في هذه المرحلة التاريخيّة التي سقط فيها نظام بشّار الأسد في سوريا، وتتقاطع مع وقف إطلاق النار بعد حرب الإبادة في قطاع غزة، يقدّم أحمد البيقاوي حلقة استثنائية من "بودكاست تقارب" يستعرض اللحظات الفارقة التي عايشها في سوريا، وكيف أن فرحة العودة إلى البيوت حملت معها مشاعر مختلطة من الدموع والألم. لكن هذه اللحظة لا تقتصر على سوريا فقط، بل تذكّرنا بالألم الفلسطيني وحق العودة الذي يظل حيًّا في الذاكرة.
قصص مؤثرة من سوريا حول اللحظة الفارقة التي جلبت الأمل في العودة والنصر. وحديث عن المعاناة والأمل في غزة والضفة الغربية، وكيف يمكن للناس استعادة حياتهم في ظل الظروف الصعبة.
تتناول الحلقة أيضًا حديثًا عن الفجوة بين من عادوا من الخارج ومن بقوا في الداخل السوري، وتطرح تساؤلات عن العودة والنصر في سياق حكايات عربية تتشابك في ألم واحد، ويحكي فيها "البيقاوي" عن تطلعات الناس نحو استعادة الأراضي المحتلة وبناء جيش وطني سوري حقيقي.
"بودكاست تقارب" برنامج حواريّ فلسطيني أسبوعي يُعرّفه اسمه، يخوض بمسارات شخصية ويسعى لنقاش التقارب والتباعد في الأفكار بعد سنين من البعد والابتعاد تَبِعت الربيع العربي، وسنوات كورونا والتباعد، حلقة جديدة في سهرة الخميس وضيف ومسار جديد.
يُقدّم وينتج "بودكاست تقارب" أحمد البيقاوي، وهو مدوّن وصانع محتوى من مدينة طولكرم، يعمل في مجال إدارة الإعلام الفلسطيني والعربي منذ 2014. ساهم في تنظيم وتأسيس العديد من المنصات الإعلامية والمبادرات السياسية والاجتماعية.
نرفق لكم في الأسفل نص تفريغ الحلقة الصوتية بالكامل:
أحمد البيقاوي: [00:00:00.11]
جاءت اللحظة بحالة سوريا، تفاجؤوا مثلهم مثل كل العالم، تفاجأ بالحدث الذي صار. سجدة الشكر الصياح بالشارع. الدموع التي تنهمر، بكاء كثير ثقيل. أنا لا أعتقد أن هذا الألم سيذهب في يوم وليلة، لكن أترك الناس تأخذ حقّها. وأنا أسمع القصة لا أقدر فعليًا أن لا أربطها بالسياق الفلسطيني ونشأتنا، وبالألم، وأعتقد حتى بسياق فلسطيني. إن شاء الله ربنا يُحيينا لهذا اليوم سنرى الناس تركّز على عودة الناس لحيفا، لكن ليس أهالي حيفا ماذا حلّ بهم. يعزّ علي كثيرًا إنّه تكون بسوريا أو تنقصف وأنت بسوريا، وكثير ثقيل الشيء عليّ، وكثير صعب ينحكى عن احتلال أرض في وقت يُحكى فيه عن احتلال أرض في غزة، وعلى تمدد، وأيضًا ضمّ واحتلال في الضفة أكثر وأكثر، ستسترد -مرة ثانية- الناس وقريبًا جدًا علاقتها بالجولان مجدّدًا، وتسترد علاقتها مع حاجتها لجيش وطني حقيقي. الفجوة التي رأيتها بين الناس اللي راجعة من الخارج وبين الناس الموجودة (داخل سوريا)كانت صادمة. البيوت رجعت لكن الناس صعب ترجع. العودة، النصر، الفوز، الفرحة، البهجة، استرداد الناس لمساحتها أيًّا كان شيء ثقيل. وإن شاء الله عقبال فلسطين. شكرًا لكم. إن شاء الله بتكون قريبة.
أحمد البيقاوي: [00:01:42.29]
مرحبًا وأهلًا وسهلًا فيكم. في حلقة جديدة من "بودكاست" تقارب معكم أنا أحمد البيقاوي في حلقة استثنائية، في "بودكاست تقارب" تتزامن مع ما يقارب شهر على سقوط "نظام الأسد" في سوريا، وبالتزامن مع وقف إطلاق النار في قطاع غزة. سابقًا؛ بتعرفوا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (انستغرام) تحديدًا تواصلت معي كثير منكم أو كتبت فعليًا قصص/ ستوريز، وطلبت مساعدة على مقترحات وأفكار وأسئلة ومقترحات ضيوف، لمساعدتي في إعداد حلقات خلال وجودي في الشام لمدة شهر، لكن للأسف لأسباب كثيرة جزء منها راح احكيها في هذه الحلقة الاستثنائية، سأشرحها، أشارككم أسبابها، وبنفس الوقت سأشارككم انطباعات فلسطيني ذهب إلى سوريا في لحظة حساسة مثل هذه، تتجلى فيها معاني كبرنا عليها. شكّلنا بمخيلتنا حمولة عاطفية وحمولة نفسية كبيرة لها، يبدو وكأنّها تعرّضت للفحص مع سقوط "نظام الأسد" مباشرة.
أحمد البيقاوي: [00:02:57.45]
يعني كنت محظوظ جدًا بفضل عملي تحديدًا، استطعت أن أكون بمهمة عمل في سوريا، ثالث يوم أو رابع يوم، ومكثت أكتر من شهر. خلال هذه الفترة التي لم تكن فترة عادية، لم تكن فترة مجرّد فترة عابرة أو مثلها مثل أيّ رحلة ثانية. لم أكن بنفسيّة اكتشاف منطقة جديدة أو بلد جديد. لم أذهب بفضول لاكتشاف البلد بقدر اكتشاف أن علاقتي كانت دائمًا بسوريا قائمة على أهلها وناسها، على المجتمع الموجود في اسطنبول بشكل أساسيّ، على المجتمعات الافتراضية الموجودة، على الأصدقاء الذين كبرنا معهم، أعطوا مدينة مثل مدينة اسطنبول بقسوتها طعم وروح وأثر يُطبطب علينا جميعًا. دائمًا حتى بالنكات نحكي: تخيّلوا اسطنبول من غير السوريين! كنت محظوظًا أن اشتغلت في مشاريع كبيرة، فيها أصدقاء ورفاق وتشاركنا مسارات فعليًا عابرة لكوني فلسطيني أو عابرة لكونهم سوريين، فتشاركنا الهموم دائمًا، وهؤلاء الناس جزء كبير منهم كنت محظوظًا أن التقيت فيهم في سوريا، أو تعرفت عليهم أو عفوًا تشاركوا أو شاركوني وشاركتهم مسار دخولهم أو عودتهم للشام. يمكن قبل أن أحكي لكم أكثر أو أشارككم انطباعاتي أكثر أو أشرح هذه التجربة أو اشارككم ماذا كنت أفكّر فيها.
