن مخيم فقير، لا يبحث عن مكاسب شخصية، ولا توجد لديه حسابات بالمسائل المالية. هذه الأشياء ليست موجودة عنده. إضافة إلى ذلك، عقليته الأمنية المعروفة وصلابته السياسية. هذا الشخص صلب جدًا في مواقفه السياسية. قد يسميها البعض اليوم عدمية، لكنني أؤمن بهذه الصلابة السياسية. لا يمكن أن يقدم أي تنازل فيما يتعلق بمسألة فلسطينية. بالطبع، هناك الكثير من الشعب الفلسطيني صلبون سياسيًا، ولكن التعبير عن الصلابة السياسية يختلف من شخص لآخر.
أحمد البيقاوي: [00:41:56.87]
حتى هذه اللحظة، لكي أكون موضوعيًا معك ومع المستمعين والمشاهدين، إلى أي مدى أثرت ظروف السجن في تشكيل شخصيته مقارنة بقيادات أخرى؟
شادي الشرفا: [00:42:23.84]
في السجن يمكن أن ينشئ الثوري ويربي الأجيال الثورية. أعتقد أن السجن كان له دور كبير في طبيعة شخصية هذا الرجل. دخل السجن بعقلية دينية متزمّتة. نحن نعرف بداية تشكيل الحركات الإخوانية في المنطقة وكيف كانت عدائية لكثير من القضايا وكانت جزءًا من هذه المنظومة. لكن لاحقًا، مع السنوات، تغيّر. السنوار الذي التقيته يختلف تمامًا عن السنوار الذي سمعت عنه في التسعينات، خاصة في مسألة التعصب الديني. في أحد اللقاءات التي صارت معي، تحدثت عنه بالصدفة عندما كنت سأظهر على الهواء مباشرة في التلفزيون العربي. وظهر خبر انتخاب السنوار رئيسًا للمكتب السياسي بالصدفة. كنا نتحدث عن قضايا لها علاقة بالشؤون الإسرائيلية. قلت لهم: "أنا أدرك هذا الرجل وأعرفه"، وتحدثت عن القضايا الإيجابية المتعلقة به وكنت صادقًا قدر المستطاع. بعد ذلك، انتشر هذا اللقاء كثيرًا وتلقيت اتصالات من كل أصقاع الأرض من أسرى موجودين في الخارج في أوروبا وأمريكا ودول عربية وغزة والضفة. تقريبًا تلقيت اثني عشر أو أربعة عشر اتصالًا أو رسائل نصية على الواتس آب يعترضون على أنني قلت إنه منفتح. قلت لهم: "أنتم عشتم معه في فترة التسعينات، وأنا عشت معه في فترة الألفين وما بعدها. السنوار الذي أعرفه لم يكن متزمتًا دينيًا. على العكس تمامًا، كنت أراه منفتحًا جدًا. السنوار قرأ كتبًا ماركسية. أعطيته كتابًا لسمير أمين وقرأه وناقشني فيه. هو منفتح على قراءة كتب ماركسية، لكن لا أستطيع أن أقول إنه يتبنى الآراء الماركسية.
شادي الشرفا: [00:44:43.16]
هناك فرق. مثلًا، الشخصية الأكثر ديمقراطية في حماس وهي مدرسة مختلفة كليًا عن مدرسة السنوار هي الشيخ صالح العاروري. الشيخ صالح العاروري أكثر انفتاحًا. هو خسارة كبرى للشعب الفلسطيني لأنه مثقف وواعٍ جدًا. كنت أتبادل الكتب معه، وهو قارئ بشكل كبير جدًا. مقارباته في حل الأزمات داخل السجون نقيضة تمامًا لمقاربات السنوار. في التسعينات، مع التجربة الحديثة لحماس داخل السجون، دخلت حماس في مرحلة من الهوس الأمني بعد اكتشاف أكثر من جاسوس متعاون مع الاحتلال. تم تشكيل لجنة أمنية بقيادة السنوار، وأخطأ في التحقيق مع بعض الأشخاص وتم تعذيب أسرى لم يثبت فعليًا أنهم جواسيس. هذه ليست تجربة حماس وحدها، كل الفصائل مرت بهذه التجربة. فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية كلهم عذبوا أشخاصًا بطريقة خاطئة وقتلوا بالسجون خلال التعذيب. قلت لأبو إبراهيم في نقاشنا عن تجربته: "يا إبراهيم، أنت تحدثت عن شخص تم استخدام أسلوب بشع في تعذيبه. قلت له: "لو تم استخدام هذا الأسلوب معي، كنت سأعترف على جدتي أنها جاسوسة". هذا تعذيب. أخطأوا خلال هذه الفترة. التنظيمات الفلسطينية، خاصة الجبهة، قالوا لحماس: "طولوا بالكم، لا تعيدوا الأخطاء التي ارتكبناها في الثمانينات". لكن حماس أرادت أن تأخذ التجربة لوحدها وتتعلم وتراقب.
شادي الشرفا: [00:47:08.15]
بعد ذلك، وصلوا إلى مرحلة يجب أن تنتهي هذه الظاهرة. صاحب إنهاء هذه الظاهرة كان الشيخ صالح العاروري. عندما جاء، أعطى قرارًا بتبرئة كل من تم التحقيق معه. هذا كان خطوة جريئة تصطدم بحد ما مع السنوار. قال: "أنت الذي حققت معهم يا سنوار". طبعًا ليس فقط السنوار مارس التحقيق، هؤلاء ليسوا عملاء للاحتلال، هؤلاء اعترفوا تحت التعذيب، فبالتالي يتم تبرئتهم جميعًا. الشيخ صالح العاروري يعرف أن بعضهم كانوا متعاونين، لكنه أراد أن يعطيهم فرصة. هذا القرار من الشيخ صالح العاروري كان خطوة جريئة. لمن لا يعرف هذا الشخص، أنا كنت محظوظًا أنني تعرفت عليه. أعطوهم شرطًا: "نعفي عنكم جميعًا ونبرر لكم أنكم كنتم جواسيس، ولكن بشرط أن لا تعتدوا على أي أحد من التعذيب، تعذيبكم بالذات تحديدًا الصغار". لم يجرؤ أي واحد في السجن أن يعتدي على السنوار لأنه حقق معه ظلمًا. هذا هو الفرق بين شخصية وشخصية. لاحقًا، اشتغل هذا في الخارج وهذا في الداخل في غزة. أعتقد أنه صار هناك تكامل بين العقلية الأمنية المتزمتة والصارمة والعقلية الأكثر انفتاحًا. لكن كلهم بنفس الهدف، بمعنى العمليات العسكرية والعملية الكفاحية وكيفية إنجاز العملية الكفاحية. هذه أول مرة أتحدث عن التناقض بين هذين الشخصين. هذا التناقض لأنني أدرك هذين الشخصين تمامًا وعشت معهم. كانت لنا علاقات جيدة جدًا. سمعت من هذا الشخص وسمعت من هذا الشخص. رغم العلاقة التي تبدو تنافسية، إلا أن المحبة بين الشخصين كانت راقية جدًا.
أحمد البيقاوي: [00:49:25.66]
أنا الآن أتعرّف على شخصين فعليًا بحوارك. هل هناك تفاصيل أكثر عن الفوارق بينهما؟
شادي الشرفا: [00:49:34.64]
من ناحية فكرية، رغم أنه قارئ، لكن فلسفيًا وفكريًا لا أستطيع أن أقارنه مع شخصية الشيخ صالح العاروري. الشيخ صالح العاروري مطلع على الكثير من الفلسفات والأفكار من ديكارت إلى أرسطو وسقراط وأفلاطون. كان مهتمًا بالقراءة الفلسفية بشكل واسع أكثر من السنوار. الشيخ صالح العاروري كان لديه قدرة على القراءة السريعة، وهذه ملكة يمتلكها الإنسان. عندما تقرأ كثيرًا، تتعلم كيف تقرأ بشكل سريع بعينيك. كان ينجز الكثير من الكتب. أعتقد أن الفجوة بين الاثنين نتيجة أن السنوار اشتغل في العمل التنظيمي أكثر. العمل التنظيمي يستنزف الطاقة، لأنك تنظم الغرف وتتعامل مع المشاكل بين الأفراد. عندما تعود إلى الزنزانة، لا تجد الظرف المناسب والنفسية للقراءة. تكون مرهقًا وتريد فقط أن تسترخي. العمل التنظيمي استنزف السنوار بشكل أو بآخر، وهذا ما سبب الفجوة الفكرية والفلسفية بين الشخصين إلى حد ما. ولكن هذا لا يمنع أن الاثنين شخصيات نظيفة جدًا.
أحمد البيقاوي: [00:51:13.48]
طيب شادي حين نتكلّم على الملكات التنظيمية أو على الصفات التنظيمية يُشار دائمًا لجهاز مجد- الأمني، إذا أريد أن أستبق الحديث عن جهاز المجد بأمثلة أخرى توضّح لنا أيضًا الملكات التنظيمية بشكل أوضح لأنني أشعر أنّ هناك اختزالًا للملكات التنظيمية تحديدًا بجهاز المجد، أمّ أن فعليًا هذا الجهاز (المجد) هو الجهاز الذي يُحسب للسنوار أنه أسسّه وهو البصمة التنظيمية الأكبر له؟
شادي الشرفا: [00:51:48.24]
لا أستطيع الحديث كثيرًا عن جهاز المجد لأنني لم أعيش ظروف نشأته. لم أتابع ظروف نشأته، ولكن ما أعرفه عن جهاز المجد هو ما قرأته وسمعته وبعض القضايا الصغيرة التي تحدثت فيها مع أبو إبراهيم. هو يعتبر أن هذه التجربة كانت مهمة جدًا على صعيد بناء حركة حماس، وأنه لولا هذه التجربة بنجاحاتها وإخفاقاتها، لما كانت حماس قد وصلت إلى ما هي عليه الآن. وبالمناسبة، السنوار يرفض أن يضع في ذهنه أنه هو الذي أسس المجد، يقول إنه من ضمن الذين شاركوا. هذا جزء من تواضعه. مثلاً، قلت له في اللجنة الوطنية عندما كنت أعمل معه: شكرًا لك، تعلمت الكثير منك في العمل الوطني. قال لي: "اشكرني؟ أنا تعلمت من رفاقكم في الجبهة الشعبية، هم الذين علموني". وسمى لي بعض الأسماء من الثمانينات والتسعينات. قال لي: "أنا تعلمت منهم، وأنت الآن تتعلم مني". بالتالي لا تجد هذا الشخص يحاول أن يجني الثمار. يعني في حديثي بيني وبينه لم يقل لي أنّه هو من أسس جهاز المجد، ورفض الفكرة، باعتبار أنه ليس وحده، وكان معه كثر، وعندنا إخفاقاتنا وأخطاؤنا، وإنجازاتنا يعني. لكن هو يعتبر أن هذه التجربة مهمّة، وساهمت في أن تكون حماس هي ما عليه الآن.
أحمد البيقاوي: [00:53:22.74]
هل هناك تجارب ثانية تعتقد -غير تجربة المجد- سواء سمعت عنها أو عشتها، توضّح لنا قدرته على التنظيم؟
شادي الشرفا: [00:53:31.03]
التجربة التي عشتها بتفاصيلها هي تشكيل الهيئة الموحدة لحماس داخل السجون. كانت كل التنظيمات تتعرض لأقسام مختلفة وسجون مختلفة، وصعوبة التواصل بين السجون. كل سجن كان لديه هيئة تقود العمل التنظيمي: هيئة لحماس، هيئة للجهاد، هيئة للشعبية، هيئة لفتح، وأحيانًا في سجن واحد تجد التنظيم لديه عدة هيئات ولا يوجد تنسيق بينهم. هذا الوضع لم يعجب السنوار، فعمل على توحيد حماس في قيادة واحدة مشتركة تقود كل السجون. قدم الفكرة وجزء كبير من قيادات حماس في السجون لم يعجبهم، وقالوا إنها مستحيلة التنفيذ. ولكن السنوار قال: "لدينا هواتف، لدينا رسائل، لدينا محامين، ووسائل أخرى للتواصل بين السجون. دعونا نجرب". بعض قيادات حماس في السجون دفعوا بهذا الاتجاه وتواصلوا مع الحركة في الخارج، وهذه ميزة حماس في الخارج أنّها تحتضن أسراها بخلاف مثلًا يعني فتح التي لا تحتضن أسراها، يعني بمعنى في "حيتان" بالخارج حين الأسير يغادر السجن لا تلاقي المؤسسّة الاجتماعية أو فتح أنّها تحتضنه وتضعه في المكان المناسب، يعني إذا بدهم يكرموه يجعلونه مرافقًا لفلان وعلّان!
شادي الشرفا: [00:55:22.07]
للأسف، حال الشباب في فتح كان مختلفًا. كانت هناك قيادات في السجن يعملون كمرافقين لشخصيات فاسدة، وهذا كان محزنًا. حماس احتضنت أسرها بشكل كبير وجعلتهم في المقدمة. عمل السنوار على بناء جسم لحركة حماس، بدلاً من أن تكون هناك مجالس شورى موزعة هنا وهناك، شكل مجلس شورى موحد وهيئة تقود حركة حماس في السجون. تم انتخاب الهيئة الأولى التي قادها عبد الناصر عيسى. في المرة الثانية، تم انتخاب السنوار باعتباره المسؤول.
أحمد البيقاوي: [00:56:38.09]
عبد الناصر عيسى بتحكي؟
شادي الشرفا: [00:56:40.34]
عبد الناصر عيسى كان أول من انتخب كقائد الهيئة، وفي المرة الثانية تم انتخاب السنوار. أحدث السنوار تغييرًا جذريًا، لم يكن لدينا هيئة فقط، بل هيئة تشارك في صنع القرار السياسي والعسكري لحماس. أصبح رئيس الهيئة في السجون عضوًا في المكتب السياسي لحماس، مما يعني أن حماس داخل السجون تشارك في صنع القرار السياسي والعسكري. هذه واحدة من الإنجازات المهمة التي أثرت على حركة حماس، وكانت السنوار تحديدًا يؤثر في صفقة وفاء الأحرار.
