بينما غزّة تُباد، وقرى الضفّة تتعرض للهجوم، اختارت قيادة حركة فتح أن تقف على الهامش، وتُبرّر موقفها بـ"الانحناء للموجة".
لكن هذا الغياب لم يمرّ بصمت داخل صفوف الحركة. أبناء فتح، الغيورون على مشروعهم الوطني، بدأوا يرفعون الصوت:
أين دورنا؟ من خطف فتح؟ ولماذا تحوّلت من حركة تحرر إلى سلطة متفرّجة؟
في هذه الحلقة من بودكاست تقارب، نحاور عوني المشني، الكاتب والصحفي وأحد أبناء فتح المخضرمين،
للحديث من الداخل… عن فتح، والسلطة، والمنظمة، والموقف من 7 أكتوبر،
وعن الغضب المتراكم داخل قواعد فتح، اللي ما زالت تؤمن أن فتح وجدت لتقاوم… لا لتصمت.
🎯 في هذه الحلقة، نفتح النقاش حول:
🔹 كيف اختارت القيادة موقع الحياد بعد الطوفان؟
🔹 لماذا غابت فتح عن لحظة كان يُفترض أن تقود فيها؟
🔹 ما الذي يشعر به أبناء فتح اليوم تجاه حركتهم؟
🔹 هل ما زال هناك أمل بإعادة فتح إلى مسارها؟
💥 ونناقش أيضًا:
🔍 من الذي تغيّر… القواعد أم القيادة؟
🔍 هل ما زالت منظمة التحرير تمثّل أحدًا؟
🔍 ما معنى "الشرعية" عندما تفقد القيادة مشروعها؟
🔍 وهل يمكن أن تكون هناك معارضة حقيقية من داخل فتح؟
🧭 الضيف: عوني المشني
كاتب وصحفي وقيادي في حركة فتح.
🎙️ المحاور: أحمد البيقاوي
نقدم إليكم تفريغ الحلقة النصية:
عوني المشني: السلام عليكم. أنا أولًا وقبل كل شيء مواطن فلسطيني وعضو لجنة المتابعة للمؤتمر الوطني. كاتبٌ وصحفي، كادر في حركة فتح وقيادي في الحركة عبر تاريٍخ طويٍل لمدة 50 عامًا. أعتقد أن الحوار الذي تم هو تكثيف لتجربة عمرها 50 عامًا. وهي استخلاص لنتائج هذه التجربة عبر قراءة فكرية لدور حركة فتح في تاريخ حركة فتح. الدور المفترض أن يكون لما آل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولتلخيص أهداف الشعب الفلسطيني في سياقها النضالي التحرري. والدور المطلوب من الفلسطينيين كشعب، الفلسطينيين كقوى سياسية، الفلسطينيين في سياقٍ نضالي وصولًا لأهدافهم في التحرر والاستقلال. وأنا على يقيٍن أننا سنصل في يومٍ من الأيام، لكن الأداء الصحيح يُقصِّر مسافة المعاناة وحجم المعاناة. شكرًا.
أحمد البيقاوي: مرحبًا وأهلًا وسهلًا فيكم في حلقٍة جديدة من بودكاست تقارب. معكم أنا أحمد البيقاوي وضيفي اليوم الأخ العزيز عوني المشني. غابت حركة فتح بالنسبةِ للشعب الفلسطيني على مدار عامين بالأكثر، والبعض كان يراها أصلًا غائبة من قبل، ولكن في الإبادة تحديدًا صار هناك نقاشٌ كبيٌر على دور حركة فتح ودور السلطة الفلسطينية. ليس فقط في مناطق الضفة الغربية ولكن دورها اتجاه أهلنا في غزة في إيقاف الإبادة بشكٍل خاص. قراءتنا وحوارنا لليوم مع الأخ عوني، سنعيد القراءة من خلال تجربته، تجربة حركة فتح على مدار أعوامٍ طويلة، كي نخرج فعليًا في قراءة للمتوقع والممكن، وماذا كان يجب على حركة فتح القيام به؟ وكيف كان عليها أن تقرأ ما بعد 7 أكتوبر، 7 أكتوبر وما بعدها؟ كي نستطيع فعليًا رؤية محاولة لقراءة المستقبل وفهم الواقع أكثر وأكثر. وسنجرّب رؤية أيضًا جزءًا أساسيًا من الحركة الوطنية الفلسطينية إلى أين ستتجه في المستقبل. قبل أن نبدأ أريد أن أشكركم مقدمًا على اشتراككم في قناة اليوتيوب وقنوات الاستماع. وشكرًا أيضًا لمشاركتكم هذا المحتوى مع كل شخص ممكن أن يكون مهتمًا فيه. شكرًا أيضًا على مشاركتكم معي أفكاركم مقترحاتكم للمواضيع والأسئلة. تقارب بفضل مقترحاتكم، دائمًا يكون أقرب لكم وأقرب إلى جمهور تقارب دائمًا. شكرًا لمن يشترك أيضًا في النشرة البريدية والتي تتيح له الحصول على كواليس هذه الحلقة وحلقات أخرى. ومعلومات إضافية أيضًا نشاركها بشكٍل خاص عبر الإيميل. وشكرًا لكل من يدعم تقارب على الاستمرار ويساهم في تطويره من خلال الرابط الموجود في وصف الحلقة. وبهكذا نبدأ. الآن جاهزين. أهم شيء أحضر لك الشاي والقهوة، هذا هو، الله يعطيك العافية وأهلًا وسهلًا فيك.
عوني المشني: أهلًا وسهلًا.
أحمد البيقاوي: أول شيء أودُّ أن أسالك، كم أخذت الطريق وقتًا؟ احنا هذه فكرة أن الناس اليوم ما عادت تنظم مواعيد مع بعضها خارج البلاد. يعني هذه تُعيدنا لأجواء الانتفاضة الثانية، لا يوجد مواعيد من بلٍد لبلد.
عوني المشني: يعني بشكٍل عام لا يوجد مواعيد من بلٍد إلى بلد. هذا صحيح على اعتبار أن الطرق دائمًا فيها مفاجآت طارئة فُجائية. تكون عبر حواجز على الطرق مثلًا، أحيانًا هناك حاجٌز ثابت بين رام الله وبيت لحم، وبالتالي هذا مزاج، يعني أنت ممكن أن تجلس على الحاجز نصف ساعة، ممكن ساعة، ممكن تجلس ساعة ونصف وممكن ما تجلس ولا دقيقة. من حظي الطريق أخذت مسارًا طبيعيًا حوالي ساعة وربع، هي معدّل ساعة بالعادة لكن أخذت ساعة وربع، وهذا شيء طبيعي وجيد، لكن هذا لا يُضمن. قد تأخذ الطريق ساعتين، لأجل ذلك جئت قبل حوالي ساعة إلا ربع عن الموعد الأساسي، لأنني توقعت أن الطريق قد تأخذ وقتًا أطول أو أقل، لا أعرف.
أحمد البيقاوي: الله يعطيك العافية، الحمد لله على السلامة غلبناك معنا. أول شيء سأنطلق من المقال الذي تناقشنا فيه أنا وإياك كثيرًا. الذي يجمع الكثير من التناقضات، أو القدرة على معالجة التناقضات بمعنى نقاش الشرعية. أنت أخذته لمكانٍ ثانٍ وليس شرعية منظمة التحرير أو عدمها أو شرعية السلطة الفلسطينية أو شرعية حركة فتح. ذهبتَ باتجاه أنه هنالك شرعية لمنظمة التحرير، ولكن ليس هنالك شرعية لقيادة منظمة التحرير. ونحن بإمكاننا نزع الشرعية عن قيادة منظمة التحرير أو قيادة السلطة أو قيادة فتح دون نزع الشرعية عن فتح والسلطة وعن منظمة التحرير، هذا شيء بحدِّ ذاته تشعر أن فيه تناقضًا أو لا؟
عوني المشني: إطلاقًا لا يوجد تناقض في الحكاية لسببٍ بسيط. أنه بشكلٍ عام تُؤخذ الشرعيات بطريقتين أو بثلاث طرق. إمّا شرعية انتخابية ديمقراطية، وهذه مثل الدول الغربية وكثيٍر من دول العالم. وإمّا شرعية نضالية، كما أخذت قيادة منظمة التحرير ومنظمة التحرير هذه الشرعية. هي تبنت مشروعًا أو برنامجًا نضاليًا يقوم على التحرير والاستقلال، وبالتالي أخذت شرعية الفلسطينيين بنضالها في هذا المشروع أو شرعية انقلابية. بمعنى آخر فرض الأمر الواقع كما يحصل في كثيٍر من دول العالم الثالث، انقلابات أو بين قوسين سميها ثورات على النظام الحاكم. شرعية منظمة التحرير استمدتها من كونها شرعية نضالية؟ على اعتبار منظمة التحرير هو الوعاء الذي يضمُّ كل الفصائل المناضلة من أجل تحرير فلسطين أو من أجل الحقوق الوطنية الفلسطينية. أُخذت هذه الشرعية دون انتخابات. أخذت هذه الشرعية دون الخوض في تفاصيل لماذا وكيف؟ على اعتبار أن الشعب الفلسطيني كله مُجمع على مسألة التحرير وعلى مسألة الاستقلال. بدأت هذه الشرعية تختل بعد أوسلو بشكٍل مؤقت أو بشكل بدايًة، لكن في آخر 10 أو 15 سنة اختلت الشرعية تمامًا، لأنه لم يعد هناك ما يؤكد أن برنامج منظمة التحرير ما زال قائمًا على مفهوم التحرير. لم يعد مؤكد أن السياق الذي تسير فيه منظمة التحرير هو في نفس المسار. وبالتالي أصبحت الشرعية ليست مؤكدة، لكن كمنظمة التحرير كإطار كان قبل فكرة المقاومة. كانت منظمة التحرير سنة 1974 وشكّلها المرحوم أحمد الشقيري بالتعاون مع النظام الناصري، نظام عبد الناصر في ذلك الوقت. منظمة التحرير كإطارٍ للوحدة الوطنية الفلسطينية هو شرعي، لا يوجد إطار بديل حتى اللحظة، لا يوجد إطار يتناسب مع الحالة الفلسطينية. منظمة التحرير بفكرها ببنيتها هي إطار شرعي، لكن هذه القيادة التي أخذت منظمة التحرير لمكانٍ آخر ليس له علاقة بالتحرير، وأحيانًا يتناقض مع مفهوم التحرير وليس له علاقة بأساليب التحرير. أعتقد أن الشرعية لهذه القيادة مشكوكٌ فيها وحولها ألف علامة استفهام. هل يمكن إعادة الشرعية لمنظمة التحرير؟ طبعًا ممكن إعادة الشرعية لمنظمة التحرير أو إعادة الشرعية لقيادة منظمة التحرير عبر إعادة ترتيب البنية بطريقة، أن تكون فصائل العمل الوطني بين قوسين الوطني والإسلامي. أنا أقول الوطني وأقصد الوطني والإسلامي في إطار منظمة التحرير. على أساس برنامج منظمة التحرير هو البرنامج القائم على التحرير، وبالتالي تعود الشرعية للقيادة وتبقى منظمة التحرير في هذا السياق.
أحمد البيقاوي: حسنًا أخ عوني، البعض ممكن أن يسمع هذا الكلام وينظر إليه أنك تبحث عن طريقٍة لإبقاء الشرعية على هذه، يعني هذه الكيانات. لأنه بالآخر هذه الكيانات عبارة عن رسائل وفكر وممارسة ومن بني آدمين. فإذا أنت فعليًا صار عندك شكٌ بخلفياتها المكتوبة، وشك فعليًا بكيفية سير الأمور. وبلحظة بظرٍف تاريخي مثل الذي نحن موجودين فيه اليوم على مدار سنتين. ليس هنالك أثرًا إيجابيًا يمكن أن تحتفي الناس فيه أو تقدمه وتتحدث عنه، بسياق الإبادة والدفاع عن حقوق شعبنا. يعني عندما نسأل يقولون لنا أنه تنحي للموجة الكبيرة، ولكن أنا أعتقد أننا بدأنا الكلام عن أكثر من انحناء للموجة الكبيرة. فماذا تبقّى أصلًا لكل فكرة الشرعية؟
عوني المشني: أنا سأحكي لك شيٌ واحدٌ. الشعب الفلسطيني بعد سنة 1948 عاش مرحلة أو قُرِّر له أن يعيش مرحلة الاندثار كما حصل لدى شعوب كثيرة اندثرت. وبالتالي كانت الشخصية الوطنية الفلسطينية ضرورة وطنية للإبقاء على جدوى النضال الوطني الفلسطيني والإبقاء على فكرة التحرير. جاءت منظمة التحرير الفلسطينية في هذا السياق، هي إطار توحيدي للقوى السياسية، وهي الهوية المعنوية للشعب الفلسطيني، أو الوطني المعنوي للشعب الفلسطيني في ظل استلاب الوطن. وبالتالي منظمة التحرير كرمزية كفكرة كرؤية ضرورة، سميها ما شئت! ممكن أن تسميها منظمة التحرير، ممكن أن تسميها أي إطار ثانٍ غير منظمة التحرير. لكن أنت تحتاج إلى إطارٍ يوحد الشعب الفلسطيني أولًا، يجسّد الهوية الوطنية الفلسطينية ثانيًا في إطار معركة التحرير. تجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية ليس مسألة شكلية، هي جزئية أساسية وضرورية في مسألة النضال الوطني الفلسطيني، لأن كل الصراع قائمًا على أنه يوجد شخصية وطنية فلسطينية، أي في شعب فلسطيني أو لا يوجد شعب فلسطيني. اليوم يُقال يوجد فلسطينيين، لكن لا يوجد شعب فلسطيني. هناك سكان في المناطق، لكن لا يوجد شعب فلسطيني. لدرجة أنه حتى الهوية التي نحملها نحن أو في كل الضفة الغربية، هي هوية مقيم وليست هوية مواطن. بمعنى آخر الإسرائيليين منحوك هوية مقيم سواء في القدس أو في الضفة الغربية. وبالتالي ليست هوية مواطن، فبالتالي الشخصية الوطنية الفلسطينية ضرورة أساسية لا أعرف ما الاسم. ثانيًا، يوجد مسألة ثانية، أنت في إطار النضال لتجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية، خُضتَ معارك جبارة للاعتراف بمنظمة التحرير كممثٍل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. هذه المعركة دُفِع فيها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين. هذا ليس سرًّا أنه كان هذا النضال الوطني. الانتفاضة الأولى كان عنوانها تجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية التي برمزية العلم ومنظمة التحرير الفلسطينية. أنا أذكر تمامًا سنة 1988 أو 1989 يمكن، كنا في النقب، وجاء إسحاق رابين وكان وزير دفاع حينها على سجن النقب، قال تفضلوا أخرجوا أي وفد مفاوض، وأنا أقدم لكم أكثر مما ممكن أن تأتِ به لكم منظمة التحرير. وجاهزون لمفاوضات سياسية معكم. خرج الوفد الفلسطيني لرابين وقال له: أنت أخطأت في العنوان، يوجد عنوان وحيد هو في تونس اسمه منظمة التحرير الفلسطينية. القصة ليست شكلية أننا قلنا منظمة التحرير الفلسطينية، القصة هي تعبير عن الهوية الفلسطينية. لأنه لو خرج خمسة أو ستة أو عشرة من السجن وقالوا نحن ممثلين، بعد أسبوع سيقول أنا ما عدت أريد التفاوضَ معكم، أو أنتم لستم ممثلين، وأريد أن أبحث على غيركم. فبالتالي هذا النضال الطويل للاعتراف بمنظمة التحرير الذي وصل إلى 140 أو 170 دولة، أنا لا أعرف كم بالتحديد. هذا كان مهمًّا جدًا في تجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية. لا أحد يتخلى عن إنجازٍ تحقق عبر عشرات الآلاف من الشهداء، وعبر عشرات السنوات للاعتراف بمنظمة التحرير كممثل لمنظمة كل الشعب الفلسطيني، ويقول لا نريد ممثلًا جديدًا. الطريق الأسهل أن تقول، أن قيادة منظمة التحرير تحتاج إلى تغيير، تحتاج إلى إعادة بناء، تحتاج إلى إدخال قوى جديدة، تحتاج إلى إعادة النظر في البرنامج السياسي بطريقةٍ أو بأخرى، تحتاج إلى استراتيجية نضالية جديدة. هذا الأسهل، منظمة التحرير وفكرة أنها هي الوحدانية واستقلالية الشعب الفلسطيني، عبِّئها نضاليًا كما تريد. عبِّئها بفكرٍ واستراتيجية، وعبِّئها بقيادة وعبِّئها بفعاليات وعبِّئها مؤسسات كما تريد. أنت لو تريد تشكيل إطارٍ بديلٍ، تريد أن تسميه أي اسم آخر وهو نفس الشيء. تريد أن تجلب فكرًا واستراتيجيًة وقيادة. لكن يحصل بإطار غير معترف فيه، تحتاج إلى عشرات سنوات النضال للاعتراف فيه. تحتاج إلى نضالٍ طويلٍ جدًا للاعتراف فيه. ولكن عندك إطار معترف فيه، أنا أقول لك فيه عوائق أمام الذي نحكي فيه وهو إعادة بناء منظمة التحرير، وعوائق جبّارة وعوائق كبيرة. وأهم هذه العوائق هي القوى المتنفذة في منظمة التحرير، لكن هذا قدر الشعب الفلسطيني. لكن مواجهة هذه العوائق أسهل من بناء إطار آخر، وبعد ذلك يصير العالم جزء يعترف بإطاره وجزءٌ يعترف بالإطار الثاني، وإذا لم يعجبه هذا الإطار يعود ويعترف بالإطار الثاني أو يبدل. وبالتالي العالم يتلاعب فينا ويضربنا كفوفًا مرة على خدنا الأيمن ومرة على خدنا الأيسر دون أن نعرف أين نذهب.