أحمد البيقاوي: [00:04:48.02]
يجب أن أوضح أوّل شيء، وأشكر كل من أرسل مقترحًا أو موضوعًا أو فكرة أو ضيفًا. شكرًا كثيرًا. خلال هذه الفترة وصلتني مقترحات ساعدتني في أن أنضج أفكار حلقات. أنا بالفعل بنهاية الفترة كنت قد أنضجت مواضيع واختيارات ضيوف لـ 8 مواضيع. في المرحلة الأخيرة كنت قادرًا فعليًا أن أسجّلها. لكن في شيء كل ما أحكي إنه أنا ما سجلت حلقات، وهنا يمكن صدمة بعض الأصدقاء، دائمًا يقولون لي معقول مكثت كل هذه الفترة ولم تُسجّل! أو ممكن يكون ما في مبرر لعدم تسجيلك، مبرر مقبول. لكن دعوني احكي لكم التالي: أوّل شيء حين تستكملون يعني لمن أراد أن يستكمل هذا التسجيل، سيعرف أكثر كم كانت المرحلة الأولى صعبة، زخمة، مُركّزة كثيرًا، مليئة مشاعر، مليئة عواطف، مربكة. أيضًا على مستوى نفسي وعلى مستوى عاطفي.
أحمد البيقاوي: [00:05:50.27]
وكفلسطيني لم تكن عادية أبدًا. وبنفس الوقت أنا كنت أحتاج أن أعطي اللحظة حقّها. بمعنى أعيشها أكثر من أن أفكّر كيف أوثّقها، وما يزال صعبًا عليّ أن أجمع الاثنتين معًا. بالمرحلة الأولى (يمكن أسبوع لعشر أيام لأسبوعين) كنت دخلت في أكثر من شعور، أكثر من مرحلة، وكان الشيء مركّز ومكثّف.
أحمد البيقاوي: [00:06:17.27]
لاحقًا حين أردت أن أسجّل، اكتشفت أنّ التفاصيل التقنية فعليًا في سوريا، صعبة، أن تصل إلى عنوان لديه التقنيات التي نستخدمها للتسجيل، أخذ هذا وقتًا إلى أن تعرفت على العناوين، أخذني الوقت إلى أن رأيت مستوى جودة ما ممكن يكون مناسب لتسجيل حوارات، وبنفس الوقت كنت أحضرت معدّاتي، في المرحلة الثانية زال الشيء التقني، لكن الذي أريد أن أحكيه ليست النقطة الأولى ولا الثانية. كانت العائق النقطة الثالثة والتي هي شعرت بالأسبوعين الأخيرين خلال وجودي أنّ الناس نفسها التي أقابلها مرة ثانية تكون أكثر راحة، أكثر هدوءًا في سرد روايتها أو بسرد فكرتها أو بالإجابة على أسئلة مفتوحة، بتعرفوا كيف في "تقارب" نحن نفاجئ الناس دائمًا بأسئلة ما كانوا فكّروا فيها، ما كانوا خاضوها، فشوي كان الشيء ثقيل على كثير منهم، وبنفس الوقت لي حين رأيت إنّه الناس ما تزال تُنضج أفكارها وتنضج روايتها، مثلهم مثل الناس، مثل كل شيء صار مفاجئًا في سوريا أيضًا. الفلسطينيون الموجودون هناك، السوريون الموجودون داخل سوريا هم أيضًا تفاجأوا مثلهم مثل كل العالم الذي تفاجأ بالحدث الذي صار، وما كانوا مخططين للحظة مثل هذه، وجزء منها ما كانوا مخططين أو منضجين روايتهم، الناس الآن تُنضج روايتها، أفكارها شو بدها تحكي. وفضّلت فعليًا أن أعمل الشيء بزيارة لاحقة -إن شاء الله- يعني إذا توفقت وأتيحت لي الفرصة أن أرجع مرة ثانية وأخوض فعليا هذه الحوارات وجهًا لوجه أو أن أسجلهم عن بعد. أصدقاء "تقارب" القديمين سيعرفون الحساسية العالية في "تقارب" بالتعاطي مع المواضيع التي لها أثر نفسي، مع الناجين تحديدًا. ما سبق وقابلنا شخص "ناجي يحكي عن عن كونه ناجي أو عن كونه ضحية أو حتى كونه ناجي او كونه ضحية، هو مركز الحوار الذي نحن فيه، ولكن بغالبية الحوارات التي كنا نحكي فيها مع الناس أو التي كنت أحكي فيها مع الناس خلال الإعداد أو التفكير بحوارات، كان دائمًا بكون كونهم أناس تعرّضت للقمع والنفي والاعتقال أو فقدان أقارب لهم أو أو...
أحمد البيقاوي: [00:08:51.32]
هم اليوم يبحثون عن أقارب لهم كونهم ضحية كتير داخل وحاضر ويؤثّر على روايتهم ككل، وأنا لا أعتقد أنّ هذا الألم سيذهب في يوم وليلة، لكن لنترك الناس تأخذ حقّها. بعيدًا عن الإعلام، وبعيدًا عن إنه أيّ حدا يحكي لهم: "مرحبًا، بماذا تحس أو تفكّر اليوم؟". ليأخذ وقته، ليفكر، لندعه يحس لحاله، بعدها نرجع مرة ثانية إن شاء الله، بنعمل الحوارات هذه، ونحن نشعر اليوم بثقة -الحمد لله- عالية جدًا إنه صار عندنا مساحة بسوريا نستطيع أن نذهب أو الناس تستطيع أن تُسجّل معنا من غير قلق من أي جهاز أمني مثلما كان سابقًا.
أحمد البيقاوي: [00:09:29.60]
من ناحية ثانية في معاني عند الفلسطينيين تحديدًا، نعرفها، كبرنا عليها، بالنسبة لنا كل فكرة العودة كانت مركز، يعني مركز تفكير أصلًا، ما قبل ونحن في الطريق الى سوريا في الطريق الى الشام. بالنسبة لي أنا كنت رفيق لـ 12 أو 13 أو 15 حتى صحفي موجودين راجعين على سوريا بمهمات تغطية. وبالنسبة لي كنت أشاهد كيف يسلّمون على بعض؟ كيف يقابلون أخوة بعض؟ كيف يستعيدون ذكرياتهم في الأماكن التي يمرقون منها وصولًا للحظة الهدف، وهي لحظة وصولهم للشام. بالنسبة لي هذه اللحظة لم تكن مجرد لحظة أو مجرد شخص يتابع لحظة، أناس تحتضن بعضها أو تقابل أخوتها، بحد ذاتها. لا. أنا كنت أراقب الناس هذه، أتعاطف معها، أرى أو أتواصل مع كمية الخسارات أو كمية الحرمان، أو مقدار تأخّر هذه اللحظة، وفي نفس الوقت أتخيّل اللحظة التي نحن دائمًا في فلسطين نشأنا عليها.