أحمد البيقاوي: [00:58:08.04]
كشّف كشّف أنت بتعرف مش ملحق عليك. أنا مش ملحق عليك مش ملحّق هوامش، عارف كيف يعني اللي هو احنا ماشيين بمسار. سجّل هوامش على جنب.
أحمد البيقاوي: [00:58:19.82]
تحدث الكثيرون عن تعلم السنوار للغة العبرية وتمكنه من المجتمع الإسرائيلي. كيف أثرت هذه المعرفة على قراراته؟
شادي الشرفا: [00:59:06.20]
فكرة تعلم اللغة العبرية كانت موضع خلاف داخل السجون. عندما بدأت الجامعات العبرية بالسجون، كان هناك اتجاه يقول إنه يجب أن نتعلم العبرية وندخل الجامعات العبرية، ولكن كان هناك خوف من أن ذلك قد يؤدي إلى غسيل دماغ للأسرى. كانت هناك شخصيات معروفة تحلف على القرآن أنها ستعلم اللغة العبرية بشرط ألا يدخل الأسرى الجامعات العبرية. مديرة مصلحة السجون قالت إن هدفها من إدخال التعليم إلى السجون هو تحريف آراء الأسرى، ولكن ثبت العكس.
أحمد البيقاوي: [01:00:04.85]
شادي، هذا الأسير الذي تتكلم عنه، منذ متى وهو معتقل؟ متى سُجن؟
شادي الشرفا: [01:00:12.08]
لا، بحكي اسمه، يعني لأنه بالنسبة لي أطهر بني آدم التقيت فيه بحياتي.
أحمد البيقاوي: [01:00:19.54]
طب احكي لنا عنه، يعني أريد أن أعرف أيضًا إلى أي تجربة زمنية في الأسر ينتمي؟ لأن من الواضح أنّ كل أسير عنده تجربة.
شادي الشرفا: [01:00:28.18]
أكثر من 4 عقود (في السّجن) وهو "أبو النور" نائل البرغوثي، أعظم وأطهر شخصيّة التقيت بها في حياتي. هو متديّن، ولكن كنت أقول له: أنت شيوعيّ بالفطرة، شيوعي بالفطرة، بمعنى اشتراكي قريب من الناس متواضع. لم أر شخصية متواضعة بهذا الشكل! هذا نائل أبو النور كان عنده موقف: أنا أدرِّسُك لغة عبرية، لكن بشرط أن تحلف يمينًا على القرآن أن لاتدخل الجامعة العبرية، عنده موقف أنّ الجامعة العبرية ممكن أن تحرف وجهة نظرك الأيدلوجي وإلى آخره، لكن أثبتت التجربة العكس.
أحمد البيقاوي: [01:01:11.23]
سامعني؟
أحمد البيقاوي: [01:01:12.23]
آه سامعك الآن، لكن لو تفعّل وضع الطيران في كل مكان، شادي أرجوك.
شادي الشرفا: [01:01:15.26]
حطيت وضع الطيران حين بعثت الرسالة، لكن مش واصلة. فيقول لي أين الرسالة؟
أحمد البيقاوي: [01:01:21.65]
الآن الرسالة واصلة؟
شادي الشرفا: [01:01:23.72]
الآن وصلت الرسالة؟
أحمد البيقاوي: [01:01:25.01]
حطينا وضع طيران عالتلفون؟
شادي الشرفا: [01:01:27.11]
ووضع طيران مئة في المئة.
أحمد البيقاوي: [01:01:28.58]
اللابتوب في الزاوية، في زاوية شاشة اللابتوب بطلعلك تلفونات ممكن تسكر كل الثغرات؟! لو سمحت
شادي الشرفا: [01:01:33.86]
كيف اطلع؟ اسمع هاي انت بدك تدخلني بالتكنولوجيا.
أحمد البيقاوي: [01:01:39.65]
خلص خلص خلص خلص خليه بتحمّل. لكن حين يتّصل أحد، قم بإلغاء المكالمة.
شادي الشرفا: [01:01:45.17]
طيّب.
أحمد البيقاوي: [01:01:47.33]
اتفضل كمّل.. اتفضل كنت بتحكيلي على تجربه نائل..
شادي الشرفا: [01:01:54.17]
آه، كنا نتحدث عن اللغة العبرية. المهم أن السنوار تعلم اللغة العبرية وأتقنها. واحدة من القضايا المرتبطة بتعلم العبرية هي أنك تصبح مهووسًا داخل السجن بسماع الأخبار العبرية. كنا مهووسين بسماع الأخبار العبرية، نبدأ صباحًا بإذاعة الجيش وإذاعة "كان" وصولًا إلى النشرة المسائية في كل المحطات. كلما زادت معرفتك باللغة العبرية وزادت متابعتك لإعلامهم وإصداراته، تزداد تحصينًا لذاتك الأيديولوجية والفكرية والأخلاقية. بمعنى أنك ترى مدى كراهيتهم وحقدهم وخشيتهم لهذا المجتمع، وتدرك مدى عجزهم عن الوصول إلى تسوية سياسية مع هؤلاء الناس إذا فهمتهم بعمق اللغة العبرية، كان لها دور أساسي في فهمهم. أعتقد أنا وأبو إبراهيم حكينا في هذا، زئيف شيف، أحد المحللين العسكريين المهمين، قال إن الغالبية العظمى من أسرارنا العسكرية يمكن معرفتها من خلال إعلامنا. متابعة الإعلام تجعلك تعرف الكثير من الأسرار العسكرية، لأنه توجد تسريبات وإيحاءات. وقت اغتيال أحمد ياسين، كنا معًا. في أحد اللقاءات على القناة الثانية، جلبوا بن إليعازر، الذي كان سابقًا رئيس هيئة الأركان ووزير الجيش الإسرائيلي في الفترة التي أقر فيها وصادق على اغتيال أبو علي مصطفى، والتي كانت نتيجتها اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي. المذيعة ليفي سألته: "بعد اغتيال هذه الشخصية، حماس سوف ترد وممكن أن ترد مثل الجبهة الشعبية وتختار وزيرًا. هل أخذت احتياطاتك؟" فقال: "لا". فقالت له: "لكن هناك حراسة، أليس كذلك؟".
شادي الشرفا: [01:04:22.73]
هذا وزير دفاع سابق وارتكب جرائم وهو من حزب العمل. قال لها: "لا، أنا أقود السيارة لوحدي وأذهب إلى السوبر ماركت وحدي". ذكر اسم السوبر ماركت. هذه معلومة تافهة ولكنها تدل على مدى كشف الإعلام العبري للكثير من الحقائق. هذا لا يعني أن هناك إعلام عبري موجه أحيانًا في رسائل خاصة في فترة الحرب. من يدرك أو يتابع ويبحث في الشؤون الإسرائيلية يستطيع أن يميز بين الخبر الموجه والخبر الدقيق والمعلومة الصحيحة. السنوار امتلك اللغة العبرية وأصبح من المتابعين بشكل كبير. كنا نركض ونستمع إلى نشرات الأخبار. كان هناك من يحمل الووكمان ويستمع إلى الراديو أثناء الركض. هذا جزء من الهوس. كنا نسمع الأخبار بشكل كبير جدًا ونتابعها. أعتقد أن هذه من بعض المسائل التي جعلت السنوار يتخذ قرارات استراتيجية فيما يتعلق بغزة. كان يدرك تمامًا أن المخابرات الإسرائيلية تتابع كل خطاباته وتفندها الشاباك من جهة ومراكز الأبحاث من جهة أخرى. كان يعطي إيحاءات واضحة لما ينوي فعله. كان يريد أن تحل مسألة حصار غزة وقضية التبادل بطريقة لا تؤدي إلى حرب. لكن فشلت الأجهزة الأمنية ومراكز الأبحاث في قراءة خطابات السنوار كما يجب.
أحمد البيقاوي: [01:06:33.70]
لكن أنت تحدّث على قضية اللغة العبرية والتمكّن ومتابعة الأخبار والتي فعليًا تكشف جانبًا من منطق تفكير المستويات السياسية والعسكرية، صحيح. لكن هناك شيء آخر يتعلّق بالمجتمع الإسرائيلي. هل وصل السنوار لمكان جعله متمكّنًا من فهم المجتمع الإسرائيلي؟ أم بقيت المتابعة على مستوى متابعة خبرية متابعة سياسية ومتابعة عسكرية؟
شادي الشرفا: [01:07:00.85]
أعتقد أننا جميعًا فشلنا. كل الباحثين في الشأن الإسرائيلي فشلوا في قراءة المجتمع الإسرائيلي بدقة. حتى لو كنت تمتلك المعرفة اللغوية وتتابع مراكز الأبحاث والدراسات والإعلام وحتى الروايات. تقرأ المجتمع من خلال البنيان الفوقي، ما نسميه الروايات والأدب والشعر. كلها كنا نتابعها. اعتقدنا أننا نفهم هذا المجتمع بشكل دقيق جدًا، وخاصة تعمقت رؤيتنا عندما درسنا الهولوكوست. دراسة المحرقة كانت عاملًا مهمًا جدًا في فهم المجتمع الإسرائيلي. لكن كل الدراسات وكل الباحثين أخفقوا. كنا نعتقد أن الجبهة الداخلية غير قادرة على مواجهة عسكرية طويلة الأمد. كل الدراسات والأبحاث التي كتبت على مدار العقود الماضية مبنية على أساس أن الجبهة الداخلية ضعيفة. لكن في هذه الحرب تبين لنا العكس. الجبهة الداخلية صامدة والغالبية العظمى تطالب باستمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، واستمرار الحرب على لبنان، وجزء كبير جدًا يطالب بمواجهة عسكرية مفتوحة لتدمير المنشآت النووية في إيران. هذا مفاجئ لأن المجتمع الإسرائيلي لم يشعر بكلفة الحرب بعد. لم نتوقع ذلك، ولا أعتقد أن السنوار توقع أن يكون هناك تماسك للجبهة الداخلية. بالطبع هذا التماسك سيكون مؤقتًا. أعتقد أن العام القادم سيكون هناك متغيرات. لا يستطيع المجتمع الإسرائيلي أن يتماسك إلى هذا الحد، ولكن تماسك أكثر من قدرتنا على فهم هذا المجتمع. أعتقد أن السنوار لم يرَ ذلك، ولا أنا رأيت ذلك، ولا أحد يدعي أنه كان يرى ذلك. كل الدراسات تقول إن حربًا طويلة الأمد لا تستطيع إسرائيل أن تخوضها. ولم يتبقَ أيضًا أن يكون هناك حجم تخاذل عالمي بهذا الشكل.
شادي الشرفا: [01:09:05.75]
من كان يُصدّق أن تجري إبادة جماعية بهذا الشكل وتوثق يوميًا والعالم صامت؟ لهذا السبب أقول إن السنوار يمكن أعاد ضبط الأمور كما نعيد ضبط الهاتف. بمعنى كل ما تربينا عليه من مفاهيم حقوق إنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، والديمقراطية، والإنسانية. أشبعونا بهذا الحديث وغرقونا فيه، ودائمًا كانوا يشعروننا وكأننا متخلفون. ساعة يقولون لنا تمكين المرأة، وساعة تمكين الطفل، وفي النهاية جاءوا بقضية المثلية وحقوق المثليين. ولكن تبين أن كل ذلك كان كذبة كبرى بفضل ما جرى في السابع من أكتوبر. لقد أعاد ضبط المجتمعات لتنظر إلى هذه القيم والمبادئ العالمية بطريقة مختلفة. ما جرى لا يتعلق بالشعب الفلسطيني فقط، بل هو هزة لكل ما يرتبط بالقيم العالمية والإنسانية، وهذا بفعل مبادرة السنوار. لا أعتقد أنه كان يتوقع أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة، ولكن ما قام به أدى إلى الوصول إلى هذه المرحلة. العالم الذي سيكون خلال العقد القادم سيختلف تمامًا عن العالم الذي عرفناه قبل عقد.
أحمد البيقاوي: [01:10:29.61]
شادي، ولكن حدث السابع من أكتوبر حدث كبير، هل يمكن فعلاً أن نحكم على فهمكم للمجتمع الإسرائيلي من خلاله؟ بمعنى، حتى فهمنا المجتمع الفلسطيني يمكن أن يكون قد سقط، لأن هناك مشهد كبير وانفجار كبير. ليس المجتمع الإسرائيلي فقط، بل العالم كله، ونحن أيضًا. لنتعرف على شخصياتنا بعد الإبادة اليوم. يعني، على مستوى المجتمعات وغيرها، إذا رجعنا إلى ما قبل حدث أكتوبر على افتراض أو ادعاء أنه حدث كبير، من الصعب أن نحكم إذا كنا ناجحين أو فاشلين في قراءة المجتمع الإسرائيلي. عد معي للوراء قليلاً، على المستوى الثقافي والاجتماعي، إلى أي مدى كانت المتابعات عندكم وعند أبو إبراهيم، وما كان مستوى فهمكم وتمكنكم من المجتمع الإسرائيلي على المستوى الثقافي والاجتماعي؟
شادي الشرفا: [01:11:26.41]
أعتقد أنه كلما تعمّقت في قراءة العبرية، كلما فهمت المجتمع الإسرائيلي أكثر. ولكن، الحدث الكبير المتعلق بفهمك للجبهة الداخلية مهم جدًا لأن الإعلام لعب دورًا كبيرًا. قراءتنا كانت مهمة جدًا لفهم المجتمع الإسرائيلي، ولذلك تجد التناقض والفجوة بيننا وبين القيادات الحالية التي تقود كل التنظيمات والمشروع الوطني الفلسطيني. لا نختلف معها كثيرًا لأنها غير قارئة ولا تعرف ماذا يجري ولا تدرك حقيقة وطبيعة العدو.