أحمد البيقاوي: أنت أخذت الشق الذي يتعلق بمنظمة التحرير والشخصية الوطنية الفلسطينية المتفقين عليها. وبالفعل حتى الحديث عن قضية من كان يذهب باتجاه النقد، وباتجاه حادٍّ أكثر أو تطرُّفٍ أكثر. ويصير النقاش بديلًا عن منظمة التحرير. دائمًا هنالك كيان يجب أن يكون الذي هو بمنظمة التحرير، ويحمل ما تحمله منظمة التحرير ليُخرج فعليًا الشخصية الوطنية الفلسطينية التي حضرتك تفضلتَ فيها؟ لكن تعال نأخذ الشيء الذي يقابله.
عوني المشني: كلا، ليس بالضرورة أن يحمل ما تحمله منظمة التحرير، قد يغير، ما الذي يمنع الشعب الفلسطيني أن يغير في الاستراتيجية؟
أحمد البيقاوي: ما في مشكلة، لكن القصد بالأهداف، بمعنى أنه لا يوجد شيء ثابت في هذا النقاش. ومنظمة التحرير أيضًا أحيانًا من كثر ما نتكلم عنها بشكٍل نقدي لسلوك القيادة فيها اليوم، يُهيأ للبعض أنها مثل قماشٍ أبيضٍ. بالعكس يوجد نقد أيضًا على سلوكيات وعلى النقاشات وعلى النقاط في منظمة التحرير. يعني يطول الحديث فيها، لكن من مكانٍ ثانٍ أنا أتعامل أن هذا النقاش بحدِّ ذاته صار ورقة بيد قيادات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية اليوم الموجودة لابتزازك. كي تظل فعليًا تعرف، أنك تتكلم أن هنالك شرعية لمنظمة التحرير ولا حول ولا قوة إلا بالله خطفوها منها، يعني إذا تريد أن تدعي أنهم خاطفوها.
عوني المشني: أنا سأقول لك، وهذا صحيح ما تكلمتَ فيه. دائمًا، خلقت بعض القيادات المتنفذة، تابوهات مقدّسة حول بعض القضايا حتى نستطيع أن تمس القيادات وليست تمس الفكرة. ومن هذه التابوهات المقدسة التي هي منظمة التحرير. كل ما قيل نقديًا أو كل ما يقال نقديًا يقول لك لا يريد منظمة التحرير ضد منظمة التحرير. كلمّا انتقدت مسلكًا يقول لك أنت ضد منظمة التحرير، كلمّا خرجت بصوت فكرٍ إبداعي جديد يقول لك هذا ليس منظمة التحرير. أنا متفق معك أنه تم خلق تابوهات مقدسة حول بعض المفاهيم السياسية ومنها منظمة التحرير، ومنها فكرة المقاومة، ومنها فكرة الاستقلال، ومنها فكرة التحرر، ومنها فكرة الدولة. خُلقت تابوهات مقدسة تمنع النقد وتمنع الرؤية النقدية، أو الرؤية التجديدية أو الرؤية الإبداعية. وهذا الحل، أنا باعتقادي مطلوبٌ من المثقف الفلسطيني، سياسي، مفكر، إعلامي أن يخترق هذه التابوهات ويقول نريد منظمة التحرير لكننا نريدها هكذا. نريد مقاومة ولكننا نريد مقاومة هكذا، نريد مقاومة ولكننا ننتقد بعض السلوكيات في المقاومة، نريد منظمة التحرير ولكن ننتقد بعض الآداء في منظمة التحرير. التابوهات المقدّسة التي تُوضع هي بهدف حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في الإبداع والتجديد، والتطوير، وتجديد القيادة ولحماية أشخاص مهيمنين سواء في منظمة التحرير، سواء في الفصائل سواء في المقاومة، صواب بعض الأفكار. أنا متفق معك، يجب إزالة القداسة عن هذه التابوهات ونقاشها بروحٍ نقدية تجديدية، بما يضمن للشعب الفلسطيني حق التطور نضاليًا وحق التقدم.
أحمد البيقاوي: إذن فككنا النقطة الأولى فيما يتعلق بالشرعيات. في نقطة ثانية يجب تفكيكها كي نخلق أرضية لإكمال هذا الحوار. النقطة الثانية قضية المعارضة. أنا لست قادرًا أن أفهم كيف يمكن أن يقف أحد على أرضية السلطة الفلسطينية ويعارض السلطة. أحدٌ يقف على أرضية حركة فتح ويعارض فتح، آخر يقف على أرضية منظمة التحرير ويعارض منظمة التحرير. وأعتقد أنت فعليًا بتعريفك قيادي في حركة فتح في الكثير من المواضيع، وتكتب وكتاباتك وآرائك واضحة كقيادة في حركة فتح. وبنفس الوقت فعليًا أنت تعرف أن مساحات المعارضة داخل حركة فتح محدودة جدًا للناس الذين مثلك. لكن مع ذلك لا أعرف إذا يمكننا القول أنك معارضًا داخليًا. فهل يمكن أصلًا أن تقف اليوم على أرضية حركة فتح وأرضية السلطة الفلسطينية، وأرضية منظمة التحرير بكل الذي نراه مرة ثانية، لكن إذا أردت أن أمسك الوقت فقط خلال عامين، ونحن يمكننا الكلام عنهم كثيرًا وتعارض.
عوني المشني: يعني أنا باعتقادي العلاقة في داخل حركة فتح فيها شيء من التعقيد الكبير. ويمكن من هم خارج حركة فتح أتفهم أنه يُصعب عليهم تفهمه. حركة فتح بالأساس هي ليست بالتحديد تنظيٌم سياسي. حركة فتح هي تيارٌ يقوم على فكرة التحرر الوطني، لا يوجد شيءٌ جديدٌ في حركة فتح يختلف، ولا يوجد أكثر من فكرة التحرر الوطني، وما تبقَّى تفاصيل. فهذا الشعار ولا يوجد شيء آخر. وبالتالي حركة فتح قائمة على فكرة التحرر الوطني، ورأى الناس فيها غريزة طبيعية. أنت محتل تريد أن تتحرر، بالتالي كيف حالك في حركة فتح أو أغلب الجمهور؟ لا أقول كل الجمهور. وبالتالي حركة فتح أكثر ما تشبه الشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني بكل تنوعاته وبكل الفسيفساء الثقافية والفكرية والإيديولوجية وإلى آخره. لكن كان فيه معيار ثابت يضبط حركة الناس في هذه الحركة الذي هو التحرر الوطني. التحرر الوطني عبر الصيغة التقليدية لمفهوم الكفاح المسلح أو المقاومة أو حرب التحرير الشعبية كما تسميها. هذه حركة حركة فتح أقل معدل إلى حدِّ أوسلو أو ما قبل قليلًا أو ما بعد قليلًا. هذا هو التاريخ، أنا أرى نفسي على هذه الأرضية. أنا في حركة سياسية مؤمنة بالتحرير وتسعى إليه وتشبه الشعب الفلسطيني. في آخر السنوات، نعم حركة فتح اليوم لا تشبه نفسها. لا تشبه تاريخها، لا تشبه ماضيها، لا تشبه سياقها، وبالتالي الخلل الذي صار هو بالضبط ما حصل في مرحلة من المراحل في الإسلام. في إسلام والإسلام هو كما يجب. جيد وعظيم ورائع وممتاز. لكن في لحظة من اللحظات، يوجد قوى تدعي الإسلام وهي غير إسلامية. بعيدة عن الإسلام، حرَّفت في الإسلام، خرجت عن الإسلام، أخذت الإسلام إلى آخر. هو الإسلام الأمريكي هذا إسلام يعني الإسلام الذي تحالف مع الأمريكان. أو يعني بمعنى آخر، هذا يحصل في حركات تحرر، الانفصام بين الفكرة والممارسة. يحصل في التاريخ، يحصل في الإسلام، يحصل في حركة فتح. يحصل في الشيوعيين تاريخيًا. ويحصل في القوى القومية، ويحصل أن يحصل ما حصل في حركة فتح. أن هناك اليوم قيادة لحركة فتح، أخذت حركة فتح إلى مكانٍ بعيد عن جوهر حركة فتح وعن جوهر الشعب الفلسطيني. ولم تعد حركة فتح تشبه نفسها. أنا على أرضية حركة فتح، الحركة التي أنا تربيت فيها، تعلمت فيها، تطورت فيها، التي انبنت ثقافتي فيها أو شخصيتي التي تراها وهذه شخصيتي أمامها. هذه هي بالضبط شخصية حركة فتح تاريخيًا أنا لم أتغير، الذين تغيروا هم الآخرين. الذين تغيروا هم الذين أخذوا حركة فتح لمكانٍ آخر. من يقولون أن اليوم المقاومة هي إرهاب. إذا هناك أحد في حركة فتح يقول عن المقاومة إرهاب هذا ليس مني. هو الذي تغير لست أنا الذي تغيرت. أنا أرى نفسي في أرضية حركة فتح لسببين: السبب الأول أنني هكذا أرى حركة فتح وهكذا أتعاطى مع حركة فتح. والسبب الثاني أنه -يعني دخيلك يعني-، هل يوجد قوى معارضة فلسطينية حقيقية؟ أنا أعتقد أن هناك مشكلة في المعارضة الفلسطينية التي لم تستطع أن تأخذ دورها كمعارضة حقيقية. معارضة تنطلق من أرضية فلسطينية وتأخذ الجماهير معها وتساهم في التغيير الفلسطيني حتى لو أدى إلى تغيير حركة فتح. الحركات ليست مقدسة، الشعب الفلسطيني هو المقدس. لا حركة فتح ولا القوميين العرب ولا الشيوعيين ولا البعثيين ولا حماس مقدسة. المقدس هو الشعب الفلسطيني وأهداف الشعب الفلسطيني. وأنا باعتقادي القوى السياسية تذهب وتزول وتأتي وتتجدد عبر التاريخ. يعني كان الحزب العربي وحزب الاستقلال الحاج أمين الحسيني. اليوم صارت حركة فتح ومنظمة التحرير، غدًا يحصل شيئًا ثانيًا، هذا طبيعي في تاريخ الشعب الفلسطيني. أنا لا أرى تناقضًا في دوري في حركة فتح، أن أكون في حركة فتح على أرضية حركة فتح. وأدعو إلى مسارٍ نضالي فلسطيني يؤدي إلى التحرير ويؤدي إلى الاستقلال ويؤدي إلى العودة، ويؤدي إلى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. يمكن القول إن حركة فتح اليوم توصيفها هي قاعدة مناضلة، قاعدة عريضة، هذه قاعدة كبيرة. هي قاعدة أكبر من تنظيم، قاعدة أكبر من تيارٍ سياسي. قاعدة عريضة عظيمة في كل الدنيا، قاعدة مناضلة. وقيادة ذهبت بحركة فتح إلى مكانٍ آخر لا يشبه حركة فتح، ولا يشبه تاريخها، ولا يشبه شهداءها. ولا يشبه نضالها، ولا يشبه مستقبلها.
أحمد البيقاوي: عندي ادعاء، وفي سؤال وادعاء للناس التي تتفضل وتحكي مثل رأيك يعني مثلما تفضلت. أنكم تحافظون فعليًا على حركة فتح مثلما هي. وتحافظون على التنظيمات والأحزاب مثلما هي. لأن هناك شكليْن من شكل المعارضة، أنك تظلُّ موجودًا داخل هذه الحركات. وهذا ليس فقط بحركة فتح بل بعموم الحركات النضالية الفلسطينية. تبقى موجودًا بشكلٍ داخلي، تجلس داخل التنظيم ومن خلال أرضيته تحاول قدر الإمكان إيجاد هامشٍ تقاتل فيه. وهذا هو نفسه الذي يمنع تشكيل قوة وطنية ثانية، ويعرقل فكرة أن إعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني أو إبقاء الشعب الفلسطيني هو المقدس الوحيد في معادلة شعب فلسطيني أو أحزاب وكيانات. فأنت يمكن أن تكون تعطِّل بإصلاح حركة فتح، لمّا أنت فعليًا ما زلت موجودًا. وما شاء الله حركة فتح تعطيك مجالًا كبيرًا أن تكتب مقالات في كل مكان وتعارضها.
عوني المشني: لا، سأقول لك شيئًا واحدًا. أنا لا أستمد شرعية ما أقوم فيه من إذن من أشخاص هنا ومن هناك. أنا أستمد موقفي من قناعاتي السياسية التي تشكلت عبر عشرات السنوات وفي حركة فتح. وهذا ليس جديدًا في حركة فتح. كان في تاريخ حركة فتح ناس يختلفون مع النهج القيادي تاريخيًا، كان في ماجد أبو شرار الله يرحمه، والعشرات والمئات مثله. كانت أيضًا الكتيبة الطلابية ومثَّلت صورة مشرقة في تاريخ حركة فتح ونهجٍ مختلف و أداءٍ مختلف وكانت في حركة فتح. هذا تاريخيًا موجود في حركة فتح، وهذا لا يعيب حركة فتح، وهذا لا يشغل بالعكس، حركة فتح نراها عريضة. السؤال إذا كنت أنا أعيق أو من مثلي يعيق تطور حركة وطنية أو لا يعيق حركة وطنية. متى القوى السياسية تتبدد أو هي بحاجة إلى تغيير؟ إمّا أن تستنفذ دورها التاريخي، إمّا أن تستنفذ أو أن تعجز عن القيام بدورها التاريخي. في حالتين تصبح هناك ضرورة لقوى سياسية جديدة. استنفذت حركة فتح دورها التاريخي طالما أن التحرير لم يتم. كل قوى التحرر لم تستنفذ دورها التاريخي. لا أستطيع أن أقول إن هناك قوى تحرر استنفذت دورها التاريخي طالما أن التحرر لا يمكن. هل هناك قوى استعصى عليها تحقيق أهداف التحرر؟ نعم، استعصى التحرر على كل القوى السياسية، وعلى كل فصائل المقاومة، على كل فصائل منظمة التحرير، وحتى على الفصائل التي خارج منظمة التحرير. حماس والجهاد الإسلامي. التحرر مستعصي على كل القوى. وللأمانة حتى أكون موضوعيًا، هذا العصيان جزءٌ منه لأسبابٍ موضوعية لطبيعة الصراع، طبيعة التحالفات، طبيعة الواقع العربي، طبيعة الواحد الإقليمي، طبيعة "إسرائيل" وتحالفاتها الغربية. وهناك أسباب ذاتية لها علاقة بقصوٍر في قوى المقاومة، بقصورٍ في حركة فتح، بقصورٍ في الجبهة الشعبية، بقصورٍ في حماس، بقصورٍ في كذا، يعني في أسباب موضوعية وأسباب ذاتية، حتى لا نُحمِّل الفصائل أيضًا المسؤولية الكاملة عن الظروف الموضوعية. نقول إن التحرر استعصى، لأسبابٍ موضوعية لا تستطيع القوى السياسية أن تعمل فيها شيء، وأسباب ذاتية تستطيع القوى السياسية أن تعمل وتُحسن أداءها. يُعتبر هذا الاستعصاء مطلوبٌ منه أن يبرز قوًى جديدة بغض النظر، لكنني أريد أن أسأل سؤالًا، يعني حد مجنون، يترك حركة فتح بهذه القاعدة العريضة التي تمتد في كل الأجيال الفلسطينية، من الأطفال، للشيوخ، للوسط، للنساء. للمرأة. ويذهب للبحث عن شيء جديد؟ ومن الأسهل؟ الأسهل هو إعادة بناء حركة فتح على سياقها التاريخي، على سياقها النضالي، على صيغة من أن تُنشِئ قوى جديدة. أنا أعتقد أنه إذا كانت الفرصة وهذا سؤالٌ كبيرٌ، هل ما زالت الفرصة موجودة لبناء حركة فتح أو إعادة بناء حركة فتح أو لا؟ هذا سؤال كبير، هذا سؤالٌ عميق. لا أدعي أنني أملك إجابة قطعية عليه أو إجابة يقينية. ربما لدي اجتهادات، أنا أعتقد أن إعادة بناء حركة فتح على أُسس وطنية نضالية تشبه نفسها وتشبه تاريخها، وتشبه معاناة شعبها وأهداف شعبها، وطموحات شعبها وأحلام شعبها، هو العملية الأكثر سهولة من التفكير بمسارٍ آخر.
أحمد البيقاوي: نحن في تقارب أخ عوني نترك الضيف يُعرِّف عن نفسه كما يحب. فأنا فعليًا استبقت قليلًا وقلت أن واحدة من تعريفاتك هي قيادي في حركة فتح. لكن يُفترض فعليًا هذا فقط من أجل السؤال الأول أو النقاش الأول. فأريد أن أعطيك المجال لتعرِّفنا على نفسك كما تحب، لا كما تعرفك الناس بالعادة ومكتوب عنك على جوجل. تفضل.
عوني المشني: أنا لو سألتني سؤالًا، أنا قياديٌ في حركة فتح أقول لك لا أعرف. أنا لا أعرف إن كنتُ قياديًا في حركة فتح. أنا أعرف أنني منتمي لحركة فتح من عشرات السنوات من نصف قرن تقريبًا، نصف قرن يعني ليس أقل من خمسين عامًا. هذه الحركة شكَّلت وعيًا سياسيًا، وشكَّلت شخصيتي، لكن في ناس اعتبروني أنني مفصولًا، أنني خارج الحركة، أنا إلى آخره. أنا لم أُبلَّغ بهذا الموقف ولم يتكلم معي أحد بهذا الموقف، أنا أعتبر نفسي في حركة فتح، لكن لا يوجد لي أي دور قيادي في حركة فتح، عضو في المجلس الاستشاري لحركة فتح، صحيح تاريخيًا موجود. لكن أنا مناضٌل فلسطيني لاجئ من قرية اسمها القبو جنوب غرب القدس. مساحتها حوالي 6 كيلو محتلة سنة 1948. سكان مخيم الدهيشة، لفترة طويلة من حياتي اعتُقلت في السجون الإسرائيلية لمدة 13 سنة أو 12 سنة على فترات متتالية مختلفة، أطولها 8 سنوات. المؤهل العلمي ماجستير دراسات إسرائيلية من جامعة القدس أبو ديس. أمارس دوري كمثقف، كمناضل في السياق الذي أستطيع فيه، في السياق الذي أنا مقتنع فيه. لا يوجد عندي حدود في الفكر ولا يوجد عندي تابوهات مقدسة، من أجل ذلك يُقال أنني نقدي أكثر من اللازم. المقدَّس هو فلسطين، أحلام نساءها وأطفالها وشبابها وشيوخها بوصايا شهدائها، هذا هو المقدّس. ما تعدى ذلك هو قابل للنقاش. حتى في حركة فتح، حتى خارج حركة فتح، حتى في الفصائل، حتى في الأفكار الموجودة، حتى في الممارسات الموجودة. لا يوجد مقدس باستثناء فلسطين وما تمثل لدى الشعب الفلسطيني.