أحمد البيقاوي: [00:10:40.49]
فكرة العودة بحد ذاتها، فكرة عودة الناس او فكرة حتى دخولنا لحيفا ويافا لعكا. هذه الفكرة برمزيّتها التي بالنسبة لنا ما معنى تحرير فلسطين؟ على مستوى سياسي وعلى مستوى وجداني دائما كان يرتبط بفكرة العودة، فأنا رافقت الناس فعليًا بهذه اللحظة بتجليّاتها، رأيت ويمكن هنا كان في ضبط لي، كنت أجرّب أضبط حالي كي أعطي الناس حيّزها أو مساحتها، وعيني كانت مشغولة بالرقابة أكثر، لدرجة حتى في صديق (علي) حكى لي لاحقًا إنه أنت من أين جاء لك قلب تصور اللحظات الأولى للوصول؟ انا طوال الوقت كنت كثير أخذت على عاتقي أن أوثّق الاصدقاء والصديقات الذين أنا معهم فعليا، الحدث الذي نمر فيه، الشوارع التي نمرّ فيها، كل تعبيراتهم، كل الكلمات أو الأحاسيس أو المشاعر التي يعبّرون عنها، سجدة الشكر، الصياح في الشارع، الدموع اللي تنهمر، كيف يحضنون بعضهم، وكيف يصرخون بالشارع، كيف يبكون. ليس بكاءً! بكاء ثقيل جدًا، يتجاوز حتى فكرة إذا تسمعه وتراه يتجاوز فكرة النقاش على فكرة الفرحة بالعودة بحد ذاتها. لأنّ هذه العودة حين جاءت، جاءت بعد سنين ثقيلة كتير، ليست بسيطة بالمرّة، وبنفس الوقت يمكن أيضًا مشهد ثاني سمعت عنه، يُعزز حتى فكرة العودة أو التواصل مع فكرة العودة عند الفلسطينيين. بتعرفوا نحن في الدراما أو بالأفلام التي جسّدت أي فكرة لفلسطين أو اشتغلت عليها، كنّا نرى أناس يطرقون الأبواب وترجع فعليًا على بيوتها، فتلاقي فلسطينيين موجودين أو تلاقي صهاينة موجودين.
أحمد البيقاوي: [00:12:37.95]
على الجهتين؛ الناس تكون تنفي فعليًا فكرة إنه أنتم ليس لكم هنا، اطلعوا واطلعوا وهذا البيت نحن اشتريناه، وهذا البيت نحن كذا. حتى بشغل "طارق بكري"/ "كنا وما زلنا" كنّا دائمًا نرى، وأيضًا في تقرير -لا يمكن أنساه- لنجوان سمري حين أخذت عائلة ومرّت من باب بيتها، كان الناس الموجودة في البيت، تلاقوا حاله من الدفاع أو حالة من النفي لملكيّة الناس التي جاءت ترى بيتها. سواء إذا هو فعلًا بيتها. أو إنه كان عندها ذاكرة ما طلعت من هذا البيت على عجلة وفقط تحتاج أن تغلق هذا الملف، بأن ترى بيتها أو غرفتها أو ترى حتى إنه ملامح البيت تغيّرت ولا تريد أن ترجع لها. المشهد هذا في صديقتين رووه، إنه في صديقة رجعت على البيت كي تتعاطى مع سؤال فقدان والدها الذي اعتُقل من البيت، فطرقت الأبواب فعليًا وكانت تحاول أن تدخل على البيت، لمجرد أنها حكت لصاحبة البيت إنه أنا أريد أن أرى البيت كذا كذا كذا، وأنا كنت هنا، صاحبة البيت ذهبت باتّجاه تأكيد ملكيتها للبيت، ونفي أي علاقة للبنت بالبيت بحدّ ذاته. وأنا أسمع القصة، لا أقدر فعليًا أن لا أربطها بالسياق الفلسطيني الخاصّ بنا، ونشأتنا، وبالألم يعني نحن لا نحكي عن فيلم أو دراما ولا مخيّلة مخرج ولا كاتب. لا. نحن هنا نحكي على حقيقة وواقع نحن سنعيشه بامتحان، حتى بفكرة العودة، والأفكار الثانية التي أشارككم إيّاها، كل فكرة، حتى جمالية اللحظات التي نبني لها أو نحملها ونبني معها علاقة مثل فكرة العودة، فكرة العودة ستكون فكرة عظيمة وجميلة جدًا، لكن أيضًا هي بحد ذاتها فكرة كثير ثقيلة، لأن الناس رجعت أو البيوت صارت موجودة أو رجعت لها، لكن في سنين طويلة من التكسير ومن الخسائر ومن التشويه ومن حتى مراجعات ومن أفكار. رأيت أو سمعت من الأصدقاء الذين يفكّرون بأن يراجعوا وحدتهم، بعلاقتهم بأهاليهم، بعلاقتهم بفكرة الارتباط، بفكرة الأطفال، بسنين حرمان أو تفاصيل صغيرة. مجرد أن رأوها وعرفوها رأوا حالهم أين كانوا قبل سنين، فبكوا وانهاروا بأماكن كثيرة، فلحظة العودة بحدّ ذاتها بالنسبة لي لم تكن سواء بدخولنا إلى الشام أو حتى بطرق الأبواب أو حتى بعودة الناس دائماً المستمرة. يعني دائما الناس كانت على مدار هذا الشهر تأتي وتزور وتطرق الأبواب وتحكي لنا فعليًا عن انطباعاتها أول يوم وثاني يوم وثالث يوم وصولًا للمحل يعني هيك اعتدت يمكن هذا المشهد وصرنا نحكي لبعض إنه خذ يومين أو ثلاثة لتتجاوز هذه المرحلة أو هذه الصدمة، بعدين الأمور تصير أفضل يمكن، أو تصير أهدأ.
أحمد البيقاوي: [00:15:41.84]
من مكان ثاني أيضًا في فلسطين دائما بمخيّلة التحرير حتى بالنكات، دائمًا بنحكي على الشعوب إنّه احنا شعب فلسطيني أم شعوب؟ دائمًا. نحن من نشأتنا نتعامل بطولكرم حين كانوا أهل الـ48 يأتون عندنا على إنه نحن شعب وهم شعب. على إنه أهل غزة، نحن شعب وهم شعب. وأولئك شعب. والناس في الخارج شعب. ليس شعب؛ شعوب. فدائمًا حتى بنقاشات سواء نقاشات مثقفي النخب، أو نقاشات الصالونات ولا غيرها. بنحكي على الفوارق بنحكى بالنكات. بثقافتنا دائمًا في هذه النكات التي تأخذ خصوصيّة كل منطقة.
أحمد البيقاوي: [00:16:20.48]
لكن الذي رأيته في سوريا يمكن مستوى ثاني من هذه القصة، إنّه حين رجعت الناس من الخارج كان في ناس موجودة في البلد، وصار في نقاش. النقاش كثير بأيام كان قاسي، يعني حتى إنه أنا استُردجت للرواية السائدة عن الناس الموجودة بالداخل، وهي رواية الناس الموجودة خارج سوريا، أو رواية الناس غير الموجودة داخل سوريا، دعني أقول هكذا لأن الذي رأيته أنّ روايتهم أو رواية الناس داخل سوريا غير ممثلة، غير حاضرة، يمكن جزء منه هم كانوا قلقانين، يمكن جزء منه كانوا خائفين ويمكن جزء منه رأيته في مكان ثاني إنه صار فيه شعور تخلي أو ترك أو حتى إنه السياسة التي تُحكى عن سوريا لا تشبههم، لا تمثلهم. كنت أرى أشياء -لا أحكي تعميمات- أحكي فعليًا على مشاهدات وظواهر بمرحلة ما، أنا في ثاني يوم أو ثالث يوم حين قابلت حدا، كنت أسأل الناس لماذا لم تسافروا؟ على افتراض أنّ الطبيعي أنّ الناس تسافر. صدمتي كانت أن هناك من يقول لك: أنا لا أريد أن أسافر، أنا أريد أن أبقى هنا في البلد. لا أريد أن أخاطر حتى بوجودي داخل البلد مع حدا ثاني. بالنسبة له إنه هو بكل بساطة يعرف فعليًا يعيش في هذا المكان، يعرف كل تفاصيله ولا يريد، رغم أنّ عنده خيار أن يخرج ويعيش عند أقارب لكن لا يريد العيش عند أقارب، مجرّد رواية.
