غزّة تحت الحصار… وسفينة "حنظلة" في مواجهة الصمت الدولي
بينما يعيش أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزّة تحت الحصار والتجويع والإبادة، وبينما تُمنع المساعدات من الوصول إلا بإذن من الجهة التي تمارس هذا القتل، قررت مجموعة من الناشطين من حول العالم أن يتحركوا من البحر، لكسر الحصار وكشف تواطؤ حكوماتهم.
في هذه الحلقة من بودكاست تقارب، نحاور هويدا عرّاف، المحامية والناشطة الحقوقية، وأحد مؤسسي "أسطول الحرية"، وهي على متن سفينة "حنظلة" التي تبحر الآن باتجاه غزّة، محمّلة بمساعدات رمزية، ورسائل سياسية وإنسانية حاسمة.
🎯 في هذه الحلقة، نفتح النقاش حول:
🚢 لماذا تُمنع المساعدات من الوصول إلى غزّة دون إذن من الاحتلال؟
🚢 ما الذي يحمله هذا التحرك من البحر لأهل غزّة، في ظل التجاهل الرسمي؟
🚢 من هم الأشخاص الذين تركوا بيوتهم وعائلاتهم، وركبوا البحر دعمًا لغزّة؟
🚢 كيف يتحول العمل الرمزي إلى إدانة أخلاقية لصمت العالم؟
💥 ونناقش أيضًا:
🔍 تواطؤ الحكومات الغربية والمنظمات الحقوقية مع الحصار
🔍 لماذا تتحاشى المؤسسات الدولية الاصطدام مع "إسرائيل"؟
🔍 كيف يمكن أن نُعيد توجيه الأنظار إلى جوهر المسألة: الشعب المحاصر، لا السفن وحدها؟
🔍 ما الرسائل التي يحملها طاقم السفينة لأهل غزة، وللعالم؟
🧭 الضيفة: هويدا عرّاف
محامية وناشطة حقوقية، من مؤسسي "أسطول الحرية"، تتحدث إلينا من على متن سفينة "حنظلة" المتجهة إلى غزة.
🎙️ المحاور: أحمد البيقاوي
نقدم إليكم تفريغ الحلقة النصية:
هويدا عراف: مرحبًا السلام عليكم. اسمي هويدا عرّاف، فلسطينية أميركية، محامية وناشطة من أجل حقوق الانسان، ناشطة منذ سنواتٍ طويلة مع حركة التضامن الدولي، واليوم بوجودي على متن سفينة حنظلة، منسقة بأسطول الحرية. النقاش الذي أجريناه مع برنامج تقارب، كان الأمر في البداية صعبًا جدًا لأن لغتي العربية ليست جيدة للأسف لكنه كان مهمًّا جدًّا. خضنا بكثيرٍ من المواضيع المهمة التي تخصُّ النشاط الذي نقوم فيه، ونحن نواجه الحصار الإسرائيلي البحري عبر السفن لكسر الحصار. لكن واجهت صعوبةً في الإجابة باللغة العربية، في نفس الوقت ناقشنا الكثير من المواضيع التي تثير تساؤل الناس. وآمل أن تكون إجاباتي وافيةً للإجابة عن جميع أسئلتكم.
أحمد البيقاوي: مرحبًا وأهلًا وسهلًا بكم في حلقةٍ جديدة من بودكاست تقارب، معكم أنا أحمد البيقاوي وضيفتي لليوم العزيزة هويدا عراف. حلقة هذا الأسبوع هي حلقة استثنائية على مستوى التنفيذ، مواعيد النشر وكل شيء. تنازلنا عن رتابةٍ موجودة وعودناكم عليها في تقارب على مستوى مواعيد النشر، الشكل، الترتيب. مقابل فعليًا أن نتلاءم ونكون بذات الوقت مع سفينة حنظلة والناس الموجودين عليها، ونساهم في نشر غايتها وأهدافها وأفكارها الذين يبحرون من أجلها. من أجل هدف فك الحصار عن غزة، إعلاء صوت غزة وإعلاء صوت الجرائم الإسرائيلية أكثر وأكثر. وأيضًا فعليًا الحديث مع مجتمعات كثيرة. كل شخص من المشاركين الموجودين على السفينة يتكلم مع مجتمعه ويتواصل مع ناسه وأهله. ونحن فعليًا من المهم لنا أن نتواصل مع هذه السفينة وهذا الجهد الجبّار والموجود بشكل غير سياق خبري مثل الذي اعتدنا عليه. أنّ السفينة انطلقت، السفينة وصلت، هاجموا السفينة ورحَّلوا المشاركين. وكل شيء إمّا أن يأخذ حقَّه كخبرٍ أول أو أن يأخذ أقلَّ من حقّه كخبرٍ أول. أعرف أن لا صوت يعلو فوق صوت الحرب، ولا صوت يعلو فوق صوت المجاعة الموجودة اليوم. والبعض فعليًا يرى أنه يوجد تناقض بين الفكرتين، لكن في تقارب وعلى مستوى شخصي أرى أن المشاركين على السفينة ربطوا مصيرهم بمصير أهل غزة. ووضعوا أرواحهم ومصيرهم على كفِّها، وأبحروا نحو غزة بقلوبٍ قوية، مؤمنين أنها يجب أن تصل، وأنّها تطلب منّا دعمها كي تُكمل طريقها، وكي تحقق غاياتها في كلِّ يوم، وكلِّ دقيقة، وكلِّ ساعة.
أحمد البيقاوي: قبل أن نبدأ أريد أن أشكركم مقدمًا أولًّا على مشاركتكم هذه الحلقة، ليس فقط مع كل من يهتم بها، بل مع كل من تعرفونه. هذه الحلقة مهمّة جدًا أن تصل إلى الجميع، حتى يعرف الناس القوة التي نمتلكها، وقوة المتضامنين، وقوة قضيتنا أيضًا، وعدالتها التي تدفع الناس للخروج من كل البلدان كي تصل إلى غزة، وكي تكون مع أهلنا في غزة. وأيضًا من المهم أن نشارك هذه الحلقة التي نتحدث فيها، عن أنه في نفس الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل أن تُهزمنا وتُشعرنا بالضعف والانهيار، هناك من يعمل على كسر هذه المشاعر كلها ويصنع من العدم قصةً. تمامًا كما حدث مع هذه السفينة التي جرى العمل عليها بإصرارٍ، وبحضورِ مهندسٍ كما سنرى، لتنطلق نحو غزة حاملةً معها أهلها والمشاركين فيها. شكرا لكل شخصٍ، شكرا لاشتراككم في قناة اليوتيوب واشتراككم في قنوات الاستماع ومشاركتكم هذا المحتوى مع كل من يهمه الأمر. شكرًا على مشاركتكم مقترحاتكم للأفكار والمواضيع والأسئلة. شكرًا لاشتراككم في النشرة البريدية. وشكرًا لكل من يساهم في دعم تقارب من خلال الروابط الموجودة في الوصف. وبهذا نبدأ مع هويدا عراف من على متن سفينة حنظلة.
هويدا عراف: هويدا عراف موجودة على متن سفينة حنظلة. ونحن في طريقنا إلى غزة إن شاء الله.
أحمد البيقاوي: أهلًا وسهلًا بكِ. هذه أحلى مقدمة بودكاست هويدا، يعطيكِ ألف عافية.
هويدا عراف: يزيدك ألف عافية. شكرًا أحمد.
أحمد البيقاوي: هويدا، كل ما حدث معكم على السفينة كالخلل والمشاكل في اليوميين الماضيين، يشبه تمامًا التسجيل هذا وما نمر به أثناء تسجيل هذه الحلقة. يعني كل شيء يحصل معكم يبدو صعبًا ولا يوجد شيء يأتي بسهولة هل هذا صحيح؟
هويدا عراف: كل هذه العملية ليست سهلة طبعًا، لكننا مصرّون على أن نكون جزءًا منها. نعم نواجه الكثير من التعقيدات، لكن الحمد لله، هذه التعقيدات أخّرتنا يومين فقط. لا أستطيع أن أصف ذلك بالشيء العظيم، لأنه لا شيء عظيم في وضعنا هذا، ولكن يمكن اعتباره إنجازًا.
أحمد البيقاوي: في هذه الحالة، كم استغرقت مدة التحضير لفكرة السفينة، من اللحظة التي أخذتم فيها قرار إطلاق سفينة حنظلة وحتى تحرّكها. كم من الوقت استغرق ذلك؟
هويدا عراف: ليس من السهل الإجابة على مثل هذا السؤال. سفينة حنظلة كانت موجودة لدينا بالفعل، هذا المركب كان بحوزتنا منذ عامين. وفي صيف عام 2023 نفذنا جولة بحرية من مرفأ إلى مرفأ، انطلقت من السويد والنرويج، مرورًا بإيرلندا وإنجلترا. وفي كل محطة نتوقف فيها، كنا نقيم ندوة لنعرف الناس بشكلٍ وشامل على واقع الحصار في غزة. هذا كان كله قبل أن تبدأ الناس بالانتباه إلى ما يجري أي قبل 7 أكتوبر وحتى نهاية صيف 2023. ثم في عام 2024، خضنا نفس الخطوات تقريبًا، وقفنا في وسط البحر المتوسط، وكان هدفنا أن نصل في النهاية إلى مرفأ غزة، لكن السفينة تعرضت للخراب، ولم نستطع إكمال الطريق نحو غزة. في الوقت نفسه، كانت لدينا مراكب أخرى محجوزة. في شهر 4 من العام الماضي، كنا مئات الأشخاص متواجدين في إسطنبول، مستعدين للصعود على ثلاث سفن كبيرة، بينها شاحنة تحمل 5000 طن من المساعدات لأهلنا في غزة لكن وقع تخريب بيروقراطي: سُحِب العلم من على متن السفن، وعندما أعدناه، قامت السلطات التركية بحجز السفن. نخن دائمًا نعمل على أكثر من جهةٍ ومسار. وهذه السفينة كنا نحتفظ بها، تحسبًا لمن يريد المشاركة ولا يملك مركبًا، فمن الصعب أن يجد مركبًا ويفحصه ويشتريه، لأنه من الصعب أن يستأجر الشخص سفينة كي يشارك، ولا أحد يملك سفينة ويقول: أنا سأشارك بالذهاب معكم إلى غزة، لأنه يعرف ما تفعله "إسرائيل": تحتجز السفن، تدمرها، وتقصفها. لهذا قلت لك ليس من السهل الإجابة على سؤالك.