أحمد البيقاوي: عندي فضول يكون كلمّا أقرأ لك مقالًا نقديًا، أنك كيف استطعت الحفاظ على مدار هذه السنين كلها على هذه المساحة النقدية. يعني أنت محاط بكمية التفاصيل والأخبار والأحداث التي إمّا تجعلك تستسلم او تمشي مع التيار أو تمشي مع الموجة، أو تنشغل بنقاش التفاصيل. لكن دائمًا كنت حين أرى مقالاتك، في كل مقالٍ وآخر يوجد زاوية ما نقدية، تكون كأنها مثل شخص جديد داخل على هذه المساحة. على مدار السنين، من الصعب الحفاظ على هذه المساحة.
عوني المشني: أنا سأقول لك شيءًا. أحد الأشخاص دعنا نحكي قبل أن تسألني سؤالًا. قال لي: أنا بالضبط لا أعرف ماذا تريد أنت؟ أنت تنتقد فتح، أنت تنتقد حماس، أنت تنتقد اليسار. طيب يا عمي أنت ماذا وما الذي تريده؟ فكان جوابي واضحًا، وهو الجواب الذي أحكيه لك. أنا عندي معيارًا واضحًا لفكري السياسي ومسلكِي السياسي. وهي فلسطين بأحلامها وطموحاتها وآهاتها ووجعها، وفقها واستراتيجيتها. فلسطين هي، ما تعدت مش قابل مش ثابت، أقيس القضايا من هذا المقياس. إذا فتح مارست في هذا السياق بما يخدم أهلًا وسهلًا. وإذا حماس مارست أهلًا وسهلًا. وإذا حماس مارست أحيانًا في هذا وأحيانًا ذاك. أشجع هذا وأرفض ذاك. وكذلك من فتح وكذلك من الجبهة الشعبية وكذلك من الديمقراطية. من أجل ذلك، حتى فخامة الرئيس محمود عباس، عندي مساحة نقدية هائلة لدرجة التناقض معه أحيانًا. في بعض المرات أرى هناك مسلكيات صحيحة، أعلن وأكتب وأقول أن هذا المسلك صحيح ويجب دعمه وتطويره ويجب البناء عليه. هذه المقاومة العظيمة مثلًا لحماس التي أنجزت في 7 أكتوبر شيئًا كبيرًا وخلقت واقعًا سياسيًا جديدًا. أحيانًا أقول أن هذه المقاومة هنا ارتكبت خطأً، وهنا عملت نقيصة، وهنا ارتكبت يمكن جريمة. أنا لا يوجد عندي ما هو مقدس أكثر من فلسطين، وبالتالي حافظت على هذا الخط طيلة السبع سنوات. انطلاقًا من هذا المعيار، عندي معيار واضح في الحكم على الأشياء، لا يوجد عندي شخص مقدس، ولا إ طار مقدس، ما عندي مفهوم مقدس. عندي فلسطين مقدسة بكل ما فيها وما تعدى ذلك، قابل للنقاش.
أحمد البيقاوي: من مكانٍ ثانٍ، فلسطين المقدسة عندك كيف بدأ تقديسها وعلاقتك فيها؟ هل يمكننا استحضار الحدث الأول الذي هو بالنشأة ويمكن بالطفولة، وعمل الفارق بعلاقتك وجعلك بهذا الموضع من الاشتباك؟
عوني المشني: معلمي الأساسي الذي علمني وخلقني سياسيًا ووطنيًا هو والدي. والدي شخص أمّي لا يقرأ ولا يكتب. كان مناضلًا ومرافق لعبد القادر الحسيني لعشرات السنوات ومطارد معه. وكانت قصص الآباء أو هدهدات الأطفال من الآباء والأمهات هي قصص والدي. كيف ينام؟ كيف يناضل؟ كيف يقاتل في هذه المعركة؟ جُرح فيها واسمها معركة الدهيشة. كيف اعتقل من البريطانيين؟ كيف اعتُقل من الإسرائيليين سنة 47 أو 48. كيف كان عبد القادر الحسيني ينام في بيتنا، وأمي تعرفه وتعرف شخصيته، كيف كان يطلب عصبة، عصبة يعني منديل يشد على رأسه حين يؤلمه لأنه لم يكن يوجد أدوية ولا أطباء. وبالتالي أنا معلمي الحقيقي نضاليًا والدي. والدي هو الذي فتح الطريق أمامي وكان أكثر من مُنظِّر سياسي. ومع أنه أُمِّي لا يقرأ ولا يكتب، كان عبر حكايات نضالية تاريخية طويلة. هو وضعني في هذا السياق وجعلني أُؤمن بهذا الوطن بهذه الطريقة. أحيانًا علمني مفاهيم اليوم الناس بحاجة لأن تتعلمه،. أتذكر سنة 1967 بعد حرب حزيران. الكثير من أهل الدهيشة رحلوا إلى الأردن، وفي ما يسمى بالنازحين، وجاءت مجموعة من كبار السن إلى جانب أبي يقولون له يلا نرحل خلص شو؟ فقال لهم أبي يا عمي اسمعوا، أنا جربت الرحيل مرة واحدة سنة 1948، لن أكررها. أنا باقٍ في هذا البيت، انهدم على رأسي سأبقى فيه، إن مِت باقٍ فيه، إن عشت باقٍ فيه، لن أرحل مرة ثانية. هذا المفهوم السياسي الذي بحاجة لأن تتعلمه اليوم الناس، كما رسخوه أهل غزة وكانوا عنوانًا له. وأنا تعلمته في 67 من أبي من قصص أبي، عندما كنت صغيرًا أقدم لهم شاي وقهوة وأسمعهم. فأنا والدي هو وضعني على مسار، أعتقد أني كنت وفيًّا له، وآمل أن أكون وفيًّا له.
أحمد البيقاوي: أريد القصة الأولى، لنساعدك. تستحضر المشهد الأول القصة الأولى التي حولت علاقتك مع فلسطين من علاقة ممكن ناس بأجيالك يتعاملون مع فلسطين كشيء جميل أو شيء يحبونه أو برواز على حائط، وكمَّلوا بمسارٍ آخر، يعني ظلَّت هذه العلاقة العاطفية. وفي ناس مثلك أخذتها كمسار، ومسار اشتباك، هل يمكنك استحضار القصة الأولى أو المشهد الأول.
عوني المشني: أنا بعتقد، سنة 1970 أو 1971، وفاة عبد الناصر. كنت أنا طفلًا صغيرًا. أعتقد أني يمكن كنت 14 سنة أو 13 سنة شيء مثل ذلك. توفي عبد الناصر، عبد الناصر كنا نسمعه بالسر قبل سنة 1967، ممنوع أن نفتح إلا إذاعة صوت العرب كما كان دارجًا في وقتها. أنا باعتقادي وكنا نسمعه بالسر، وعبد الناصر كان بالنسبة لنا ملهمًا لجيلنا. ملهم حقيقي. أنت قلت يعني أنت فتح بالضبط كيف؟ أنا فتح بلون ناصري، أنا فتح بطعم ناصري، أنا فتح بنكهة ناصرية. أنا تربيت على عبد الناصر قبل أن أتربى على فتح يعني أيضًا، تربيت على خطابات عبد الناصر، تربيت وأنا طفٌل صغير. وبالتالي طلعنا على بيت لحم، وكان هناك مسيرة أو دعنا نقول اعتصام باب الدير، الذي هو باب كنيسة المهد. وأذن الظهر ودخلوا الناس للصلاة في الكنيسة. أكثر ما كان مثيرًا عندي ووضعني في مكاٍن آخر، ما معنى فلسطين؟ لمّا رأيت القساوسة والرهبان يدخلون إلى المسجد ويصلون صلاة الجنازة على عبد الناصر، هذا الرجل الذي وحّد الأديان، الذي وحد الولاءات الوطنية، ووحّد الفلسطينيين والعراقيين والسوريين، ووحّد المسيحيين والمسلمين، وحّد القوميين والشيوعيين وفي سياٍق واحد. أنا باعتقادي هذا حدث نقلني، بعدها مباشرة التقيت بشخٍص عزيٍز توفي واسمه زياد العزة، وهو أحد قيادات حزب الشعب أو الحزب الشيوعي الفلسطيني في وقتها، ومن خلاله انتميت إلى اتحاد الطلبة الفلسطيني. كنت في المدرسة الثانوية يسمونها مدرسة دار جاسر، وهي اليوم فندق مشهور في بيت لحم. ويا ليت لو ظلّت مدرسة ما صارت فندقًا. هذه بناية تاريخية في بيت لحم، معلم تاريخي مهم ومثير وعظيم. في تلك المرة التقيت بزياد العزة، وانتميت إلى اتحاد الطلبة الفلسطيني، وكنّا نوزع منشورات اتحاد الطلبة، كفاح الطلبة بشكٍل سرّي على الطلبة وإلى آخره. ومن هنا بدأت نقلتي السياسية. تأثير والدي أولًا وتأثير جمال عبد الناصر، ومن ثم بانتمائي إلى اتحاد الطلبة الفلسطيني.
أحمد البيقاوي: وكيف بدأت قصتك مع حركة فتح؟
عوني المشني: بدأت قصتي مع حركة فتح بخلاف مع زياد العزة رحمه الله. هذا العزيز المناضل الرائع الذي شكّل أهم قصة صمود في الاعتقال سنة 1974 لمّا اعتُقل، ست شهور صمود في الزنازين وخرج من السجن مشلولَ الرجلين نتيجة التعذيب. قبل أن يُعتقل اختلفنا معه على موضوع الكفاح المسلح. هو كونه من الحزب الشيوعي لم يكن يؤمن بمفهوم الكفاح المسلح أو المقاومة المسلحة. إلى آخره. واختلفنا معه على هذه القصة. وحدث الطّلاق وتوجهت إلى حركة فتح عبر صديق لي اسمه يوسف أبو لبن. اليوم موجود في الدهيشة وهو قائد مجموعتي في تلك الفترة، بعثناه إلى لبنان وبدأ وانتمينا إلى حركة فتح بهذا المشوار.
أحمد البيقاوي: نحن سنظل نحكي حركة فتح سلطة فلسطينية -لكن من أجل- لأنه اليوم زال الخلط أو زال التمايز أو التباين الموجود بين حركة فتح والسلطة الفلسطينية بشكلها الحالي اليوم. لكن لإني أسمعك تتكلم عن شيء وأنا أتكلم شيئًا آخر. لكن فعليًا هذا التداخل الموجود هو التداخل الذي حصل مع عموم الشعب الفلسطيني. أول شيء مجبور أن أفهم منك، أنت برأيك متى زال هذا التمايز أو التباين أو الفجوة التي كانت بين حركة فتح وبين السلطة الفلسطينية. متى أصبحت السلطة هي حركة فتح وحركة فتح هي نظام سلطوي.
عوني المشني: أعتقد أن هذه القصة بدأت في أوسلو، هي الربط بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح. ويمكن بدأها أبو عمار لاعتبارات متعلقة فيه مختلفة. وعندما أنشأ صيغة تسمى القيادة الفلسطينية، القيادة الفلسطينية كانت هي لجنة تنفيذية، هي اللجنة المركزية لحركة فتح، هي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، هي الرؤساء والوزراء الموجودين في السلطة الفلسطينية. فخرجت توليفة اسمها القيادة الفلسطينية، هي ليست بالضبط قيادة منظمة التحرير، ولا هي قيادة سلطة، ولا هي بالضبط قيادة حركة فتح هي قيادة كل هؤلاء مع بعض. الآن ما هو وصفها في النظام؟ لا يوجد لها وصف في النظام، ما هو شكلها في النظام؟ لا يوجد لها شكل في النظام، هي القيادة الفلسطينية. هذه التوليفة بدأها ياسر عرفات، يمكن أهداف ياسر عرفات كانت نبيلة في تلك الفترة، وكان هناك نقد في تلك الفترة ونقد يمكن خجولًا، نقد بشكل همس، وليس بشكل صائب أو بصوتٍ عالٍ لهذا الموضوع. لكن بعد ذهاب ياسر عرفات أصبح الخلط مقصود. أصبح الخلط بهدف خلق تماهي ما بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح والسلطة الفلسطينية هي حكم إداري ذاتي مصغر أو محدود. بلاش مصغر محدود، دعك من التعبيرات أنها دولة فلسطينية مش دولة فلسطينية، هذا على الورق يعني. هذه تعبيرات شكلية ليس لها قيمة في الاتفاقيات ولا لها قيمة في الممارسات العملية. السلطة الفلسطينية هي سلطة حكم إداري ذاتي محدود. الخلط بينها وبين حركة فتح ليس لرفع السلطة إلى مستوى حركة فتح، بل لتنزيل حركة فتح إلى مستوى سلطة حكم ذاتي محدود. وهذا هو المقصود بهذا. والمقصود جر حركة فتح وأخذها إلى مكاٍن بعيدًا عن أهدافها وبعيدًا عن منطلقاتها، وبعيدًا عن تاريخها، وبعيدًا عن دم شهدائها، بعيدًا عن قادتها التاريخيين. ما تم في حركة فتح هي جريمة بسبق الإصرار والترصد، بهدف تعطيل دور حركة فتح التاريخي.
أحمد البيقاوي: برأيك أنت، متى أصبح ابن السلطة وابن حركة فتح؟ اليوم هناك أجيال عندما تخبره أنا أقصد أني معارض للسلطة ولست معارضًا لحركة فتح. سيقول لك لا أنا السلطة وأنا حركة فتح.
عوني المشني: سابقًا، عندما كنّا ننشأ فعليًا ونكبر، لمّا نحكي على حركة فتح أو نوجه أو نعارض أوسلو أو نحكي عن توجه ما. تجد أبناء حركة فتح يقولون لك: لا السلطة بمكان ونحن بمكاٍن، ولا تخلطوا الأشياء مع بعض. اليوم فعليًا حتى على مستوى القواعد زال هذا الشيء تمامًا. أنتَ برأيك بأي سنوات أو بعد حدٍث محدد، زال هذا الشيء وصارت الناس اليوم لا تُعرِّف نفسها كما أنت تُعرِّف نفسك اليوم. انا باعتقادي هذا الكلام في العشر سنوات أو 15 سنة الأخيرة. بعد ذهاب ياسر عرفات انتقل الشعب. انتقلت حركة فتح والسلطة الفلسطينية إلى مرحلٍة جديدة، مرحلة لخلق تماهي بين حركة فتح والسلطة الفلسطينية، على قاعدة وأرضية السلطة وأدائها ودورها الوظيفي ومسماها. وليست على قاعدة حركة فتح وبرنامجها النضالي وأهدافها التحررية. الذي تم لو التماهي هذا تم على قاعدة برنامج حركة فتح ودورها الريادي ودورها الطليعي، ودورها الوطني ودورها في مسيرة التحرر، لكان هذا الخلط رائعًا وممتازًا وجيدًا وأدعمه. لكن الخلط تم على قاعدة التماهي مع برنامج حكم إداري ذاتي، محدود بمفاهيمه واستراتيجيته بأبعاده السياسية وبأبعاده الاستراتيجية. وبالتالي تم حرف حركة فتح عن مسارها ووضعها في مسار آخر تمامًا لا تشبه في نفسها، هذا الكلام تم. ثانيًا، هل خلق هذا الكلام ثقافة؟ نعم خلق ثقافة. ويجب أن نتذكر أن هذه الثقافة لم تأتِ. تم خلق ثقافة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وما قاله الله يرحمه هاني الحسن عن ثقافة دايتون. نعم ثقافة دايتون يعني ثقافة دايتون. تم خلق ثقافة وبشكلٍ ممنهج وبشكلٍ مبرمج وبشكلٍ واضح. وتم خلق ثقافة بشكل مقصود. وتم إقصاء مئات وآلاف وعشرات الآلاف المناضلين عبر حملات التقاعد المتتالية، بهدف خلق أجيال ليست مرتبطة بالثورة الفلسطينية، ولا بتاريخها ولا بمشاعرها، تم إقصاءُهم. وفي هذا السياق تم هذا الكلام، الذي يتم في السلطة الفلسطينية ليست مسألة عفوية ولا مسألة أخطاء. الذي يتم منهجًا له أهداف وسياقات وبشكل واضح جدًا. الذي يتم أخذ الشعب الفلسطيني إلى مكاٍن آخر. أنا واقعي، أنا إنسان واقعي وبراغماتي. أنا أؤمن الانطلاق من الواقع لتغييره. لكن تم خلق برامج للتماهي مع الواقع والاستسلام له وليس لتغييره. هذا الذي حصل، وهناك فرق بين واقعية تستسلم للواقع وبين واقعية تنطلق من الواقع من أجل تغييره. أنا إنسان واقعي وأدّعي أنني واقعي وبراغماتي، وأدّعي أنني براغماتي. بمعنى آخر أقدس الوصول للهدف، وأفهم المرونة التكتيكية لكن ليست المرونة بالأهداف.