أحمد البيقاوي: [00:17:59.15]
الناس هذه بهمومها، بيومياتها، خارج التغطية الخبرية ليومياتهم في سياق ضرب النظام من مؤسسات كثيرة، من مؤسسات إعلامية معارضة، لمجرد فكرة انه هنالك أزمة غاز والنظام غير قادر يوفر للناس، والناس جائعة، متعبة والناس كذا وكذا وكذا، من غير أن ندخل في يومياتهم، أو حتى دون أن نحاول تغطيتها، وبذات الوقت من من منطقة ثانية، ومن ناحية ثانية، عندنا النظام الذي كان هناك، أذكر نعم حين كنت هناك أقول من الوقاحة بأن يعمل حفلة رأس سنة في واقع بلد مثل الذي أنا رأيتُه! مُنَهك، الناس منهكة، الناس قد تم انتزاع كرامتها على مدار السنين الأخيرة. وقاحتهم بأن يعملوا اه اه هكذا مرة ثانية حفلة رأس السنة من مجموعة من الفرق، وأيضًا إقناع الناس بأن السياحة على ما يرام. وتفضلوا زورونا وارجعوا. ارجعوا عيشوا معنا كأن شيئًا لم يكن! الفجوة هذه التي رأيتها بين الناس التي رجعت من الخارج وبين الناس الموجودة كانت صادمة لكن الأكثر صدمةً يعني الذي حقًّا صدمني أكثر هو فكرة قدرة الناس القادمة من الخارج _سواء كان ذلك بقصد أو من غير قصد_ على الاستعلاء على الناس الموجودة في الداخل! ضمن افتراض بأننا قد قدَّمنا وأنتم لم تقدِّموا، أو كيف طاب لكم أن تكونوا موجودين هنا! أو كيف استطعتم أن تتعاملوا مع الأمن! أو أنتم كنتم تشتغلون مع الأمن أو كنتم تتعاطَونَ معهم، أو كنتم مستفيدين منهم، أو سؤال بسيط جدًا: يعني أنتم قد صبرتم 14 سنة على النظام ولم تفعلوا شيء الآن قدِمتُم تتحدَّثون في سياق بأنه هنالك أحد يُعارض أو يطرح فكرة ما!
أحمد البيقاوي: [00:19:41.66]
هذه هي النقاشات يمكن كانت بعد مشهد العودة بحد ذاته أو طرق البيوت بحد ذاته. كان بالنسبة لي من أقسى المشاهد! لأنه كنت أرى في السنين الأخيرة بعموم فلسطين مشكلتنا مشكلة دائما ما يُحكي على الهوية الفلسطينية في الخارج. لكن جزء من مشكلتنا أيضًا في لُبّ فكرة الهوية الفلسطينية وتتجلى عند فلسطينيي الـ48 فتجد دائمًا الـ48 في حالة دفاع عن أنفسهم دائمًا ما يجيبون على سؤال: لماذا لديك جواز إسرائيلي؟ هل حقًّا ما زلت تعيش في إسرائيل؟ لماذا لم تسافروا مع الناس التي سافرت؟ أنتم بقيتم مُتمسِّكين أم تعاملتم مع الإسرائيليين؟ هل من أحدٍ غيركم باع أرضه؟ أنتم كان لديكم علاقات مع كذا؟ شاركتم بالشرطة، شاركتم بالجيش؟ أخذتم تمويلًا من النظام؟ كنتم تدرسون في جامعات إسرائيلية؟ كنتم تتعاطون مع دكاترة موجودين وكذا؟ في هذه الأسئلة ذاتها الموجودة بسوريا. أنتم كيف كنتم تتعاطون مع الأمن، أنتم استفدتم، أنتم كنتم مُتعامِلين، أنتم قد صبرتم سنين _أودّ أن أظل أكرِّر هذه الجملة: صبرتم سنين فعليًا اصبروا علينا_ نعم هذه الفجوة يمكن كانت ثقيلة كثير لأنه قد جعلتني أدرك أنَّه قدَّيش يوجد فجوة أصلًا بفلسطين عندنا ومهما أنكرناها فهي موجودة. بمعنى أنه هنالك نشآت مختلفة، اذا الـ 14 سنة فقط في حالة سوريا قد فرَّقت شعبين، على مستوى شعب بقي داخل سوريا أو بقي في مناطق النظام، وشعب خارج. وأنا لا أتحدث هنا بالمناسبة على الشبِّيحة والقَتَلة، لا أتحدث على هذا المستوى، بل أحكي على عموم الناس التي رأيناها تتجلّى يمكن بمظاهرات أو فعاليات أو ورشات أو غيرها. وحتى داخل سوريا بالفعاليات الثقافية أو الفنية التي قد حضرتُها.
أحمد البيقاوي: [00:21:29.55]
الناس في داخل البلد كانت فعليًا تتعمّد شُكر نفسها أنّه بمعنى شُكر الناس التي تشبهها، التي بقيت داخل البلد مقابل الناس التي خرجت! يعني توجد هذه النظرة الموجودة سواء عند الناس الموجودة في الداخل أو الموجودة كانت في الخارج، الفجوة هذه الموجودة أصلًا بالأساس حين نأخذها في سياق فنأخذها على فكرة الخسائر. يعني نسمع فعليًا أن الناس تأتي تتحدث في سياق: نحنُ قدَّمنا أنتم ماذا عملتم؟ أنا سُجِنت في مكان أنت ماذا عمِلت؟ حتى دفاع الناس _دفاع البعض_ تعرفون هذه في المظاهرة التي حدثت عند الأمويين حين يأتي ناس كانوا في المظاهرة يريدون أن يحكوا، فيبدأون بالنفي. يعني شكل النفي بأنه هو يريد إثبات أنه قد خسر شيء، مثلًا النظام ضربه كفّ، كيف أن النظام اعتقل والده، قتله النظام، أخذه على صيدنايا، أقعَدَه عنده شهرين، هذه هي شهادة الاعتماد للحديث، يعني هكذا أصبحت المسألة! والتي هي بمحل اذا اطَّلعنا عليها في سياق فلسطيني فهي نقاش الخسائر بمعنى أن الذي يقرِّره أصلًا هو النظام في حالة سوريا، وفي حالتنا نحن الفلسطينيين ما يحسم النقاش الاسرائيليين. يعني على المعادلة هذه فعليًا لا يُرى الأثر النفسي و الاجتماعي أو القمع الاجتماعي والقمع النفسي والقمع العاطفي والقمع المادي حتّى الذي يحدث الذي يتعرَّض له أهالي الـ 48 لأنه ليس هناك تلك الحواجز الموجودة في الضفة، ولا حتّى الإبادة الموجودة فعليًا في غزة. والذين في الخارج فعليًا خارج هذا السياق نحن قد لا نراهم حتَّى أبدًا! _يعني الموجودين خارج فلسطين_ لأنه في سياق فعليًا لغة القتل ولغة الدم، ولغة المجازر واللغة هذه فعليًا. فحينما يتحوَّل النقاش، من نقاش لا يتمثَّل في أنه: أنا ماذا قدَّمت، أو ماذا حاولت أن أعمل، أو أنني حتَّى فعليًا أنه ممكن أن يكون جزء من المطحنة التي مرَّت الناس فيها، أنَّها هي تفكّر في شؤون أولادها، في محلَّها، في شغلها، في جمعيّتها، على مؤسستها، على جريدتها، على كتبها، على دراستها، هذا جزء من.