شادي الشرفا: [01:12:02.61]
الجهة الوحيدة التي كانت تفهم المجتمع الإسرائيلي جيدًا وتؤثر في قراراته هي حزب الله. حزب الله لديه ماكينة إعلامية ولديه مطبخ سياسي. بمعنى أن الرجل كان يلعب شطرنج، رغم الإخفاقات الاستخباراتية التي حصلت. في المقابل، القيادات الفلسطينية تلعب زهر، تتنبأ بالأحداث ولا تعتمد على قراءات دقيقة. فيما يتعلق بفهم المجتمع الإسرائيلي، أعتقد أن سماحة السيد (حسن نصر الله) استطاع أن يفهم المجتمع الإسرائيلي جيدًا ويرسل رسائل واضحة تؤثر في المجتمع الإسرائيلي. أما القيادات التي تستأثر بالحكم الآن في الضفة الغربية، فهي لا تفهم المجتمع الإسرائيلي. إذا تابعت خطابات السنوار منذ عام 2017 حتى اللحظات الأخيرة، تجد شخصية فاهمة جدًا للمجتمع الإسرائيلي وتحاول أن تبعث رسائل بالغة الأهمية للمجتمع الإسرائيلي. النتائج قد تكون مختلفة عما نريده، ولكن من المبكر جدًا أن نحكم على النتائج لأن المعركة مستمرة والحرب لم تنته بعد. ولكن أهمية دراسة اللغة العبرية وفهم المجتمع الإسرائيلي هي واحدة من أقوى الأسلحة التي لدينا. هذه مسألة مهمة جدًا. أنا أحسّ من أسئلتك وكأنّك تختلف معي؟ لا أعرف، أنا حاولت أن أوضّح..
أحمد البيقاوي: [01:13:43.42]
أنا لست مختلفًا معك، ليس لدي موقف. أردت أن أقول لك شيئًا: خروجه من السجن كان إعادة ضبط للكوكب، ليس فقط من السابع من أكتوبر، بل كان إعادة ضبط حتى لحماس. لأول مرة، كانت هناك نقاشات داخل حماس في غزة وحماس في الخارج وحماس في الضفة الغربية، وحتى من خارج حماس، تتعلق بتحقيقات فساد واستخبارات وأمن. لماذا تعملون بهذه الطريقة؟ هذه النقاشات لم تكن بالضرورة دقيقة، ولكن هذا ما كان يدور في الأروقة بين المتابعين والشباب داخل حماس وخارجها. كان هناك تسارع للأحداث والأسئلة التي كان يطرحها السنوار. بالنسبة لي، حتى عندما أسألك، هناك شيء لا أستطيع أن أفهمه كمستمع أكثر من كوني محاور. لذلك، لا أعتقد أنني مختلف معك. أحاول فقط أن أملأ فراغات في المعرفة.
شادي الشرفا: [01:15:03.78]
صحيح، ما قلته عن غزة صحيح. كان له بصمة كبيرة من الناحية الأمنية وكشف العديد من شبكات الجواسيس بعد أن استلم الرئاسة في غزة، وتحديدًا بعد 2017. كان هناك تحولات كبيرة وأسماء مهمة جدًا، وجزء منها كان معنا في السجن. تبين أنهم جواسيس وتم إعدامهم خلال حروب إسرائيل على غزة. في بعض الأوقات، كان يتم رؤية أسير محرر مقتول في الشارع خلال العدوان.
شادي الشرفا: [01:15:45.66]
كنّا في السجون نسأل: ما الذي يحدث؟ تأتي رسائل من حماس الداخلية تقول إن هذا الشخص تبين أنه جاسوس وتم إعدامه خلال الحرب. كان يستغل فرصة الحرب للتخلص من مجموعة من الجواسيس، جزء منهم كانوا أسرى. في فترة من الفترات كنت مع السنوار في سجن السبع بالعزل الجماعي. ممثل السجن من حماس كان شابًا صغيرًا يتقن اللغة العبرية، تبين لاحقًا أنه جاسوس. عندما أفرج عنه في قطاع غزة، استلم نائب المنطقة الشمالية في القطاع، وكان متهمًا بقتل مسؤول المنطقة الشمالية ليحل محله. دخل في التنفيذية، ثم في القسام، وصار أحد أعضاء القسام. قرأت تقريره في السجن وأرسلوه إلى السجون وظل يترقى حتى وصل إلى نائب المنطقة الشمالية. لاحقًا، قتل الشمالي ليحل مكانه، ولكن تم كشفه في فترة السنوار.
أحمد البيقاوي: [01:16:49.76]
مين كان مسؤول المنطقة الشمالية الذي قُتل؟!
شادي الشرفا: [01:16:52.88]
لا اذكر الاسم لكن هذه حادثه قديمًة جدًا يعني أنت بتحكي على 2014 أعتقد في 2015 مش متذكر. صعب أتذكر لكن ممكن أن أبحث عن الاسم.
أحمد البيقاوي: [01:17:11.99]
بمشهد آخر، أو بمستوى آخر. شادي أيضًا نقاش المفاوضات داخل السجن. أو دعني أقول في البداية عندما أسمع قصصًا عن كيفية تفاوض الأسرى داخل السجن للحصول على حقوقهم أو كيفية إدارة معاركهم، هناك شيء لافت جدًا، أكثر مما نراه في الصور النمطية المحدودة جدًا التي تظهر في الإعلام. يعني، يجب أن أقول لك أنني سجلت قبل يومين حلقة مع ياسر مناع، وكان لديه تجربة مختلفة في الشأن الإسرائيلي. عندما كنت أتحدث معه عن السجن، اكتشفت مثلاً أن هناك تجربة هناك. عادةً، نحن في الإعلام نقول إن الأسرى يتعلمون لغة عدوهم للتمكّن منه. حسنًا، ولكن عندما تنظر إلى الأمر، لا، هو ليس مشغولًا بكيفية قضاء يومياته بالعبرية لأنه لا يتحدث العبرية داخل السجن كثيرًا. يعني، إذا لم يتمكن من (إتقان) العبرية، أموره تسير أو يسلكها. ولكن هناك قرار فعليًا عند بعض الناس الذين يريدون تعلم اللغة العبرية وروح اللغة من مكان آخر. وأيضًا فكرة الندية أو دفع الثمن أو المواجهة التي تخوضها مع السجان ومع الاحتلال تجعلك تأخذ دور الاستعراضي المزايد الذي يمكن أن يأخذه شخص خارجي، سواء على مستوى التحليل أو مستوى المواجهة أو أي شكل آخر. يعني، على مستوى المفاوضات، إذا أردت أن أتحدث عن العلاقة مع السجان، سواء على مستوى المفاوضات أو إدارة السجون، كيف تصف لهم شخصية السنوار خلال فترة وجوده داخل السجون؟
شادي الشرفا: [01:18:48.56]
قبل مفاوضاته، باعتبار أنه اشتغل في اللجنة الوطنية وكانت الإدارة تفاوض عنه، حول موضوع اللغة، ليس كل من يتعلم اللغة العبرية كان يتعلمها في السجن من أجل أن يفهم عدوه وينتصر عليه. هناك من كان يتعلم اللغة العبرية نتيجة شعور بالنقص وفكرة الفوقية والتفوق اليهودي الاستعماري. بالتالي، يتقرب من هذا التفوق من خلال تعلم لغته. تحدث عن هذا فرانز فانون بمعنى الضحية التي تحاكي الجلاد وتتقمص شخصيته وتحاول أن تتقرب منه. في كثير من الحالات، يتعلم اللغة العبرية ليشعر بأنه جزء من هذه المنظومة وهذا الشعور بالنقص. تحدث عنها كثيرًا في كتابه "وجوه سوداء وأقنعة بيضاء". فيما يتعلق بإدارة المفاوضات، السنوار لم يعمل كممثل عن قسم أو سجن على الأقل في العشرين عامًا التي أعرفه فيها. كان يعمل إما أمير حماس في قسم أو في السجن أو في اللجان الوطنية والاعتقادية، فبالتالي يشارك في المفاوضات. أحيانًا تتعثر الأمور، فتلجأ الإدارة إلى هذا الشخص باعتباره الشخص المؤثر. تمامًا كما نفعل في الفصائل عندما نتعثر مع قيادات حماس، نذهب إلى إبراهيم ونقول له: "تعال، كذا وكذا". دائمًا يقدم إبراهيم التنازل أمام الفصائل. لا يناقش ولا يحاور. يقول: "ماذا تريدون؟ نريد عامل مغسلة، نريد عامل كذا". الخلافات داخل السجن مضحكة. يقول: "خذوا عاملًا بدلًا من عامل آخر". دائمًا كان يقدم للفصيل الأصغر ويتنازل عن الأشياء التافهة التي يمكن أن يتشبث بها أحدهم ويعتبرها مهمة. فيما يتعلق بالمفاوضات مع الإدارة، كان صلبًا جدًا، ولكن لغته كانت تساعده على إيصال الأفكار بشكل جيد. مرة دخلوا للتفتيش بصراخ، فصرخ عليهم وقال لهم: "عندما تصيح، أسمعك، وعندما تتحدث بهدوء، أفهمك". قالها بالعبرية بصوت عالٍ. صوته جهوري وعالٍ جدًا.
شادي الشرفا: [01:21:38.45]
في إحدى مرّات التفتيش، كان في غرفة 25، الغرفة فيها 6 أشخاص. تم تشكيل وحدة في السجون، اسمها وحدة المتسادا، وهي أحقر وحدة ممكن أن تمر عليك، عنيفة جدًا. مستوى العنف فيها عالٍ جدًا، وهي أول من دخل بالأسلحة الفلفل والرصاص المطاطي على السجون. دخلوا للتفتيش وكانوا لا يزالون يقومون بذلك. دخلوا على غرفة، أنا كنت في الغرفة المقابلة قليلاً، هو على يميني. دخلوا بالبنادق وصار الكل يركع على الأرض، يركع على الأرض، تنزل وتضع يديك على رأسك. قال له: "اركع أو أطلق النار". كان على بعد متر ونصف من السنوار. السنوار أمسك البارودة ووضعها في عينه وقال له: "أطلق النار في عيني". ضابط الأمن جن جنونه وصار يصيح: "لا تطلق النار". لأنه يعرف مكانة السنوار في السجون. في تلك الأيام، كان لدينا قوة نستطيع أن ننتقم وندفعهم ثمنًا لو ضربوا السنوار.
شادي الشرفا: [01:23:31.63]
في المفاوضات، كنت أراه كثيرًا. تحديدًا في هذا السجن، لأننا كنا قريبين جدًا من بعض. الإدارة كانت تفاوض وكان يجادل وأحيانًا يقدم تنازلات من أجل تحقيق شيء معين. يعني مرات نكبر حجرا ونكبر حجرا. مثلاً، نريد زيادة فورية. نطالب الإدارة بست ساعات فورية، ونقبل بساعتين. هو عمليًا وضع هدفًا أننا نريد الساعتين. كان لديه قدرة كبيرة على المفاوضات.
شادي الشرفا: [01:24:10.94]
في مفاوضات صفقة شاليط أو صفقة وفاء الأحرار، العرض الأول الذي كان ممكن أن توافق عليه قيادة حماس لم يعجب أبو إبراهيم، لذلك تم عزله. كان يتصل ويهدد ويتصل بالهاتف. كنا نسمع صراخه على الهاتف ويقاتل لكي لا يتم قبول هذه الصفقة. تفاجأت بعد ذلك بمناداة من الشبابيك: "شادي، لديك رسالة". قالوا لي: "اذهب أنت واستلمها". كنت في آخر غرفة، غرفة 15. استلمت الرسالة، قال لي: الرسالة "من زلمتك". عرفت أنه يقصد أبو إبراهيم. فتحت الرسالة ووجدت العرض الذي كان من الممكن أن يتم المصادقة عليه لصفقة التبادل. قرأت العرض، وقال لي من سلّمني الرسالة: زلمتك يقول لك "اشتغل".
شادي الشرفا: [01:25:29.53]
يعني حرّض، فهمت عليّ؟ أنا لم أفهم بالضبط لما قرأت العرض فهمت إنّه حرّض..
أحمد البيقاوي: [01:25:36.43]
ماذا يعني بـ "حرّض"؟
شادي الشرفا: [01:25:36.61]
إنّه لا يريد الصفقة بهذا الشكل. إنّه انشر (تسريبات) كي حماس تخاف ولا تُوقّع على صفقه بهذا الشكل!
أحمد البيقاوي: [01:25:45.49]
عم بضغط على حماس من خلالكم؟
شادي الشرفا: [01:25:46.93]
عندما قرأت، بدأت بالضغط من خلال الإعلام. بدأت الحديث في الإعلام. عندما قرأت التوزيعات والأسماء، لم تكن هناك أسماء، فقط الأرقام بالتفاصيل. قلت: "هذه صفقة لا يمكن أن تكون صفقة وطنية مباشرة". نشرت مباشرة في محامين واطلعت، لم يكن هناك محامٍ طلع معه، وتسربت. إذا تذكرون التسريبات التي حدثت في 2010، كلها تسريبات كان وراءها أبو إبراهيم. كان يريد أن يوقف الصفقة التي كانت ممكن أن تجري بالأسماء لأنه حاول مع قيادات حماس ولم ينجح. أعتقد أن المسألة كانت لها علاقة بانفتاح أمريكي مع حماس. حتى الآن لم نتأكد ما السبب الذي كان ممكن أن يدفع قيادات حماس للموافقة على الصفقة. بعد ذلك، تحول السنوار إلى مفاوض أساسي في المفاوضات في صفقة التبادل. مسؤول ملف المفاوضات الإسرائيلي جاء إلى السجن وتفاوض مع السنوار بشكل مباشر حول الأسماء والتفاصيل. جاؤوا به وجلس معه وتفاوض معه بشكل مباشر. ما فحوى المفاوضات؟ لا أعرف. لم ألتقِ به في تلك الفترة.