أحمد البيقاوي: إذا أردت أن أسألك بآخر عشر سنوات الذي تكلمت عنها. هذه بالتزامن صار هناك أحداث كثيرة في فلسطين. والفتحاوي أو ابن الاجهزة الأمنية أو ابن السلطة الفلسطينية عاش تناقضات. وتعرف سنة بعد سنة، السلطة الفلسطينية لم تعد ترحم الأصوات المُعارضة. أو أن تكون موجودًا معنا ومؤيد لخصم سياسي أو مؤيد لنهج سياسي آخر. وهذا الشيء سنة بعد سنة عزز التناقضات. قبل أن ندخل بتناقض 7 أكتوبر والإبادة وطوفان الأقصى، يعني عند السلطة الفلسطينية عند قواعدها بالأساس. ممكن بآخر 10 سنوات أن تخبرني كيف تطّور هذا التناقض؟
عوني المشني: أنا أقول لك، هذا التناقض طبيعي أن يعيشه أبناء حركة فتح، أبناء حركة فتح يعيشون حالة اغتراب في الحركة. أبناء حركة فتح يعيشوا حالة اغتراب بمعنى أنه تربى تاريخيًا على مفاهيم سياسية محددة، واقتنع بهذه المفاهيم السياسية. ولهذا كان في الحركة، بالأخير اكتشف نفسه أنه في حركة بعيدة عن هذه المفاهيم، وبالتالي هو أصبح أمام مشكلة نفسية ومشكلة سيكولوجية. يعني بمعنى آخر أنا فتح لكن أنا أرى أن الذي يحدث ليس هو الذي تعلمته، وتربيت عليه، والذي أخذته في السياق التاريخي. وبالتالي بدأ يعيش ابن حركة فتح حالة اغتراب حقيقية، حالة انفصام شخصية. هو يرى نفسه مناضلًا وثائرًا وإلى آخره، لكن يرى نفسه في الممارسات هو لا مناضل ولا ثائر في الممارسات التي في السلطة. وليس له علاقة بالثورة ولا علاقة بالنضال. وبالتالي خُلقت حالة انفصام لدى الكادر بالتحديد المتأصل للمثقف الذي في حركة فتح، وليس الكادر النفعي الذي جاء من أجل مصالح ورتب وأي شيء مثل ذلك، وبالتالي بدأ يعيش حالة الاغتراب. الآن أي شخص يعيش حالة اغتراب أو انفصام، يحاول البحث عن أشكال من التكيف. أشكال من التكيف حتى يقاوم هذا المرض، حتى يقاوم هذه الحالة، حتى يعيش نفسه بالتحديد. كثيٌر من الناس وأنا منهم، حاولنا بهذا التكيف قدر الإمكان أسبوع بعد أسبوع، شهر بعد شهر، وأحيانًا تبرر ما ما لا يجب أن تبرره من أجل أن يحصل التكيف، وأحيانًا تحاول أن تجد سياقات أو تحصر أحداث في سياقات محددة حتى تبررها. نعم حاولنا هذا، حاولنا طويلًا، قد يكون خطأ نعم، أننا ارتكبنا هذا الخطأ. وقد يكون محاولة للخروج أو لمواجهة حالة الاغتراب، وحالة التوحد التي يعيشها الشخص في الحركة أحيانًا. حاولنا ذلك، لكن في لحظة من اللحظات، في لحظة من اللحظات لم نعد نستطيع. وبالتالي كان من الضروري أن تكون أنت نفسك، كي أكون أنا نفسي، أعبر عن نفسي بالتالي ينسجم مع الموجودين في السلطة. لا ينسجم وينسجم مع قيادة حركة فتح لا ينسجم. هذه مشكلتهم ليست مشكلتي. أنا مشكلتي أن أعبر عن نفسي كما أنا وأعبر عن حركة فتح كما فهمتها، وأعبر عن حركة فتح كما فهمها آلاف الشهداء وآلاف الأسرى وآلاف المناضلين، وعشرات الآلاف ومئات الآلاف من أجيالنا الذين كانوا في حركة فتح. أنا أعبر عن حركة فتح في هذا السياق، أنا لا أعبر عن حركة فتح لا بطريقة أيديولوجية ولا بطريقة تأملية، ولا بأجندة خارجية ولا بولاءات خارجية. أنا أعبر عن حركة فتح كما هي وكما تاريخها وضعها، وكما سياقها السياسي والنضالي كانت. عشنا هذه الأزمة، خُلقت ثقافة، واليوم تواجه ثقافة في حركة فتح، يأتي شاب صغير عمره عشرين عامًا أو خمسة وعشرين عامًا، يقول لك أنت بعيد عن حركة فتح، لأنه هناك ثقافة خُلقت. ثقافة دايتون نعم ثقافة دايتون وتعممت. والثقافة التبريرية وثقافة مثلما يُقال ثقافة النأي عن الأحداث. ماذا يعني أن يخبرك أحد أن 7 أكتوبر ليس لي علاقة بها، هذا له علاقة بحركة فتح؟ وآخر يقول المقاومة هي سبب الهزيمة! مقاومة فيها ألف خطأ، ألفين خطأ، عشرة آلاف خطأ. لكن الإبادة الجماعية ارتكبها الاحتلال. لا أُحمِّل فصيل فلسطيني يقاوم حتى لو أخطأ. هذه هي الإبادة الجماعية، هذه الكارثة، هذه جريمة العصر. ويقول في الأخير، على المقاومة أن تتحمل! عيب، عيب. هذا ليس كلام مناضلين، ولا كلام فلسطينيين، هذا كلام ناس وضعوا نفسهم في سياق، آسف أقول أنه ليس وطني.
أحمد البيقاوي: هكذا تراه، ليس وطني.
عوني المشني: طبعا ليس وطني. لا يمكن أن يكون صراع مع الاحتلال أنا أكون في الطرف الآخر. حتى لو الشيطان الطرف الآخر. يأتي أحد ويتمنى أن تُهزم إيران، لماذا؟ تُهزم إيران في مواجهة إيطاليا حسنًا، تُهزم إيران في مواجهة تنزانيا حسنًا، تُهزم إيران في مواجهة أي أحد حسنًا، لكن في مواجهة الاحتلال، معقول! طبعا ليس وطني.
أحمد البيقاوي: أحداث هاتين السنتين كي نفصلهم، تعرف هذه مقولة كبيرة أنت تحكيها وسألتك عنها، تعود وتؤكد، جبتها من آخرها يعني.
عوني المشني: أنا تكلمت عن هذا المثل لأنه أحيانًا تضطر إلى ذكر أمثال صارخة في الوضوح، حتى لا تحتاج إلى نقاش.
أحمد البيقاوي: ببساطة أقول لك أنت أنهيتَ المحور بهذا الشيء. سنتحدث عن هاتين السنتين، وأريد أن أرى فعليًا كيف استقبلتها حركة فتح والسلطة الفلسطينية وأبناء الاجهزة الأمنية بشكٍل أساسي. البعض يقول أنه إجمالًا هذه القصة عززت تناقضات، والبعض الآخر يقول بالعكس، جعلت أبناء السلطة الفلسطينية وأبناء حركة فتح متمسكين أكثر بنهجهم. كونه ما بين قوسين فعليًا، كانوا يحذرون أو الرئيس الفلسطيني محمود عباس دائًما كان يحذر من حركات مسلحة أو عمليات مسلحة، ممكن أن تؤدي إلى الهدم أو هذا التفكير. إذا أردت أن أركز على هاتين السنتين وأردنا أن نقطعهم. ممكن أن نبدأ من يوم 7 أكتوبر كفعل، ثم نأخذ 6 أشهر أو 8 أشهر من المقاومة المستمرة. ثم نأخذ المقاومة المستمرة والإبادة، ثم فكرة اللحظات التي نحن موجودين فيها من أشهر طويلة خلال المفاوضات، يعني من مكان قوة وضعف في نفس الوقت.
عوني المشني: سأكون واضحًا معك، أنا أعبر عن نفسي، لا أعبر عن كيفية تفكير أجهزة الأمن، وكيف يفكر البعض في حركة فتح، كل واحد يعبر عن نفسه بطريقته. لا أحاول أن أعطي نفسي طريقة للتعبير عنهم. أنا أحاول.
أحمد البيقاوي: لا نحن نحاول أن نقرأ.
عوني المشني: نحاول أن تقرأ تمام، أمّا أنا أعبر عن نفسي. أحيانًا أتفق في هذا التعبير مع آخرين، وأتفق مرات مع ناس في حركة فتح. أتفق مع قيادات في حركة فتح تختلف مع قيادات في حركة فتح. تختلف مع حماس وأتفق مع حماس. هذا موضوعي أنا وهذا موقفي. ومن يتفق معه ومن يختلف معه هذا شأنه وليس شأني أنا. أنا أعتقد 7 أكتوبر حدثًا مهمًا في التاريخ الفلسطيني. حدث لا يمكن القول أنه كان متوقعًّا، بل أن السياق كان متوقعًا الذي هو الانفجار. حصار لمدة 17 سنة واستمرار هذا الحصار، واستمراره كان لا بد أن يؤدي إلى انفجارات ويؤدي إلى انفجار. لكن بالشكل الذي نُفِّذ في 7 أكتوبر لا لم يكن متوقَّعًا. الذي يقول أنه كان متوقعًا هذا السياق يخبرني. يعني أنا باعتقادي لا لم يكن متوقعًا. وأنا باعتقادي أن التوقف كحدث غيَّر مسار التاريخ أو غيَّر مسار الأحداث في الشرق الأوسط. نعم. حدث غيَّر مسار الأحداث في الشرق الأوسط، غيَّر مسار الإقليم ليس فقط غيَّر مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الوقوف عند قصة أنه كان يجب أن يكون أو لا يحب أن يكون بالشيء الذي كان فيه، أو كان يجب أن يكون بشكٍل أفضل، هذا اسمه ترف فكري، هذا نقاش ترف فكري أنا لا أخوض فيه.
أحمد البيقاوي: بما فيه قرار الحرب والسلم أيضًا ترف فكري؟
عوني المشني: أنا أنطلق من واقع أن 7 أكتوبر حدث. حدٌث حدث بأخطائه، بتجلياته وبإبداعاته، بإيجابياته، بعظمته، بخيبته، بفشله ببعض نقاط الفشل. بعض النقاط العبقرية، هذا حدث. السؤال أنا بالنسبة لي كسياسي براغماتي، أنه ليس تفسير ما حدث وفقط، تفسير ما حدث مهم ثقافيًا وفكريًا مهم. السؤال هو كيف استخدام ما حدث لتعزيز النضال الوطني الفلسطيني؟ كيف ممكن أن نستخدمه؟ هذا تم. تريد أن تقول أنه خطأ قل، تريد أن تقول أنه صح وعظيم وعبقري قل، تريد أن تقول أنه حدثٌ بسيط قل، تريد أن تقول بأنه حدٌث خارٌق قل، لكن في الأخير هذا الحدث تم. هل يمكن استخدامه في سياق تعزيز النضال الوطني الفلسطيني لتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، وصولا إلى دولة واستقلال وحرية؟ أنا باعتقادي ممكن. ما تم بعد سبعة أكتوبر من السلطة الفلسطينية ومن حركة فتح لم تستغل هذا الحدث ولا بأي شكل من الأشكال. وبقيت على دكة المتفرجين، تنتظر نهاية الحدث حتى ترى ماذا ستعمل. ومن لا يشارك بصناعة الحدث لا يصبح جزءًا من القرار فيما بعده. حركة فتح استثنت نفسها عبر عشرين شهرًا، وبالتالي هي استثنت نفسها من قدرة التأثير. لماذا اليوم؟ أنا هنا أنظر. أنا لا أنظر إلى محاورة السلطة الفلسطينية من أجل الحرب على غزة؟ أو من أجل ما بعد الحرب في غزة؟ أو من أجل الحكم في غزة؟ أو ما بعد الحكم في غزة؟ لماذا يضطرون؟ لماذا يحاورونها؟ هي أخذت مكان المتفرج. ستبقى متفرجًا حتى بعد هذا الحدث، وهي اختارت هذا المكان وهي تستحقه.
أحمد البيقاوي: ليس أكيدًا ما تقوله أنت بناءًا على وجهة نظرهم أنهم سيبقون هكذا. يقولون لك أن الموجة عالية جدًا، والأفضل بموجة عالية مثل هذه. يعني هذا من البداية، من أجل ذلك فكرت أنه من الأفضل أن نقطع هاتين السنتين. -اسمحلي بس من بعد إذنك-. لكن أقصد بمعنى أنه في الحدث الأول كحدثٍ كبير. ردة الفعل عليه ستكون ردة فعل كبيرة. البعض رأى أن ردة الفعل الإسرائيلي ستكون مجنونة كثيرًا وستغير شكل المنطقة. قيادات حركة فتح والسلطة الفلسطينية، هذا يعني كما يتبناه البعض، قرروا أن ينحنوا للموجة الكبيرة كي لا يتعرضوا للاغتيالات وبإنهاء غزة. أو أيضًا بإنهاء الفصيل الكامل أو الاغتيالات أو غيرها من الأشياء التي نعيشها اليوم. فهذه وجهة نظر.
عوني المشني: حسنًا، لا أحد طلب من حركة فتح أو من السلطة الفلسطينية ولا أنا أطلب من السلطة الفلسطينية، ولا أي مقاوم يطلب من السلطة الفلسطينية أن تقاتل في غزة. لم يكن مطلوبًا من السلطة الفلسطينية أن تأت و تقاتل في غزة، لأنها موضوعيًا لا تستطيع. ليس لأنه مطلوب منها أو ليس مطلوب. لأنها موضوعيًا لا تقدر، أو لأنها لم تجهز نفسها لهذا المسار، أو لأنها ليست في هذا المكان بالضبط. كان مطلوبًا من السلطة الفلسطينية وكان مطلوبًا من قيادات حركة فتح، أن تشكل قوة سياسية رافعة لتغيير مسار الأحداث باتجاه تقليل الإبادة الجماعية، أو باتجاه وقف الحرب على غزة وباتجاه إنهاء الحرب على غزة. كان مطلوبًا من السلطة الفلسطينية أن -هذا السؤال يعني أنت وضعتني في مكان آخر- قرار الحرب وقرار السلام. لو كان هناك وحدة وطنية كان ممكن 7 أكتوبر أن يتم بالشكل الذي كان فيه، حتى لو سنعتبره خطأ أو صح. لو كان في وحدة وطنية في منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وبرنامج نضالي موحد، وحماس والجهاد جزءًا منه. كان أصبح القرار الفلسطيني قرار منظمة التحرير، وقرار كل الفلسطينيين وقرار الشعب الفلسطيني الموحد.
أحمد البيقاوي: نعم أنت الذي تقوله نظريًا هذا بأثر رجعي، لكن اليوم أنت واقف على مكان فعليًا يوجد قرار الحرب والسلم واتخذه طرف.
عوني المشني: يوجد سؤاٌل ثانٍ أيضًا. وهذا صحيح الذي تتكلم فيه أنت. أنا أحكي في أثر يعني الأساس فيما بعد. لكن أنت تقول سابقًا أخذوا طرف، وقرار ثلاثين سنة مفاوضات أخذه طرف. من أعطاك حقًا بثلاثين سنةً مفاوضات؟ إذا أنت لا تعطي. أنا أعتقد أنه جريمة أن يكون قرار الحرب والسلم بيد طرف واحد، ويجب أن يكون هذا القرار بيد الفلسطينيين موحدين في إطار برنامج سياسي واستراتيجية وطنية فلسطينية. لكن لا تريد الذهاب لهذا البرنامج ولا لهذه الوحدة؟ وتقول ممنوع على هذا الطرف أن يقرر، كيف؟ كيف يعني بأي طريقة؟ تقول ممنوع لهذا الطرف أن تقرر حين تفتح له مجالًا أن يكون شريكًا لك في القرار السياسي. وشريكًا لك في القرار النضالي، وشريكًا لك في الحكم، وشريكًا لك في تحديد مستقبل الشعب الفلسطيني. أمّا تقول له ممنوع أن تكون شريكي وممنوع تقرر، من الذي أعطاك هذا الحق؟ أنا لا أدافع عن حماس ولا شيء، لكن أنا أقول أن المنطق السياسي هكذا. المنطق السياسي أنه في إطار الوحدة الوطنية وضمن الشعب الفلسطيني، ممنوع أي طرف سياسي بما فيها حماس أن تقرر، وليس من حقها أخذ الشعب الفلسطيني إلى حرٍب بهذا المستوى قد تؤدي إلى تهجير غزة، أو قد بل وأدت إلى تدمير 70 أو 80 إلى 90 في المئة من غزة. ممنوع على حماس أن تعمل هكذا، لكن هذا له شروطه حتى يكون ممنوعًا. أن يكون في سياق فلسطيني موحد، سياق فلسطيني في إطار منظمة التحرير، سياق فلسطيني في استراتيجية وطنية موحدة. وممنوع أيضًا، على أن يأخذنا أحد إلى ثلاثين سنةً مفاوضات، أدت إلى تعزيز الاستيطان وأدت إلى تعزيز الاحتلال في الضفة الغربية، أيضًا ممنوع هذا الكلام. كل هذا بحاجة، قرار الحرب يساوي قرار السلم، وقرار الحرب والسلم بنفس الخطورة، وبالتالي ممنوع على طرف أن يأخذه.
أحمد البيقاوي: كل فعل فلسطيني يكون ضد الاحتلال يكون له جانب ما أو آثار داخلية أو أهداف داخلية. البعض رأى فعليًا في 7 أكتوبر يعني داخليًا وعلى مستوى فلسطيني هي اغتيال سياسي إلى الرئيس أبو مازن. وتنحية أو تحييد لحركة فتح والسلطة الفلسطينية، هكذا رآها البعض. ومن هذا الباب فعليًا يُقال الطرفين في البدايات كانوا رافضين.
عوني المشني: أنا لا أنظر إلى الأمور بالطريقة هذه، أنا لا أفوز بالسباق بعرقلة الخيول القوية. أفوز في السباق بتعزيز قوتي. قوة حركة فتح وفعاليتها ودورها الطليعي الذي يعطيه إياها، فعالية حركة فتح على الأرض، دور حركة فتح على الأرض.
أحمد البيقاوي: ولكن أن أقول لك يا أبو مازن حركة فتح من مكان ثان بالمقابل كانت تقول. . تفضل.
عوني المشني: الذي يرى أن تقدم حماس في المقاومة هذا يُضعف حركة فتح هذه مشكلته. إذا أنت لا تريد تقدم حركة حماس تقدم أكثر منها.