أحمد البيقاوي: [00:23:34.01]
هي ماذا تحاول أن تعمل، لكن هذا لا يُرى أمام اللغة للأسف حينما تكون الخسائر كثير كبيرة، القمع كثير كبير، الضرب كثير كبير. الناس لا تقدِر فعليًا على التواصل، أو تأخذ حَيِّز وبأريحيّة هكذا تُناقش نقاشات عقلانية مرة ثانية فيَغلُب على النقاش فعليًا نقاش المظلوميّات وهذا شيء جدًا سيء! يعني أنا نَزحت 14 سنة أو لجأت 12 سنة أو أنا قد حُرِمت من كذا.. وهكذا. وتعرفون في مكان آخر حتَّى المَنفِيّ في الحال التي قد رأيتُها هو الذي يعمل فحص أو هو الذي يتحقَّق من مواقف الناس الموجودة في الداخل، فكأنَّ الذين في الخارج هم كلُهم مثاليّون. يعني حتى في الإعلام إذا أردنا أن نتطلَّع فسوف نجد أنه هنالك 14 سنة من العودة، لكن لا نجد قصة أنّ هنالك 14 سنة من أنّه هنالك أحد أبقى الجمعيّة خاصّته شغّالة 14 سنة، أو أنّ أحدًا أسَّس جمعية أو دار ثقافيّة فعليًا في آخر خمس سنوات، وكانت مهمّة جدًا صعبة بأنّه يقدر على ترخيصها، ويشتغل فيها، ويستوعِب الناس فيها، ويعمل هذا الحيِّز تحت الرقابة الأمنيّة المشدَّدة وتحت القمع الكثير، أو أن أحدًا يكتب رواية، أو يشتغل بيديه، أو أن يُربِّي أولاده، الفكرة بحدّ ذاتها هي التركيز بالكامل على فكرة شكل الخسارة هو فكرة العودة.
أحمد البيقاوي: [00:24:57.71]
فلأجلِ ذلك فعليًا، الكاميرات كانت موجودة في المطار وعلى الحدود تستقبِل الناس، وأعتقد حتى في سياق فلسطينيّ. إن شاء الله ربنا يُحيينا لهذا اليوم، و سنرى الناس تُركِّز على عودة الناس إلى حيفا، وليس على أهالي حيفا ماذا حلَّ بهم على مدار السنين هذه! على عودة الناس إلى عكا، أو دخول الناس لفلسطين، باختلاف كل منطقة بحدّ ذاتها أو مع مراعاة خصوصيّة كل منطقة. نفس النقاش فعليًا جعلني بمحل ما هكذا! مع مشاركتي ربّما للحظة خاصة عند صديقة، كانت عودتها لبيتها، كانت حقًّا هذه من أثقل اللحظات، لأنني أعرف ماذا يَعني لها البيت، الأسرة، الناس، الحارة، المنطقة، البيت وماذا تعني لها الذّاكرة معه! وقدَّيش طوال الوقت على مدار هذه السنين الطويلة تَشكّل هذا البيت، وشكَّلت العودة إليه مركزًا للتفكير، أو حتى بالحديث عن البيوت الثانية ممكن أنَّه دائمًا كان حاضر، لكن كان ثمَّة شيء مؤلم قد خرجتُ به من بعد ما هي قد أخذت حَيِّزَها وأخذت مِساحتها، قدّيش البيوت رجعت لكن الناس صعب أن ترجِع، قدّيش البيوت رجعت لكن الناس صعب ترجع لأنه هنالك 14 سنة تكسَّرت الناس فيها حرفيًا، والناس شكَّلت شخصيات بناءً على واقع فُرِضَ عليها، وعملت مراجعات وأصبحت تنتمي لأشياء وتُشبِهُهُا أشياء وتُِحب أشياء وتكره أشياء، بحدّ ذاتها مختلفة عن ما مرَّ به الواحد، أو عن أين كان! ليست الفكرة بأنّ الواحد يرجِع لحيثما كان قبل 14 سنة أو قبل 10 سنين أو قبل 60 سنة!
أحمد البيقاوي: [00:27:17.01]
وليست الفكرة بأن نُطبِّق اليوم التالي للتحرير، هذا الذي نحن أحيانًا نكون نتخيَّله ونحكي عنه. ليست الفكرة هنا بِقَدَر ما أنَّني صرت أفكر يعني حينما رأيت البيوت صارت مفتوحة لكن الناس حتى وهي ترجِع لها ليست هي هي وهي ترجع إليها! كان شعور جدًا صادم، وأجبرني أن أتعاطى مع كل المعاني السابقة: العودة، النصر، الفوز، الفرحة، البهجة، استرداد الناس لمساحتها أيًّا كان كشيء فهو ثقيل! وتذكَّرت فعليًا خلال الإبادة حينما كنت أُعزِّي صديقي بصديق مشترك لكلينا فكان يقول لي انه تمالك نفسك، وبعد الحرب سنحكي أو نَرثي بعضنا، حتى حينما استشهد أخوه كان يحكي نفس الشيء! جاءت اللحظة في حالة سوريا، أو جاءت يعني لحظة أقرب من اللحظات التي قد عشناها أو رأيناها. على مدار عمرنا مذ كنا صغارًا يُحكى عن النصر والانتصار، يُحكي على أكثر من مرحلة، بالنسبة لنا فبنينا أيضًا مُخيِّلة مختلفة عن مُخيِّلة العودة جزء منها فكرة العودة وجزء منها فكرة التحرير، لكن تتجلَّى فكرة النصر ويمكن على مدار مع مقاومتنا رأينا فعليًا معارك كثيرة كانت تنتهي بخِطابات فيها نصر وانتصار، لكن دائمًا كان الوجع حاضر والقلق حاضر، والخوف من تكرار ما عشناه حاضر أيضًا. في حالة سوريا كان المشهد أكثر اطمئنانًا، أقل قلق، الناس لديها مساحة أكثر لتُعبِّر أو تَحكي أو تُفكِّر أو تُعطي اللحظة حقَّها بعيدًا على أنَّها سوف ترجِع تُحرَم غدًا من هذا المشهد، يعني لم أرَ سوى شخص واحد كان يُفكر يعني ويقول الله يَعلم متى سنرجِع، يعني بهذا المنطق. لأن الناس كانت تتعاطى أنها قد استردَّت مساحتها بالكامل، وأيضًا كان صديق آخر لكن كان يقول لن نسمح لأي أحد بأن يحرمني مرة ثانية من كوني في البلد مهما كانت العاقبة.