شادي الشرفا: [01:27:10.08]
آخر مرة التقيت به كانت في 2010، أعتقد في بداياتها. عندما ذهب إلى المستشفى، كان لديه زيارة في المستشفى والتقيت به في البوسطة. كنت مستاءً من قيادات في السجون أو من يدعون أنهم قيادات وهم جواسيس يعملون مع الإدارة بشكل مباشر. يدخلون معلومات. قلت له: "أرى هذا السلوك وأندم أنه بقي لدينا هكذا". قال لي: "عيب عليك، كيف تتحدث هكذا؟". لا يجوز أن أسمع هذا الكلام منك. وحتى اللحظة الأخيرة التي التقيته بها، كان مميزًا في مواقفه -خرجت عن نطاق المفاوضات، وعن السؤال الذي سألته لي- تذكرته الآن وأنا معك. هذه كانت آخر مرة التقيت به، بالمناسبة، آخر مرة تحدثت معه كانت قبل الإفراج عني ببضعة أيام.
أحمد البيقاوي: [01:28:13.96]
معلش، ثانية. بدي أسألك عن قضية المفاوضات. هناك انطباع أنه كان يستمد قوته من خارج السجن. أنت تقول لي إن قوته كانت في التفاوض. يعني تغير لي طريقة التفكير أو فهمي لتلك المرحلة. هو صنعها من داخل السجن، انتزعها. كان هناك صفقة شغالة. البعض كان يشير إلى أنه كان لديه تأثير لأن شاليط كان محبوسًا أو مخزنًا عند محمد السنوار أو فلان الفلاني بهذه الأسماء أو ضمن مساحات سيطرته. لن يسلموه إلا إذا كان السنوار داخل المعادلة. أنت تقول لي مسار مختلف، تفاصيل أخرى يجب أن أعرفها لأفهم هذه المرحلة؟
شادي الشرفا: [01:29:00.48]
هذه علاقة جدلية. يجب أن ننظر إلى حماس باعتبارها تنظيمًا حيًا وحيويًا. حماس فيها الكثير من التناقضات، والتناقضات إيجابية بالمناسبة. الاختلاف في وجهات النظر مسألة إيجابية. هناك خلافات وتناقضات في الآراء فيما يتعلق بالصفقة. تدخل السنوار، خاصة أن محمد له علاقة بقضية الأسير، أعطى السنوار أفضلية في مسألة المفاوضات. عندما بدأت الأمور، صار هناك معارضة على الصفقة التي كان من الممكن التوافق عليها. أيامها كانت صفقة كان رئيس الحكومة أولمرت ووزير الدفاع باراك. باراك قال يومها مرتين إن الصفقة لن ترضى عنه لأنه وافق على الصفقة بهذا الشكل وقدم العرض لحماس. حماس كان من الممكن أن تقبله. صار هناك خلافات داخل حماس، لكن هذا لا يعني أن عنصر القوة كان بيد أحد. عنصر القوة كان بيد السنوار. تدخل السنوار غير طبيعة هذه الصفقة. الصفقة التي جرت، عندما أنظر إليها بشكل عام، لم تكن كما كنت أريدها أن تكون. كان من الممكن أن تكون هناك صفقة أفضل. الرجل حاول وعمل قدر المستطاع. هناك الكثير من قيادات حماس في السجون لم يتم الإفراج عنهم في الصفقة. البعض يقول إن السنوار تخلى عنهم، والبعض يقول لا، لم يتخل عنا. هذا القدر عليه. هناك جهات تقول: "لماذا أنا أذهب وفلان يذهب وأنا لا أذهب؟". الصفقة تتحدث عن جندي واحد. السنوار لا يستطيع أن يفرغ السجون بهذه المسألة. هناك قوى في حماس بالخارج كانت تذهب في هذا الاتجاه، وهناك قوى في حماس بالخارج تتوافق مع اتجاه السنوار. السنوار كان يلعب دور في التأثير على هذه القوى الأخرى في خارج حماس. لهذا السبب هذا دفع -وهذا بتقديري، هذا يعني تحليلي- دفع مسؤول ملف المفاوضات عند "إسرائيل" بالتوجّه إلى السنوار من أجل مفاوضته حول الصّفقة والتوصل معه إلى مجموعه من التفاهمات.
أحمد البيقاوي: [01:31:34.31]
وتقول لي أنت أنّه تحوّل إلى الشخص المفاوض الرئيس يعني هو القرار عنده في قضيّة الصّفقة (صفقة وفاء الأحرار)؟
شادي الشرفا: [01:31:39.50]
لا لا لا. تم التفاوض معه لكن لم يتحول إلى الرجل الرئيسي. الرجل الرئيسي كان معروفًا؛ أحمد الجعبري. هذا الشخص الرئيسي هو الذي كان مسؤولًا عن المفاوضات، وهو تربطه علاقة قوية جدًا بالسنوار.
أحمد البيقاوي: [01:31:58.22]
هل يمكنك أن تشرح لي أكثر لكي أفهم المسار من أول الحوار حتى الآن أو المسار داخل السجون؟ دائمًا كان الحديث عن تجربته داخل السجن، صفقة وفاء الأحرار أو صفقة شاليط، يوضح لنا أن الرجل كان يستمد قوته أيضًا من الخارج، يعني على مستوى تنظيمي داخل حركة حماس وعلى مستوى فصائلي. كيف؟ أنت تقول إنه يمكنه الاستعانة بعلاقاته الوطنية للضغط وهو داخل السجون كقيادي، ولكن هذه اللحظة التي هي لحظة خروجه من السجن. الآن أرى أن الرجل كان لديه خطوة جاهزة في الخارج، يعني كان يستمد قوته من الخارج وكان مؤسسًا، أم هي فقط العلاقة مع محمد السنوار؟
شادي الشرفا: [01:32:42.27]
لا، انظر، شعبية السنوار في غزة معروفة جدًا. السنوار في السجون اسم لامع، يعني أكثر اسمين لامعين في السجون كانا الشيخ صالح العاروري والسنوار، يعني الاثنين أسماء لامعة ومعروفة ولها مكانتها.
أحمد البيقاوي: [01:32:58.56]
عن مكانة تنظيميّة مش اجتماعي، شادي، صح؟
شادي الشرفا: [01:33:01.92]
مكانة اجتماعية وتنظيميّة ومكانة على مستوى الفصائل.
أحمد البيقاوي: [01:33:04.50]
أنا أتكلم على الجانب التنظيمي، لأن الجانب التنظيمي..
شادي الشرفا: [01:33:06.87]
على الجانب التنظيمي، معروف لأنه في أسرى من غزة يدخلون ويخرجون ويرون مكانة السنوار. نتحدث عن السنوار. بالإضافة إلى ذلك، الحق المفاصلة كانت عندما ترأس هيئة حماس في السجون وأصبح عضو مكتب سياسي في حماس تلقائيًا، فبالتالي أصبح يشارك في صنع القرار السياسي والعسكري والاقتصادي. وأي شيء يتعلق بحماس في غزة صار له دور، وفي الخارج صار له دور ويناقش. لا تنسَ كان لدينا وسائل اتصال، يعني هواتف نقالة، وكان لدينا وسائل كثيرة للاتصال مع الخارج، عدا عن الهاتف، عدة وسائل آمنة يمكن أن نوصل بها رسائلنا ونستقبل رسائل بطريقة أو بأخرى دون أن تقع في أيدي أجهزة المخابرات الإسرائيلية. فبالتالي كان له دور وتأثير كبير جدًا. يعني هو عمل في المؤسسة التنظيمية قبل أن يخرج، وكان جزءًا من هذه المؤسسة التنظيمية قبل أن يخرج، والمؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية قبل أن يخرج. وبالتالي، أن ينخرط سريعًا ليس التعبير الدقيق، بل كان منخرطًا بالفعل. عندما كان عضو هيئة، بسرعة دخل في التفاصيل. كان يرى القضايا العسكرية ويرى الأنفاق ويسمع من فلان ونسمع الإبداع، ثم يقدم إبداعاته باعتباره رجلًا منتجًا وصاحب أفكار. هذا الرجل لديه أفكار لا أعرف من أين يأتي بها. لديه أفكار، يعني عندما عملت معه في العمل الوطني، قلت لك كان يأتي بأفكار تقلق كل إدارة مصلحة السجون. كنا نقول: "ما شاء الله، ما هذه الأفكار خارج الصندوق؟". نحن أمام رجل يفكر خارج الصندوق.
أحمد البيقاوي: [01:34:44.28]
بجانب تفكيره خارج الصندوق، الرجل خرج فعليًا يريد الانفتاح على الفصائل كلها. الآن في المسار، صار واضحًا فعليًا أن حتى مساره باتجاه دحلان لم يكن متعاطفًا معه بالحدة التي كانت موجودة قبل خروج السنوار من السجن. إذا كنت توضح لي أكثر لكي أفهم فعليًا هذه التحركات الموجودة. لا أريد توضيحًا أكثر. علاقته مع دحلان أو محاولة الانفتاح على دحلان رغم أنها عكس إرادة حماس الداخلية، وهذا كان مفاجئًا للفلسطينيين عمومًا ولحماس. هذا واحد. اثنين، الانفتاح مع أبو مازن في مرحلة ما، ثم في مسيرات العودة. الرجل عندما كان يمشي في الشارع ويتحدث عن الوحدة الوطنية ويهتف لأبو عمار ويهتف لياسر عرفات، صار هناك نقاش بين الباحثين أنه يأخذ دورًا أكثر من الوحدة الوطنية ولهذا دور شعاراتي. هناك باحث، الدكتور هاني عواد، كتب عن العرفاتية أكثر، ذكر العرفاتية أكثر في مقال مكتوب في موقع إضاءات، وذكر كيف أن السنوار يصبح عرفات الجديد أو يسير في مسار ياسر عرفات، هذه الشخصية الشعبوية المنفتحة. إذا كنت تستطيع أن تكشف لي أكثر. الآن أنت تراه من الداخل، وأعتقد عندما كنت تراه من الخارج، قادر على فهم ما يفعله. مستوى معلوماته على مستوى تحريري ساعدني في فهم هذه الجزئية.
شادي الشرفا: [01:36:21.35]
لا، إطلاقًا. لا يمكن تشبيه أبو إبراهيم بـ "أبو عمار". شخصية براغماتية حتى النخاع أبو عمار، براغماتي حتى النخاع، والسنوار شخصية أيديولوجية حتى النخاع. هذه المقارنة بين الشخصيتين لا تصلح بتاتًا. السنوار، أقول لك واحدة من القضايا التي حدثت معنا في السجون عندما تم انتخابه مسؤولًا لحماس في قطاع غزة. أيامها كنت أشهر تنظيمين مع أفراد التنظيم في غزة، طلبوا منا في السجون أن نعطيهم تقييمًا عن هذه الشخصية. لا يعرفونها، طلبوا تقييمًا. أذكر أن أحمد سعدات أبو غسان (أمين عام الجبهة الشعبية) طلب أيضًا أن يقدم تقييمًا، وطلب مني أن أقدم تقييمًا باعتباري قريبًا منه وعشت معه سنوات. الجميع يعرف أنني أتمتع بعلاقة جيدة جدًا معه. قدمت التقييم لاحقًا. التقييم كان مبنيًا على أساس أنكم الآن أمام مرحلة جديدة. عهد الخلافات بينكم وبين حماس بعد الحسم العسكري في قطاع غزة انتهى، وأنا متأكد أنكم ستكونون سعداء جدًا. هذا الرجل يؤمن بتبادل السلطة والحوار، وستكونون سعداء معه جدًا. في تفاصيل معينة لها علاقة ببعض القضايا. المهم، بعد أشهر قليلة، تحدثت بالهاتف مع إحدى الشخصيات في غزة، وقال لي: "كل ما قلته كان دقيقًا. نحن اليوم لأول مرة نشعر أن هناك تعاونًا وتنسيقًا عالي المستوى بيننا وبين حماس. كان يستشير الفصائل حتى الصغيرة في أتفه القضايا ويستمع لهم". يعني، أحدث نقلة نوعية في العلاقات مع الفصائل في قطاع غزة. هل الآن من ضمن الانتقالات أو الانتقال الذي قام به أيضًا فتح علاقات مع دحلان، ولكن بمعنى إيجاد تسوية ما مع دحلان، ولكن بعد ماذا؟
شادي الشرفا: [01:36:21.50]
السنوار بعد أن استلم دفع باتجاه.. أنا أذكر الرسالة الداخلية التي أرسلت إلى السجون، رساله داخلية من حماس تقول: أننا لا نريد أن نحكم قطاع غزه. وليس عندنا مشكلة بإجراء انتخابات وأن تدير حكومة قطاع غزة. هذه عبئ علينا. جزء من الرسائل التحريضيّة إنه عبء علينا اقتصادي واجتماعي أمام الحصار وكذا ونحن نريد فك الحصار، لكننا مصرون على العمل الكفاحي في قطاع غزة.
شادي الشرفا: [01:38:59.55]
وبدأ السنوار في مشواره من أجل المصالحة الوطنية الفلسطينية، ولكن اصطدم هذا المشوار مع موقف من أبو مازن الذي يقول الجملة المشهورة: "فوق الأرض وتحت الأرض". فصار أبو مازن يقول: "تريدون مصالحة، ليس فقط فوق الأرض بمعنى الحكومة والمجالس والبلديات، نحن نريد رأس العمل المسلح. لا نريد أنفاقًا، لا نريد مقاومة". هذه المسألة أخفقت كل الجهود أمام المصالحة التي حاول أن يتبناها السنوار.