أحمد البيقاوي: لا أنا كنت أقصد نقطة ثانية. كنت أقصد أنه لحظة 7 أكتوبر وما بعدها. وتصدر حركة حماس كعنوان رئيسي للحركة الوطنية الفلسطينية. كان فيه شيء غير مباشر وهو قد يكون اغتيال سياسي للرئيس أبو مازن وتحييده، أنه لم يعد فعليًا ذي صلة أو على علاقة بالأحداث الفلسطينية الموجودة. وحركة حماس فعليًا لا تريد أن تعطيه هذا الشيء، هذه مصادر أو معلومات من داخل حركة حماس وأيضًا من داخل حركة فتح، تتكلم عن مزاٍج عام في البدايات كان؟ برفض التواصل وهذا الشيء انعكس، يعني البعض يقول أنه انعكس فعليًا داخل حركة فتح بشعورهم، بأنه نعم يوجد فعلًا كبيرًا كان موجودًا، لكن أنتم أيضًا تريدون أن تتصدروا الحركة الوطنية على حسابنا بتحييدنا من المشهد.
عوني المشني: منطقي منطقي. من يتصدر الحدث يتصدر الحالة السياسية؟ حركة فتح أخدت قيادة منظمة التحرير بحرب 3 أيام أو يوم ونصف، الكرامة. معركة الكرامة يوم ونصف، وعلى أساسها حركة فتح أخذت قيادة منظمة التحرير. ولولا الكرامة لم تأخذ حركة فتح قيادة منظمة التحرير. برنامج ونضال وتضحية، وكما سماها أحمد جبريل مغامرة. نعم حركة فتح غامرت، الصمود في الكرامة أمام الجيش الاسرائيلي المنتصر من حرب 67. ومع ذلك أخذت القيادة فتح. أنت تريد يعني من يتصدر حدث يتصدر السياسة، هذا مفهوم في التاريخ وهذا ليس جديدًا. وإذا كان بتوقع أن تركيبة ودور القوى السياسية ما قبل حرب هو سيكون ما بعد الحرب، هذا واهم وسيتغير. هل هذا يعتمد على نتائج الحرب؟ يعتمد على كيف تنتهي الأمور في غزة؟ يعتمد كيف تخرج حماس، كيف ستخرج فتح، كيف ستخرج القوى الأخرى. هذا يعتمد على عناصر كثيرة. لكن بالنهاية هذا قانون في السياسة، الذي لا يقرأ السياسة كعلم لن يفهمها. أنت تريد أن تأخذ الحياد السلبي وتقول لي أنا سأقود، كيف يعني؟ كيف يعني بأي طريقة؟ من قال أن الحياد السلبي يعطيك دور قيادة؟ الأموات يمكنهم أن يقودوا لأنهم سلبيين، يعني بمعنى آخر، سلبيين بمعنى لا يوجد لهم فعل على الأرض. من يصنع الحدث يقود سياسيًا، هذا بالتاريخ. الآن السؤال، هل حماس صنعت حدثًا واستطاعت وضعه في سياٍق سياسي صحيح أو لا؟ هذا يتطلب نقاشًا. هل حماس صنعت الحدث، وإلى أين أوصل الشعب الفلسطيني؟ لمكاٍن أفضل أو أقل أو أسوأ؟ هذا أيضًا يتطلب نقاشًا.
أحمد البيقاوي: حسنًا ناقشه، لأنه بناءً على هذا النقاش أنت ستحدد موقف حركة فتح كيف ستتصرف؟
عوني المشني: حسنا نناقشه بالتأكيد لكن بعد.
أحمد البيقاوي: بعد بريك سيجارة؟
عوني المشني: نعم بعد بريك سيجارة.
أحمد البيقاوي: طيب يلا تفضل تفضل ههههه أهلًا وسهلًا وأهلًا برجعتك.
عوني المشني: هلا بيك.
أحمد البيقاوي: كم سيجارة دخنت؟.
عوني المشني: يعني سيجارتين.
أحمد البيقاوي: -أنا بقول شكله ولع الثاني يعني مباشرة- يعطيك العافية، وأهلًا وسهلًا فيك مرة ثانية. أريد أن أسألك، أين انتهينا أو أين توقفنا قبل السيجارة. حتى لا نظَل نتكلم بأشياء بالهواء. برأيك كيف يُفترض أن تقرأ حركة فتح ما حدث يوم 7 أكتوبر وما بعده؟ وكيف كان يجب أن يكون سلوكها؟
عوني المشني: كما أقرأها أنا يُفترض أن تقرأها. أنا أدَّعي المعرفة أكثر من الآخرين، لا بالتأكيد الآخرين يمتلكون خبرة، ويمتلكون رؤية، ويمتلكون عمق يمكن أكثر مني بكثير. وأحيانًا أتعلم منهم وهذا منطقي. أنا لم أصل ناصية العلم. لكن أعتقد أن 7 أكتوبر، أن الانفجار في غزة كان ضوءًا طبيعيًا أن يحدث. كان طبيعي أن يحدث نتاج سنين من الاضطهاد، من الحصار، من المضايقات وإلى آخره. ماذا كان مفروضًا أن يكون 7 أكتوبر؟ كان ممكن أن يكون شيءًا قبل 7 أكتوبر دون أن يؤدي بنا إلى 7 أكتوبر. والذي هو تحقيق شكل من أشكال الوحدة الوطنية. وأعتقد أن كل القوى بتناسب بنسب مختلفة عطَّلت هذا المسار بما فيها حركة فتح. بما فيها حركة فتح عطلت هذا المسار، وليست حماس وحدها بنسبٍ مختلفة، قد تكون نسبة فتح أعلى، قد تكون نسبة فتح أقل، لكن بالأخير تعطيل مسار الوحدة الوطنية المسؤول عنه حركة فتح وحركة حماس بنسبٍ مختلفة. السؤال، الانفجار كان المفروض يحصل، لكن هل كان مفروضًا أن يحصل بهذا الشكل؟ أنا باعتقادي لا. باعتقادي كان من المفروض أن تضع حركة حماس في حساباتها الحالة الجماهيرية، أن تضع في حساباتها ردة فعل الاحتلال الغير متوقعة. وأنا لا أقول لك أنني كنت متوقعًا ردة فعل الاحتلال بهذا المستوى. أنا لم أكن متوقعًا. كنت متوقعًا ردة فعل هائلة جدًا للاحتلال، كبيرة جدًا للاحتلال، لكن ليس هذا المستوى من الإبادة الجماعية. هذه ردة فعل غير متوقعة. لكن هل كان مُفترضًا على حماس أن تحسب حساب أن هذا الفعل قد يؤدي إلى نتائج قد تكون كارثية على الشعب الفلسطيني؟ كان من المفروض أن تحسب حماس هذا الحساب بدقة لأنه ممنوع السياسي أن يخطئ. مسموح للشخص أن يخطئ. أنا أخطئ بمسيرتي الشخصية كشخص لا مشكلة أتحمل مسؤولية خطئي. أتعثر، أتحاسب، أرتقي، أنخفض إلى آخره. لكن لما شخص يريد أن يقود شعبًا بالكامل. كان يُفترض على حركة حماس أن تكون لديها حسبة أكثر دقة وأكثر موضوعية، بما يحافظ على مسار الشعب الفلسطيني وعلى وضع الشعب الفلسطيني أكثر. السؤال كيف؟ لا أقبل التبرير الأمور فلتت أصلًا، نحن لم نكن نتوقع انهيار حائط الدفاع الإسرائيلي بهذا الشكل، القوى السياسية الثانية والناس دخلوا وعمقوا الوضع بطريقٍة لم نستطع السيطرة عليه. هذا بالسياسة لا يُقال، هذا نوع من التبرير لكن في السياسة يحب أن تكون حاسبًا حسابَ كل هذه المعطيات؟ وإلاّ لماذا أنت قوى سياسية منظمة ومسيطرة ومهيمنة وتقود غزة وتسيطر عليها وتحكم في غزة؟ أنا أعتقد كان على حماس أن تقود معركتها بطريقٍة تجنب الشعب الفلسطيني نسبيًا وليس كليًا، نسبيا مثل هذه النتائج. ليس من المنطق سحب الذرائع كما يقول أبو مازن، هذا لا أؤمن فيه. "الإسرائيليين يخترعون ذرائع"، لكن من منطق أن هذه ليست هي المعركة الأخيرة. ومسيرة التحرير مسيرة طويلة، والأساس في مسيرة التحرير صمود الشعب الفلسطيني على أرضه في وطنه. هذا الأساس هو المهم، هذا الجوهر، هذا القضية المركزية. فبالتالي كان يُفترض على حركة حماس أن تحسب هذا الحساب بدقٍة أكثر. أو مثلما أقولها تُوزِّن بميزاٍن من ذهب. بمعنى آخر بدقة متناهية، مليغرام. لأن مستقبل الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يصبح رهينة لاجتهادات قد تكون خاطئة.
أحمد البيقاوي: هذا على مستوى القراءة وعلى مستوى الفعل. حدث الذي حدث، كانت تتمنى حركة فتح لو صار هذا الشيء بشكٍل مغاير، ولكن على مستوى الفعل. كان في مقاومة، صار في حدث، صار في مقاومة وإبادة. ثم بدأت المقاومة مع الحصار المشدد تراجع مستواها وبقيت الإبادة. اتجاه غزة أولا، يعني أفترض أن هنالك سلوك، يوجد شيء كان يجب أن يكون يعني لا نعرف ما نفعل. ممكن أن تخبرنا ما الذي كان يُفترض أن يُنفّذ. في سياق الضفة الغربية أيضًا هناك منطقة تحكمها أنت، الوحيد بتنظيمك وكوادرك قواعدك، تمام. ذهبنا أكثر باتجاه وهو الانحناء للموجة، أو الانحناء للموجة العالية.
عوني المشني: أنا أقول لك. كان يُفترض أولًا على حركة فتح وعلى منظمة التحرير الفلسطينية وعلى السلطة الفلسطينية، وعلى محمود عباس بالتحديد كرأس هرم للسلطة وللمنظمة ولحركة فتح. أن يبادر إلى وحدة وطنية فلسطينية في إطار منظمة التحرير، وفي إطار توحيد الكل الفلسطيني ليخوض المعركة السياسية بشكلٍ موحد، بدل أن تُخاض بالطريقِة التي تُخاض فيها اليوم. اليوم أجهزة المخابرات العربية هم الذين يتحكمون في القرار الفلسطيني وهم الذين يقررون وهم يفاوضون. واليوم فلسطين عبارة عن ملف للمخابرات العربية والمصرية والأردنية، وكله. و تنزيل مستوى فلسطين إلى مستوى ملف جهاز المخابرات، هذا عيب وهذا عار. وهذا يتحمل القيادة الفلسطينية بالأسماء والأشخاص المسؤولية عن ذلك. لم يكن ياسر عرفات أن يقبل أن يتعامل كملف لدى المخابرات، أي مخابرات في العالم بما فيها المخابرات المصرية والأردنية وغيرها. وخاض معاركًا طويلة من أجل أن يبقى القرار الفلسطيني سياسي، ومستوى سياسي وتمثيل سياسي يليق بالشعب الفلسطيني. ويليق بتضحيات، ويليق ببطولات ويليق بتاريخه. كان مفروضًا على أبو مازن أن يبادر إلى وحدٍة وطنية في إطار منظمة التحرير، وفي إطار إعادة الاصطفاف الفلسطيني، بما يوازي التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية وهي الإبادة والتطهير والإبادة في غزة، والتطهير العرقي في غزة، هذا أولا. السؤال، ولكن حماس لا تقبل؟ هذا ليس مبررًا. هذا كلام فارغ. ولكن حماس لا توافق، حماس لا ترد، ولكن حماس ليست موافقة على شروطنا. كان مفروضًا أن تحاول مرة ومرتين و10 و20 و100 و120مرة. حتى تصل إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية، وبأكثر مسافة زمنية، وبأكثر الطرق ملاءمة، حتى تواجه المعركة السياسية الموازية للمعركة العسكرية في غزة. كان معروفًا لدى القيادة الفلسطينية، وكان معروفًا لدى كل فلسطيني. وكان معروفًا لدى كل ذو عقل في المنطقة. أن الإسرائيليين حاربوا حماس لمدة أسبوع في غزة، لكن حاربوا الشعب الفلسطيني 20 شهرًا بعد الأسبوع الأول. حاربوا المستشفى وحاربوا المدرسة، وحاربوا الماء وحاربوا الكهرباء، وحاربوا الطفل وحاربوا الممرض وحاربوا دكتور الجامعة. وبالتالي كانت الحرب بهدف الإبادة. كان معروفًا لأبو مازن هذا الكلام. كان يُفضل أن نعمل وحدة وطنية فلسطينية. ويجلس أبو مازن على الطاولة ليفاوض باسم الفلسطينيين ككل، وباسم حماس وباسم الشعبية وباسم الديموقراطية وباسم السنوار، وباسمِ الكل الفلسطيني. حتى نخرج بصيغة تُقصِّر حرب الإبادة أو تجنبنا الإبادة قدر الإمكان. أنا لا أدّعي أنه كان بيد أبو مازن عصا سحرية ويستطيع أن يحقق هذا الكلام. لكن كان يكفي شرف المحاولة، وكان يكفي صدقية المحاولة. وكان يكفي مسؤولية المحاولة، وكان يكفي جدية المحاولة، لم تكن لا جدية ولا مسؤولية، ولا وطنية، المحاولة لم تكن.
أحمد البيقاوي: ماذا كان؟
عوني المشني: كان؟ أخذ موقف الحياد السلبي! ننتظر، وكان قسم ينتظر.
أحمد البيقاوي: إذا يمكن أن تستخدم مصطلحات أخرى غير الحياد السلبي ماذا تستخدم؟
عوني المشني: وكان قِسم ينتظر هزيمة حماس، يعتقد نفسه أنه البديل. وكان البعض ينتظر ويقول لنرى أين ستذهب الرياح، وأنا أمشي مع الريح حسب الريح. إذا انتصرت حماس نبحث عن صياغة. وإذا ما انتصرت حماس نبحث عن صياغٍة أخرى. وأنا باعتقادي هذا موقف أقل ما يقال فيه أنه انتهازي. أقل ما يقال بالتوصيف المؤدب، بتوصيف الخلوق، في التوصيف السياسي هو انتهازي، أما التوصيفات الشعبية له هو أكثر من الانتهازية، أردأ من الانتهازية.
أحمد البيقاوي: ماذا عن الضفة الغربية؟
عوني المشني: الضفة الغربية؟ كان يُفترض على القوى السياسية في الضفة الغربية. سأقول لك شيئًا لوحدك. كل العالم مقصر بحق غزة، أمم متحدة، أوروبا، أمريكا، الوطن العربي، العالم الإسلامي كله كله مُقصِّر بحق غزة. لكن أكثر المقصِّرين بحق غزة هم الفلسطينيين. هم الفلسطينيين وهم الضفة الغربية. أنا لا أقول كان من المفروض على الضفة الغربية أن تحمل السلاح وتخرج لتقاتل في الشوارع. لا لا يوجد إمكانية وهذا عبث. لأنه أيضًا نحن نريد أن نجنِّب الضفة الغربية التطهير العرقي قدر الإمكان إذا استطعنا. مع أن التطهير العرقي سياسة إسرائيلية وسياسة رسمية إسرائيلية ومعلن عنها. برنامج سموتريتش الذي تبناه نتنياهو في الحكومة الأخيرة لحسم الصراع، هو برنامج تطهير عرقي بشكٍل واضح وجلي. أنا لا أريد أن أحلل هذا ليس بحاجة لتحليل ولا بحاجة لسياسي، هذا بحاجة إلى قارئ صف أول، يعرف أنه برنامج تطهير عرقي. كان معروفًا هذا الكلام، لكن أقل معدل تجنيب الضفة الغربية مسار ممكن أن يُؤدي إلى تسريع التهجير، هذا مهٌم. لكن كان يمكن للفلسطينيين في الضفة الغربية والفلسطينيين أن يكونوا متضامنين مع غزة بطريقٍة أكثر فعالية، بطريقٍة أكثرَ تأثيرا، بطريقٍة أكثر حضورا. وهذا باعتقادي هو قصور الفصائل الفلسطينية ومنها حركة فتح، ومنها الجبهة الشعبية ومنها الديمقراطية، ومنها الشيوعيين ومنها الكل.
أحمد البيقاوي: لكن يا أبو مازن ممنوع. مظاهر التضامن التي تتكلم عنها، بدل أن نحمل مسؤولية التقصير للشعب الفلسطيني أو لأهالي الضفة أو الفصائل. يوجد أحد فعليًا لأول مرة من بعد إذنك لأول مرة، يستخدم فيديوهات لقمع المعارضين للرئيس والسلطة الفلسطينية مثله مثل أي نظام عربي قامع. هل رأيت الفيديوهات التي خرجت من جنين؟ هذه مشاهد لم نرها بحياتنا. فأنت تنفذ قمعًا، مستوى من القمع لأي صوت مؤيد لفعل مقاومة أو مؤيد لتظاهرة أو مؤيد لشيء، يعني مستوى عاٍل جدًا.
عوني المشني: حرب 7 أكتوبر، وضعت الفلسطينيين أمام واقعًا جديدًا. الواقع الذي اختارته السلطة قبل 7 أكتوبر هو واقع السير على حد السيف. بمعنى آخر، محاولة خلق توازٍن ما بين دور السلطة الوظيفي كما هو مخطَّط لها وكما هو يُفهم، وكما هي سلطة حكم إداري ذاتي. ،وكما لها مهمات أمنية. وما بين حاجة الشعب الفلسطيني للسلطة. الشعب الفلسطيني يحتاج السلطة، يحتاج السلطة في مئة شغلة وشغلة. بالتالي قبل 7 أكتوبر كان في محاولة خلق هذا التوازن. خلق هذا التوازن أحيانًا يميل قليلًا هنا يميل أقل هنا، يميل أكثر هنا، لكن كان هناك نجاحًا إلى حّد ما لسبعة أكتوبر. 7 أكتوبر سرَّعت حالة الحسم. لم يعد هذا التوازن مقبولًا، لا للإسرائيليين ولا للفلسطينيين. لم يعد هذا التوازن مكتوبًا. في لحظات حسم في التاريخ لا يناسبها هذا التوازن، يمكن فيها أن تأخذ موقفك. السلطة الفلسطينية انطلاقًا من محاولة للإبقاء على هذا التوازن، أخذت الحياد السلبي. لكن الحياد السلبي موقف، الحياد السلبي هو اصطفاف، ماذا يعني الحياد السلبي في ظل حرب إبادة لشعبه.