أحمد البيقاوي: إذا أردنا، هويدا، الحديث أولًا عن فكرة السفينة، أنتم عندما تنطلقون بها، هل تعلمون مسبقًا أنكم لن تستعيدوا السفينة؟ هل هذا صحيح؟
هويدا عراف: هذا صحيح، لنعد مثلًا إلى عام 2008، حين صعدنا لأول مرة على مراكب وسفن بهدف مواجهة الحصار، والجيش الإسرائيلي والبحرية الإسرائيلية ومحاولة كسر الحصار المفروض على غزة. الفكرة بدأت أواخر عام 2006، عندما فرضت "إسرائيل" الحصار، وبدأنا نرى في التقارير الإخبارية معاناة الناس الذين يحاولون الخروج من غزة، وتأثير الحصار على الشعب، وسط صمت الدول. جاءت الفكرة من أحد النشطاء في حركة التضامن الدولي التي كنت ناشطة فيها. وهي حركة هدفها دعم المقاومة الشعبية الفلسطينية من خلال بالعمل المباشر، يعني في المواجهة الميدانية ضد الاحتلال وسياسة الاحتلال. هذا الناشط اقترح أن نجرب كسر الحصار عبر البحر، بأن ننطلق من المياه الدولية إلى مياه غزة، دون الاقتراب من المياه الإسرائيلية. وإن حاولت "إسرائيل" إيقافنا أو مواجهتنا، سنفضح سياستها أمام العالم. لأنها دائمًا تدّعي أن ما تفعله لأجل "الأمن والأمان". نحن مجموعة نشطاء على سفينةٍ صغيرة متجهة لزيارة غزة مثلًا، فما الخطر الذي نشكّله على أمن "إسرائيل"؟ كنا نرى أن التحرك بهذه الطريقة سيفضح سياستها ويكشف كذبها. وفعلًا كنا نؤمن أن العالم حين يرى الحقيقة سيتحرك ضدها. ليس من المعقول قبول سياسات "إسرائيل" بكذبها على العالم وقتل الشعب الفلسطيني. ولكن للأسف ما نراه اليوم هو أنّ "إسرائيل" وأميركا وعددًا من الدول الأوروبية يواصلون كذبهم على العالم، ويشاركون بوضوح في التطهير العرقي والإبادة جماعية، ويمارسون جرائم لا تُصدق. عام 2008، في أول مرة بدأنا فكرتنا حتى استطعنا الانطلاق والإبحار بالمراكب باتجاه غزة. استغرق الأمر قرابة سنة ونصف لجمع التبرعات اللازمة لشراء هذه المراكب البسيطة. وعندما يطلب الناشط تبرعات لمواجهة الجيش الإسرائيلي بهذه الطريقة، يراه البعض كأنه مجنون. الناس تفضل عادةً التبرع للمساعدات الإنسانية: طعام، دواء، مساعدة لاجئ، أو بناء مستشفى، وهذا أمر طبعًا نتفهمه تمامًا. لكن رسالتنا، وما زالت أن الشعب الفلسطيني لا يريد أن يعيش على التبرعات وعلى المساعدات فقط. يجب التركيز قليلًا على التغيير السياسي الذي يفرض الاعتماد المستمر على المساعدات. وتركيز جزء من الجهد والموارد على تغيير الواقع السياسي. طبعًا، نحن لا ندعو لوقف التبرعات الإنسانية فهي ضرورية، ولكننا نريد أن أن نوجه ولو جزءًا بسيطًا من الجهد بهدف التأثير السياسي الحقيقي. نريد حركة عالمية، ناشطين من حول العالم يتحركون لمواجهة السياسات، لمواجهة الحصار، لمواجهة البحرية والجيش الإسرائيلي. نحن لا نذهب فقط لكسر الحصار بل لتحدي الاحتلال. برأيي هذا جزء من المقاومة ومن الجهد، وجزء من التحرير وليس فقط كسرًا لحصار.
أحمد البيقاوي: نحن فعليًا، كجمهورٍ فلسطيني وعربي، غالبًا ما تبدأ معلوماتنا من لحظة انطلاق كل سفينة، كأن نسمع أن سفينة مادلين انطلقت في يومٍ معين. لهذا السبب، بدأتُ أسئلتي التي تتعلق بالكواليس أو من خلفية كل قصة وكل حدث. فإذا أردت فعليًا أن أفهم فكرة أسطول السفن، أو أسطول الحرية أو أساطيل فك الحصار. من أي عام يجب أن نبدأ؟ هل نبدأ من عام 2008؟
هويدا عراف: منذ عام 2008، عندما انطلقت أول سفينتين، ولا يمكن أن نسميها سفنًا في الحقيقة، بل كانتا مجرد مراكب صغيرة، حملونا بصعوبة لعبور البحر المتوسط، لأنها كانت كل ما استطعنا شراءه حينها. لكن المهم لم يكن حجم المركب بل الرسالة التي أردنا إيصالها في ذلك العام. في ذاك الوقت، كانت "إسرائيل" تهددنا بالمنع من الدخول وبالإغلاق الشامل وغيرها من التهديدات. في النهاية عندما اقتربنا من ميناء غزة. "إسرائيل" هي التي تنازلت. وفي شهر 8 عام 2008، وصلت المراكب التي كنّا على متنها إلى غزة، ولأول مرة منذ احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية وغزة تدخل مثل هذه السفن. الشعور في تلك اللحظة لا يُوصف، مازلت أقول إن أجمل يوم في حياتي كان حين وصلت إلى غزة. كفلسطينة، عندما عرّفتُ نفسي على شعبي وأهلي هناك. قلت لهم: اسمي هويدا عراف، أبي من الجليل وأمي من الضفة، ولدتُ في أميركا، وأعيش حاليًا في رام الله، وأُدِّرس في القدس، وها أنا اليوم في غزة. لأننا شعب واحد، وندرك جيدًا أن سياسة "إ سرائيل" تهدف إلى محونا وعزلنا عن بعضنا البعض. استطعنا أن نصل إلى غزة وكانت لحظة فارقة، وعندما غادرنا القطاع بعد أربعة أو خمسة أيام، وعدنا أهلنا في غزة أننا سنواصل الذهاب إليهم. وسنشجع أيضًا مؤسسات وأشخاصًا آخرين، ممن يمتلكون قدرات أكبر منا. نحن أناس عاديون، لا نملك المال الكثير، ولسنا رؤساء أو أصحاب نفوذ بل أشخاص عاديون ونشطاء بسيطون، ومع ذلك نلهم و نشجع الدول والمؤسسات الكبرى للقدوم معنا. وأن هذا الحصار لا يمكن القبول به و يجب أن نتحداه ونكسره. ووعدنا أهلنا في غزة أننا مهما حصل، لن نتوقف وسنستمر بالذهاب حنى نفتح خطًا دائمًا إلى غزة، وننتزع السيطرة والسلطة من "إسرائيل". لتصبح غزة مفتوحة على العالم. استطعنا أن نذهب ونعود بسفينة بسيطة أربع مرات عام 2008. لكن عندما بدأت "إسرائيل" قصف غزة في شهر 12 عام 2008، حاولنا إرسال سفينة طارئة محملة بالمساعدات، من أدوية وغيرها. إضافةً إلى صحفيين وأطباء لدعم المستشفيات الفلسطينية في غزة. "إسرائيل" قصفت تلك السفينة. تخيل أن البوارج الحربية الإسرائيلية المعدة للحرب، قصفت سفينتنا الصغيرة ثلاث مرات وكادت أن تُغرقها. لكن الحمد لله جميع من كان خرج سالمًا من دون إصابات خطيرة. إذا كانت "إسرائيل" تعتقد أن مثل هذا الفعل سيوقفنا فهي مخطئة. بعد أسبوعين فقط، أعدنا المحاولة بسفينةٍ جديدة، كان عل متنها عدد كبير من الصحفيين وبعض المساعدات التي استطعنا أن نحملها معنا، وطبعا ليست كثيرة بسبب صغر المراكب. لكن "إسرائيل" أيضًا ضربت هذه السفينة. ثم بعد شهر حاولنا مرة أخرى، لكن هذه المرة لم يقصفونا بل اقتحموا السفينة واعتقلوا أو بالأحرى اختطفوا جميع النشطاء الذين كانوا على متنها.