شادي الشرفا: [01:39:34.23]
لاحقًا تم اللجوء إلى مسيرات العودة، بالمناسبة، دعني أحدثك عن مسيرات العودة. مسيرات العودة لم تكن فكرة حمساوية ولا مبادرة. أنا أعرف الشخص الذي قدم الفكرة، وكانت الفكرة على كل حدود فلسطين: الضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن. وقدمت الفكرة إلى السجون قبل أن تعرض على الفصائل، وقدمنا ملاحظاتنا واقترحنا استخدام النضال السلمي. حتى الآن، أذكر من ضمن المقترحات أن هذا نضال سلمي رائع، قد يعيد اعتبار القضية الفلسطينية في تلك الفترات. كان هناك تناسٍ للقضية الفلسطينية وكأنها غير موجودة، فقدمنا فكرة استخدام تعبير "جيتو غزة" وأنه أمام المظاهرات وضعوا شعار "العمل يحرركم" تمامًا مثل الشعار الذي كان على معسكر أوشفيتز النازي "العمل يحرركم". قدمنا مقترحات أخرى كذلك.
شادي الشرفا: [01:40:36.34]
بعد ذلك، قدمت هذه المقترحات أو صيغة فكرة مسيرات العودة من تنظيم يساري إلى حماس. السنوار أعجب بالفكرة كثيرًا لأنه يريد تخليص شعبه من الحصار. الحصار أصبح مكلفًا ومتعبًا حتى على مستوى شعبية حماس في الشارع الغزاوي. وبعدها قدمت للفصائل وتم تبنيها بإجماع الفصائل. بعد فشل في قضية المصالحة، لجأ إلى مسيرات العودة لإنهاء الحصار. كانت نيته الأساسية إنهاء الحصار على سكان قطاع غزة، ثم عندما فشل بدأ عمليات التهديد. وصارت أحد المواجهات وقضية صفقة التبادل. إذا تلاحظ، في بيان الضيف الأول، البيان يحدد لماذا قامت حرب أكتوبر: أولًا، الحصار على قطاع غزة. ثانيًا، اعتداء المستوطنين على الحرم القدسي. ثالثًا، اعتداء المستوطنين المتكرر بالضفة الغربية. رابعًا، الأسرى. هذه هي القضايا المحورية التي قدمت كسبب للسابع من أكتوبر. هدفه الأساسي كان التخلص من الحصار الظالم الذي فرض على قطاع غزة والذي يدفع بقطاع واسع من شعبنا نحو الاستياء أو الهرب. وكنا نسمع عن حالات الهرب إلى أوروبا والغرق في البحر.
أحمد البيقاوي: [01:42:14.91]
شادي، عمل الأسرى المحررين، خاصة مع صفقة شاليط. كان هناك نقاش كثير على مستوى مجتمع فتح داخل التنظيمات وخارجها. الأسرى عندما يخرجون، قد يكون لديهم نقاشات داخلية وخارجية. عندما خرجت أعداد كبيرة من الأسرى ودخلت الهيئات التنظيمية، تغيرت المسارات. انفتح نقاش يشبه عملية التحرير التي تحدثنا عنها في البداية، عملية تحرير الأسرى خلال أو بعد المعركة. في أدبيات تدعي أن الأسرى المحررين عندما يخرجون يجب أن يجلسوا جانبًا. وهناك من يقول إنه يجب أن يكتسبوا مهارات ويعطى لهم الحق في دخول الهيئات التنظيمية. وهناك ادعاء ثالث يقول إن البعض قد يكون قادرًا على أداء دور ما وليس الجميع. هذا الحوار يحتدم داخل كل التنظيمات والهيئات.
شادي الشرفا: [01:43:38.23]
يعني أتأمل أن تكون قراءتي في هذا الموضوع دقيقة. أوّلًا، لا يجب أن يفرض أحد وصاية على خيارات الأسير المحرر. لا يجب أن يدعي أحد أن الأسير المحرر بحاجة إلى تأهيل. لماذا يجب أن يؤهل الأسير المجتمع؟ نستخدم تعبير "تأهيل الأسرى" وكأن الأسير يعاني من اضطرابات نفسية ويحتاج إلى التأهيل. هذا المصطلح يستفزني. لماذا يجب أن أتخذ خياراتي؟ إذا أردت أن أشارك في العمل النضالي، فهذا خياري. إذا أردت أن أجلس وألا أشارك، فهذا أيضًا خياري. لا يجب أن يقرر أحد لي أين يجب أن أكون. سؤال التأهيل له علاقة بالحاضنة الشعبية وكيف يمكن أن تستقبل الأسير. الأسير قد يحتاج إلى مساعدة اقتصادية أو مادية. ولكن الإنسان الحر ليس إنسانًا خاملًا. لا يستطيع الإنسان المحرر أن يعطي دون من يقود حماس. حماس استطاعت أن تحتوي الأسرى المحررين بخلاف التنظيمات الأخرى التي لم تستطع أو لا تريد احتواء هؤلاء الأشخاص.
شادي الشرفا: [01:45:20.62]
بالمناسبة، سأحدثك عن حادثة حدثني بها الشهيد ميسرة أبو حمدية. سمعت بميسرة أبو حمدية؟ هو عقيد في الأمن الوقائي، وقد اعتقل وحكم عليه بالمؤبد في السجن. هو شخصية لطيفة جدًا، وقد أخبرني أنه كان مسؤولًا في الأمن الوقائي عن الأسرى المحررين الذين يريدون التدرب في مصر. طلبت منهم الأجهزة الأمنية المصرية تقديم قوائم بأسماء الأسرى الذين سيذهبون للتدريب. فقدموا الأسماء واستدعاه أحد ضباط المخابرات المصرية. قال له الضابط: "هذه القائمة تضم أسرى صحيح؟ نحن لا نستطيع إدخال هؤلاء الأشخاص لأنهم تحت المراقبة اليومية في السجون، لدينا بروفايل كامل عنهم، نعرف ما يحبون وما يكرهون. المخابرات المصرية نصحت بعدم وضع هؤلاء الأشخاص في الأجهزة الأمنية، لكن تم رفض هذا الاقتراح بسبب قرار سياسي لاحتواء هذه الشخصيات. بالمناسبة، مع قدوم السلطة، تم احتواء الشخصيات التي كانت تشكل مفاصل نضالية مهمة في الانتفاضة الأولى، وجزء منهم مارس التعذيب ضد أبناء شعبه في الاعتقالات السياسية.
شادي الشرفا: [01:47:05.40]
هذا موضوع آخر، لكن أصر ميسرة على أن يتم احتواء هؤلاء الأسرى. فاقترح عليهم تسمية الأجهزة الأمنية الحساسة. يعني وضعهم في الأمن الوطني وليس في القضايا الحساسة والاستخباراتية. هذا الأمر له علاقة أيضًا بالسؤال حول الأسرى واندماجهم في المجتمع وفي العمل التنظيمي. عندما يكون لديك تنظيم لديه مؤسسات يستطيع احتضان هؤلاء الأسرى، فإن الحياة تكون أسهل عليهم. لكن التنظيمات التي لديها مؤسسات أو أطر جماهيرية وديمقراطية محتكرة من فئات اجتماعية معينة، لا مكان لتوظيف هؤلاء الأسرى. الأعداد الهائلة من الأسرى الفلسطينيين تجعل من الصعب على التنظيمات الصغيرة احتواء جميع الشخصيات. لكن حماس استطاعت احتواء الأسرى المحررين، وأصبحوا قيادات في الخارج. هذا دليل على المزاج الشعبي، بمعنى أن الأسير يمثل حالة مقاومة، وعندما يخضع للانتخابات ويفوز، فهذا استفتاء شعبي على خيار المقاومة.
أحمد البيقاوي: [01:49:01.71]
طيب شادي لماذ...؟
أحمد البيقاوي: [01:49:02.58]
لا، لقد أعطيتني إجابة، لكن لماذا يحدث زلزال كلما دخل أسرى محررون الهيئات التنظيمية؟ هذا ليس محصورًا بحماس فقط. حتى الشعبية وفتح لديها أساليب إدارة مختلفة. النقاشات حول أهلية الأسرى وجاهزيتهم دائماً مفتوحة. أخبرني، هل الأسير المحرر نسيك من ناحية المجتمع؟
شادي الشرفا: [01:49:52.42]
هذا سؤال يحتاج إلى إجابة بحثية. أعتقد أن الإجابة على هذه المسألة تحتاج إلى دراسة جميع العوامل النفسية والاجتماعية. بعض الأسرى عندما تحرروا ودخلوا في الهيئات التنظيمية، لم يعجبهم الوضع التنظيمي الموجود. هم جاءوا من حالة تنظيمية داخل السجون تتميز بالنشاط والانتاج اليومي المنضبط والقيم والأخلاق. لكنهم وجدوا القيادات التنظيمية متكلسة ولا تريد الانتاج والعمل. هذا يؤدي إلى صدام بين الجيل القديم والجديد. نحن صدمنا مع الجيل القديم عندما جئنا إلى السجون كجيل جديد. الجيل القديم رفض التغيير ونحن أردنا قلب الوضع وإعادة بناء الحالة التنظيمية. استطعنا فرض ما نريد لأننا كنا أعداد كبيرة. في الخارج أيضًا هناك نفس الإشكالية. هناك أشخاص يحاولون التغيير وآخرون متكلسون لا يريدون أي تغيير. الآن، هناك عملية إبادة جماعية في قطاع غزة وتهجير وتطهير عرقي في الضفة الغربية، وهناك كارثة على مستوى الكينونة الوطنية الفلسطينية. متى كانت آخر دعوة لأي تنظيم لمظاهرة في ميدان رام الله؟ التنظيمات الفلسطينية الآن متكلسة ولا تعمل، من يسارها إلى يمينها. أنا أعتقد أننا على المستوى الفلسطيني بحاجة إلى إعادة بناء كل ما يتعلق بالأسس التنظيمية في الساحة الفلسطينية.
أحمد البيقاوي: [01:52:24.66]
يمكن 2012، أو شيء قريب..
شادي الشرفا: [01:52:26.79]
لا يوجد. لا يوجد، التنظيمات الفلسطينية الآن متكلسة ولا تعمل، كلها من يسارها إلى يمينها. هناك من يقاتل في غزة وهناك من هو جالس في الضفة. التنظيمات الفلسطينية في الضفة دخلت في حالة من التكلس والخمول الذي سوف يدخلها في حالة من الشرذمة. أعتقد أننا على المستوى الفلسطيني اقتربنا لفكرة إعادة بناء كل ما يتعلق بالأصول التنظيمية والأسس التنظيمية في الساحة الفلسطينية، لأن التنظيمات الفلسطينية فشلت بناءً على المعطيات في الضفة الغربية في إحداث أي نقلة نوعية أو على الأقل في أداء مسؤولياتها وواجباتها تجاه ما يجري لشعبنا في قطاع غزة. تقديم القيادات الفلسطينية التي نعرفها اليوم، تراها في ندوات نخبوية، يحضرون ندوات هنا وهناك، يتناقشون ويتحدثون في قضايا فلسفية، ويقوم أحدهم بمداخلة قد تستغرق الساعة، وفي النهاية تعرف ما النتيجة وما الذي يريده بالضبط، ثم يسحب نفسه ويرحل. نحن تحولنا إلى نخب نحاور بعضنا البعض بعيدين جدًا عن الجماهير، وهناك فجوة كبيرة بين التنظيمات والجماهير الفلسطينية.
أحمد البيقاوي: [01:53:40.46]
طيب شادي هل يمكن القول إن هناك اندفاعًا من الأسرى المحررين بعد تحررهم، للدخول في الهيئات التنظيمية أو داخل أي هيئات لا يستوعبه الناس خارج السجن؟ هل هناك شيء مثل هذا؟
شادي الشرفا: [01:53:52.52]
آه ممكن نسبيًا. هناك أشخاص يريدون الانخراط في العمل التنظيمي وأشخاص اكتسبوا المعرفة والتجربة التي تؤهلهم كي يكونوا قياديين في التنظيم. هناك من حاول وكان له مبادرات خاصة في غزة لأن الوضع الأمني في غزة كان متاحًا. الأسرى المحررون ينخرطون في العمل التنظيمي بسهولة في غزة والخارج. للأسف، في الضفة الغربية، يُعتقلون بسرعة. هناك شخصيات كانت لها دور قيادي في السجون واستطاعت أن تحدث الفرق في العمل القيادي عندما تم الإفراج عنها في قطاع غزة. لكن هناك شخصيات دخلت في حالة من اليأس وانسحبت لأنها وجدت أن التنظيم بمؤسساته وقياداته لا يعبر عن طموحاتها. هذا هو حالنا في فلسطين، حالة معقدة وصعبة.
أحمد البيقاوي: [01:55:58.49]
بتعرف ونحن نتحدث مرة أخرى في جزئية ثانية، كانت هناك نقاشات ما بعد صفقة شاليط، التي لم تأخذ حقها مطلقًا. نحن لا نعرف الأسرى ولا نعرف ما سنفعله. كانت غالبية النقاشات تدور حول الوضع الراهن لأن الأسرى كانوا مغيبين طوال الوقت عن التنظيم. الآن، في حوارنا عن السنوار، نحن نتحدث عن رجل حاضر وموجود ومنخرط على مستوى تنظيمي بشكل يتجاوز أي نقاشات. هناك أمر آخر كنا نحاول تحليله نفسيًا، وهو مفاجأة الأسير بانخراط التنظيمات في السلطة أو الامتيازات أو الاستثمارات. كانوا يقولون: "لماذا لم يحرروا فلسطين؟ لماذا لم يفعلوا شيئًا؟"، حتى أن هناك بعض الادعاءات بأن الرجل كان مستغربًا من المستوى الأمني واستخباراتي.