أحمد البيقاوي: هل تسمح لي مقاطعتك هنا؟
عوني المشني: تفضل.
أحمد البيقاوي: نحن التاريخ يبدأ وفي الكثير من الأشياء منه من 7 أكتوبر. لكن يوجد سلوك عند السلطة الفلسطينية ما قبل 7 أكتوبر بسنيٍن طويلة، والذي عزز فعليًا. يعني إذا يمكن أن نقول دجّن الفلسطيني من مكان، وتحول الفلسطيني إلى شٍخص مثلًا خلال اعتداءات المستوطنين يصور بالهاتف كي يذهب للمحكمة الاسرائيلية. وإذا أريد أن آخذ مشهدَ تجلي. أنا بالنسبة لي من المشاهد الحارقة أو الحساسة جدًا، وهو مشهد حرق حوارة ما قبل 7 أكتوبر. حين هجموا المستوطنين على حوارة مرة ومرتين وحرقوا البلد. السلطة الفلسطينية بأجهزتها الأمنية بحركة فتح بكل شيء، لم تتخذ أصلًا أي فعل لتحمي أهل حوارة من تكرار الحدث مرة أخرى، أو من تعزيز الفلسطينيين الموجودين فيها. فأعتقد من هنا، يوجد شيء بهذا المشهد تحديدًا، أحتاج أن أفهمه على مستوى توجه السلطة الفلسطينية للتعامل مع المخاطر ومع الاحتلال، ليس فقط بنقاٍش داخلي، يعني مع الاحتلال بسياقه في زمن سبق 7 أكتوبر.
عوني المشني: أنا أقول لك شيئًا واحدًا. تحميل السلطة ما لا تستطيع حمله يعني أعتقد أنه ظلم. السلطة الفلسطينية ليست مؤهلة لحماية الشعب الفلسطيني. السلطة الفلسطينية حكم إداري ذاتي محدود في أجهزة أمنية، وظيفتها تحقيق الأمن الداخلي قدر الإمكان، هذا أولًا. وثانيًا حماية الاتفاق، حماية الاتفاق بما فيه حماية أي ضرر على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ومن أجل ذلك، السلطة الفلسطينية لم تُشكَل لتحقيق هذا الغرض، ولا تستطيع حماية الشعب الفلسطيني، الذي كان مفروضًا أن يحمي الشعب الفلسطيني ليست السلطة الفلسطينية. ليس دفاعًا عنها يعني. السلطة الفلسطينية فيها ألف يُقال فيها ما لم يقله مالك في الخمر، يعني من كثر ما فيها خطايا. الذي كان من المفترض أن يحمي الشعب الفلسطيني الفصائل الفلسطينية. فتح، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية، حماس وإلى آخره. يعني كل منظومة الفصائل الوطنية الفلسطينية هي المطلوب منها حماية الشعب الفلسطيني، وهي القادرة على حماية الشعب الفلسطيني. وهي المؤهلة لحماية الشعب الفلسطيني. السلطة الفلسطينية كان مطلوبًا منها أن لا تكون عائقًا وعقبة أمام حماية الشعب الفلسطيني. هذا كان المطلوب فيها. وثانيًا، كان مطلوبًا من السلطة الفلسطينية عندما الإسرائيليون تخلوا عن، وبشكٍل علني وبشكٍل واضح وبألف مسلك. وعلى رأي السلطة الفلسطينية 140، أو أيام صائب عريقات الله يرحمه 160 أو 180 خرقًا لاتفاق أوسلو. كان مطلوبًا من السلطة الفلسطينية أن تحمي اتفاق أوسلو وليس أن تحمي الشعب الفلسطيني. عندما يخترق الإسرائيليون اتفاق أوسلو، نحن أيضًا نُخفِّض دورنا في اتفاق أوسلو. كان ممكن استخدام هذه الأوراق بطريقة صحيحة، وبطريقة ذكية، وبطريقة منطقية بما يساهم في حماية الشعب الفلسطيني. أمّا أنا أقول لك،. يعني كل شخص يقول لك: يا أخي الأمن الوطني يذهب ليقاتل "إسرائيل". الأمن الوطني لا يستطيع أن يقاتل الاسرائيليين، الكلاشينكوف "نوع سلاح"، لا يمكنه قتال الإسرائيليين، لنتكلم بصراحة. والسلطة الفلسطينية ليست تنظيمًا فدائيًا يعني ليست قوات عاصفة لحركة فتح. السلطة الفلسطينية قوات لحماية الاتفاق، هذا بشكلٍ واضح جدًا واضح.
أحمد البيقاوي: أنها هي لحماية الاتفاق. هذا مصطلح تجميل للغة؟
عوني المشني: هو حماية الاتفاق. بمعنى آخر لحماية وجود السلطة الفلسطينية ولحماية العلاقة مع الإسرائيليين. العلاقة مع الإسرائيليين جزءًا من هذا الاتفاق. نحن لم نأتِ على ظهر دبابة لفلسطين. نحن جئنا باتفاق بموافقة إسرائيلية، لا يتوهم أحد أنه يوجد دولة فلسطينية، لا يوجد دولة فلسطينية، بل سلطة حكم ذاتي محكومة بقوانين الاحتلال وبأمرٍ عسكري وشكلت السلطة الوطنية الفلسطينية. هذا هو، هذا بدون تجميل، بدون تجميل. لكن السؤال الثاني أنه يوجد فاصل فيه خط دقيق جدًا، ما بين أنك أنت تحمي الاتفاق، وأنت تتحول لقوات تحمي الاحتلال. أحيانًا السلطة تحولت لهذا الموقف. وثانيًا، هنا أصبح يوجد خلط. أيضًا في مسألة ثانية، مسألة إشكالية في المجتمع الفلسطيني، التي هي مسألة القتال الذي تم، أو التنظيمات الفلسطينية والمجموعات الفلسطينية في جنين ونابلس وطولكرم، التي تطورت وشكلت ظاهرة. هل هي ظاهرة أخلاقية، أو ظاهرة وطنية، أو ظاهرة مقاومة؟ لكن السؤال، الظّاهرة بشكلها الذي كان موجودًا فيه، كانت ممكن أن تؤدي إلى كوارث، بطريقة أو بأخرى. برغم حسن النوايا، وبرغم أخلاقية المناضلين، وبرغم دافعهم الوطني الحقيقي، وبرغم كل هذا الكلام. كان من الممكن تنظيم هذه الظاهرة بطريقة غير التي تمت فيها. السلطة الفلسطينية تُدخل قوات لمدة ثلاثة أشهر في جنين كي تقمع، وكي تقتل وكي تذبح، كان هناك طرق مختلفة أخرى. السلطة لم تكن لديها عقل راجح لحلِ الموضوع بطريقةٍ أخرى. وكان ممكن هذا الحل، وأقدم للسلطة اقتراحات، وأفكار للحل بطرقٍ أخرى. وأنا من الناس الذين قدموا طرقًا أخرى. وآخرين غيري أحسن مني، وأقوى مني وأفضل مني أيضًا قدموا. بمعنى آخر، السلطة ارتكبت خطيئة في هذه الطريقة بالحل، ليس خطأ بل خطيئة. لاكان هناك طرقًا أخرى مختلفة ومنطقية. والناس ليست عصيًة على الفهم. والمصلحة الوطنية واضحة وضوح الشمس، قد نستطيع أن نتفق نحن والآخرين عليها. لا يوجد قضية غير قابلة للاتفاق، ولا قضية غير قابلة للفهم الوطني المشترك، ولا قضية غير قابلة لتكون سياقًا عامًا. يوجد قضية، ويوجد ناس، السلطة الفلسطينية لم تكن تملك لا البصر ولا البصيرة في التعامل مع هذه القضية. لم تخطئ، ارتكبت خطيئة، ارتكبت خطيئة أكبر من خطأ.
أحمد البيقاوي: ساعدنا اليوم لنفهم نفسية الفتحاوي في مناطق الضفة الغربية، وهو يرى الجرائم والإبادة في غزة. حُكي له على توجه سياسي بأنه يجب أن ننحني. ولكن صار هناك شعورًا أنا أعرفه من ذات الناس الذين كانوا يخبروني أن التوجه الأفضل هو الانحناء للموجة. يقولون أنهم أصبحنا نخاف أن نرفع رأسنا مرة ثانية. ومن مكاٍن ثاٍن، في كمية الاعتداءات، واعتداءات المستوطنين وبلطجة المستوطنين، ويرى الفتحاوي بأنه لابد من أنه يكون له دورًا باتجاه حماية قريته، بلدته ومدينته أو منطقته على الأقل، إذا لا يريد أن ينتصر للإبادة في غزة بأي شكل من الأشكال. هل ممكن أن تُفهِمني نفسية الفتحاوي اليوم؟
عوني المشني: أنا باعتقادي الفتحاوي اليوم في فلسطين، يعني أعتقد أنه لا يفكر بنفس الطريقة. أعتقد أنه يوجد أنماط مختلفة في التفكير في داخل حركة فتح. يوجد نمط وهي القلَّة القليلة وهي كلها مستأثرة ومن حولها، ويعتقدون أن ما يحصل اليوم ليس جيدًا. يعني حماس تنهزم نعم جيد. فهذا يعزز سلطة فتح، ويقوّي حركة فتح، وهذا الكلام يعيد لحركة فتح دورها الأساسي إذا هُزِمت حماس. وهذه فئة قليلة وأنا باعتقادي فئة معزولة وباعتقادي فئة ليست جماهيرية، وباعتقادي فئة يوجد ألف سؤالًا حول طريقة فهمها ووطنية فهمها ووطنية مسلكها، أيضًا يوجد ألف علامة سؤال. القيادة العامة في حركة فتح تعيش حالة الاغتراب الذي قلت لك عنه. هي حركة وطنية، تشعر بغضب، تشعر بقهرٍ هائل مما يحصل في غزة، تشعر بسحق، تنسحق نفسيتها. تنسحق أمام هذا الجريمة الكبيرة التي تحصل للفلسطينيين في غزة. وهذه الفئة ترى أنه يجب أن يكون دورها مناضلًا. لكن يوجد سؤال كبير في وسط حركة فتح وفي وسط الشارع الفلسطيني بشكلٍ عام. هذا السؤال لحتى اللحظة لا إجابة عنه. هذا السؤال ينطلق من حقيقتيْن. الحقيقة الأولى، إذا كانت المفاوضات عبثية بين قوسين لمدة ثلاثين سنة، أدت بنا إلى أن الاحتلال تشرع أكثر في الضفة، والاستيطان تغول أكثر في الضفة، واعتداءات المستوطنين تحولت إلى منهج وقوة سياسية منظمة لتنفيذ التطهير العرقي، محمية بدولة "إسرائيل"، ومحمية بالجيش الإسرائيلي. هذه ثلاثين سنة مفاوضات أدّت إلى هذا الوضع. وبالمقابل، إذا كانت المقاومة في غزة أدت إلى تدمير 90 في المئة من غزة وقتل سبعين ألف أو مئة ألف فلسطيني. استشهاد مئة ألف فلسطينيًا في غزة، و200 ألف جريحًا فلسطينيًا في غزة، يعني أكثر من عشرة في المئة من عدد سكان غزة بين شهيد وجريح. وإضافة إلى تدمير كل البنى التحتية في غزة من جامعات ومن مدارس ومستشفيات، من طرق، من المياه، من المواصلات، من كل هذا. نحن أمام سؤالٍ كبير. حسنًا ماذا نفعل؟ هل يوجد طريق آخر غير بين قوسين، مفاوضات عبثية أو مقاومة مغامرة؟ هل يوجد طريق آخر؟ هذا السؤال باعتقادي هو السؤال الضخم الذي يعيشه كل شخص في حركة فتح، والذي يعيشه معظم المفكرين الفلسطينيين، والذي يعيشه معظم المثقفين الفلسطينيين. والفصائل غائبة عن الإجابة عليه، من معارضة لغير معارضة، فصائل تهرب من السؤال. إمّا تهرب بصمتها، وإمّا تهرب ببيانات غوغائية لا معنى لها. تردد كلامًا إنشائيًا، تقرأ البيان دون أن تخرج بجملة مفيدة. تقرأ بيانًا كاملًا عبارة عن صفحتين ولا تخرج بجملة مفيدة يا رجل، كلام! هو هروب من مواجهة السؤال المصيري، ماذا يجب على الشعب الفلسطيني أن يفعل؟ أنا باعتقادي حركة فتح تعيش هذا السؤال بقوة وبعمق. صحيح عدد من الناس يعيشون ببساطة. لكن اليوم بائع الخضرة بائع الفلافل، شوفير التاكسي، مثقف في حركة فتح، الكادر، يسألون نفس السؤال أين ذاهبين؟ والله كل يوم أُسأل مرتين أو ثلاثة وين رايحين؟ يسألوه بطريقة بسيطة، طيبة أصيلة ليست ساذجة. أصيلة يعني بأصالة. أين نذهب ماذا نفعل؟ وين رايحين؟ طيب ماذا نفعل؟ هل يوجد شيء يمكن أن نفعله؟ هذا السؤال مفروض أن يتصدى له، أولًا القوى السياسية الفلسطينية. أنتم كقوى سياسية تقود الشعب الفلسطيني، مطلوب الجواب على هذا السؤال، ووضع الشعب الفلسطيني أمام الجواب الصحيح، أمام الجواب المنطقي، أمام الجواب الذي يحمي الشعب الفلسطيني، أمام الجواب الذي يقربنا من التحرير. لا يوجد قوى سياسية تتصدى لهذا السؤال لتجيب عليه. وهذا غياب فكري مذهل. والاستعاضة بالأجوبة الديماغوجية، يعني وطن والتحرير والانتصار هذا ليس إجابة، لننحني ونلتزم الصمت، ولنكون مؤدبين كي لا يحصل تهجيرًا. هذه إجابة سخيفة، أنت تريد إجابة تُشكل رافعة للانتقال إلى مرحلة أقرب للتحرر. يمكن أن يكون التحرر بعيدًا لكنه أقرب نسبيًا للتحرر، أقرب نسبيًا لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. وتريد إجابة تعزز صمود الفلسطينيين على أرضهم بطريقٍة أو بأخرى. لأن جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الصهيوني. هو جوهر الصمود على الأرض، جوهر الناس، جوهر الديموغرافيا. لماذا هناك تهجيرًا؟ لماذا الهدف الأساسي التهجير؟ لأنهم يدركون أن الديموغرافيا هي في الأخير صانعة سياسة. وجود سبعة مليون ونصف، سبعة مليون فلسطينيًا على الأرض مقابل سبعة مليون اسرائيليًا يهوديًا، هذا أمٌر مرعب. لكن المرعب أكثر بعد عشر سنين أو خمسة عشر سنة، لما يصيروا أثنا عشر مليون فلسطينيًا مقابل ثمانية مليون يهوديًا، وهذا هل سيكون له تأثيرًا سياسيًا؟ مجبرون أن يكون له تأثير سياسة بحكم التاريخ وبحكم الواقع، بحكم الفلسفة وبحكم الاقتصاد، وبحكم كل علم السياسة.
أحمد البيقاوي: داخل كل تنظيم فلسطيني يوجد تمايز بالساحات، وبين ساحة الضفة تحديدًا وساحة غزة. داخل حركة فتح ما قبل 7 أكتوبر كان المزاج منقسمًا، دعني أقول إذا كنا نستطيع أن نتكلم هكذا. انتبهت ما بعد الإبادة، فُتِح هذا السؤال بأكثر من شكل، وجزء منه بالاتصال والتواصل مع الأصدقاء في غزة، المنتمين إلى حركة فتح أو مقربين من الحركة. أصبحت أرى فعليًا أنه يوجد مزاج فتحاوي آخر مختلف عن المزاج الموجود في الضفة. بمعنى النقد الموجود على حركة فتح داخل الضفة الغربية، جزء أساسي منه نتيجة انخراط حركة فتح في السلطة. حركة فتح في غزة انعزلت بشكٍل أو بآخر أو حُرِمت، يعني ما بين قوسين، من أن تكون جزء من السلطة، وموقع المعارضة لحركة حماس على مدار السنين قوّاها وعزز وجودها أكثر وأكثر وقوّاها تنظيميًا. الإبادة، الأحداث التي نراها، طوفان الأقصى 7 أكتوبر، الإبادة، وكل نقاشنا الذي تكلمناه، عزز الانقسام أكثر ما بين ساحة غزة وساحة الضفة داخل حركة فتح؟ أو قرَّب وجهات النظر أكثر وأكثر برأيك.
عوني المشني: باعتقادي حرب 7 أكتوبر. وليست الحرب بحدِّ ذاتها بل تداعيات الحرب ما بعد الحرب. عشرين سنة من الإبادة لحرب الإبادة الجماعية عززت الانقسام أكثر. أولًا عززت شعور في كل قطاع غزة أن يوجد تخلي عنه، وأن الفلسطينيين تخلوا عنه. وعززت الشعور أكثر بأن حركة فتح تخلت عنهم. هذا الشعور تم تعزيزه بطريقٍة أو بأخرى. وبالتالي أنا أعتقد أن هذه الحرب عززت الانقسام أكثر. لا يمكن، الأقارب مثلًا، إذا رآني ابن عمي في مشكلة ووضع يده على خده وتفرج عليَّ، بعد انتهاء المشكلة أقول له: أنت ابن عمي؟ حل عني أنت لست ابن عمي، أقبل أن نتشاجر ونتحارب هذا طبيعي لكن كيف يمكنك التفرج علي وأنا أتحارب مع الغير؟ هذا الذي حدث! في غزة إبادة والناس يتفرجون ويكتفون ببيانٍ هنا وبيانٍ هناك، يكتفون بموقٍف، يكتفون بكلمٍة هنا وكلمٍة هناك، لكن هذا كلام من قفا الظهر كما يُقال، يعني أي كلام ولا يعني كموقف يؤثر. وبالتالي أنا باعتقادي أن المطلوب من حركة فتح إعادة قراءة ما حصل بطريقٍة صحيحة، وأتخوف بشكٍل هائل أن يكون الإصلاح قد فات في هذا الموضوع. لأنه ما عاد، بعد هذه الحرب لا ينفع أن تقول لي أنك تريد أن تصلِّح وتغير وتريد شرعية. هذا الكلام إذا كان بالإمكان قوله فهو يحتاج إلى مدى طويل، ويحتاج إلى سنواتٍ طويلة لأن عمق الجرح كبيٌر، والنزف طال والموقف المتفرج كَبُر.