أحمد البيقاوي: [00:29:30.33]
لن أطلع مرة ثانية يعني. لكن عندما رأيت مرة ثانية فكرة النصر أو التجلِّي، فكرة النصر الذي أحاول أن أصف لكم إياه. قدّيش متعب! قديش مرهق! قدّيش فيه خسائر كثيرة! قديش حتى فكرة المُخيِّلة القصيرة المركِّزة على فكرة بأنني إذا عدتُ إلى فلسطين أو إذا عدتُ إلى حيفا أو يافا بدي أعمل واحد اثنين ثلاثة، قدّيش المخيِّلة خاصَّتنا قصيرة، خمس دقائق، عشر دقائق، ساعة ساعتين، يوم، يومين، ثلاثة أسبوع لكن بعدها فعليًا هنالك مشاعر جدًا ثقيلة على خسائر عشناها بسبب الاحتلال بشكل أساسي في حالتنا، وربّما بسبب الأنظمة القمعية ليس فقط في سوريا، بل عند كل الشعوب العربية. قدّيش هذه المرحلة كل فكرة لحظة النصر والانتصار قدّيش هي لحظة ثقيلة أكثر من أنها هي لحظة احتفالية. الاحتفال مهم، جدًا مهم مش شوي. وتكريم الناس مهم وإعطاء الناس حقَّها مهم، وحتى فعليًا بلحظات غير مكتملة دعوني أقول، القلق فيها لا زال واضحًا، الحديث عن النصر مهم أنا هكذا أفكر لكن بحدّ ذاتها هذه اللحظة لحظة جدًا ثقيلة حين تأتي، لأن فيها أسئلة العدالة، فيها أسئلة على أفكار كثيرة، تخيَّلوا مشهد ما بعد هذه الـ14 سنة حينما يدقّ أحد ما الباب على آخر! بحالتنا في فلسطين، يمكن يعني بغضِّ النظر عمّا سوف تقوله الناس، فأنا أظل أقول الله يُحيينا لهذا اليوم نعيشه ونراه.
أحمد البيقاوي: [00:31:16.11]
وكثّر خير الله. الشيء السعيد جدًا الذي رأيته أنني كنت محظوظًا أنّي كنت في اليوم الثالث في سوريا، ورأيت الناس وهي تستعيد كرامتها وتستعيد سوريّتها، وتمارس حريّتها بهذه اللغة، وهذا أجمل ما في الزيارة هذه، يعني بتطلع مع شوفير تاكسي لم يترك مخالفة إلا ووضعها، ويضع على الزجاج الأمامي علم، فتسأله لماذا عملت هكذا؟ يقول أنه يحب أن يدلِّل سيارته، فكان في شرطي يستغل دائمًا كل مخالفة عليه انه يأخد رشوة حتى يبقيها له، فلما سقط النظام راح ملأ السيارة بكلّ المخالفات التي يحب أن يعملها ودلَّل السيارة كما هو يحبها! من مكان آخر، أسأل سائق تاكسي: لماذا يوجد أزمة هنا أو بالشارع أمامنا؟ فيقول لي: ما في سبب، لكن أصبح لدينا بنزين في البلد، فأسألُه: ماذا يعني؟ فيقول البنزين كان فيه مشكلة، لم يكن متوفر، صار متوفر، فالناس فعليًا تستمتع بلحظة أنها هي الآن تُشغِّل سيارتها وتتجوّل في السيارة، بنزين متوفر وموجود بسعر أرخص من ما كان عليه سابقًا. الحديث عن الموز يمكن كان هنالك رمزيّة لفكرة الموز انه هو الشيء الغالي أو كأنه سعر الكيلو 60 ألف أو 70 ألف أو 50 ألف ووصل لأرقام عالية، لكن عندما سافرت فعليًا وغادرت قبل خمس أيام أو أسبوع فكان 12ألف! إقبال الناس على فكرة الموز و حديثهم عنه فيما بينهم: اشترينا الموز. هذا فعليًا جزء من ممارسة الناس لحرِّيتها، لمسارها، عودة الناس لـ:"قاسيون" الجبل الذي كنا في الدراما دائمًا نراه، أنا بالنسبة لي كان مهم لي بأني أروح وأقف هناك.
أحمد البيقاوي: [00:33:13.05]
لكن حين أطلع مع سائق فعليًا السائق بحدّ ذاته الذي هو ابن الشام كان ممنوع يطلع عليه بآخر سنين! فحتى هو طالع يستردّ المكان خاصته، حتى احنا رأينا كل الأماكن التي نريد رؤيتها، لكن أنا طلعته مرتين وكل مرة فعليًا السائق طلب انه بدي أروح على هذه النقطة لأنه هذه آخر نقطة هو قد وصلها. الآن يؤكد فعليًا على انه هذه الأماكن التي أنا كنت ممنوع أروح عليها أو أدخلها فاليوم أنا موجود فيها. عودة الناس للزنازين التي كانت مسجونة فيها على قسوتها، لكن كثير مهم لأنه قضوا سنين حياة وقضوا أشهر طويلة وهم يتعالجون في أوروبا ويأخذون جلسات علاجيّة ويدفعون مال الدنيا ليتناسوا ملف اعتقالهم، أو صدمات ترافقهم وهم غيرقادرين على تجاوُزِها، عاشوا بمرارتها عُمر، وعاشوا أن هذه الصدمات لا مفرّمنها وعليك أن تتعايش معها، فظهر هنالك واقع جديد، ربما تأتي لحظة سقوط كل شيء كان ثابت وتنفتح لك باب الزنزانة عشان أنت تروح وتحكي مع حالك داخلها، وتغلق هذا الملف مرة وللأبد حرفيًا! كنت أرى الناس فعليًا ازدحام في بعض الشوارع التي قيل لي انه هذا الشارع مثلًا كان فيه شخص مسؤول، كان مغلق من هنا ومغلق من هنا، فتأتي لترى السيارات كيف تلف فيه يعني بلا هدف بلا غاية! يعني أنتم تروا الآليات العسكرية في ميدان ما أو بدوار ما، لكن الناس فعليًا تكون قاعدة تقود السيارة بلا هدف بلا غاية، غير أنها تمارس حقها بأنها تمشي في هذا الشارع! أتخيل أيضًا كل فكرة عودة الناس للمقار الأمنية، دخول الناس حتى لبعض المقرّات، دخول الناس للكثير من الشوارع، دخول الناس حتى للميادين هي ليست محاولة يعني ليست احتفال وأُغلِق.