أحمد البيقاوي: [01:57:05.79]
بماذا تعتقد أن السنوار تفاجأ بعد خروجه من السجن؟ على مستوى داخلي في حماس وعلى مستوى المجتمع ككل؟
شادي الشرفا: [01:57:15.96]
هذا سؤال افتراضي.
أحمد البيقاوي: [01:57:19.08]
لا، هذا خارج السياق، لكن ضمن فكرة أن البعض كان يتوقع أن يقول الرجل: "لماذا لم تحرروا فلسطين؟". بعض الادعاءات تحدثت عن برنامج مكافحة الفساد داخل حماس، والبعض الآخر عن مستوى الأمن. أعتقد أنك قادر على تقديم روايتك الافتراضية مرة أخرى.
شادي الشرفا: [01:57:59.35]
يعني أنا بقول لك إنه هذا جواب افتراضي، أريد أن أضع نفسي مكانه. هل حين خرجت من السجن تفاجأت أم لا؟
أحمد البيقاوي: [01:58:08.14]
لكن إذا بتحكي معلومة نوّه إلى أنّها معلومة، كي لا يضل شكل الإجابة الافتراضية.
شادي الشرفا: [01:58:15.01]
طيب، كمعلومة، أقول لك إننا في السجون لم نكن معزولين عن الخارج مطلقًا، ليس كما هو الحال اليوم بعد السابع من أكتوبر، حيث يوجد عزل شبه تام بين واقع الأسير والخارج. كنا في السجون على تواصل دائم، وكان لدينا تليفزيون وقنوات فضائية نتابع البرامج والأخبار. ثانيًا، كانت لدينا زيارات من المحامين والأهل بشكل منتظم. ثالثًا، كان لدينا هواتف نقالة، وفي بعض الأحيان كنت تشعر بالملل وتقول "دوري على التلفون"، فتجد نفسك تتحدث مع عشرين شخصًا في نفس الوقت. رابعًا، كنا نتواصل تنظيميًا مع التنظيمات ونقدم وثائق وتقارير. خامسًا، كان لدينا كتب ونشرات ومجلات تصلنا باستمرار، نشرت فلسطينية ومجلات فلسطينية، فكنا على معرفة بالواقع الفلسطيني. سادسًا، كانت تصلنا جرائد عبرية تحتوي على تفاصيل كثيرة. سابعًا، كان لدينا جرائد من فلسطين المحتلة عام 1948 مثل "فصل المقال" و"كل العرب". وكان لدينا أيضًا جريدة القدس. كل هذه العوامل جعلتنا نكون على قرب من المجتمع وكأننا لم ننعزل عنه.
شادي الشرفا: [01:58:15.01]
عندما خرجت من السجن، قال لي البعض إنني انسجمت مع المجتمع بسرعة وكأنني لم أكن في السجن. أقول لهم إنني لم أكن مفصولًا عن الخارج، كنت على تواصل تام مع الواقع خارج السجن. كنا نتواصل مع الخارج، نتابع الإعلام والجرائد، وكان لدينا تصور عن الواقع في الخارج. هناك اختلافات، بالطبع. مثلًا، عندما تسألني ما الذي فاجأني بالواقع الخارجي، أقول لك البنايات الشاهقة، الكثافة السكانية الكبيرة، وأزمة السيارات. عندما تخرج لمشوار كان يستغرق عشر دقائق، اليوم قد يستغرق ساعة ونصف. الكتل الإسمنتية، خاصة في رام الله والقدس، تحولت إلى كتلة إسمنتية. القدس أصبحت لا تشبهنا، بنايات وبنايات وكثافة سكانية غريبة جدًا. أما فيما يتعلق بالمعاملة الاجتماعية، الناس لم تتغير. في زمن أجدادنا، الناس لم تتغير. الذي يتغير هو وعينا. عندما نكون صغارًا، ننظر إلى الأمور بسذاجة ونتعامل مع الناس كأنهم كلهم طيبون، لكن عندما نكبر يختلف وعينا ونحكم على الناس بشكل مختلف. هذا نقيض النوستالجيا، الحنين للماضي. في الماضي، كان هناك الحرامي والفاسد، لكن وعينا كان ساذجًا لدرجة أننا لم ندركهم. عندما نكبر، يصبح لدينا القدرة على إدراك الحرامي والفاسد بشكل أسرع. الحرامي والفاسد موجودون اليوم وموجودون قبل عشر سنوات ومئة عام. لم يتغير هذا الحال، لكن وعينا يختلف. كذلك الأمر عندما تخرج من السجن، يكون وعيك قد زاد، وإمكانياتك المعرفية قد زادت نسبيًا. أنا لا أقول إن كل الأسرى راكموا تجربة ومعارف ثقافية، فهناك أسرى قضوا وقتهم في النوم، لكن عندما خرج السنوار، بتقديري، وجد ما كان يتوقعه.
أحمد البيقاوي: [02:01:58.74]
حسنًا، اسمح لي أن أقوم بنقطة نظام. أنا أحكي عن تجربتك، وأنت تحكي عن تجربة السنوار. أعتقد أن بلادنا تتغير والمجتمع يتغير بشكل كبير لأن المجتمع الفلسطيني يتعرض لعوامل خارجية وداخلية تؤثر فيه. عندما يشتغل الإسرائيليون على المدخل الاقتصادي لتغيير المجتمع الفلسطيني، تحدث تأثيرات كبيرة. المجتمع اليوم مختلف تمامًا عن ما كان عليه قبل عشر سنوات. الفكرة أن المجتمع الفلسطيني في 1948 مختلف عن 1948.
شادي الشرفا: [02:04:22.92]
تمام.
أحمد البيقاوي: [02:04:24.21]
ما عجبك؟!
شادي الشرفا: [02:04:25.80]
نعم، ما تقوله صحيح. المجتمع ينتقل من شكل إلى آخر، وهذا ينعكس على علاقة الأفراد ببعضهم البعض. هناك سياسات استعمارية تقوم على هندسة المجتمع وخلق وعي مناقض للوعي التحرري الفلسطيني. هناك محاولات حثيثة لتقسيم الشعب الفلسطيني وتجريده من مقوماته الوطنية. المحاولات لاحتواء الشعب الفلسطيني وتجريده من مقوماته الوطنية ليست جديدة. سابقًا، كان هناك محاولات لاحتواء الشعب الفلسطيني وعمل المستحيل لتجريده من قيمه وأخلاقه. في السبعينات وبداية الثمانينات، كان الإسرائيليون يتم استضافتهم في القرى والمدن الفلسطينية. لكن أتت الانتفاضة الأولى وخلقت حالة قيمية وأخلاقية وثورية جديدة. المجتمع الفلسطيني اليوم يمر بمرحلة تراجع في القيم، ولكنني أراهن دائمًا على الشعب الفلسطيني الذي سينتفض ويعيد الاعتبار لقيمه الثورية.
أحمد البيقاوي: [02:07:22.21]
هي دائمًا موجودة. لكن إذا أردت أن أهرب من البنايات التي حاصرتني فيها، يجب أن أتحدث عن تعريف الهوية الفلسطينية. دائمًا من البداية إلى اليوم هناك سؤال واضح: من هو الفلسطيني؟ ومتى بدأنا نعرف أنفسنا كفلسطينيين؟ وهكذا وصلنا إلى الوضع الحالي حيث تظهر هويات محلية ضمن سياسات استعمارية موجودة. لا أستطيع اليوم أن أتجاوز فكرة أن هناك شيئًا على مستوى حصار غزة أثر على الهويات الفلسطينية المحلية كلها أو أبرز هويات على مستوى الإبادة. اليوم هناك متغيرات سنعيشها في المستقبل، وهذه هي نوعية العوامل أو التغيرات. لا أعتقد أنني متأكد بالطبع وأعرف أنها تنعكس عندكم خاصة مع الأسرى الجدد الذين يدخلون. لأنني أعرف أو تابعت قضية الانقسام أو الحسم في الخارج وكيف أثر داخل السجون. لكن مع ذلك لا أعتقد أنها تنعكس بالكامل كما هي منعكسة، وأعتقد أنك ستتفاجأ بها. اعتقادي قد يكون غير صحيح.
شادي الشرفا: [02:08:22.13]
هل اعتقادك سليم؟ اعتقادك سليم يعني في بعض القضايا. فعلاً، دعني أخبرك شيئاً عن الهوية، وأنت تتحدث عن الهوية. تذكرت جملة كان يرددها كثيراً الشهيد، وليد دقة، أبو ميلاد. كنا نقول له أبو النمر، وقد عشت معه بنفس الغرفة سنوات طويلة، في أكثر من سجن: رامون، هداريم، جلبوع، أينما شئت. كان يقول عن الهوية: الهوية مثل السيارة التي تحتاج إلى بنزين، تمشي السيارة بدون بنزين، الهوية تمامًا مثل السيارة، تحتاج دائماً إلى تعبئتها بالبنزين. بمعنى، تعزيز مكانة الهوية الفلسطينية يتطلب تعبئة وتحشيد مستمر، يجب أن تظل تغذيها بشكل دائم. لماذا؟ لأن المجتمع الآخر المستعمر لديه تحشيد إعلامي يومي في المدارس والجامعات، ويُسمع الإعلام في كل مكان، هناك تحشيد وتعبئة مستمرة للهوية، حتى لو كانت هوية افتراضية غير واقعية في فكرة الشارع. وبالتالي، كفلسطيني، إذا لم تعبئ وتُحشّد هويتك، ستفقد رونقها وتذوب تدريجياً. وهنا تكمن مشكلة الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في التحشيد لمفهوم الهوية. الهوية ليست مسألة موجودة ضمنياً، الشخص لا يشعر تلقائيًا بأنه فلسطيني لمجرد ولادته. يجب أن تظل تُحشّده وتُعبئه، وتوعيه، وتكرس فكرة الهوية الوطنية الفلسطينية، وتتحدث له عن اللجوء، وتوعيه تاريخياً وفكرياً، وتحصنه من اختراق مفاهيمه القيمية والأخلاقية، وتمنعه من التنازل ونسيان فكرة انتمائه لقضية تعتبر الأعدل في العالم. لذلك، الهوية تحتاج إلى تعبئة، وتحتاج إلى بنزين، كما يقول وليد دقة.
أحمد البيقاوي: [02:10:37.85]
طيب سيارة السنوار بماذا تفاجأت حين خرجت من السجن؟
شادي الشرفا: [02:10:43.88]
بقول لك هذا سؤال افتراضي صعب، يعني صعب جدًا أن أجيب عليه. أنت سألت سؤال...
أحمد البيقاوي: [02:10:50.24]
طيب إذا أريد أن أوسّع السؤال وأحكي على الأسرى المحررين الذين طلعوا على غزة سواء من غزة أو من خارجها، هكذا أرحتك أكثر.
شادي الشرفا: [02:11:00.53]
نعم، هذا ممكن لأن آراء الأسرى متناقضة. هناك أسرى من غزة انسجموا بسرعة كبيرة معها. الأسرى الذين أبعدوا بصفقة وفاء الأحرار إلى غزة، مثلاً، لم تعجبهم الحياة الاجتماعية والتفاصيل في القدس. غزة هي مجتمع يميل إلى أن يكون محافظاً وتقليدياً أكثر، وهذا فاجأ قطاعاً واسعاً من الأسرى الذين أبعدوا عن الضفة أو القدس إلى غزة. أخذهم وقتاً للانسجام مع المجتمع المحافظ. لكن هذه المسائل طبيعية وليست السؤال الجوهري. السؤال الجوهري هو كيف نفهم الأسرى وانسجامهم مع المجتمع؟ السؤال الأهم هو كيف استطاع هذا الأسير أن يقدم إسهاماً للمجتمع؟ بمعنى، هل راكم تجربة ومعرفة، بغض النظر عن تفاوتها من أسير إلى آخر؟ السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف استطعت أن تساهم في بناء هذا المجتمع؟ هل راكمت تجربة؟ وهل حققت شيئاً على المستوى الذاتي أو على مستوى الجماعة؟ بتصور هذا يمكن.
أحمد البيقاوي: [02:12:14.29]
حبيت أنا موضوع أنّك تدير الأسئلة الجوهرية في الحوار، وهذا السؤال اللي جاي بس هههه لا لا أبدًا بمزح...
شادي الشرفا: [02:12:22.48]
أنت سألتني سؤالًا صعبًا.
أحمد البيقاوي: [02:12:24.73]
أنا أعلم أنه صعب، لكن جزء من حكمي أو قراءتي للمنجزات بعد الأثر يحتاج إلى رؤية الأرضية التي رأيتها. ليس فقط مجرد المهارات أو الخبرات التي اكتسبتها واشتغلت على تطويرها داخل السجن. بل أيضاً أن تكون واقعاً على واقع مختلف يحتاج إلى تشغيل الأدوات. هذا ليس بالضرورة مرحب أو داعم أو أرضية خصبة لأفكارك الكثيرة. أعتقد أن هذا سيساعدني على فهم جزء من التحديات التي واجهها السنوار بعد خروجه من السجن، حتى تجيبني على أهم المنجزات التي تحققت حتى لحظة السابع من أكتوبر. هذا ما أحاول فعله، إذا كان بالإمكان مساعدتي في قراءتي.