أحمد البيقاوي: الذي تتحدثين عنه متى حصل في أي عام؟ أي شهر وأي سنة؟
هويدا عراف: في شهر 7 -2009، وأصبح أمامنا وقتها خيار صعب. "إسرائيل" كانت قد تعمدت قصف ثلاث سفن، وأصبح من الواضح أن الوصول إلى غزة عبر البحر بالسفن لم يعد ممكنًا كما كان في شهر 8 عام 2008. بدأنا نتساءل: هل يجب أن نتوقف؟ أم نجرِّب طريقة أخرى؟ أم نصعد؟ عدد قليل منا، منسقو المبادرة، أعلنّا بوضوح أنه لا يمكن أن نتوقف أو نستسلم لفكرة أن العنف الإسرائيلي أقوى من إرادتنا في الحرية وكسر الحصار. وبدلًا من إرسال سفينة أو اثنتين صغيرتين. صعّدنا وبدأنا نرتب، وفي شهر 5 عام 2010، انطلقنا كأسطول بحري، لأول مرة أطلقنا اسم أسطول الحرية وتشكل إئتلاف أسطول الحرية. لم نعد مجموعة صغيرة، كما في البداية، بل أصبحنا إئتلافًا عالميًا. شاركت معنا مجموعات من حول العالم، وكل مجموعة أحضرت سفينتها. وفي شهر 5 عام 2010 أصبح لدينا سبع سفن. تحمل 10000 طنًا من المساعدات، وعلى متنها حوالي 700 شخصًا من 26 دولة حول العالم. ومن بين هذه السفن، إذا تذكرون ويتذكر المستمعون سفينة مافي مرمرة التي كانت معنا. كنت على متنها لمدة 24 ساعة فقط، لأن السفينة التي كنت أركبها في البداية قصفتها "إ سرائيل". انتقلتُ إلى سفينة مافي مرمرة ثم لاحقًا إلى سفينة ثانية اسمها "Challenger"، وكانت مسجلة كسفينةٍ أمريكية تبحر تحت العلم الأمريكي. كنا نحن الأميركيين، قد صعدنا على متن هذه السفينة بهدف ممارسة ضغط سياسي مباشر على أمريكا. كنا قريبين من سفينة مافي مرمرة وشاهدنا لحظة الهجوم الإسرائيلي عليها. استشهد 10 من المتطوعين الذين كانوا معنا، وأصيب العشرات بجروح. ا ختطفتنا "إسرائيل" جميعًا -700 شخصًا- وصادرت كل المساعدات التي نحملها. لم نشهد أي محاسبة حقيقة لهذا الفعل الإجرامي. صحيح أن تركيا قطعت العلاقات مع الاحتلال لعدة سنوات، لكنها عادت إلى طبيعتها لاحقًا. لم نشهد أي تحرك ملموس من الدول لممارسة الضغط اللازم د على "إسرائيل"، لتغيير سياستها ورفع الحصار. كان ذلك في عام 2010، الاحتلال وجه لنا ضربات قوية لكننا لم نتوقف، وأطلقنا سفن أخرى بعد ذلك. السفينة التي أنا على متنها الآن، والتي أطلقنا عليها اسم حنظلة، هي السفينة رقم 37 ضمن محاولات كسر الحصار عن غزة. وكل سفينة يشارك فيها أشخاص مختلفون. مثلًا اليوم معي على هذه المحاولة للوصول إلى غزة، يرافقني اثنان من البرلمانيين، ونشطاء من النقابات في أميركا وإسبانيا، إضافة إلى شخصيات مؤثرة في السياسة في دولهم ووجودهم على متن هذه السفينة، من أجل الضغط السياسي. وكل شخص منهم مرتبط بشبكة من النشطاء في بلده يعملون من أجل فلسطين. المهم قد يتساءل البعض: لماذا تستمرون بالمحاولة رغم أن الاحتلال يقصفكم دائمًا؟ لكننا نعلم أننا حين نتظاهر ونتعرض للقمع أو الاعتقال. هذا لا يعني أن نتوقف ونتراجع. بل من المهم أن نستمر في مواجهة هذه السياسات وأن نتحدى الحصار. وفي كل مرة نُبحر فيها، نوجه رسالة إلى دولنا: أن الصمت عارٌ وأن عدم مواجهة الحصار جريمة، ويجب أن تكونوا خلفنا بالسفن. اليوم هناك تغيرات ملموسة خاصة بعد سفينة "مادلين". "مادلين"، التي كانت المحاولة رقم 36، ومثلما ذكرت، كثير من الناس حول العالم أدركوا ما يجري بعد تلك الرحلة. والآن هناك الكثير من المجموعات حول العالم تقول إن هذا هو الطريق الصحيح. وعلينا أن نجهز أيضًا 100 سفينة أو حتى ألف سفينة. حتى ممثلو مؤسسات كبيرة بدأوا يرددون أن هذا هو الأسلوب الفعال وعلى العالم الدولي كله أن يتحرك بهذه الطريقة. لا نعرف ما الذي قد تفعله بنا "إسرائيل"، هذا مؤكد. لكن ما نعرفه وهو رسالتنا الواضحة لها، أن مهما فعلت بنا، لن نتوقف. من الممكن أن تأتي سفينة أو عشر، أو مئة أو حتى آلاف السفن. الشعب والعالم من حولنا لم يعد يطيق السياسات التي تفرضها "إسرائيل"، ولا سياسات الدول الأوروبية والأمريكية المتواطئة معها، الناس لم يعودوا يقبلون بهذا العالم الذي تريدنا "إسرائيل"، أن نعيشه وأن نعتاد على رؤية إبادة جماعية، وقتل ملحمي دون أن نفعل شيئًا. وأعتذر على الإطالة في الإجابة.
أحمد البيقاوي: لا أبدًا على العكس، أطيلي الإجابة على كل سؤال دائمًا، شكرًا. هويدا من أين لكِ هذه المعاندة؟
هويدا عراف: ما السؤال؟
أحمد البيقاوي: من أين لكِ هذا العناد؟ من كلمة عنيدة.
هويدا عراف: لأننا فلسطينيون. كلما كنت عنيدًا كنت فلسطينيا. نحن لم نخرج لمساعدة الشعب الفلسطيني ولا لإنقاذه. غزة وفلسطين بشكل عام هم من ينقذوننا. نحن نعيش في أميركا ونرى هذا العالم الذي يريد أن يفرض عليه، عالم عنيف وبشع ومخالف للقانون. لا يمكن لأي شخص أن يكون آمنًا بدون حماية لحقوق الإنسان ولا لقوانين دولية. فقط العنف والقوة هما الصح. هذا عالم لا نقبل به والإرادة الفلسطينية والمقاومة والصمود الفلسطيني هو الذي يعلمنا ويدفعنا للمضي. بالتأكيد يصيب الشخص التعب واليأس ولكن حين نرى الشعب الفلسطيني وحق الناس بأن لا نتعب ولا نيأس. كل ما أقوله لك كفلسطينية لكن كل من على السفينة يوافقونني الرأي. غزة وفلسطين هي من تساعدنا وتساعد العالم. العالم الذي نعيش فيه عنيف جدا ويجب أن نغيره. عنيدة لأنني فلسطينية، وأيضًا عنيدة لأنني لا أقبل كأم أن أورث أولادي هكذا عالم. دائما حين أتحدث عن سبب وجودي هنا، أفكر في كلام أولادي الذين يعرفون ما أعمل ويحاولون أن يكونوا متفهمين. لكن سألوني: ماما ما الذي سيحصل في حال عدم عودتك؟ في حال قتلتكِ "إسرائيل" ما الذي سيحصل؟ ومن الصعب أن أحرم أولادي من حقهم بالأمان وما أناضل من أجله. وأخبرتهم: ماما أنا إن شاء الله سأحاول كل المحاولات وقدر الإمكان أن أعود. لكن إذا حصل أي شيء اعرفوا أن ما أفعله هو من أجلكم ومن أجل كل مستقبل الأطفال في العالم، ولا تحزنوا.
أحمد البيقاوي: هويدا، أريد أن أتعرف عليكِ في تقارب، لأننا نترك التعريف للضيف. لكن كل شيء في هذه الحلقة أصلاً لا يشبه تقارب. فأنا وأنتِ لاحقًا سنصور حلقة ونحن نجلس على الكنبة ونتحدث فيها مع بعض وبكل هذه التعريفات. لكن هناك سؤال، الناس التي تصعد معكم مرة وتعود، هناك اثنين معكم كانوا على متن سفينة مادلين وعادوا للإبحار مرة أخرى الآن. أنتِ فعليًا في موضوع الأسطول وموضوع السفن، موجودة فيه من عام 2008، "إسرائيل" تزداد وحشية، "إسرائيل" تزداد عنف، وأنتم فعليًا تزداد مسؤولياتكم، أولادكم يكبرون، مسؤوليتكم تكبر. أنتم تكبرون، طاقتكم تقل مثل كل الناس. لكن هناك من ظلَّ محافظًا على هذه الطاقة والقوة. في وقتٍ كشفت لنا الإبادة وطوفان الاقصى و7 أكتوبر، أن العالم الذي نعيش فيه فرداني، الناس تهتم بنفسها أكثر، أكثر من فكرة اهتمامها بالعمل الجماعي أو حتى النشاط الجماعي. هناك شيء في مزاجكم ومزاج الناشطين مع الحفاظ على العمل الجماعي، لا يشبه بقية المبادرات الأخرى أو بقية العالم الذي نعيش فيه. كأننا في فقاعة معينة وأ نتم في فقاعة أخرى.
هويدا عراف: لا لا يوجد هناك فقاعة. أولًا هناك شخص واحد معنا كان على متن سفينة مادلين، وكان هناك شخص آخر موجود في إيطاليا، جاء ليساعدنا تقنيًا. وآخر أظن أنه هو الذي رأيته، وهو ناشط إسباني اسمه سيخيو. جاء أيضًا للمساعدة تقنيًا، ثم احتجناه لأن المركب قديم جدا وبحاحة للكثير من العمل كي يُبحر وهو مهندس. فقرر الصعود معنا مرة أخرى على متن السفينة، وهو يعرف أن الاحتلال يمكن أن يتصرف بوحشية معه. لكن كلنا نقول الشيء نفسه. فلتفعل "إسرائيل" ما تريده. نحن نؤمن كثيرًا بكل ما نفعله. وكل العنف الذي ستمارسه ضدنا لن يؤثر فينا. برأيي كل شخص منا يؤمن بحقوق الإنسان، يؤمن بالعدالة، له دور. والأدوار ليست دائمًا مثل بعضها. مثلًا أنت تعمل في البودكاست وتُخبر الناس كصحفي. أنا لا أعرف أن أكون صحفية، أعرف تنفيذ انترنت بوست بودكاست. هناك من يعرف أكثر، كل شخص له دور. عندي مثلًا على هذه السفينة أو على سفينة مادلين أو الأسطول في السابق. نحن أفراد خرجنا بهذه المهمة، لوحدنا فقط دون أن نعمل أي شيء. نحن لا يوجد عندنا أي شيء غير عن بقية الناس، لكن هذا هو الدور الذي نقوم به، ولكي ننجح فيه ومن أجل تقوية هذا الدور، عليكم مشاركتنا. وكونوا معنا. نحن نُبحر لكن بدون إنترنت. وبدون الناس التي تتكلم بصوتنا ما كان أحد يعرف عنا أي شيء. ليس فقط يرفعون صوتهم على السوشال ميديا، أيضا ينسقون ويحتجون ويرتبون المقاطعة. كل هذا يُنفذ مع بعضه. نحن إئتلاف أسطول الحرية، بدون ألوفات وملايين الناس لا نفعل ما نفعله. وكل شخص له دور وكل شخص تتغير أدواره مع مرور الوقت. مثلًا أنا كنت في 2008 2009 2010 2011 2012 تراجعت قليلًا، وولدت أطفالي في 2013 و2014. واستمريت في المساهمة بطرقٍ غير المشاركة على السفينة أو في أول المظاهرات في الأراضي المحتلة. وجدتُ دورًا آخرًا لما أدركت أنني يمكنني العودة، وها أنا عدتُ بهذا العمل. لكن لا أحد يجب أن يشعر باليأس والحيرة بماذا سيفعل، وشعور المقارنة بأن الآخرين يمتلكون شجاعة أكثر مني مثلًا، بهذا التفكير سنقلل من قدراتنا وهذا يُضعفنا جميعًا. كل شخص يجب أن يجد العمل الذي يقدر عليه والموهبة التي يمتلكها. هناك من هو جيد بالخطابة، فعليه إلقاء ندوات، تعريف المجتمعات عن ما يحصل حولهم. لكن أحيانًا بعض الأشخاص ينظرون إلى نفسهم بقلة تقدير الذات كأن نحكم على قدراتنا قبل التجربة. عليك أن تعمل الذي تقدر عليه دون مقارنة قدراتك مع أحد.