أحمد البيقاوي: ألو. رجعت مرة ثانية؟
عوني المشني: نعم رجعت.
أحمد البيقاوي: يعني لا أعرف أين فصل الصوت؟ لكن المفروض أنه يعمل عندك، يمكنك استكمال فكرتك من بعد إذنك.
عوني المشني: أعتقد أن نتيجة هذا الموقف الفلسطيني الذي لم يكن على مستوى الحدث الذي في الضفة الغربية. ويمكن في الخارج أيضًا. لكن ربما في الضفة الغربية أكثر بروز هذا الموقف لم يكن على مستوى الحدث. بحاجة إلى مراجعة، وهذا كان واضحًا في حركة فتح. وبالتالي كانت الأزمة الوجدانية والأزمة الفكرية، والأزمة السياسية في حركة فتح أعلى منها في أي مكان آخر نتيجة هذه الحرب. وبالتالي زادت الأزمة في حركة فتح أكثر. السبب الثاني دعنا نكون موضوعيين حتى لا نُحمل أحد أكثر من طاقته. أن حجم القهر الإسرائيلي في الضفة الغربية ما بعد 7 أكتوبر كان عالٍ إلى درجة أنه أحدث صدمة عند الشارع الفلسطيني لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية، أنت لا تتخيل مستوى التعذيب الذي يواجه المعتقلين الفلسطينيين، أنا باعتقادي هناك ثلاثة أو أربعة آلاف معتقلًا فلسطينيًا بالحدِّ الأدنى، أربعة آلاف معتقلًا فلسطينيًا من 7 أكتوبر حتى اللحظة. يوجد تدمير مئات البيوت. يوجد فوق 350 حاجزًا في الضفة الغربية. كل مدينة كل قرية فلسطينية عليها بوابة. كل قرية فلسطينية عليها بوابة. تخيل أن كل قرية فلسطينية عبارة عن سجنٍ صغيرٍ عليه بوابة، حين تُغلق البوابة لا يستطيع أحد أن يخرج من القرية الفلسطينية. هذا المستوى من القمع في الضفة الغربية، كان عاملًا أساسيًا في أشكال التضامن، أو في تخفيض أشكاله، أو في تخفيض مستويات، أو في تخفيض شكل التضامن مع الفلسطينيين في غزة. حتى لا نحمل أحدًا مسؤوليًة أكثر من اللازم. أمّا بالتأكيد أن القوى السياسية بما فيها حركة فتح، تتحمل جزءًا من المسؤولية. نعم، تتحمل جزءًا من المسؤولية، وجزءًا كبيرًا من المسؤولية. والمسؤولية الأكبر هي على حركة فتح يعني، إذا كان هناك مسؤولية على الجبهة الشعبية وعلى الديمقراطية وعلى الشيوعيين وعلى غيرهم. هناك مسؤولية، لكن المسؤولية الأكبر على حركة فتح حتى نكون موضوعيين لأنها هي الحركة الأكبر، الحركة المؤثرة أكثر، الحركة الفعالة أكثر، فبالتالي هي تتحمل المسؤولية أكثر. لكن هناك أيضًا ظروف موضوعية يجب أن نأخذها في الاعتبار. حجم الهجمة الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية غير مسبوقة منذ عام 1967، هي ليس حرب إبادة، لكن هي في أعلى من أي مستويات قمع احتلالي عبر التاريخ.
أحمد البيقاوي: إذا أردتَ أن تعطيني معالم الانقسام التي كَبرت داخل حركة فتح، بين فتح غزة وفتح الضفة. هل يمكن أن تقدم لي بعض المؤشرات التي تساعدني في فهم هذا الانقسام.
عوني المشني: أنا أعتقد أن الانقسام كان موجودًا في حركة فتح قبل حرب 7 أكتوبر. ظاهرة محمد دحلان هي ظاهرة غزاوية أكثر من أي ظاهرة من أي مكان آخر. هي صحيح في التوصيف السياسي ليست ظاهرة غزة. بالتوصيف السياسي، يوجد أزمة في حركة فتح بشكلٍ عام، في الضفة هناك من يقف مع محمد دحلان وفي غزة هناك من يعارضه. لكن هي أخذت طابعًا إلى حدٍّ ما، أن أغلبية مع من محمد دحلان هم من غزة، وأغلبية من ضده هم في الضفة الغربية. فهي ظاهرة موجودة أصلًا قبل حرب 7 أكتوبر. هذه الظاهرة تعززت بعد 7 أكتوبر. تعززت بشكلٍ جلي، وبشكلٍ واضح وبشكل أكثر.
أحمد البيقاوي: وأصبحت ليست منطلقة من واقع أن حركة فتح أو في غزة تخلت عني حركة فتح، من موقع أنني أنا في غزة تخلت عني حركة فتح. أنا باعتقادي الأزمة اليوم بين حركة فتح وغزة بشكلٍ عام، وليست بين حركة فتح في الضفة وحركة فتح في غزة. اليوم كل مواطن في غزة عنده شعور أن حركة فتح تخلّت عنهم، وكل مواطن حتى لو كان من حماس حتى لو كان من الشعبية، حتى لو كان ديمقراطية، حتى لو كان مستقلًا. أنا باعتقادي أن الأزمة تحولت من أزمة بين طرفي حركة فتح، طرف في غزة وطرف في الضفة بشكلٍ أساسي، ما بين غزة وكل حركة فتح. وهذا الشكل الجديد الذي كان، أو بين غزة وكل الضفة الغربية وعلى رأسها حركة فتح. حتى نكون موضوعيين وحتى نكون أكثر دقة في التوصيف، لأنه لسببٍ بسيط. إذا تكلمت عن الدور النضالي في الضفة الغربية يجب أن أقول أن حركة فتح تتحمل مسؤوليته لأنها هي التنظيم الأكبر. أبو مازن أنت عرفت وقدمت نفسك بكثيرٍ من المواضيع حول شخصيتك البراغماتية على مستوى التفكير وعلى مستوى النقد. واسمك وُجد طوال سنين خلال مبادرات التي هي العمل المشترك مع الإسرائيليين ضمن فكرة الدولتين. إذا أردت البدء بسؤال من الصعب تجاوزه لأنه جزء من نتائج 7 أكتوبر. أنها أوصلت كل النقاط أو المساحات المشتركة إلى حائطٍ مغلق أو حائط يعني سد منيع. منه أن الناس كأنت أو غيرك وكنتم تعملون معهم. وصلوا لمرحلة رفض إدانة الإبادة فرضًا. فهل تعتقد أن هذه المساحة التي تعمل فيها وقضيت عمرًا فيها، تصل إلى نهايتها بعد الإبادة؟
عوني المشني: سأقول لك شيئًا أساسيًا. القصة تحتوي على موضوعيْن في هذا الموضوع. الموضوع الأول له علاقة بمفهوم التطبيع والعلاقة مع الإسرائيليين. من الجيد تفكيك هذا المفهوم ومحاولة الإضاءة عليه. والمسألة الثانية هي العلاقة بالاستراتيجية الفلسطينية للصراع. ماذا نريد كفلسطينيين؟ وإذا وصلنا إلى استنتاجات بهذين الموضوعين، باعتقادي يصبح كل شيء مفهوم سلبًا أو إيجابًا، وكل شيء قابل لإصدار الأحكام عليه هذا سلبًا أو إيجابًا. إذا كان مفهوم التطبيع هو أي علاقة مع أي إسرائيلي يهودي تطبيع معناها يكون الموضوع مختلف. يكون التوصيف أسباب الانطلاق في التطبيع، العلاقة مع الإسرائيلي اليهودي. كيف يكون شكل العلاقة؟ ماذا يكون مضمون العلاقة؟ فهي علاقة مرفوضة وتعتبر شكل من أشكال التطبيع. ووقتها ندين في كل أعضاء الكنيست، الفلسطينيين، كل الفلسطينيين الموجودين في الداخل وندين في كل الحوارات، وكل اليساريين الإسرائيليين المتضامنين معنا.
أحمد البيقاوي: هؤلاء من هم بالداخل نستثنيهم. لأننا لا نحكي عن نقاش التطبيع، لأن نقاش الكنيست شيء آخر ونقاش الـ 48 شيء آخر.
عوني المشني: معناها ندين كثيرًا من القضايا الموجودة في الضفة الغربية، أمّا ا ذا كان التطبيع له علاقة بمفهوم، أن إقامة علاقة على قاعدة التعايش مع الاحتلال والتماهي معه. فهي علاقة تطبيع سواء تماهي أو تعايش ثقافي، أو سياسي أو اجتماعي أو فني أو رياضي أو كل مناحي الحياة. أمّا العلاقة القائمة على قاعدة إنهاء الاحتلال ووصول الشعب الفلسطيني إلى التحرر والاستقلال، فهي علاقة مقبولة وعلاقة ضرورية وعلاقة واجبة أيضًا، هنا تختلف الصورة. أعتقد أننا مثلنا مثل كل الشعوب في الأرض التي خاضت الحرب ضد الاستعمار الفرنسي. الجزائريون انتصروا في باريس قبل أن ينتصروا في الجزائر. الفيتناميين انتصروا في شوارع نيويورك وواشنطن. وأنجيلا ديفيز وإلى آخره من المناضلات الأمريكيات اللواتي ناضلن ضد الاحتلال في فيتنام قبل أن ينتصرن في هانوي وفي فيتنام. بمعنى آخر أن العلاقة مع قوى سياسية إسرائيلية، تستوعب مفهوم حق الفلسطينيين في التحرر والاستقلال هي علاقة واجبة وضرورية. لكن القاعدة السياسية للعلاقة هي التي تفرق إن كان هذا تطبيعًا أو ليس تطبيعًا. إذا كانت العلاقة تعني التعايش مع الاحتلال والتماهي معه، وتكييف الأمر الواقع وتجميله، فهي علاقة تطبيع بلا شك.
أحمد البيقاوي: ما هو مرجعك بهذا الفصل؟
عوني المشني: مرجعي هي ما يُجمع عليه الفصائل الفلسطينية، التي هي حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف والقدس الشرقية، وذات سيادة. وحق العودة الفلسطيني هذه مرجعتي. مرجعتي في أي علاقة تنتقص من هذه المفاهيم الأساسية، فهي علاقة في إطار التطبيع، وهي مرفوضة وهي مُدانة، وهي ضد مصالح الشعب الفلسطيني، ويجب أن تُستنكر ويُشَهر فيها. يعني أنا مثلًا سأقدم لك مثالًا. فيليتسيا لانغر إسرائيلية يهودية، كانت محامية عن الأسرى الفلسطينيين سنة 1967 حتى 1970. ثم رحلت إلى ألمانيا، وتوفيت قبل سنتين. أقيم لها حفلُ تأبيٍن في الدهيشة وعزاء، وفُتح بيت عزاء لها في الدهيشة. يهودي فرنسي هو الذي قام على أساس حملة التوأمة بين المدن الفرنسية، وهو يهودي تونسي أصلًا. كي لا نقول أنه فرنسي فقط. وهو الذي قام على حملة التوعية بين المخيمات الفلسطينية والمدن الفرنسية وأنا كنت جزءًا من هذه الحملة. وسافرت على فرنسا أربع مرات. لمّا توفي في فرنسا، كانت وصيته أن يُدفن في الدهيشة. دُفن في الدهيشة بمراسيم رسمية، وبمشاركة السفارة الفرنسية ومشاركة أصدقائه ومشاركة فرنسيين ومشاركة فلسطينيين، عشرات ومئات الفلسطينيين. بمعنى آخر أن العلاقة مع الإسرائيلي ليست علاقة على أساس الجنس، هي علاقة على أساس السياسة، وليست علاقة على أساس ديني، علاقة على أساس سياسة. أنا مشكلتي مع الإسرائيليين سياسية. إذا كان هناك إسرائيلي يقول: أنا أوافق على حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس وحق العودة، هذا هو صديقي وهو حليفي.
أحمد البيقاوي: المثالان اللذان ذكرتهما، خلطا قليلًا بين الإسرائيلي الموجود فعليًا وما بين شخصية ما من الشعب الفلسطيني، بالعكس يطبعون صورة ويضعونها عندهم في بيوتهم، والتي هي خرجت للخارج. النقاش ليس هنا، بل النقاش يكون بهذه المساحات، ولأنك أنت فتحت موضوع التطبيع بنقاش فعليًا عن الإسرائيليين الموجودين في المستوطنات وفي عموم مناطق ال48. هؤلاء العمل المشترك معهم. هنا يوجد نقاش آخر، هذا ليس فرنسيًا يعيش في فرنسا ولا يهودي تونسي يعيش في فرنسا ولا واحد ثانٍ. أعتقد هنا أحيانًا يحصل خلطًا بهذه القصة. لكن مرة ثانية أنا أفكر أن هذا نقاش يطول نقاشه، وأريد القفز عن نقاش التطبيع لأنه يوجد رأي واضح بالنسبة لي أنا كأحمد مثلًا، أتخذ من البي دي اس، وحركة المقاطعة هي المرجعية في هذا النقاش. خاصة أن نداءها وبياناتها، ويوجد شرعية وطنية ترفض هذه الاتصالات أو التواصلات، وأنا بالنسبة لي هذه مرجعيتها. هذا السياق أو هذا المسار كله. هل تعتقد أنه وصل بعد الإبادة إلى حائطٍ مغلق؟
عوني المشني: أعتقد أنه بعد حرب الإبادة، الاسرائيليين مروا بمرحلتين أو ثلاث مراحل، والمرحلة الثالثة لم تأتِ بعد. المرحلة الأولى هي صدمة الحرب. فالحرب شكلت صدمة للإسرائيليين. هذه الصدمة سببت ردة فعل أكثر يمينية، أكثر عنصرية وأكثر إجرامية. وبالتالي وقف المجتمع الإسرائيلي بقضه وقضيضه مع الإبادة، ولم يصمت. في أغلب المجتمع الإسرائيلي، لمّا أقول أغلبية المجتمع الاسرائيلي أي أنني أتكلم عن 90 في المئة، وأغلبية 95 في المئة، يعني سأستنثني ثلاثة أو أربعة في المئة. وهؤلاء مستبعدين دائمًا، حيث لهم مواقف صريحة وواضحة، وأقل من 3 في المئة أو 5 في المئة يمكن أقل لا أعرف كم بالتحديد. باعتقادي الأغلبية الساحقة من المجتمع الإسرائيلي كان ردة فعلها هي دعم حرب الإبادة. وتحولت الإبادة من فعل يمارسه الجيش الإسرائيلي إلى فعلٍ يغطيه المجتمع الإسرائيلي ويناصره المجتمع الإسرائيلي، وتبرره الصحافة الإسرائيلية، ويشرعنه القضاء الإسرائيلي. بمعنى آخر تحول فعل الإبادة إلى فعلٍ جمعي إسرائيلي. هذه المرحلة الأولى. وبالتالي إذا كنت تسأل من ضد الحرب على غزة؟ تكون النسبة خمسة في المئة ضد الحرب على غزة، لا أكثر، أو 7 في المئة أو 5 أو 6 في المئة. المرحلة الثانية هي مرحلة التحول التي بدأت تحصل في المجتمع الإسرائيلي نتيجة استمرار هذه الحرب. نتيجة المختطفين وأسباب ليست لها علاقة بالموقف من حرب الإبادة. لها علاقة بمصالح إسرائيليين، لأنها أصبحت أغلبية ضد استمرار الحرب وليست ضد الإبادة. وهنا يظهر الفرق. يوجد أغلبية اليوم في المجتمع الإسرائيلي ضد استمرار الحرب وليست ضد حرب الإبادة. بمعنى آخر هم ضد استمرار الحرب، لأن استمرار الحرب يؤدي إلى ضررٍ بمصالح الإسرائيليين. وليس لأنها تقتل فلسطينيين. وليست لأنها لا أخلاقية، وليست لأنها جريمة حرب. هناك أغلبية، الآن هذه الأغلبية التي أصبحت ضد الحرب، ازداد عدد الفلسطينيين الرافضين لحرب الإبادة، ازداد، وبدأ في شخصياتٍ طبيعتها صهيونية ضد الإبادة. شخص مثل يهود أولمرت، وشخص مثل وزير الدفاع السابق سأحاول تذكر اسمه. يعني ظهرت شخصيات موصوفة باليمين أو بالوسط الإسرائيلي، وهي تقول إن الذي يُمارس في غزة هو حرب إبادة وبالتالي هذا خطأ، وليس صحيحًا. انسى موقف جدعون ليفي وموقف العشرات مثله، هو موقف مبدئي ضد حرب الإبادة من البداية، هم أقلية لا تُرى بالعين المجردة في المجتمع الإسرائيلي. يعني أقلية الأقلية، أقلية لا تُرى بالعين المجردة وكما يسمونها أقلية ميكروسكوبية. وبالتالي تطور الموقف. التطور الثالث اللاحق الذي بدأ، ببوادره وإرهاصاته قائمٌ على السؤال التالي: إذا استخدمنا حرب الإبادة، وعملنا في الفلسطينيين ما لا يستطيع أحد أن يعمله، قتلنا 100 ألفًا، دمرنا غزة بنسبة 90 في المئة. قمنا بتنفيذ حرب تطهير عرقي في الضفة الغربية، والفلسطينيين ما زالوا موجودين. ما هو الحل؟ كيف ممكن أن نتعامل؟ بدأ هذا يؤدي إلى نشوء وتطور واسع في "إسرائيل"، ولكن لا يزال في بدايته، ولا يوجد حل مع الفلسطينيين إلا التعاطي معهم بحل سياسي. استخدمنا كل ما يتعلق بالإبادة، ضربنا غزة بما يعادل 6 قنابل ذرية و6 قنابل نووية على مستوى قنبلة هيروشيما. قتلنا 100 ألفًا. دمرنا كل البنية التحتية في غزة، دمرنا مئات البيوت في الضفة الغربية في جنين ونابلس. ويرحلون من مكانٍ لمكان. لا يرحلون خارج الوطن، لا يرحلون للأردن ولا لسوريا ولا لمصر. بمعنى آخر مثل الذي ينتقل من شقة لشقة في نفس البيت. كالذي يرحل من مخيم جنين ويسكن في طولكرم أو يسكن في نابلس. هو ينتقل من شقة لشقة في نفس الوطن. هذا لا يؤدي إلى تغييرٍ في السياق السياسي العام، لا يؤدي إلى تغييرٍ في الديموغرافيا. هذا يؤدي إلى تغيير الثقل السكاني، حيث ينتقل من نابلس جنين، من جنين إلى طولكرم، من طولكرم إلى بيت لحم. هذا لا يؤدي إلى تغييرٍ سياسي. بالتالي، إذا استخدمنا كل ما يمكن استخدامه وتوفرت لنا الفرصة، ووجدنا الدعم الأمريكي ووجدنا الصمت العربي. ولقينا الصمت الخجول الأوروبي. لأن الصمت العربي أسوأ من الصمت الأوروبي. الصمت الأوروبي أفضلُ من الصمت العربي. ووجدنا كل هذا الكلام والفلسطينيين لم يختفوا. لا يوجد خيارٌ. لهذا السبب استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية في المرحلة الأخيرة، لما يسألونهم سؤالًا، أربعة وسبعين في المئة يقولون الشعب الفلسطيني لن يختفي. هذه نتائج حرب 7 أكتوبر. المتخلفين الذين لا يروون نتائج حرب 7 أكتوبر. بعض الفلسطينيين يقولون أن حرب أكتوبر شرٌ مطلق، لا هي ليست شرًّا مطلقًا. هي تحتوي على أخطاء وحسابات خاطئة، لكنها تحتوي أيضًا على فوائد وإنجازات وشيء عظيم. هذه الحملة العالمية كلها من نتائج حرب أكتوبر. هذه الحملة العالمية ليست نتيجة قتال الفلسطينيين فحسب، بل هي أيضًا نتيجة صورة الفلسطيني الضحية. صورة الفلسطيني الضحية كانت عاملًا مؤثرًا بشكلٍ أكبر بكثير من صورة الفلسطيني المقاوم. لما انمزجت الصورتين في بعض، الفلسطيني المقاوم والفلسطيني المضحي. ظهرت هذه الحملة العالمية الغير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني. وخرج هذا الانكشاف للصهيونية غيرُ مسبوقٍ في التاريخِ الدولي. وظهرت هذه الصورة البشعة "لإسرائيل"، وظهر هذا الصمود الأسطوري للفلسطينيين فخرجت الصورة مختلفة. هذا أيضًا من 7 أكتوبر التي فيها أخطاء. وبالتالي الذي يرى الصورة أحادية من موقعٍ واحد، أنه يا شر مطلق يا خير مطلق. هذا لا يرى سياسة بل عنده عمى سياسي. كلُّ أمٍر فيه عناصرُ خير وعناصرُ شر، فيها عناصر إيجابيٍة وعناصر سلبيٍة. إذن في ظلِّ هذا الصراع وفي ظل التطور، نحن بحاجة لاستراتيجية فلسطينية لتحديد ماذا نريد. أنا لمّا أتكلم عن العلاقة مع "إسرائيل"، لا أتكلم عن العلاقة مع "إسرائيل"، أنا أحكي بالضبط نحن الفلسطينيين نحدد ماذا نريد. نريد دولة فلسطينية، نريد استقلالية فلسطينية. نريد أن يظل الرابط بين الشعب الفلسطيني ككل والوطن ككل والقضية بصورة أساسية. أنا باعتقادي هذه هي الاستراتيجية الفلسطينية المطلوبة، أولًا تقديمها للعالم. وثانيًا لنقاش الإسرائيليين فيها، ونقول للإسرائيليين هنا نحن بالضبط واقفين في مكاننا. من يتخيل أنّ حرب 7 أكتوبر كان من الممكن أن تُلغي وجود الإسرائيليين واهم. مثلما كان يتوقع الإسرائيلي أن حربَ الإبادة تُلغي وجود الفلسطينيين. الإسرائيليين بعد 7 أكتوبر انهزموا، تضرروا، تأثروا. الفلسطينيين تضرروا، توجعوا، فقدوا ضحايا، فقدوا دم، فقدوا شهداء لكن موجودين. وبالتالي في الأخير ستصل إلى حلٍّ سياسي شئت أم أبيت. ليس رغبة في الإسرائيليين أو عدم رغبة. الواقع سيفرض على الطرفين الوصول لحلٍ سياسي رغمًا عنهم. ليس لأننا نريد أو لا نريد، نحن ماذا نريد؟ نريد كلَّ فلسطين وطنًا لنا. لكن السؤال، لا يكفي أن تقول ماذا تريد، يكفي أن تقول كيف وبأيِّ طريقة، ورؤية الواقع الموجود أمامك، من هنا أنا براغماتي.