أحمد البيقاوي: [00:35:11.33]
تعرفون في حالات الثورات العربية حينما كان هنالك تنظيم، فـيتم تنظيم أي شيء بشكل أسرع، كانت جهة ما تدعو لمظاهرة أو جهة ما تعمل شيء لكن كان جزء _الذي أنا رأيته_ جزء من سلوك الناس باستعادة الحيِّز العام خاصّتها بأنّها تنزل على الشارع وتقف عند ساحة الأمويين وتُعلِّل أغاني وترقص، أو حتى فعليًا هنالك سلوكيات الواحد ربّما لا يُحبّها والتي هي أن أحد ما يأتي ويطلق النار في وسط ساحة الأمويين أو حتى فعليًا انَّه يأتي ويرقص ويغني أو يهتف أو يحمل لافتة عائلته أو لافتة بلده، انه أنا وصلت ودخلت وصرت في ساحة الأمويين أو نحن موجودين هنا، وأعتقد حتى أيضًا يعني بعض الأصدقاء ربّما يختلفوا معي على فكرة أن السلاح الثقيل أو السلاح الذي كان دائمًا يقتلهم، والتي هي فكرة "الكلاشن". في شيء نحن ربّما يعني نستصعبُ رؤيته وهو صور الناس التي تحتفل أو الأطفال الذين عبّروا عن احتفالهم بهذه اللحظة بأنه يحمل "كلاشن" ويتصوّر فيه! لكن أنا لم أرَها هكذا، رأيتها بالبداية وانزعجت بهذه الرمزيّة لأنني تعاطيت أو اختزلت الرمزيّة بهذا الشكل، لكن حين رأيتها لاحقًا رأيتها بفكرة أن هذه الناس قد اعتادت أن يكون السلاح بيد من يقتلها. في المقابل هي اليوم تحكي مع من يحمل السلاح أيضًا، لكنها تشعر بالأمان. فتعتاد أن هذا السلاح وظيفته ليست قتلها، ويمكنها أن تتصوّر فيه وممكن تلعب فيه و تُرجِعه للشخص الذي يحمله ببساطة! أنا صرت أرى أن هذا أيضًا جزء من استرداد الناس لمساحتها ولهُويَّتها ولحرِّيتها ولكرامتها من مكان ثاني، مجرد فكرة
أحمد البيقاوي: [00:36:57.92]
سألت صديقة كانت شغّالة في واحدة من المؤسسات المُقرَّبة من النظام، فقلت لها: ما معنى حرية بالنسبة لك؟ فتقول لي: صرت أرى انه هنالك خيارات أخرى في الحياة. لأنها منذ يوم نشأَتِها نشأت في مؤسسات النظام أو مسارها، مسار عائلتها، مسار والدها، فحتى خلال تفكيرها في مستقبلها فهي غير قادرة على رؤية شيء سوى التطوير والتعامل أو العمل على الأشياء التي يوفِّرها النظام ضمن مسارات واضحة ومحددة مسبقًا وكفى! يعني بهذا المنطق. لكن اليوم أصبحت تفكر انه هنالك مسارات أخرى موجودة وجزء من حرّيتها انه ممكن تأتيها مكالمة هاتفيّة من شخص ما مسؤول، سابقًا كانت تخاف اذا لم تردّ عليه، أمّا اليوم ممكن ترد عليه وممكن ما ترد عليه وممكن تشتمه من مكان ثانٍ.
أحمد البيقاوي: [00:37:58.08]
ربما هنالك نقطتين الآن تذكَّرتهما، يجب أن نمرّ عليهما ونحكي فيهما. الحديث عن الجولان والحديث عن إسرائيل. تعرفون هناك كلامًا كثيرًا يقال لي أو يوجَّه لي بشكل أساسي انه تمام ها قد راح النظام وأخذوا الجولان. وها قد راح النظام وضربوا السلاح أو ضربوا فعليًا كل مقدّرات الدولة. أريد البدء بمقدّرات الدولة حتى أقول لكم انه حينما سنح لي كصحفي أن أدخل على بعض المواقع العسكرية، وكنت أرى فعليًا مثلًا كمنطقة مثل منطقة قاسيون انه هنا يوجد فتحة نفق، أو هنا_فوق في المواقع العسكرية_ انه هنا ثمَّة فَتحة، أو أن هنالك شي للزوار مفتوح. يعني الناس كانت تذهب وترى المناطق التي كان فيها تواجد عسكريّ. ثمّة شيء يقهر حرفيًا عندي أنا كفلسطيني أو كشخص غير سوريّ.
أحمد البيقاوي: [00:39:02.57]
يعني هكذا دعوني أقول أنَّ هذه المقدَّرات قد دُفع ثمنها دم وأرواح وعرق شباب كُثُر أجيال من الشباب حتى يكون هنالك مقدّرات لجيش على عاتقه حماية البلد وحماية الناس. تخيّلوا أنه حتى فعليًا هذا الجيش الذي استخدمه النظام لقمع وقتل ناسَه وأهله، ولتعزيز وجوده حتى وهو يغادر! شكل مغادرته كان إنهاؤه تمامًا، فأنت أصبحت ترى أنه حتى المقدّرات العسكرية التي كان من الممكن أن يتم استخدامها إذا لم يكن اليوم ففيما بعد، إذا لم يكن هذا الشهر فبعده، إذا لم يكن السنة هذه فبعد ذلك. في حال كان هنالك استلام وتسليم من النظام يعني قد حرم الناس حتى من الاستفادة من هذه المقدّرات وأصبحت مكشوفة للزوّار ومكشوفة لكل أجهزة مخابرات العالم. وهنا يبدأ الناس بالقول ويشيرون للهيئة الموجودة أو لجهة ما موجودة. بعيدًا عن نقاش من الذي يحكم اليوم أو من سوف يحكم لاحقًا. وبعيدًا عن نقاش ما موقفه من إسرائيل وموقفه من الغرب، هذا المشهد تحديدًا يتحمّل مسؤوليته بالكامل. وهنا جزء من كُرهي وزيادة كرهي لهذا النظام بأن هذا النظام فعليًا قتل حتى الشيء الذي كان يستخدمه والذي كان بالنسبة لنا كان قويًا إلى حدٍّ ما، قتله وأجهزَ عليه قبل أن ينسحب، وترك البلد، ترك سوريا بلا أي مقدّرات ليست عسكرية فحسب بل بلا أي شيء! مُنهارة بالكامل. البعض ربّما يقول كان هنالك عقوبات، فأقول: صحيح كان هنالك عقوبات، وأنا لست من الناس التي تتمنّى فكرة أن العقوبات كانت تستهدف فقط النظام ولم تكن تستهدف الشعب. بالعكس جزء من أهداف العقوبات أنها تضغط على الناس لكي تضغط على النظام.