شادي الشرفا: [02:13:13.25]
أنا أعتقد أن السنوار كان محظوظاً أكثر من باقي الأسرى، باعتبار أنه كان قريباً من الهيئات القيادية التي كانت تحكم قطاع غزة، وجزء منها كان موجوداً في الخارج. قيادات حماس التي قادت حماس على مدى العقود الماضية تقريباً كلها خريجة السجون، وعاش معها سنوات. من ضمنهم إسماعيل هنية، الشهيد إسماعيل هنية، وأبو الشهداء أبو الرنتيسي. كلهم كانوا مع بعض في مرج الزهور أثناء الإبعاد، وعاشوا مع بعض في السجون، ويعرفون بعضهم البعض. اعتقد أن الجعبري أيضاً من خان يونس، وأعتقد أنه صديق طفولة السنوار. فبالتالي، كان محظوظاً عندما خرج، أن القيادات الموجودة في حماس تعرفه جيداً، وجزء منهم تدرب على يده في السجون وتعلموا منه، وكان مسؤولاً عنهم داخل السجون. مثلاً، إسماعيل هنية كان مسؤولاً عنه داخل السجن، ولكن هذا الشاب كبر واصبح لديه قدرات تفوق الآخرين. العلاقات مع الجناح العسكري، على اعتبار أن محمد السنوار كان مفصلاً أساسياً فيه، بالإضافة إلى الضيف. الضيف من خان يونس وله علاقة قديمة مع السنوار منذ الطفولة، وهذا ساهم في انخراطه سريعاً في العمل العسكري والسياسي.
شادي الشرفا: [02:15:00.76]
هو يعرفهم تمامًا، لذا استطاع بسرعة أن ينخرط في العمل السياسي مع هذه الجهات رغم أنه شخصية ليست سياسية بالضرورة، وليس دبلوماسياً. يتحدث بشكل صريح وواضح، ويقول ما في قلبه. هذه الصفات الشخصية ساهمت بشكل كبير في انخراطه واندماجه مع الحالة التنظيمية والعسكرية والسياسية الموجودة في غزة. هذه تقديرات لا أعلم مدى دقتها.
أحمد البيقاوي: [02:15:55.87]
حسنًا، أهم المنجزات السنوار حتى لحظة 7 أكتوبر. من لحظة خروجه من السجن وحتى لحظة 7 أكتوبر. على مستوى داخل حماس أو على مستوى التنظيمات الفلسطينية، أو على مستوى فعليًا يعني نقاشات فلسطينيّة عامّة.
شادي الشرفا: [02:16:13.68]
أريد أن أكشف لك أنني أعرف شخصًا يكتب كتابًا في هذا الموضوع، وهو عاش مع السنوار وكان موجودًا في قطاع غزة والآن موجود في الخارج. يفكر في كتابة الكتاب بعنوان "السنوار: نقطة التحول". ما أريد أن أتحدث عنه هو ماذا أنجز السنوار في غزة بعد الإفراج عنه؟ وما الذي أنجزه؟ لقد عمل مع السنوار، وبالتالي لديه دراية بكل التفاصيل التي لا أعرفها، سواء كانت تنظيمية أو عسكرية. لكن نستطيع أن نقرأ عن بعد أن هناك تحولًا في الرؤية العسكرية في قطاع غزة، التي كانت مبنية على ردود الفعل والدفاع وليس الهجوم. حدثت نقلة نوعية في العمل العسكري، التحمل، الانتظار، البناء، والاستعداد والمبادرة. المبادرة كانت في شقين: الأول هو قضية مسيرات العودة، وقد تحدثنا عن تفاصيلها وكيف جاءت، لكن السنوار هو الذي تبناها. المبادرة الثانية كانت في بعض المواجهات الصغيرة، ولكن القضية الثانية المرتبطة بالسابع من أكتوبر. هذه النقلة جعلت الجسم التنظيمي الذي يتعرض للضربات والذي فرض عليه أن يدافع حفاظًا على كرامته وبعض المنجزات، يتحول إلى جسم يبادر في العملية النضالية لدرجة أنه أصبح مسؤولًا عن أكبر عملية عسكرية فلسطينية في التاريخ الفلسطيني. هذه مبادرة كبرى. أعتقد أن هذه النقلة النوعية التي أحدثها في المستوى العسكري. النقلة الثانية هي في ملاحقة العملاء والجواسيس. استفاد كثيرًا من خبرة المواجهات المتعددة في قطاع غزة، وتم الحديث عنها في المواجهات التي حصلت خاصة مع الجهاد الإسلامي. تم الكشف عن الكثير من شبكات العملاء التي استطاع الجهاز الأمني لحماس القبض عليها، وجزء منها تم بثه إعلاميًا وجزء صدر قرار بإعدامهم. اعترضت سلطة رام الله على الإعدام على اعتبار أن سلطة غزة لا تملك الحق في إصدار قرار الإعدام. النقطة الثالثة هي جمع ما بين المستوى العسكري والمستوى السياسي. في الوقت الذي كان فيه المستوى السياسي لحماس معروفًا والمستوى العسكري جهة أخرى، كان هناك تنسيق. لكن أن تكون مسؤولًا مباشرة عن العمل العسكري وأن تستلم الموقع السياسي كعضو مكتب سياسي ومسؤول قطاع غزة لحماس، هذا شيء جديد على حماس. لم يكن سابقًا، كان هناك جهة مسؤولة عن العمل العسكري وجناح سياسي. الآن هناك حالة من الاندماج بين المستوى العسكري والمستوى السياسي، وهذه واحدة من منجزاته. أعتقد أن المنجز الأهم الذي كان يريد تحقيقه هو رفع الحصار عن قطاع غزة وخلق ظروف معيشية أفضل لقطاع غزة. وقد أخفق في ذلك رغم محاولاته المتعددة، سواء كان ذلك من خلال خيار المصالحة الذي تم إفشاله بشعار "تناقضات فوق الأرض تحت الأرض"، أو في مسيرات العودة، أو في المناوشات العسكرية التي كانت تحصل هنا وهناك، أو من خلال التصريح والتهديد، أو من خلال التوجه إلى المجتمع الدولي والرسائل التي كانت حماس توجهها إلى الأمم المتحدة والسفارات والقنصليات للحديث عن قضية الحصار. تركيا دخلت في مسألة الحصار، وكل هذه المسائل تلعب دورًا كبيرًا في هذه المسألة.
أحمد البيقاوي: [02:20:16.70]
شادي، لحظة السابع من أكتوبر تم الحديث عنها وتحليلها كثيرًا على مستوى عام، وواضح أننا خلال هذا الحوار تطرقنا إلى أكثر من سبب. لكن إذا أردت أن تستذكر شخصية السنوار، يمكنك أن تأخذ نفسًا عميقًا. إذا أردت أن تصف شخصية السنوار أو تتحدث لي على مستوى شخصي عن مشاعره، كيف كان يشعر ويفكر وماذا يريد أن يحقق على مستوى عام وشخصي في لحظة السابع من أكتوبر بشكل يتجاوز الحديث عن سنوات الحصار والتطبيع. يعني الإجابات العامة التي أخذت حقها في التحليل شيء مختلف...
شادي الشرفا: [02:21:08.85]
رغم أنني أختلف مع السنوار في العديد من المقاربات سواء كانت فكرية أو أيديولوجية أو ببعض الممارسات هنا وهناك، إلا أنه من معرفتي الدقيقة بهذا الشخص، لا يوجد لديه أي طموح على مستوى ذاته إلا قضية واحدة كان يتمناها باستمرار وهي الشهادة. عندما كنا نشاهد على التلفزيون عملية استشهادية ويستشهد أحد الأشخاص، كان يقول "نياله، الله يطعمنا الشهادة". كان يتمنى الشهادة، وهذا بعد أيديولوجي وديني عميق جدًا. لم يكن له طموح أن يكون شخصية بارزة ويحقق إنجازات أو مصالح. كان بعيدًا كل البعد عن هذه المسألة. أعتقد أن الشخص لديه إيمان عميق بمسألة تحرير فلسطين، وكان يقرر أن تحرير فلسطين حتمية تاريخية، وليس فقط ضرورة تاريخية. أخذ هذه الفكرة من خطاب للحكيم (جورج حبش)، وكان يكررها. كان يقول لي "ما دام الحكيم قالها، فنقول إن شاء الله، حتمية تاريخية إن شاء الله".
شادي الشرفا: [02:22:46.70]
كان لديه إيمان عميق بقضية التحرير والبعد العربي. أعتقد أنه شعر بالكثير من الخذلان خلال مطاردته خلال السنة من الحرب. أعتقد أن كل الشعب الفلسطيني يشعر بالكثير من الخذلان من هذا المستوى من الخذلان العربي وحتى الفلسطيني. لكن هذا الخذلان لا يمكن أن يوصل السنوار إلى مرحلة أن يقول "ندمت". لا يمكن أن يقول "ندمت". قد يفكر خارج الصندوق ويقول "كيف نحول هذا الإخفاق إلى منجز؟" لكنه لن يقول "لم يكن يجب أن أفعل ذلك". سيقول "أنا متأكد، سأدافع عن وجهة نظري". الدفاع مشروع، لأنه إذا لم ندافع عن فكرة ما جرى، فهذا تبني للرواية الاستعمارية التي تقول إن من يتحمل مسؤولية هذه الإبادة هو من قام بالسابع من أكتوبر. هذا خطير. اليوم ما يجري ليس فقط حرب على الجسد الفلسطيني والكينونة الفلسطينية، بل هناك حرب على الوعي الفلسطيني. محاولة خلق وعي جديد للفلسطينيين انهزامي وانبطاحي. هناك ماكينة إعلامية كبيرة تعمل على هذا الموضوع. ما جرى هو قوة استعمارية تقوم بعقيدة الصدمة، تدمر كل شيء اقتصاديًا واجتماعيًا لكي تقبل الحالة الجديدة التي يريدون وضعك فيها.
شادي الشرفا: [02:24:46.78]
المسار الجديد الذي يريدون وضعه هو مسار سياسي اجتماعي اقتصادي جديد مختلف كليًا، وهذه مسألة مرتبطة بالوعي. إلى أي مدى حققت هذه الصدمة أهدافها بالنسبة لك؟ أعتقد أن هذه الصدمة، رغم الخسارة الكبيرة على مستوى تدمير قطاع غزة والإبادة والخسارة الكبيرة، لا أعتقد أن السنوار يمكن أن يصل إلى مرحلة يقول فيها "قدمت حساباتي". يعني أخطأت التقدير، لأنه بتقديري أي شخص كان يمكن أن يخطئ التقدير بأن العالم سيقف ساكتًا أمام هذه المجازر. هذه واحدة من سمات الثوار. أعتقد في هذه الحرب، واحدة من سمات الثوار. يمكنني أن أتخيل أنه تقاتل مع مرافقيه والقيادات في حماس عدة مرات لكي يكون في المعركة، وحجبه عن معارك هنا وهناك حفاظًا على سلامته. أعرف أن هذا الشخص سيكون مقدامًا. عندما تم حصار خان يونس، سئلت من أصدقاء لي لأنهم يعرفون علاقتي معه، "هل خرج من خان يونس؟" قلت لهم "لا يمكن". معرفتي بهذا الشخص لا يمكن أن يخرج من معركة خان يونس إذا لم يكن في مقدمة المعركة. لا يمكن. تخيل أنه بعد انتهاء معركة خان يونس، ذهب ليشارك في معركة رفح لأن معركة رفح لم تنته. هذه قضايا تؤكد. حتى عندما ظهرت فكرة أن السنوار الإسرائيليين يطالبون بالمفاوضات بضمانة لعدم اغتياله، ضحكت على هذا الخبر لأن أمنيته أن يتم اغتياله أو أمنيته.
شادي الشرفا: [02:26:33.75]
الشهادة، يتمنى الشهادة. هذا الكلام الفارغ لا يمت لها بصلة ولا يمكن أن يُطرح على طاولة المفاوضات مسألة من هذا النوع. أو عندما أشيع أن السنوار الآن موجود في مصر. السنوار لا يمكن أن يغادر المعركة ويترك جنوده في المعركة، بخلاف قيادات تنظيمية كبيرة نعرفها غادرت قطاع غزة خلال المعركة. للأسف، اليوم تقود ندوات ومؤتمرات في سوريا ولبنان، ويتحدثون عن شعب فلسطين وهم غادروا وهربوا وأخذوا عائلاتهم ودفعوا أموالًا. الخمسة آلاف دولار والثمانية آلاف دولار لمصر من أجل أن يهرب أحدهم. نائب أمين عام هرب. كيف ترضى أن تكون قياديًا فلسطينيًا وتخضع للانتخابات وعند المعركة تهرب؟ بأي حق؟ هذه قيمة أخلاقية تدل على أن لدينا تنظيمات فلسطينية بحاجة إلى إعادة ضبط القيم والأخلاق. هذه الحرب كشفت الكثير. كنت أقود خلال مسيرات الإضراب عن الطعام، كنت أحكم على الأسير على المحك خلال إضراب عن الطعام. إضراب عن الطعام مسألة صعبة جدًا، يظهر معدن وجوهر الإنسان. بنيت علاقاتي ببناء العلاقات الاستراتيجية مع الأصدقاء في مسيرات الإضراب عن الطعام. كنت أرى الضيف الذي كنت أراه صامدًا متماسكًا، كنت أقول هذا الشخص أعفي عنه كل سلوكه الآخر. هذا صديق المحك العملي بين من هو السنوار وبين من هم القيادات الأخرى التي هربت وأخذت عائلاتها ونزحت، عفوًا، هربت إلى مصر وتركت المعركة وتركت جنودها يقاتلون وحدهم. أنا أتحدث. معليش، يمكن أن أتحدث لأن الجرح بالكف. نحن ندرك أشياء تحدث في الواقع الفلسطيني.