أحمد البيقاوي: من مكانٍ ثانٍ هويدا. هناك "شعرة"، بين أن تحتلوا أنتم مركز النقاش وبين أن تظل غزة مركز النقاش. خلال فترة إبحار سفينة مادلين، كان هناك نقاشًا أو جدلًا، ما بين كيفية تركيز الإعلام طوال الوقت على غزة والجحاعة الموجودة هناك. أنتم الآن تُبحرون في وقتٍ صعبٍ جدًا. حتى عندما خططتم لح نظلة لم يكن الوضع بهذه الصعوبة اليوم. التسجيل اليوم يتزامن مع اليوم الثاني أو الثالث من أصعب الأيام التي تعيشها غزة منذ بداية الإبادة وخصوصًا في قضية الجوع، الناس تشارك صورًا صعبة جدًا. ما هي المعادلة أو كيف تتجنبون فكرة أن تكونوا مركز النقاش. وتظل غزة والمجاعة والحصار والإبادة الموجودة فيها هي المركز.
هويدا عراف: رسالتنا دائمًا أن الرسالة ومركز الإعلام وكل التركيز يجب أن يكون على غزة. الآن عليكم النظر إلينا وعلى ما نفعله كجزءٍ من تسليط الضوء على الذي يحدث في غزة. نحن نمثل فشل دولنا، فشل المجتمع العالمي بدوره لتوقيف الجرائم التي تحصل. يجب دائما أن تكون غزة في البداية، والنظر على ما نفعله نحن كتسليط الضوء على فشل حكوماتنا، هذا ما نفعله نحن. طبعا هناك الشعارات ككل العيون على مادلين أو حنظلة. هذا نحكيه كوسيلة ضغط. مثلًا عندما نقول للناس ارفعوا الشعارات وشاركوا على السوشال ميديا، الحقونا. الحقوا بنا واضغطوا على حكوماتكم لتضغط على "إسرائيل"، بعدم قصف السفينة، لماذا؟ لأننا لنا الحق والشعب الفلسطيني له الحق في دعوة واستقبال من يريد. عندما تتحدث مع أي واحد منا، نركز الى غزة دائمًا. وبالنسبة للذي نفعله هو جزء من الحركات والرسالة بالعمل الذي يجب أن يتحقق. دائمًا أتساءل عن الشاحنات المتوقفة على معبر رفح، لماذا ننتظر إذن دخولها من دولة متهمة بالإبادة الجماعية؟ ننتظر من دولة كهذه أن تعطينا الإذن لإدخال المساعدات لمجتمع تبيده! في أي عالم يحصل هذا؟ ! المؤسسات التي تتكلم بحقوق الإنسان لماذا تنتظرون "إسرائيل"؟ رتبوا الأمر مع بعض وادخلوا دون احترام أي حاجز. ونحن متجهين إلى غزة ولن نحترم أي شيء يرمز "لإسرائيل". لأن "إسرائيل" لا تملك الحق في إغلاق غزة وحصارها بهذه الطريقة. لا في عام 2006 ولا في عام 2008. وبالتأكيد الحصار اليوم والإغلاق هو جزء من الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال. صحيح أنه أمر صعب التكلم فيه، لكننا لا نريد أن يركز علينا أحد دون التركيز على غزة. لكن نريد أن ترانا الناس كجزء من إعادة تسليط الضوء على غزة. مثال على ذلك، سفينة حنظلة وبعد ضربة مادلين، قررنا أخد المزيد من الوقت لإحضار سفن أخرى معنا دون إبحار حنظلة لوحدها. لكن بدأت "إسرائيل" الحرب على إيران، وكل الأخبار صارت عبارة عن الأخبار الإيرانية، يكفي أن الاعلام الغربي لا يركز على غزة أبدا خصوصًا في أميركا، في السوشال ميديا تتابع أخبار غزة لكن في الاعلام الغربي أبدًا. وبعدما بدأت الحرب على إيران لم تعد تُذكر غزة في الأخبار، فقررنا أننا لا يمكن الانتظار لأن "إسرائيل" أبعدت نظر الناس عن غزة. ويجب أن نعاود تسليط الضوء على غزة في أقرب وقت ممكن. من أجل ذلك خرجنا بسفينة حنظلة بهذه السرعة بعد ضربة مادلين. وقبلها فقط بشهرٍ واحد كانت "إسرائيل" قد ضرب سفينة ثانية اسمها كونشايس في مالطا. لأنه من ضمن عملنا تسليط الضوء على غزة.
أحمد البيقاوي: إذا سألت أي شخص سيقول: إذا كنتم تعرفون أن "إسرائيل" غيرت من استراتيجيتها بالتعاطي مع السفن. وأصبح واضحًا أنها ستمنع كل سفينة من الوصول إلى غزة. ما الهدف إذن اليوم؟ إذا كنتم ستنطلقون ونحن نحسب لكم أنه من المفترض أن تصلوا في يومٍ معين، لكن على الأرجح سيتم مهاجمة السفينة بيومٍ معين أيضًا. ما الهدف من الإبحار؟ إذا فعليًا نحن نُبحر ونحمِّل السفن كي تهاجمها "إسرائيل".
هويدا عراف: حسنًا السؤال كتير حلو بمحله. أولًا في كل مرة نصعد على متن السفينة نحن لا نُبحر فقط، بل يوجد عمل سياسي يكون عبر مجموعات يمارسون الضغط على حكوماتهم التي تدعم "إسرائيل". أعرف الوضع الصعب والذي لا يُوصف في غزة. لكن من ضمن أهداف رحلتنا، إيصال رسالة لشعبنا في غزة أننا لا ننسى ما يواجهونه وعلى استعدا فعل أي شيء نقدر عليه وأكثر لنصل إليكم. على شعبنا في غزة أن يرى أن العالم يبالي بما يجري ولا ينسى ونحن نحاول الوصول بهذه الطريقة، مهما هددتنا "إسرائيل" ورغم الخطورة، سنستمر في محاولاتنا. مهما مارست "إسرائيل" العنف لن نتوقف بل سنستمر في المحاولة. في كل مرة نخرج في رحلتنا نحاول فضح السياسة ونقوم بعدها بعملٍ ليس فقط سياسي بل أيضًا قانوني. فمثلًا إحدى النشطاء الذين كانوا على متن سفينة مادلين، رفع دعوى في إسبانيا ضد نتنياهو والمقربين منه. هذا العمل يؤدي إلى عمل ثانٍ سياسيًا وقانونيًا. وهذه رسالتنا. في سفينة حنظلة ركزنا على أطفال غزة. تفاعل الناس معنا خلال الأيام التي قضيناها في إيطاليا في المرفأ. كل يوم يأتي مئات الناس والأطفال لكتابة أسماءهم على السفينة، والتبرع بألعاب، من طفلٍ إلى طفلٍ في غزة، أحضروا لنا مئات الألعاب لتقديمها لأطفال غزة. وتبرعوا بطعامٍ للأطفال. وبالتالي تكذب "إسرائيل" على العالم. وتقول إنها ليست من تمنع إدخال الطعام. حماس هي من تسرق الطعام ونعرف هذا الكلام غير صحيح. حسنًا يوجد في السفينة طعام للأطفال وألعاب بتبرع من أطفال العالم. لماذا تريدون توقيفنا؟ ما الخطر الذي نشكله عليكم؟ إذا ضربونا وهاجمونا بطريقةٍ عنيفةٍ التي نعرفها. يعني واضح جدًا. والرسالة التي نعمل عليها لفضح سياستكم بتجويع وقتل الأطفال الفلسطينيين. والذين يدعموننا من حول العالم، الملايين الذين يتابعوننا، هذه الرسالة التي نطلب منهم تعميمها. أعود لجملة تكلمتها قبل، لأن "إسرائيل" تستخدم العنف ضدنا مثل أي حركات أخرى، لا نستسلم للعنف، نظل أن نغيّر قليلًا، ونرفع الكُلفة "لإسرائيل" لتوقيفنا. أعتذر لا أعرف كيف أصف ذلك بالعربي.
أحمد البيقاوي: هويدا أنتِ تتكلمين اللغة الغربية بشكلٍ جيد. لو يعرف الناس أنك كنتِ تخبريني وتقولين لي: أحمد أنا خائفة من العربي، لكانوا ضحكوا لأن عربيتك ممتازة وتجاوزنا هذا الموضوع.
هويدا عراف: شكرًا. لكن كما قلتُ لك أنا ولدتُ في أميركا ولهذا السبب لا أتكلم العربية جيدًا. طبعًا أعبر بشكلٍ أفضل كتير باللغة الانكليزية خصوصًا عندما أريد التكلم بمواضيع سياسية أو قانونية. بالنسبةِ لي أسهل. لكن أعرف أن هذا الأمر مخجل لأنني فلسطينية وعليَّ الحفاظ على الثقافة واللغة. هذا جزء من الحفاظ على عروبتنا. كنت أريد أن أطلب منك أن تكون الحلقة باللغة الانكليزية ثم أدركت بأنني مخطئة. عليك أن تتحملني قليلًا وشكرًا لك.
أحمد البيقاوي: أنتِ من أين؟
هويدا عراف: أبي من قرية اسمها معليا تقع في الجليل شمال فلسطين المحتلة. قضاء عكا وقريبة كثيرًا من ترشيحا. الناس أحيانًا يعرفون ترشيحا ولكن لا يعرفون معليا. أمي من بيت ساحور بجانب بيت لحم، أهلي خرجوا من فلسطين، ليسوا لاجئين لكن خرجوا وهاجروا، وأمي كانت حاملًا في الشهر التاسع فيّ. قرروا أنهم يريدون بناء حياة في دولةٍ ممكن أن توفر الحرية لأولادهم، للعائلة التي يريدون أن يبنوها. شعرت نفسي من جيلٍ صغيرٍ -كنا لا نملك الكثير-، أبي كان يعمل في شركات سيارات، كان يعمل ليلًا نهارًا ولم نكن نملك الكثير. لكن من جيلٍ جديدٍ عرفت وشعرت أن الفرصة التي توفرت لي جراء قرار أهلي، يجب أن أعيدها. يجب أن أشارك، أمارس، أعطي، للمقاومة الشعبية الفلسطينية، للتحرر، ولا أعرف كيف جاءت لي الفكرة. لأن أهلي حاولوا الابتعاد كثيرًا عن السياسة. وهذا نراه كثيرًا في جيل أهلي وكل الذين هاجروا، او اللاجئين في الخارج خصوصًا الدول الأوروبية والأميركية. لا يتدخلون كثيراً بالسياسة. ويشجعون أولادهم، كل من حولنا وأصحاب أهلي مثلًا. يشجعون أولادهم بعدم التدخل بالسياسة بل التركيز على الدراسة. لكن حين كبرت وأدركت الوضع لم أقبل هذا الشيء. لكن فهمت أنهم ضحوا كثيرًا من أجلنا. أهلي تركوا العائلة والقرى وكل ما يعرفونه في فلسطين، تركوه من أجل توفير حياة أفضل لنا. شعرت حينها أن عليَّ مسؤولية.