أحمد البيقاوي: [00:41:00.41]
لذلك جزء من الفقر الذي نراه هو نتيجة العقوبات ونتيجة حصار النظام وحصار سوريا عمومًا. لكن في نفس الوقت النظام بنى قصور حديثة، بنى مقرّات أمنية حديثة، رأينا فعليًا بِمساحاته، استثماراته في السيارات، وتحت الأرض وفوق الأرض وغير ذلك. كان ممكن فعليًا بأن البلد تكون أفضل، من مكان ثاني. الجولان يقال عنها نفس الشيء وهي مرتبطة بالنقطة الأولى. الجيش الذي كان يفترض أن يكون قاعد لآخر لحظة لصدّ الإسرائيليين أو واقف حتى فعليًا كمجرد تواجد. شكل الانسحاب الذي قد أنهى فيه الجيش، سقط الجيش فيه، لم يعد هنالك جيش بقوانين دولية أو بغيرها. إسرائيل تجد الثغرة التي تتمثَّل ضمن فكرة أخذها أرض إضافية لكي تحمي مِساحتها، أو تحمي حيِّزها يعني بهذه الحجج بشكل أو بآخر. لكن أيضًا هنا لماذا نطرح هاتين النقطتين تشكيكًا بالسوريين، تشكيكًا بالناس الموجودة، تشكيكًا بغيرهم. أنا أودّ أن أقول لكم شيء، حقًّا يعُزُّ عليّ جدًّا أن تكون في سوريا و تُقصف وأنت في سوريا وجدًّا ثقيل الشيء عليّ، وكثير صعب أن يُحكى عن احتلال أرض أخرى. في الوقت الذي يُحكى فيه عن احتلال أرض أخرى في غزة، ويُحكي أيضًا عن التوسُّع. وأيضًا ضمّ واحتلال في الضِّفة أكثر وأكثر. يعني لا أستطيع رؤيتها خارج هذا السياق. لكن أيضًا أفهم جيّدًا قدّيش السوريّين فقدوا التواصل مع فكرة الجولان، ومع كل فكرة الجيش والعسكرة والجيش تحديدًا، على مدار السنين الأخيرة. لأنه في حالة الجولان وكأنَّ النظام قد أخذ على عاتِقه استعادته، فأعفى الناس من أن تفعل أي شيء، وبقي هكذا، وفي الـ 14 سنة هذه الفصل الذي صار ما بين أهالي الجولان المحتلّ وبقيّة
أحمد البيقاوي: [00:43:12.80]
وبقية الأهالي في سوريا أو العلاقات العائلية. كل فكرة هذه الروابط تمزَّقت تمامًا، فلم يعد ممكنًا هذا التواصل مع فكرة حتى الجولان بحد ذاته وصار هناك حُجّة عند الناس تشكَّلت مع الوقت بأن الجولان باعَه أو هو الذي سوف يُرجِعه، يعني واحدة من الاثنتين لكنها ليست مسؤوليتي، فلمّا جاءت لحظة مثل لحظة أن الاسرائيليين احتلوا أرض أخرى، فلا زالت الناس قاعدة وتسجِّل على فاتورة النظام بهذا الشكل، وفي نفس الوقت ونفس النقاش حين تأتي وترى مشهد مؤذي يعني: تكون قاعد مع أناس وطنيين، لديهم مشكلة مع "إسرائيل"، وطنيين جدًا، مشكلتهم مع "إسرائيل"، مشكلة جذرية، وفي نفس الوقت حين تقصف "إسرائيل" سوريا يشعروا بالاطمئنان بأنّها لن تقصف سوى مقدّرات عسكريّة، والمقدّرات العسكرية هذه فعليًا هو فاقد التواصل معها تمامًا. مع الوقت _ذكرت هاتان النقطتين لأقول أنّه مع الوقت_ الناس اليوم سوف تستردّ كما تستردّ علاقتها مع قاسيون ومع الحيِّز العام ومع حقِّها في التظاهر، ومع رفضها للإقصاء، ورفضها للنَّفي ورفضها للنزوح، ورفضها لكل شيء، سوف تستردّ الناس مرة ثانية وقريبًا جدًا علاقتها بالجولان من الصفر، وسوف تستردّ علاقتها، مع حاجتها لجيش وطنيّ حقيقيّ يحميها ويحمي كل شيء، ويحمي هذه اللحظة التي يعيشونها اليوم، لكن فعليًا على أسس وقواعد لن تسمح أن يتم استخدام هذا الجيش في يوم من الأيام لقتل الناس، وسوف تستردّ الناس علاقتها مع الجولان، وسيكون هنالك عنوان من عناوين التظاهُر، وعناوين للمُزايدات حتّى الداخلية لإثبات الوطنيّة. هكذا نريد أن نصل لهذا المستوى ما بين الناس الواقفة على ذات الأرضية، سوف تستردّ الناس علاقتها مع الجولان، وستستردّ الناس مع حاجتها لوجود جيش وطنيّ حقيقيّ قريبًا جدًا كما تستردّ كرامتها ممَّن انتزعها على مدار سنين طويلة.
أحمد البيقاوي: [00:45:25.76]
أنا ربّما في البداية كان التفكير أن هذا التسجيل سيكون عشر دقائق أو ربع ساعة، كنت قد دوَّنت الأربع أفكار لكن لم أسجِّله بفيديو منفصل، بل سجَّلته هنا لأنه حقًّا جزء من التقارب، جزء من تقاربي معكم، جزء من تفسير أنا أين كنت بالمشاعر خاصّتي. فقد كنت أقول أنّه خلال أسبوعين كنت مضغوطًا جدًا. وطوال الوقت كانت هذه المشاعر حاضرة وموجودة، وطوال الوقت هذه المشاهدات كانت موجودة وحاضرة، ليس فقط هذه المشاهدات كانت موجودة وحاضرة. ربّما هنالك أسئلة من المُبكِّر حتّى أن أحكم عليها أو أفكِّر فيها. لكن ممكن خلال الحلقات التي سوف نعالجها مع أُناس إن شاء الله قريبًا. تقارب سيكون في سوريا. سوف يسجِّل مجموعة من الحلقات ضمن خطَّته لعام 2025 بدَمج السفر والتعاون مع جهات ومؤسسات لتسجيل حلقات خاصّة في بيوت الناس، أو في مناطقها أو في مؤسساتها أو في حيِّزها. لنكون أقرب لكلّ قضيّة ولكل موضوع نُنجزه. في النهاية أودُّ أن أشكركم على ثقتكم الدَّائمة. شكرًا لكل من وَصل هنا بشكل أساسي وشكرًا لكل من لم يستطع الوصول هنا. شكرًا لمشاركة هذا المحتوى مع كل حدا مُهتم فيه. شكرًا لاشتراككم في قناة اليوتيوب، وشكرًا وشكر خاص دائمًا لكل شخص يستثمِر في "تقارب" ويستثمر في استمراره من خلال الرّابط الموجود في وصف الحلقة. شكرًا لكم جميعًا. ربنا يتمِّم الخير على سوريا. عندما كنت أحكي للناس وأسلِّم عليهم وأقول لهم مبارك
أحمد البيقاوي: [00:47:18.99]
الله يتمِّم على خير فيقولوا لي: العقبى لفلسطين. وأنا بكلّ صدق مُصدِّق ومؤمن أن فلسطين قاربت. ليس لأنه هنالك معادلة سوف تحدث صباح الغد، أو هناك عامل وقت أو نقاش زمن أتحدّث عنه، لكن بفكرة أنه لا يوجد شيء ثابت في هذه المنطقة، لا شيء سيبقى كما هو! وحتى فكرة انشغالنا باكتئابنا، ونُنكِّد ونتعب، ولسنا قادرين، ومتعَبين، والاحتلال سيظل والنظام هذا سيظلّ، وهذا الرئيس لن يذهب، لا يصحّ أن تأخد أكثر من حيِّزها، ممكن ساعة أو ساعتين، ليلة أو ليلتين، لكن يصحّ أبدًا أن أخطِّط حياتي بناءً على هذه المشاعر لأن كل شيء متغير، ولحظة مثل لحظة سقوط الأسد. ناس كُثُر منّا وأنا جزء منهم كنت أتعاطى على أنّها ثابت، على أنّ بقاء الأسد ثابت ونحن علينا أن نتعاطى معه فعليًا وبقيّة الأشياء هي متغيّرة! لكن لحظة انكسار هذه اللحظة فهي بمثابة درس لنا جميعًا بأن نرجِع ونؤمن بأنّ كل شيء متغير، والتاريخ فعليًا يعني لا يسير كما نريد، بل على العكس، ولا يستسلم كما نستسلم نحن. بالعكس التاريخ يكتب الكثير، وكما يكتب صفحات مظلمة فإنه في المقابل يكتب صفحات مشرقة جدًا. ربنا يتمّم على خير كما حكيت لكل الأصدقاء السوريّين. وإن شاء الله العقبى لفلسطين. شكرًا لكم. إن شاء الله تكون قريبة، وتكون كل دول المنطقة فيها شعوب حرّة حقيقية وفيها جيوش نظاميّة وطنية، وفيها فعليًا حكومات تحترم أناسها وتحترم شعبها، ولا تستخدم قضية فلسطين لقمع شعوبها ولا تستخدمها لمجرّد أخذ شرعيّة ما.
أحمد البيقاوي: [00:49:02.78]
شكرًا لكم ونراكم في حلقة جديدة الأسبوع القادم.