أحمد البيقاوي: [02:28:43.78]
أنت تتحدث عن شيء الناس استغربته، لكن ربما هذا جزء من النقاش. هذا القائد فعليًا، من المفترض أن يستشهد هو وأسرته وعائلته عندما يرى معركة ما، ولا يعني انسحابه أنه ليس جزءًا من المعركة أو ليس مقتنعًا بها. أنت تتحدث عن نائب أمين عام، تتحدث عن جميل مزهر. في مقابلات وحوارات ونقاشات، دائمًا كانت هذه الأسئلة تُطرح سواء في الصالونات أو في الإعلام. لو تعيدني قليلًا للوراء لكي أفهم شخصية السنوار أكثر. أنت تتحدث عن أكثر شيء ذاتي يريده، الشهادة، حتى لو كانت في سياق ضربة لنا في سياق معركة عامة. يعني عندما يكون أحد أهداف 6 أكتوبر الشهادة، وواحد من أهداف 7 أكتوبر أن يغتالوه أو يقتلوه. السياق الذي تحدث فيه، مثل هذه المعلومات، أنه مقدام في بداية المعركة كانت عظيمة. الكل كان يراها في سياق إيجابي، وفي آخرها نال الرجل أفضل نهاية يمكن أن ينالها أي شخص. في سياق المعارك. لكن ألا تعتقد أن تركيزه على الشيء الذاتي، وهو قضية الشهادة، له جانب سلبي في سياق معركة عامة كبيرة؟
شادي الشرفا: [02:30:11.29]
أنا أريد أن أوضح، وأن نميّز ما بين الوسيلة والهدف. ليس هدفه الشهادة، مش الهدف، يمكن إذا استخدمنا تعبير الهدف...
أحمد البيقاوي: [02:30:23.05]
أنا معك. أريد أن أتحدث عن قضية المقدام، وهي قضية أن الرجل نحن احتفينا بوجوده داخل المعركة، بخوضها، بالاشتباك. ولكن هناك وجه آخر لهذا الأمر، بمعنى أنك كقائد، من المفترض أن يكون أحد أهداف الاحتلال اغتيالك. هناك العديد من الدوائر القيادية التي يفترض أنك تديرها. هناك جانب سلبي من هذا المشهد، والذي طغى عليه الجانب الإيجابي والبطولي. لا شك أن النهاية كانت عظيمة، ولكن أشاركك وجهة النظر الثانية. كيف يفكر الرجل في تلك اللحظة؟ برغم ذلك، يبقى لديه الشعور الذي وصفته، وهو في الصدارة.
شادي الشرفا: [02:31:09.87]
طب أنا يعني أريد أن أجيبك. يجب أن أعود إلى قضية الهدف. الهدف لم يكن أبدًا شخصيًا. الهدف هو مجموعة الأهداف التي كانت واضحة في بيان (محمد) الضيف الأول والأسباب التي دفعت إلى السابع من أكتوبر. هذا جزء من التراكم الكمي الفلسطيني لتحقيق مشروع التحرير الطويل الأمد. ليس صحيحًا أيضًا ولا أتفق أن يكون القائد لقمة سائغة يتم اغتياله بسهولة. ولكن في نفس الوقت، ليس مسموحًا للقائد أن يختبئ في الخطوط الخلفية. القادة الكبار الذين صنعوا التاريخ كانوا في مقدمة جيوشهم. الرسول كان يدافع عن نفسه ويحمل السيف في المعركة. مشاركة القائد في العملية القتالية والنضالية هي مسألة طبيعية ولازمة. حماس ليست تنظيمًا عابرًا، بل مؤسسة لديها هيكلية تنظيمية ومجلس شورى وهيئات متعددة تستطيع أن تستبدل الشخص بآخر. المشكلة، صديقي أحمد، أنه مهما فعل السنوار، هناك من سينتقده. كانوا يقولون إنه مختبئ في الأنفاق ومعه ملايين الدولارات.
أحمد البيقاوي: [02:33:13.73]
هذا الذي استفزني كثيرًا، شادي. حتى في جانب التمجيد، الرجل في الخط الأمامي من المعركة. أقول إنه ليس مجرد عسكري، أنا أحتفي بوجوده في الخط الأمامي من المعركة. أفضل أن يكون في الخطوط الثانية والثالثة والرابعة ويعطيني أملًا. أريد أن أكون متأكدًا من مجريات المعركة. ليس من الضروري أن يكون في المقدمة لاختبار شجاعته.
شادي الشرفا: [02:33:44.58]
هذا الكلام يمكن أن يقال لجيش نظامي ومؤسسة عسكرية منتظمة ودولة تحارب دولة. لكن في حرب إبادة، المسألة تختلف كليًا. كل بارودة في قطاع غزة مهمة، كل ساعد مهم. لا يمكنك القول إن هذا يجلس ويعطي أوامر. الجميع يشارك في المعركة. السؤال هو: إذا تم اغتيالك، هل ستنهار المنظومة أم أنك بنيت منظومة تستطيع الصمود؟ بعد اغتيال أبو إبراهيم، قدرات حماس القتالية في قطاع غزة أصبحت أقوى. شهر أكتوبر شهد أكبر خسائر للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. هذا يعني أن المنظومة السليمة موجودة. لم تربط كل الخيوط بشخصك، وعندما تذهب، تنهار المنظومة. بالعكس، بنيت منظومة تستطيع الاستمرار. عندما رحل فرد، لم تنهار المنظومة. السنوار بنى منظومة تستطيع الاستمرار حتى في غيابه. هذا دليل نجاح، لأنه يقاوم ويدرك أنه ممكن أن يتم اغتياله. هذه نقطة تسجل لتاريخه، وليست عكس ذلك. آمل أن أكون قد أجبت على المقترح.
أحمد البيقاوي: [02:35:47.99]
أجبت، أجبت. أنا أكثر شيء كان يستفزني هو الاحتفاء بتواجده في الصف الأول على حساب أشياء أخرى. لا يمكنك الاحتفاء بشيئين. الرجل بطل سواء استشهد داخل نفق أو في اجتماع. دائمًا نصنع صورة على حساب شيء آخر. الذباب الإلكتروني والإسرائيليين استغلوا هذه النقطة. حاولوا اللعب على قضية النفق. فكانوا يعملون على وعي. سؤال هو ادعاء استغله الذباب الإلكتروني للطعن في الرجل. ما تتخيل قديش مبسوط. أنا سعيد بكمية الأفكار والصور التي أثرتها وجمعتها وحتى مشاهد. لأول مرة أقوم بمراجعة لمسار الرجل الذي كان يظهر ويقوم بإنجازات على مستوى سياسي وعسكري واجتماعي. ناقشنا حدثًا بعد حدث، ولكن لم نرَ هذا المسار الطويل.
أحمد البيقاوي: [02:37:17.41]
فيعني ممنون لك على هذا الحوار. في "تقارب" أعطي المايك للضيف يعبّر عن كينونته ومساحته، إذا أردت أن تنقد شيئًا أو تتراجع عن شيء قلته، الحار يُبث كما هو كما تعرف. فإذا أردت أن تؤكد على شيء، أو تريد أن تقول فكرة، لك الحرية الكاملة، تفضّل:
شادي الشرفا: [02:37:35.63]
أول شيء، أود أن أقول إنني أعتبر منصة "تقارب" من المنصات المهمة والممتعة جدًا. فعلاً، أنت ناجح جدًا في هذا البرنامج، والبودكاست منتشر بشكل كبير جدًا. لدرجة أن أحد أصدقائي عندما أخبرته أنني سأظهر في بودكاست معك، قال لي: "لقد وصلت إلى القمة". أعتبر هذا شيئًا رائعًا جدًا، وأبارك لك نجاحك في البودكاست وشخصيتك وطريقة الأسئلة والطرح. تجعل الحوار ممتعًا رغم طوله. أنا ممكن أن أقول أني أحبّ السنوار، ولم أفيه حقّه. أعتقد أننا خسرنا في المعركة النضالية الكثير من الشهداء، الأصدقاء القريبين منا. نحن ندفن شهداءنا وندفن أسرارهم معهم. لم يحن الأوان بعد، نتيجة الظرف الأمني، أن نتحدث عن شهدائنا كما يجب وأن نزفهم كما يجب وأن نخبر العالم بما قاموا به. ندفن الشهداء وندفن أسرارهم معهم لأن واقعنا الفلسطيني الأمني معقد جدًا. آمل أن نصل إلى مرحلة نستطيع فيها أن نفتح كل الملفات ونتحدث بأريحية أكثر لكي نوفي ونعطي كل شخص حقه. هؤلاء الشهداء ليسوا أرقامًا، بل كينونة وشخصية واسم وعائلة وممارسة. اليوم نحكي بهذه التفاصيل.
شادي الشرفا: [02:39:15.33]
أنا قلت لكم عن آخر مرّة التقيت في السنوار؟ أريد أن أحكي لك آخر حديث بيني وبين السنوار قبل الإفراج عني بيومين. ووقف شاب على باب الغرفة، باب الغرفة شباك صغير، قال لي: "شادي، اطلع إلى غرفة أربعة عشر، بعيدة قليلاً". قلت له: "لماذا؟" قال لي: "فلان يريدك، فلان أمير حماس". قلت له: "قليلاً، سأذهب". قال لي: "لا، الآن". قلت له: "لماذا؟" قال لي: "تعال، سأخبرك عند الباب، يجب أن أخبرك". كنت جالسًا في آخر الغرفة، خمسة أمتار تقريبًا. قال لي: "تعال إلى الباب". لم يرد أن يسمي أحدًا، فهمت لماذا. قال لي: "أبو إبراهيم على الهاتف". قلت له: "افتح الباب". طلبوا من السجان أن يفتح الباب، ضغطت الزر، لم يفتح الباب. كنا نخرج وندخل، نحتاج إلى أحد ليفتح الباب. بعد ذلك، فتح لي غرفة أربعة عشر، دخلت. كانت المكالمة تقول لي، طبعًا كل شيء مسجل، المخابرات تعرف هذه المسائل لأن مكالمات السجون كلها مسجلة. قال لي: "أنت بعد يومين ستخرج، وأردت أن أودعك".
شادي الشرفا: [02:40:15.95]
لا أريد أن أتحدث معك عندما تخرج لأنني أعلم أنك ستتعرض لمتاعب. قلت له أرجوك لا تتصل بي وأنا في القدس. هذه كانت آخر مكالمة بيني وبينه، كنّا نمزح مع بعضنا. قال لي بالمناسبة، لماذا تتحدث عن الصعوبات عندما تخرج؟ -الآن تذكرتها وأنت تتحدث عن هذا الموضوع- قال لي إنك ستواجه صعوبات مع الناس والعالم، لكنني أستطيع الاعتماد عليك. تمنى لي التوفيق وقال إنه يريد أن يفرح بي وأن أتزوج وأصبح أبًا. هذه كانت آخر محادثة بيننا، استغرقت تقريبًا دقيقتين.
أحمد البيقاوي: [02:40:54.20]
طب ليه عزّك أنت بالذات؟ يعني أنت تكّلمت الكتير عنه. لكن هو ماذا لقي عندك؟
شادي الشرفا: [02:41:00.71]
لا أعرف ماذا وجد فيّ، لكن كانت العلاقة بيننا واضحة. ربما لأنني لست من حماس، وكان بيني وبينه وضوح. كنت أستطيع أن أعطيه ملاحظاتي ومعتقداتي بطريقة مهذبة، وكان يستمع لي. لدرجة أن هناك قيادات من حماس كانوا يطلبون مني التوسط مع إبراهيم. أحد شهداء غزة، وهو قيادي من حماس، طلب مني مرة أن أتحدث مع إبراهيم لأنه يريد الانتقال إلى سجن آخر. كنا نمارس الرياضة معًا في الصباح، نركض نصف ساعة ثم نمارس تمارين الضغط. كنت أقول له ماذا تريد من أبو عبد الله؟ أنت تمسك بالطهي وهناك مئة شخص يطبخون. دعني أرى ابن أخته. قال لي ماشي، ناديت على الممثل وقلت له أن ينقل فلان. قال لي لا أستطيع، أبو إبراهيم قال لي. كنت متأكدًا، لكنني كنت خائفًا من سؤاله. العلاقة بيننا كانت مبنية على الصدق والصراحة. كنت أنتقده عندما يكون مخطئًا. رغم صرامته وجديّته، كان هناك طفل بريء في داخله. طفل حُرم من أن يعيش حياة كريمة كما يجب. لاجئ ابن مخيم بظروف اجتماعية واقتصادية صعبة. هه أشعر أننا سنبدأ اللقاء من جديد.
أحمد البيقاوي: [02:42:50.90]
شادي شكرًا جزيلًا. شكرًا جزيلًا لك، يعني على كمية التفاصيل هذه. أكرمتنا، وممنون لك كثيرًا. شكرًا على كرم المعرفة، وشكرًا على كرم المشاركة، وبصدق يعني على مستوى شخصي قبل ما أحكي على مستوى عام يعني، أنا متأكد إنّه حين جئتك وطرقت بابك عارف ليه دقيته وشاركتك، لكن بمكان ثاني كان هذا الحوار بالنسبة لي فرصة حتى بمراجعة استقبالنا لمسار الرجل وكل الخطوات اللي قام فيها من لحظه تحررّه اللي احنا ما قبلها لا نعرفه، لا نعرف أي شيء عنه، سوى قطع صغيرة من هون ومن هون ومن هون، وفعليا يعني تفاعلنا مع تفاعلات داخلية وخارجية معه طوال الوقت، ولا مرّة أنا بالنسبة لي على مستوى شخصي يعني كان عندي هذه المساحة التي أعطيتني إيّاها بأن أرجع وأكوّن صورة من الأول عن الرجل وأفهم لماذا أقدم على هذه الخطوة؟ ولماذا كان يتصرف هكذا؟ لماذا استنكر هذا؟ وأكّد على ذاك؟ لماذا عزز هذه أو تلك؟ وهكذا. فشكرًا جزيلًا لك. يعطيك ألف عافية وربنا يرحمه، ويخلّيك ويديمك لنا، ويطوّل بعمرك.
شادي الشرفا: [02:44:03.21]
حبيبي شكرًا الك. والله يرحم كل شهداءنا.