أحمد البيقاوي: عادةً نحن نسأل في تقارب، عن الهوية الفلسطينية وكيف تشكلت عندك، وما الأحداث التي غيّرت منها. لنعد إلى نشأتك، أهلك حاولوا أن يكون بيتكم لا يهتم بالسياسة وعملوا أن لا تكوني في يومٍ من الأيام في هذا المكان. هناك مجموعة من الأحداث حصلت معك ودفعتك لتكوني في هذا المكان، هل يمكن أن تستذكري الأحداث والصور الأولى؟
هويدا عراف: سأحاول، بما أن أهلي لم يفضلوا أن نتدخل بالسياسة. لكن كانوا مصرين أن تكون العلاقة مع فلسطين قوية. كانوا يأخذوننا إلى فلسطين عندما كنا صغار، وكانت تلك من أجمل الأيام، وكنا نبكي عند العودة إلى أميركا. أهلي زرعوا فلسطين فينا. السياسي والعمل السياسي كان مرفوضًا، لكنهم زرعوا فلسطين فينا. أتتذكر موقفًا، كان عمري تقريبا خمس سنوات، وكنت أفكر أن أميركا دولة تحترم القانون والحرية والديمقراطية وإلى آخره، كنت أعقد أن هذا الكلام صحيح وأميركا دولة لا يوجد مثلها. وكنت أقول أنني في يومٍ من الأيام سأكون رئيسة أميركا. كنا في بيت ساحور عند خالتي وقررنا أن نذهب في جولة بالقدس، تفاجأ ت أن خالتي لا يمكنها الذهاب معنا، سألتها لماذا؟ لا أعرف أن التجول في أراضينا محكوم من الإسرائيليين أيضًا، وكان حينها الرئيس الأميركي جورج بوش. فقالت لي: بوش الذي عندكم في أميركا هو من يمنعنا. صُدمت من كلامها لأنني كنت صغيرة، ويعلموننا في المدرسة أن أميركا دولة عظيمة وتدافع عن حقوق الإنسان والحرية. وصرت أتساءل وأنا مصدومة: كيف ولماذا؟ كان عمري خمس سنوات، ومنذ ذلك الحين عندما نذهب إلى القدس، أنتبه أكثر على جنود الاحتلال، وجودهم يبشع المدينة. ثم تم اعتقال أولاد اخوالي وخالاتي. هذه قصص لا يمكن نسيانها أو تقبلها. كانا أبي وأمي يصرون علي كي أبتعد عن السياسة وأن أركز على التعليم، لن تهزمي "إسرائيل". لا أعرف كم كان عمري وقتها لكن قلت لهم: لو كل الناس سيفكرون مثلكم لكنا استسلمنا وراحت فلسطين وانا لا أقبل ذلك. هذه الأمور التي أتذكرها.
أحمد البيقاوي: وهذه الجملة، هل تؤمني بها حتى اليوم؟ وتحكيها بنفس الحدة لأولادك أيضًا؟
هويدا عراف: نعم، أولادي مسيسين، أحكي لهم كثيرًا. خصوصًا ابنتي، كنت أتكلم معها يوم أمس وتقول لي: ماما إذا اقتحمت "إسرائيل" السفينة، الجنود يصعدون على متن سفينتكم، فأنتم تقفزون على سفنهم وتأخذونها. فقلت لها: صعبة لا يمكن فعل ذلك. هي تريد أن تقاتل، هي فتاة واعية جدًا ومتحمسة للمشاركة مثلما بدأت في عمرها. لا أتقبل الظلم، طبعًا نعمل الأمان من أجل فلسطين. لكن لا أتقبل الظلم ومن الصعب تقبله. أقول لأولادي دائمًا عندما ترون أناس مظلومين، ناس يعملون بشكلٍ خاطئ حتى عندما ترون تنمرًا كفتى يؤذي فتى آخر أو يستهزئ منه أو لدرجة أن رئيس أميركا يتصرف بشكلٍ خاطئ. ضعوا في عقلكم أنه يجب عليكم فعل أي شيء للدفاع عن الحق وعدم السكوت. ودائمًا عندنا القدرة لفعل أي شيء. إذا كانوا يريدون أن يتعلمون مني فأنا أريد هذه الرسالة، أن أواجه الخطأ والظلم. أتأمل أن يأخذوا هذا الدرس.
أحمد البيقاوي: يا رب، أنا متأكد أنهم يتعلمون منك، لا يوجد عندهم خيار آخر غير أن يأخذوا هذا الدرس يعني غصبًا عنهم. هويدا، أريد أن أسألك، تقولين لي وواضح من السفن أنّ كل الدلالات والرمزيات التي تختارونها لها معنى. اسم سفينة مادلين له قصة، حنظلة لها قصة. الآن قلتِ أنكم تحملون على متن السفينة مجموعة من الألعاب وطعام للأطفال لإرساله لغزة. في دلالة للمقولة التي يتناقلها الناس اليوم، من الدولة المجرمة التي ممكن أن تمنع طعام الأطفال في بلدٍ بجوع فيها الأطفال. فمن الواضح أنه يوجد دلالة لكل شيء تعملون عليه، من مكانٍ ثانٍ ذكرتِ لي أنه هناك عمل في الكواليس وبالخلفية. هذا نحن لا نعرف عنه. يمكن بحنظلة العمل الآن يكون أكثر لأن الرحلة في بدايتها. لكن إذا يمكننا أن نتحدث أكثر عن مادلين على سبيل المثال وحنظلة. أنه ما العمل الذي جرى في الكواليس، ما قبل مهاجمة السفينة وما بعدها.
هويدا عراف: السؤال هذا من الأسئلة الصعبة الذي سأعبر فيه بلغتي المحدودة. عندما نختار النشطاء الذين يوددون الذهاب معنا هناك عدد كبير من الناس الذي يحبون التطوع وأن يكونوا جزءًا من هذه الرحلة. والعدد محدود على السفن. في سفينة مادلين مثلًا كان عدد النشطاء 12، لكن نحاول أن نشكل ونختار الناس النشطاء على أن يكونوا من خلفية سياسية سواء كانوا أعضاء برلمان، أو مثلًا غريتا ثونبرغ، التي كان لها دور كبير في الحركة. واليوم معنا أيضًا أعضاء برلمان. ومعنا شخص من أميركا له اسم كبير بالتحرك الذي يمس ا لاتحادات. الاتحادات، وجود هؤلاء ونشرهم لإعلان للوصول إلى ناس لا نستطيع أن نصل إليهم، واذا اتصلنا بهم لن يردوا علينا لأننا لسنا جزءًا منهم. كل ناشط مشارك يختار أن يكون معنا يمتلك شبكة، ويك ون عنده تأثير. ووجوده معنا لا يُوصل فقط رسالة ما يحصل في غزة، لكن العمل والحركات التي يجب أن نكون فيها ونمارسها بهدف تغيير السياسة. ندعم المقاطعة أولًا، مقاطعة أي منتج له علاقة "بإسرائيل". مثلًا من يعمل في الاتحادات عندنا اسمه كرسيو، وهو يجلس إلى جانبي لا أعرف إذا كان يسمعني. لكنه كان أول من بدأ العمل باتحاد لعمال أمازون. وأمازون تمتلك دورًا كبيرًا لتلعبه. وهذه رسالته أيضًا، هو لم يقم فقط بتشكيل اتحاد عمال الأمازون لكن أيضًا أشار لدور أمازون بالإبادة التي تحدث في غزة. وليس فقط فلسطين بل حول العالم، بل التكنولوجي التي يخترعونها، الأسلحة التي يساعدون فيها، وهو يستطيع أن يوصلها للاتحادات التي ممكن أن يكونوا على معرفة بأشخاص ولا ينتبهوا لنا نحن كأنا هويدا. لكن وجوده هنا على السفينة، يبعث رسالة كبيرة جدًا للمجتمع مثلما تكلمت، للمجتمع المؤثر كثيرًا ليس فقط في أميركا بل حول العالم وبطريقته. ونعود طبعا إن شاء الله نعود سالمين، إن شاءلله نصل إلى غزة سالمين. ونعود لهذه المجتمعات ونعمل أكثر ونتحدث عن الذي فعلناه ولماذا فعلناه؟ ما هي الخطوه الثانية التي نبدأ على العمل عليها، كأن نستغلها لمقاطعة "إسرائيل". وأن نمارس الضغط على "إسرائيل"، لنغير سياسة حكوماتنا.
أحمد البيقاوي: أجبتِ عن السؤال، لكن لتساعديني أكثر، إذا يمكن أن تخبريني عن أسباب إضافة الناس الأخرى الموجودة معكم. مثلما ذكرتِ لي مثال كريس. تساعديني على فهم خلفية هؤلاء الناس ومن أين جاؤوا؟ نحن اليوم مثلًا كمحيطك وعائلتك وناسك تتابعك وتتبنى القضية التي خرجتِ من أجلها. وكل شخص من المشاركين يوجد حوله مجتمع يتبنى القضية التي خرج ابنهم من أجلها وهي رفع الحصار عن غزة. فهل من الممكن إخبارنا خلفيات الناس الموجودة حولك أو تستحضرين منهم. ليس بالضرورة بشكلٍ منظم، لكن لكي نفهم مَن مِن المجتمعات أولادها اليوم موجودين على هذه السفينة.