أحمد البيقاوي: أحد مثلك براغماتي، وعنده سنوات طويلة من من الكتابة والتعبير عن الرأي والنضال الداخلي داخل فتح وعلى مستوى فلسطيني، أخذ الكثير من المواقف. يمكن أن أسألك سؤالًا، إذا كان عندكَ موقفٌ تستحضره وأنت نادمٌ عليه.
عوني المشني: إذا كان يوجد موقفٌ أستحضره ونادمٌ عليه.
أحمد البيقاوي: كنت تُفضل لو أخذت موقفًا آخرَ على الأقل إذا لستَ نادمًا.
عوني المشني: أنظر، سأقول لك شيئًا واحدًا، بالسياسة لا يمكن مناقشةُ موقفٍ بالأمس بمفاهيم اليوم.
أحمد البيقاوي: أنا أتكلم عن شعورٍ إنساني، أنا وأنت الآن لا نتفاوض ولا نجلس باجتماع سياسي. أتكلم على مستوى شعور إنساني بينك وبين نفسك. السياسيون حتى عادةً لا يعبرون عن السؤال أو لا يجيبون عن هذا السؤال، نادرًا ما يجيبوا.
عوني المشني: انا أعتقد أن هناك شيئًا له طابٌع إنساني ممكن أن يكون مهمًّا. يعني أنا اضطررت في إطار سنوات نضالي طويل، أن أغيب عن ابنتي لمدة 12 سنة أو 11 سنة، ولدت ولم أرها. رأيتها لأول مرة في حياتي وعمرها عشر سنوات. نتيجة وجودي في الاعتقال ووجودها في الأردن. ثم للأسف تطور الحال بعدما التقيت معها. قبل فترة سنتين أو ثلاثة أو أربعة، يعني ثلاث سنوات تقريبًا توفيت بمرض السرطان. فيمكن شعور بالكسور اتجاه ابنتي، يمكن هذا الشيء الذي يظل يؤرقني طيلة حياتي. لا أعرف أن أنام أحيانًا نتيجة هذا الشعور. لست نادمًا بالضبط، لكن كنت أتمنى لو أعطيت ابنتي أكثر، هذا ما كنت أتمناه.
أحمد البيقاوي: الله يرحمها ويعطيك الصحة. نحن في تقارب أخ عوني نعطي المايك -يعني كل هذا الحوار السابق وكل هذه الأسئلة المفتوحة-. نعطي المايك للضيف كمساحة حرة في نهاية الحوار. إذا أراد أن يؤكد، ينفي، يتراجع، يضيف شيئًا. فهذه مساحتك، وممنونين لك على هذا الحوار. شكرًا جزيلًا لك، تفضل المايك معك.
عوني المشني: أحب أن أستعير تعبير محمود درويش ويُعجبني، لا تعتذر عمّا فعلت. يمكن أنا بحاجة أن أعتذر عمّا لم أفعل وليس عمّا فعلت. كان بإمكاني أن أقدِّم أكثر في هذا السياق؟ ممكن. كان بإمكاني أن أعطي بطريقٍة أنجع؟ ممكن أكيد. وهذا الذي ممكن أن أعتذر عنه، هناك أشياء كان من المفروض أن أفعلها لكن لم أفعلها. لكن شيء فعلته؟ أنا باعتقادي لا يوجد عندي شعورٌ بالندم. عندي شعور أنه دائمًا يوجد شيء أفضل تستطيع أن تعطيه، في شيء أفضل يمكن أن تنفذه. أعتقد أن الفلسطينيين الآن بحاجة إلى عقلٍ سياسي مختلف. لا يمكن أن تناقش بالحالة الفلسطينية بمفردات ما قبل 7 أكتوبر. أعتقد أن مفردات ومصطلحات ما قبل 7 أكتوبر لم تعد صالحة لنقاش الحالة الفلسطينية. الحالة هذه تحتاج إلى فكٍر ومصطلحات ومفردات جديدة، لتخرج بنتائٍج جديدة. الشعب الفلسطيني لم يعد يمتلك القدرة أن يبقى أمام التجريبية الفصائلية، التجريبية الفصائلية التي خاضت ثلاثين عامًا مفاوضات، وكانت النتيجة آسفين لم نستطع تحقيق شيء. المقاومة أدت إلى هذا الوضع المأساوي والممتزج فيه العظمة مع الخيبة، مع الانتصار، مع الهزيمة، مع القوة، مع الضعف، مع الإبادة، مع الصمود، كلها ممتزجة، كلها ممتزجة مع بعضها في غزة. غير مناسب أيضًا أن يخضع لتجريبية بطريقة أخرى. الشعب الفلسطيني يحتاج إلى نظرية سياسية، إلى استراتيجية وطنية، استراتيجية وطنية تحدد أين نقف بالضبط، وماذا علينا أن نعمل لنحقق ما نريد. أنا أعتقد أننا في هذا المكان لنقاش هذا بعقلٍ جديد وبمفرداتٍ جديدة، ومصطلحات جديدة وأفق جديد. نأخذ في الاعتبار دروس كل ما مضى، 7 أكتوبر، مفاوضات، وآخذين في الاعتبار تطور الحملة العالمية لصالح الفلسطينيين التي تحصل في أوروبا وفي أمريكا، والتي لها ما لها وعليها ما عليها. والتي بالتأكيد هي ستكون متغيرًا سياسيًا بعد 10 أو 15 سنة. أنا أعتقد أن الفلسطينيين يجب أن لا يغادروا مكان الضحية ليتحولوا إلى مجرٍم مرة أخرى. يجب أن يبقوا في مكان الضحية، ويعززوا نضالهم بالأشكال التي تعزز أو تقربنا من الهدف. ليس بالضرورة أن نكون أسرى لشكلٍ واحد، وليس بالضرورة أن نكون أسرى نمطية محددة. بالضرورة أن نعمل لإحداث هذا التراكم، الذي يؤدي إلى التغيير النوعي في مرحلة من المراحل، وهذا ليس جديدًا. التراكم يؤدي إلى تغيير نوعي في التاريخ. وأنا أعتقد أن الشعب الفلسطيني حتى يستطيع أن يصنع هذا الكلام، بحاجة إلى فكٍر سياسي جديد. والأهم أعتقد أن الشعب الفلسطيني يستحق قيادة أفضل من هذه القيادة.
أحمد البيقاوي: شكرًا لك، أفكر باستئذانك بالعودة إلى سؤالٍ حول الجزئية التي ذكرتها فيما يتعلق بعلاقتك مع ابنتك. الإشارة التي فعلتها هي حاضرة في كثيرٍ من نفوس الفلسطينبين، بالعلاقة بين الشيء الشخصي والشيء العام. أنت كنت بالعمل السياسي وفي مساحة عامة، وأثّر ذلك على الشيء الشخصي. هل يمكن أن تُخبرنا وتُشاركنا هذا التناقض، بكيفية تعبيرك عنه. إذا يمكن أن نسميه تناقضًا أصلًا. وكيف تكون هذه العلاقة المتشابكة؟
عوني المشني: أنا أعترف أن طبيعتي شخصية متطرفة. ليست متطرفة سياسيًا بل متطرف بشكٍل شخصي، بأي معنى؟ بمعنى إذا كنت مقتنعًا بقصة، بغض النظر قصة سياسية أو ليست سياسة أو أي شيء. إذا كنت مقتنعًا بقصة أنسى كل ما حولي، أنسى كل الاهتمامات العامة وأضع نفسي فيها بطريقٍة متطرفة. أنسى الالتزامات الأخرى بالاتجاهات الأخرى. الالتزامات الشخصية، الالتزامات العامة. وكأني أصبح أعيش هذه القصة وأتماهى معها إلى درجة الذوبان، وبالتالي هذا يُفقدني قدرًا كبيرًا من التوازن. في سياق العمل الوطني في مرحلة من المراحل بالضبط، نسيت أني متزوج وعندي ابنة. ونسيت أنني عندي اهتمامات شخصية. نسيت أنني يجب أن أطور وضعي الحالي الشخصي والاقتصادي، أو نسيت كل هذا الكلام. وتماهيت وذبت بالعمل السياسي إلى درجة أنني صرتُ أعيش له. وبالتالي أنا كنت متزوجًا حديثًا، أذهب إلى البيت كل أسبوعين، وكل أسبوع وكل 10 أيام. أعمل ليلًا في مستشفى المقاصد، أداوم نهارًا بالجامعة، وما بين الجامعة ومستشفى المقاصد، أيضًا يوجد نشاط سياسي، بين محاضرة وندوة ونقاش ولقاء. وبالتالي أعتقد في هذه المرحلة بالتحديد، كان عندي شعور بالرفض. كان مفروضًا أن أكون متوازنًا أكثر. أعطي اهتمامي لابنتي أكثر. يمكن لا أعرف لكن هذا الذي حدث. ليس شعورًا بالندم بقدر ما هو شعوٌر بالأسى يعني.
أحمد البيقاوي: هذه المشاعر عادًة، أو هذا السؤال يظهر أكثر بلحظات ضعف؟
عوني المشني: يظهر بلحظات حين تفقده للأسف، لمّا لا يكون بإمكانك فعله. يمكن هذه المشاعر حضرت أكثر بشكل أساسي وبشكل مركزي. كنت أقول دائمًا أني سأعوض ابنتي فيما بعد، وكنت أقول بأن الوقت قادم وبشكٍل أفضل. لكن لمّا فقدت ابنتي شعرت أنه مضى الوقت، راح الوقت.
أحمد البيقاوي: ولو برجع فيك الوقت؟
عوني المشني: لو يعود الزمن ممكن أن أكون متوازنًا أكثر، بدون التخلي عن الدور العام. لكن بالتأكيد أكون متوازنًا أكثر.
أحمد البيقاوي: لكن تعرف لماذا أنا توقفتُ عند هذا الموضوع. لأنه بقدر ما هو شيء خاص. وشكرًا لأنك تخوضه. لكن أيضًا هناك شيء يتعلق بالحالة الفلسطينية ككل. حتى كنت أتكلم مع صلاح الحموري وهو مبعد عن القدس، لمّا بلحظة من اللحظات يقول لي: استخدموا زوجتي وأولادي للضغط عليَّ. فقلتُ له طيب يعني أين هذه المعادلة؟ فقال: ممنوع أن أنكسر وهم كانوا يفهمون هذا الشيء. فتشعر أنت أنه يوجد معادلة وهي الافتراضية، أو التي يجب أن تكون دائمًا موجودة أنك أنت بمكان قوة دائم. وحتى يوجد لحظات ضعف إنسانية موجودة، وتتأطر ضمن لحظات الضعف العامة.
عوني المشني: الضعف الإنساني هو جزء من طبيعة البشر أمام احتياجاته الأساسية، أمام مشاعره، يضعف الإنسان وهذا طبيعي يعني. مقولات أن الرجل لا يبكي، لا هذا كلام فارغ. الرجل يبكي والرجل يضعف، والرجل له حاجات إنسانية، مثل المرأة طبعًا، أحكي عن الرجل أو المرأة كله له حاجات إنسانية. السؤال الأساسي. أنت بالضبط ما هي أولوياتك؟ أنا كنت أرى أولويات لا يوجد فيها خطأ. أولوياتي أن أتحرر وطنيًا. أولوياتي الشخصية هذه ليست أولويات الوطنية العامة. أنا شخٌص أريد أن أتحرر وطنيًا. يعني لا أريد أن أقلق بالشعب، ولا بالتاريخ، لا أريد أن أقلق بالجغرافيا. أنا أريد أن أعيش حرًّا. هذه مصلحة شخصية. يعني الحرية هي ليست مصلحة عامة فقط، هي مصلحة شخصية أيضًا، وهي في إطاري الشخصي، أنا كنت أرى هذه أولوية. السؤال، إذا لم أكن أقدر أن أوازن ما بينها، وما بين مصالح أخرى وبين حاجات أخرى، وبين ضرورات أخرى، يمكن بطبيعة شخصيتي لا أستطيع أن أوازن. يوجد أشخاص يقدرون على ذلك. أعرف ناس مثلًا يعملون، بغض النظر في شركة أو في مؤسسة أو في وظيفة، ينهي عمله الساعة الثالثة، يغلق هاتفه لأن وقته المتبقي هو للبيت ولا يتعاطى مع اتصالات عمل. أنا لا أستطيع، أنا أعمل ليلًا، أكتب الساعة الثالثة صباحًا، أعقد اجتماعًا في منتصف الليل، أرد على الهاتف الساعة الثالثة صباحًا وأتكلم لمدة ساعتين. أنا هذه طبيعتي. أساسًا بعد هذا العمر من الصعب إعادة ترتيب نفسي بطريقٍة مختلفة، يعني أعتقد أنه صعب.
أحمد البيقاوي: شكرًا جزيلًا على هذا الحوار الطويل، على هذا النقد المنفتح. وشكرًا على انفتاحك على كل أسئلتي، وشكرًا على الصدق. ممنوٌن لك، يعني هذه مشاركات أُقدِّرها كثيرًا ويعطيك ألف عافية.
عوني المشني: شكرًا لك.