هويدا عراف: طبعًا أحاول، نحن 21 شخصًا على متن هذه السفينة، جئنا من دولٍ مختلفة، عنا مثلًا سيدة وهي جدة من النرويج، وعندها اتصالاتها بالنرويج، ووجودها يثبت أننا لسنا نشطاء بجيلٍ معين. هذه الحاجة عمرها في السبعينات. أيضًا حين تحكي الرسالة وسبب مشاركتها بهذا العمر، الناس يسمعون لها بإنصات وتركيز أكبر من الاستماع لشاب. أيضًا يشارك معنا رجل عمره ثمانين سنة إذا لست مخطئة. يهودي أميركي ويعرف نفسه، يقول: استغرق الوقت لكي يفهم ما يجري أكثر من 55 سنة من عمره. حتى انتبه وعرف الذي يحدث. وتكلم عن حياته كيف ذهب إلى برنامج للصهاينة لدعم "إسرائيل" إلى آخره. وعندما ذهب وتعمق في ذاك المجتمع، ورأى الناس من حوله كيف يفكرون وينشرون الدعاية الصهيونية على أرض الواقع. قال: ما الذي أفعله أنا؟ وبدأ يكتشف ويدرس وعلّم نفسه. في السنوات الماضية أصبح متواجد في الضفة في مسافر يطا ويشارك في مواقف مع الشعب الفلسطيني. ويحاول أن يبعث رسالة إلى المجتمع اليهودي الأمريكي خصوصًا عن الصهاينة يقول لهم: أنا معظم حياتي ولمدة 55 عامًا، أنا صهيوني ولا أعرف الحقيقة، وذلك بهدف توعيتهم. أمامي يجلس الآن صحفي سياسي من إيطاليا. عندما كنا في إيطاليا وفي الأيام الأخيرة انتبهت أنه حين يتحدث، الجميع ينصت باهتمام ليسمع تحليله السياسي ليس فقط عن فلسطين بس ن سياسة كل أوروبا، دعمها بالحرب وتاريخها في الحرب إلى آخره. كان مؤثرًا جدًا بالنسبة للناس. يجلس أمامي أيضًا ناشط سياسي وكاتب صحفي أيضًا. نحن 21 شخصًا، سبعة من أميركا. لأننا نعترف أن أميركا هي سبب كل ما يحصل، ونحاول أن نستخدم وجودنا للضغط أكثر على أميركا. يوجد سيدة تجلس إلى يساري، تعمل في الأمم المتحدة، كانت عالمة في الأمم المتحدة وقدمت استقالتها كي تشارك معنا. ورسالتها للعالم أن هذه الأمم المتحدة والمؤسسات التي تعرِّف نفسها للإنسانية ولدعم القانون الدولي تفشل في عملها. كنا نقيم مؤتمرًا صحفيًا وقالت فيه أنها لا تستطيع أن تظل جزءًا من هكذا مؤسسة تفشل في مهمتها. وهذه رسالة كبيرة لأن الناس يعتقدون أنهم حين يعملون في مؤسسات كهذه فهم يسيرون على الطريق الصحيح. بالتأكيد لا، إذا المؤسسة تفشل في تحقيق هدفها إذن يجب أن نغير طريقنا. يشارك معنا أيضًا أخ من تونس. رجل رائع للغاية، اتصل فينا بشكلٍ متأخر وطلب المشاركة، قلنا له أن السفينة امتلأت بالعدد المطلوب. فقال لي: لو فقط أقل من واحد بالمئة نسبة إمكانيتي بالصعود علة على السفينة سآتي. قلت له بأنه لا يوجد محل، لكن إذ ا تحب أن تأتي لتشارك بالنشاطات التي سنقيمها في إيطاليا ورؤية السفن يعني أن تكون موجودًا خلال انطلاق السفينة فأهلًا وسهلًا. وفي نفس اليوم عمل الترتيبات، وكيف يصل إلينا خلال وقتِ قصير، من سفينة إلى طائرة إلى باص حتى وصل إلينا. وهو ناشط ويمتلك شبكة من أكبر الشبكات والمؤسسات حول العالم للعمال والمزارعين في الأرض.
أحمد البيقاوي: مزارعين. عمال الأرض.
هويدا عراف: مزارعين، شبكة اسمها La Via Campesina. أظن هناك أكثر من مليون شخصًا هو عضو في هذه الشبكة. ووجوده معنا ساعدنا على إيصال رسالتنا لهذه الشبكة ولأكثر من مليون واحدًا حول العالم. كانوا جدًا رائعين، كلهم ينفذون أعمالهم في دولهم ومن أجل فلسطين يعملون فيها، أيضًا على قناعةٍ بالمواجهة، المواجهة المباشرة ضد سياسات أي نواجه السياسات الخاطئة القاتلة. قلت لهم: أنا أعرف أنك عندك أولادك وأولاد أولادك، وأنتِ برلمانيةِ وممرضة. ونحن كلنا هنا ولا احد فينا يريد أن يُصاب أو أن يستشهد، ولا أحد يريد أن يكون منقذ لك. ولا أحد يريد الشهرة. لكن علينا معرفة شيء واحد وهو أننا في وضعٍ صعب ولا نعرف ما الذي يمكن أن تفعله "إسرائيل". ما يمكن أن أقوله لكم هوما فعله الاحتلال بنا في السابق، حتى أنه قتل 10 مشاركين منا. واذا هددنا لن نتراجع. نحن سنسمر بالضغط اللازم والمضي قدمًا حتى الأمام. وعلينا أن نكون جاهزين يعني لأسوأ شي ممكن أن يحصل لنا. وإذا كنتم لستم جاهزين وقررتم العودة المهم ما لا تصعدوا معنا على متن السفن. وكل واحد منّا عنده أولاده وعائلته وعمله في البيت، وكل شخص على قناعةٍ بكيفية تعامله. يجب أن نقوم بهذا العمل، لا يجب أن نقبل الحالة السياسية والإنسانية التي نمر فيها.
أحمد البيقاوي: الإسرائيليون عملوا إعلاميًا على تصدير سفينة مادلين، وصدروا مادلين ك هزيمة وحولوها إلى قضية استهزائية، من قضية سفينة السلفي وهذا الكلام. هذا واضح من الخريطة التي قدمتيها، من تفصيلٍ للأشخاص، أنه يوجد انجاز نحن كعرب وفلسطينيين لا نراه، لأن جمهورنا عربي واللغة العربية هي التي نقرأها. لكن ما لفتني وأنت تتحدثين، أن كل مشارك عنده في مجتمعه ملايين من الناس. الإيطالي عندما تكلم مع مجموعة من الناس، فأتخيل أن هناك مجتمع يتابعه بأكمله. هل يمكن اعتبار أن مادلين وحنظلة الآن تبنيان شيئًا حقيقيًا على مستوى الوعي عند الناس وعند هذه المجتمعات. وعكس ما تحاوله "إسرائيل"، زرع هزيمة داخلنا، دائمًا هي تحاول أن تزرع في كل القطاعات. لكن أيضًا هناك إنجازات حصلت في مادلين نحن كعرب لم نرها، تتعلق بوعي المجتمعات التي خرج منها المشاركين، وما شاءالله هم متنوعين ومن مجتمعاتٍ مختلفة. هل أفكر بشكلٍ صحيح؟
هويدا عراف: طبعًا أنت تفكر بشكلٍ صحيح. عندي تعليق على الدعاية التي أطلقتها "إسرائيل"، بأن السفينة مليئة بالسلبيات. أظن أن العالم كله يعرف أن "إسرائيل" تنشر الإشاعات للفت نظر الناس أو لتشتت الحقائق. يع ني هؤلاء الناس صحيح هم يقتلون الناس ويدمرون ويلبسون ثياب النساء، ويلعبون بألعاب الأطفال الذين قتلوهم. هؤلاء ملوك جرائم الحرب. يريدون منا أن نقول أننا "سلفيات" لأننا يجب أن نعمل ميديا للحماية، ويجب أن نعمل ميديا لتعريف الناس عن الذي يحصل في غزة وبمشاركة دولنا، وجرائم دولنا بمشاركة "إسرائيل" بهذا الشيء. طبعا نركز على الاعلام لكن "إسرائيل" طبعًا تريد أن تشتت انتباه الناس. لكن كمان قلت لك باللغة الانكليزية، يا سلام، ملوك جرائم الحرب يعني يريدون أن يحكون لنا ان حرب السلفيات لأننا نحمل مساعدات ولا بيحاولوا يعملو هدول الدعايات. لكن الناس يرون دعايات بروباغندا "إسرائيل"وما عادت تعمل. الشيء الذي بقي هو أن نأخذ التوعية الحاصلة ونحركها ونحولها لعملٍ فعلي على الأرض، أي عمل ملموس.
أحمد البيقاوي: أنتِ في السفينة 37، أي يوجد مئات الناس التي شاركت في جميع هذه السفن. هل تعود الناس في كل مرة من الرحلة، أكثر ارتباطًا بفلسطين وأكثر قوة؟ أو بسبب القمع والترهيب والاعتقال الذي حصل في سفينة مادلين على سبيل المثال، يخيف هؤلاء النشطاء ويُجبرهم على التراجع.
هويدا عراف: لا لا يوجد أحد. آلاف الناس المتضامنين الذين عملت معهم عبر السنين. حتى في حركة التضامن الدولي. أحمد إذا تذكر صديقتنا ويلتو كوي التي قُتلت في غزة. أهلها هم ناشطون ويحملون مهمتها. وكثيرٌ من الناس، حتى الذين جُرحوا أو استشهدوا أو قتلوا بهذا العمل من الدوليين. لا يمكن أن أسمي لك شخص واحد، من تراجع وندم بالعكس، يتحمسون أكثر لهذا العمل. ونحن نحضر بسفينة حنظلة، التقيت بشخصٍ كان معي في حركة التضامن الدولي في الضفة عام 2003، وتعرض للضرب والضغط، وظلَّ يعمل بطريقته وجاء ليساعد المهندسين في سفينة حنظلة، كي نجهزها للانطلاق. ليس فقط أن يأتي معنا هو فقط من يتمسك بطبيعة العمل وبفلسطين. لكن أيضًا من يساهمون بأي طريقة. عندما كنا في إيطاليا جاء مئات الناس للتبرع لغزة، وأجمل شيء كان الأطفال. ممكن أن يتساءل البعض لماذا تحملون الألعاب والطعام هل ينقصها غزة طعامًا؟ يعرفون أن المركب لن يسع الكثير لكننا عبأناه بتبرعات الطعام والأدوية وما عاد يتسع لشيء. لكن جاء الأطفال وهم يحملون ألعاب الدببة ثم كتبوا اسمهم على السفينة. كل شخص جاء وزارنا في الميناء لا أعرف عددهم لكن بالمئات. كل دب قدمه لنا الطفل صار جزءًا من العمل هذا. ونحن نبحر، جميع الدبب التي معنا، يوجد واحد معه تفاصيل عن هذا الأمر، ماذا حصل فيه؟ وأين هو وماذا سنفعل إذا ضُربت السفينة. يعني نخلق نوع من الالتزام بالشيء الذي نفعله كي يشعر كل شخص أنه جزءًا من هذا العمل، ويتمسك بالمهمة أكثر وأكثر. وعنف "إسرائيل" لم يوقف أي أحد.
أحمد البيقاوي: حسنًا من مكانٍ ثانٍ، حتى بوصلتنا نحن كفلسطينيين وكعرب، يعني من الجنسيات. أن داخلنا حقيقة وسأكون صريحًا معك كي تتحدثين لنا. أن هذه رحلة بحرية سبعة أو ثمانية أيام وسيأخذكم الجيش الإسرائيلي ويعتقلكم يومين أو ثلاثة أيام ثم يطلقون سراحكم. في مادلين تحديدًا، فتشت على تفاصيل ما مرّ به النشطاء على السفينة معكم. من الواضح أن تلك الجولة لم تكن عظيمة، أعرف أن الناس التي كانت تشارك فيها، كل واحد منهم كان يخدم فلسطين من بلده بشكلٍ من الأشكال. لكن هل يمكن أن تشاركيني عندما تكررت هذه الاعتقالات على أكثر من سفينة خاصة في مادلين. كما أنتم معرضون لها أيضًا. ما هي أدوات "إسرائيل"، لقمعكم وتخويفكم، والرسائل التي ترسلها معكم لنقلها إلى مجتمعاتكم. وأريد أن أذكرك بأمرٍ كي لا تنسيه. كان هناك أمر استهزائي ذكره الاحتلال حينها، أنه يجب عليكم مشاهدة فيلم عن 7 أكتوبر. يعني بالنسبة لي هو ليس احتلال ومجرم فقط بل سخيف أيضًا. بمعنى أنك إذا كنت تلاحقني وتهاجم سفينة وتعتقلني بهدف مشاهدة فيلمًا. هويدا. لا أسمع صوتك صوتك، اشحني المايك.
هويدا عراف: حسنًا ما رأيك أن أشحن الهاتف؟
أحمد البيقاوي: وبعد نصف ساعة هل يمكن أن نعود مباشرة؟ أظن أنه تبقى سؤالين، السؤال الذي سألتك إياه الآن عن ماذا يتعرض المشاركون، وسؤال آخر عن المطلوب منّا فعله خلال الأيام المقبلة.
هويدا عراف: تمام، هذا أهم سؤال، إذن سأشحن المايكروفون.
أحمد البيقاوي: يعطيكِ العافية.
هويدا عراف: ويعطيك ألف عافية يا رب.
أحمد البيقاوي: إلى متى يمكن أن يستمر هذا الصوت على هذا النحو؟
هويدا عراف: لأنني الآن فتحت المايكروفون. بعد إخراجه من علبته ومن الشاحن الموجود فيها. لم يتبقى الكثير من الوقت أليس كذلك؟ لأنني أشعر بالنعاس، كنت أنتظر هاتفي وهو يشحن قلت لأسجل المقابلة قبل أن أنام.
أحمد البيقاوي: لا، يعطيك ألف عافية، الصراحة قلت لو أننا سجلنا القليل من الحلقة كنت طلبت منك النوم قليلًا ونسجل لاحقًا. لكن الآن اكتشفنا المايك في اللحظة الأخيرة.
هويدا عراف: يعني هذا المايك أفضل من السابق؟
أحمد البيقاوي: ما كنتِ تستخدميه ليس مايك بل شيء يشبه المايك.
هويدا عراف: يمكن لأنني نزلت للطابق السفلي، ليس على متن السفينة لا يوجد هواء ولا موج. يكون عادة الجو خانقًا لا أحب أن أنزل لكن لا مشكلة.
أحمد البيقاوي: الله يعطيك ألف عافية. نحن محظوظين أننا شحنا الهاتف وطاقة أيضًا، وثبتنا المايك والصوت صار أفضلًا. وأريد أن أثير غضبك لأنك كنت غاضبة في الآخر وفي الفقرة الأولى. حين اعتقل الاحتلال الشبان المشاركين في المرحلة الأولى وأجبروهم على مساهدة الفيلم. هذا المشهد صدقًا وبصراحة كان أكثر ما استفزني، قد أكون قلتها للمرة الثالثة لكنه حقًا مستفز ورخيص وسخيف. هكذا تعملون أنتم على البروباغاندا؟ تخطفون شخصًا وتجبرونه على مشاهدة هذا الفيلم، فقط ليحفظ الرواية الدعائية الخاصة بكم، ثم تخرجون لتكذبوا بها على الناس!
هويدا عراف: فعلًا، هذا الشيء لم يكن فقط مستفزًا بل يخالف القانون الدولي. هذا نوع من التعذيب النفسي، اختطفوا أشخاصًا من البحر المتوسط، المياه الدولية لنقل. لا يمتلكون أي سيطرة أو أي حق قانوني لإيقاف أي سفينة بالمياه الدولية تم اختطافهم تحت تهديد السلاح، ثم يجبرونهم على مشاهدة بروباغاندا من إنتاج الحكومة الإسرائيلية وكل هذا يقع تحت التعذيب النفسي المخالف للقانون. لكن المشاركين على سفينة مادلين كانوا أذكى منهم، ولو كانوا عكس ذلك كنا سنرفع شكوى ضد التعذيب النفسي الذي تقوم به "إسرائيل". لكن كل البروباغندا الخاصة فيها هي فاشلة، حتى عندما حاولوا إظهار نفسهم بأنهم يتعاطفون مع المختطفين من خلال تقديم المياه والطعام لهم. ونشروا الصور ليقولوا للناس بأنهم دولة لطيفة تُطعم الجوعى وترحم. طبعًا بعض المختطفين أخذوا الساندويش ولم يأكلوه، ولكنأ"إسرائيل" أحبت أن تظهر نفسها في صورة لطيفة. لكن هذه الصور استفزت النشطاء، يحرمون الأطفال والكبار من الطعام ويريدون إظهار هذه الصور للناس! هكذا تعمل البروباغندا الخاصة بهم، يعتقدون أن الناس لا تعرف حقيقتهم. العالم كله يعرف هذه الدعاية الكاذبة ولا تؤثر إلا على كل شخص صهيوني مثلهم. أنا وبعض زملائه، والكثير من الناس على قناعةٍ أن مشروع الصهيونية لن يكون طويلًا.
أحمد البيقاوي: عندما اختطفوا الشبان، يهمني أن أعرف إذا كان هناك تفاصيل خارج الصور الجميلة التي قدمها الاحتلال. تعرفين، حتى هذه الصورة الجميلة بالنسبة للمحتل أنه يوزع ساندويش على شخص هو خطفه، هو يحتفل بذلك مع أنه القليل الذي يجب أن تفعله أصلًا. هذه ليست صورة مشرفة تقدم نفسك فيها على أنك تفعل أمرًا جيدًا، بل هذا هو الطبيعي خلال فترة اعتقالهم. ممكن مشاركتنا القليل من الصور تجعلنا نرى المشهد خارج سياق الرحلة الترفيهية. أنا أعرف أنها ليست رحلة ترفيهية، لكننا نحتاج إلى تفاصيل أكثر. كأن نعرف أن الشبان يدركون أن الإسرائيليين لن يسلموا عليهم ويطلقوا سراحهم بالتأكيد سيتعرضون لشيء. فمن خلال التجارب السابقة أي من سفينة مافي مرمرة حتى سفينة مادلين، عادةً ما الذي يحصل مع النشطاء خلال فترة اختطافهم من قبل جنود الاحتلال؟
هويدا عراف: أولًا، أريد أن أعود لما حصل مع المعتقلين عندما وزع جنود الاحتلال الطعام والشراب عليهم. عند لحظة الاعتقال، يفصلون الانترنت عن السفينة حتى لا يصل أي خبر للاعلام. كانوا الصحفيين يتصلون بي لسؤالي عن مصير المختطفين، ويخبروني أن "إسرائيل"، تقول كل شيء تمام، وقدموا لهم الطعام. لكن السؤال البسيط، إذا كان كل شي بخير مثلًا، ولا يوجد أمر ما فلماذا قطعوا الانترنت؟ دعونا نتكلم معهم ونراهم! . لكن أول ما يفعله جنود الاحتلال قطع الانترنت، مصادرة كل الكاميرات وكل أجهزة التصوير، بهدف السيطرة على الإعلام. هذا أمرٌ نخبر الإعلام عنه. كل بروباغاندا "إسرائيل" لو صدقًا لا يوجد أي شيء لماذا تقطعون الاتصال؟ وجعلوهم معزولين عن العالم، حيث لم نعرف عنهم أي خبر إلا بعد 22 ساعة تقريبًا وعبر الجانب الإسرائيلي. وهم تحت يد "إسرائيل" في البحر بدون أن يعرف أحد عنهم شيء. ثم عندما أخذوهم ووصلوا إلى أسدود. لم يتعرضوا للتعذيب أو الضرب، وكنوع من التعذيب النفسي وضعوا اثنين منهم في العزل الانفرادي، وهو نوع التعذيب السيكولوجي. وسيدة وُضعت في العزل الانفرادي وهي ريم حسن عضو البرلمان الأوروبي. وواحدة أخرى كانت معها اسمها ياسمين وهي ليست فلسطينية ولا عربية، كتبت على الجدران" "الحرية لفلسطين"، واتهموا ريم معقول. اتهموا ريم بكتابة ذلك ووضعوها بالعزل الانفرادي. هذا كان وقتًا صعبًا بالنسبة لريما، لأن العزل الانفرادي عند الاحتلال. وكما أخبرتنا ريما أنه كان مظلمًا ومليئًا بالحشرات. ولا تعرف ما الذي يحصل فيه. صعبٌ جدًا وهذا أيضًا نوع من التعذيب النفسي. أيضًا يوجد مشارك وضعوه في العزل الانفرادي لأنه رفض أن يأخد منهم طعامًا وأضرب عن الطعام والشراب، أي رفض البروباغاندا الخاصة بهم تمامًا. وأعلن أنه لن يقبل أي شيء منهم ولن يكسر إضرابه عن الطعام حتى الإفراج عنه. لذلك وضعوه في عزلةٍ في محاول لكسر إضرابه عن الطعام لكن لم يتمكنوا من ذلك، وباقي الزملاء سمعوا أن تياغو مضرب عن الطعام فقرروا مشاركته. إذن هم لا يمكنهم دائمًا فرض قوانينهم بقوة السلاح. أيضًا نحن نتعلم من الأسرى الفلسطينيين، ألا وهو سلاحهم المتمثل بالإضراب عن الطعام وإلى آخره، في محاولةٍ لأخذ موقف. سؤالك عن الذي حصل بالسابق، نحن نُحضِّر وندرب جميع المشاركين قبل الانطلاق، نخبرهم أنهم من الممكن التعرض للقمع والاعتقال وأي انتهاكات ممكن أن يمارسها الاحتلال ضدنا. لكن نخاول أن ندربهم. قمنا بتدريبٍ لمدة يومين على الأرض في إيطاليا، ليس فقط من أجل أن يعرف المشترك كيف يتصرف. لكن ما الذي يمكن أن يحدث قانونيًا، كلامكم إعلاميًا. لكن نحاول أن نحضرهم ببعض الأمور. ونقوم بتدريب سيكولوجي، أي كيف يمكن التصرف عند التعرض للعنف، أن لا يتجاوب معه وأن لا يكون عنيفًا وهذا ليس بالأمر السهل، أن يضربك أحد وأن تلتزم الهدوء، لكننا نعرف أنهم يحملون السلاح وأي حركة من قبلنا يمكن أن تعرضنا للاغتيال. قمنا بتدريبٍ في إيطاليا لمدة يومين، ونتوقع أن نصل غزة بعد سبعة أيام على السفينة تقريبًا حتى نصل غزة وإن شاءالله سنصل. يوميًا سنعود لكل الأمور التي تعلمناها وكيف نتصرف، كي نكون جاهزين عند وقوع الحدث، لأن الأمور التي نعرفها يكون التعامل معها أفضل بدون توتر. من صعد معنا هذه المرة، وكان قد صعد معنا مسبقًا على سفينة مادلين، قلنا لهم الشيء نفسه وفرصنا عليهم تسليمنا وصايا. قلنا لهم يجب أن تسلمونا نسخة من الوصية الأخيرة كي نتأكد أنكم تأخذون الأمر بجدية، وتدركون أنه خطر جدًا وليس لعبة.
أحمد البيقاوي: هويدا، الناس التي كانت على متن السفينة قد كتبت وصاياها قبل الانطلاق؟
هويدا عراف: لم نطلب من المشاركين على سفينة حنظلة، لم نطلب منهم نسخة لكن نصحناهم أن يكتبوا.
أحمد البيقاوي: نعم.
هويدا عراف: لكي يخبروا عائلاتهم، طبعًا نتمنى أن يعود الجميع بخير. لكن أيضًا لا نستخف ولا نقلل من هذه الحالة والهدف الذي نتجه لتحقيقه.
أحمد البيقاوي: من مكانٍ ثانٍ يوجد مسار قانوني يفترض استراتيجية قانونية أنتم تعملون عليها. اسمحي لي أن أنتقد قليلًا كي أسمع وأفهم منك أكثر. المرة الماضية في مادلين كان يوجد أمر محبط قليلً.
هويدا عراف: كان هناك شي ماذا؟
أحمد البيقاوي: محبط قليلًا، كأنه يوجد استراتيجية قانونية مع عدالة التي سبق وجربتوها سابقًا. وسبق ورأيتم أن الإسرائيليين متمرنين عليها ويعرفون كيفية التصرف بهذا الموضوع. إعلاميًا، دائمًا تملكون النصر أو القوة أو اليد العليا بالإعلام، فهم لعبوا بالإعلام هذه المرة، وحتى في جوانب ومساحاتٍ محددة، فازوا فيها ببعض الأماكن وبعض المناطق من خلال استخدام بروباغاندا وغيرها. في قضية الشيء القانوني، أعرف أن هناك أحداث كبيرة حصلت في العالم، ولكن تخيلي أن هذه الاستراتيجية أو المسار الذي تمشون فيه. أوصلنا لمرحلة أنه يوجد مجموعة من أهم الناشطين من حول العالم معتقلين عند "إسرائيل"، بالعزل الانفرادي، يتعرضون للتعذيب النفسي، والناس غير مهتمة لأمرهم. عدالة فعليًا المسار القانوني الخاص بهم، هو ذات المسار الذي يعتبر أن اعتقالهم هو اعتقال تعسفي لأنهم خارج المياه الإقليمية. فهل أنتم أصلًا بالمسارات القانونية تغيرون من مكانٍ لمكان. تغيرون من رحلةٍ إلى رحلة. تطورون من نفسكم بناءًا على تكتيكات الاحتلال، تطورون أيضًا تكتيكات مقابلها. أو نحن ما زلنا بذات المسار القانوني الذي يثبت مرة بعد أخرى، أن الإسرائيليين يتمرنون ضده جيدًا ويعرفون كيف يواجهونه.
هويدا عراف: إذا فهمت سؤالك جيدًا، أقول أننا نحن حسب القانون الإسرائيلي لا نتعامل كثيرًا مع القانون الإسرائيلي. يعني نوعًا ما أخبرهم، أنه لا يوجد عدالة، مهما فعلنا ومهما أخذنا إجراءات علينا أن نقتنع أنه لا يوجد عدالة. لا يوجد أي نوع من الديمقراطية. ما يعلنه الجهاز العسكري مثلًا أو الحكومة الإسرائيلية، المحاكم عندهم يوافقون بسرعة. إذا كنا سندافع عن نفسنا وعن اختطافنا من المياه الإقليمية ولا يوجد عدكم الحق لفعل ذلك، على الفاضي! "إسرائيل"، ستنفذ ما تريده ولا يوجد مثلما يقولوا أنه موجود في دول ديمقراطية، أن النظام القضائي يكون منفصلًا عن النظام السياسي أو النظام العسكري. لكن في "إسرائيل"، الأنظمة القانونية مجرد ختم يشرعن قرارات السياسيين والعسكر. فكل المحاولات التي نفعلها هي للأسف فاشلة. أو أن نجرب أي شيء عندهم قانونيًا مثلًا. ونستأنف مثلًا يريدون تسفيرهم دون نتيجة. لكن هناك إمكانية للعمل على القانون الدولي مثلما ذكرت. الشاب الذي كان معنا على متن سفينة مادلين وهو من إسبانيا مع عضو برلمان أوروبي كان محاميًا عنده، وقدموا شكوى ضد نتنياهو والمقربين منه في المحكمة الإسبانية. أيضًا نشجع الآخرين الذي على متن ا لسفينة، بالبحث عن محاميين في دولهم ومعرفة إذا كان القانون يسمح لرفع دعوى. في السنوات السابقة، حاولنا كل مرة التأكد إذا كان هناك مجال لرف ع دعوى. مثلًا في عام 2010 لما ضربوا الأسطول البحري، رفعنا وضغطنا على المحكمة الجنائية الدولية لتفتح دعوى ولكنها للأسف رفضت لكن صار هناك استئناف، وكانت تتعرض للضغط. تعاود لدرس قراراتها. ثم في عدة دول في بريطانيا في إسبانيا وفي بلجيكا، في ألمانيا، حاول عدد من النشطاء بالقانون. للأسف أنا كمحامية أقول لك أننا منذ سنوات ونحن نحاول. في أميركا مثلًا عند أي محاولة لمحاسبة "إسرائيل"، أو أميركا نتيجة دعمها "لإسرائيل". تفشل في المحاكم الأميركية بسبب أن قوانينهم لا تسمح. يقولون أن "إسرائيل"، عندها حصانة سيادية، إذا أردنا أن نرفع مثلًا على الحكومة الأمريكية دعوى نتيجة دعمها "إسرائيل". يقولون أن هذا شيء يخص السياسة ولا يخص المحاكم. أنا شخصيًا كمحامية رفعت دعوى على أمريكا، بالنظام الأميركي لحقوق الإنسان، لأنه لا يوجد عدالة. أميركا كأنها تقول للعالم لا أحد يمكن أن يحاسبنا. لا نعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، ولا نجعل محكمة العدل الدولية أن تأخذ في نطاق القضاء، ولا نقبل أن تحاسبنا المحاكم الأميركية عبر رفع دعوى علينا لمحاسبتنا على سياساتنا ودعمنا "لإسرائيل". لذلك رفعت دعوى عليهم في نظام المحاكم في الدول الأميركية. القانون ليس دائمًا عادلًا ولا يعمل لصالح العدالة وحركات من أجل العدالة والحرية.
أحمد البيقاوي: هويدا، انا أسأل عن هذا الموضوع لأنك في بداية الحوار، أخبرتيني أنّ القصة عندما بدأت وأنتم بكل مسار عندكم يوجد المسار القانوني. وهو فضح ممارسات الاحتلال وفضح سياساته وفضح ديمقراطيته والبروباغاندا الحقوقية عنده. فمن هذا الباب أسأل: إذا كان هناك أمر ما تفعلونه ونحن لا نعرفه، وتنفذوه ضمن استراتيجية أو ضمن مسار قانوني، أو مسار فضح لسياسات الاحتلال ونحن لا نراه.
هويدا عراف: لا أظن أننا نستطيع أن نقول أن هناك شيئ أنتم لا ترونه، نحن نستمر بالعمل، ونستمر بالبحث، ونستمر بالدراسة، ونستمر بالضغط، أن القوانين ليست فقط مهم أن تتغير، بل أن تُنفذ، ويكون هناك مجال لعمل القانون ط لصالح الناس، لصالح حماية حقوق الإنسان. قد يكون نقاشًا مختلفًا، أنا درست القانون الدولي والقانون الإنساني، وهو لا يعمل لحماية الناس، لأنه لا يُنفذ عادةً، أو يعمل التنفيذ دائمًا لصالح من يملك القوة. ونرى الدول الصغيرة تتحاكم الأفريقية تتحاكم، والدول العظمى المجرمة تبقى بدون محاكمة وبدون محاسبة. هذا العمل طبعًا ليس فقط قانوني بل سياسي، ويجب أن يتطور، ويتطور عبر العمل الذي ننفذه ليس فقط على السفن، أيضًا ضغط الحركات العالمية. وما نفعله اليوم يخدم إ جمالاً، يعني كلنا نعمل باتجاه احترام القانون الدولي. لكن لا يمكن أن أقول نعم هناك شيء خاص أنتم لا ترونه، لا. القانون لا يعمل لصالح العدالة والحرية واحترام لحقوق الانسان، أو القوانين الدولية. لكن يجب أن نعمل على دفع القانون بهذا الاتجاه.
أحمد البيقاوي: هويدا، أريد أن أسألك ما المطلوب منّا فعله، وبماذا توصوننا؟ لكن قبل ذلك، يهمني أن أعرف، وصول السفينة هذه أو تسليط الضوء عليها والحديث الاعلامي الكبير عنها، لماذا هو مهم جدًا؟ قبل أن تخبرينا ماذا علينا أن نفعل؟ والناس التي تسمع هذا الحوار. تعرفين، هذا لا يشبه أي شيء في البودكاست. كل شيء استثنائي، بالمايكات، بالتفاصيل، بوجودك، إن شاء الله نلتقي ونناقش المواضيع بشكلٍ أفضل. لكن يهمني الآن، ولأننا نشعر باليأس وبالهزيمة والضعف بهذه الفترة. وصدر الإسرائيليون نفسهم أنهم بمكان قوّة، كل فعل يقوم به الناس، لا نرى جانب القوّة فيه، وبالنسبة لي في هذا الحوار رأيت جانبًا كبيرًا منه، من خلال الحديث عن الناس، عن الفعل، عن فكرة أن هناك أشياء نحن لا نراها. عن انتشار السفينة هذه في المجتمعات المختلفة، أعطيني قوة وأخبرينا فعليًا لماذا من المهم أن تصل هذه السفينة؟ ومن المهم الحديث عنا؟ ولماذا أنتِ مؤمنة بأنها ستصل غزة؟
هويدا عراف: لماذا من المهم أن نتابعها؟ لأنها نوع من الحماية، مثلما تحدثت لا نعرف ما الذي يمكن أن تفعله "إسرائيل"، لكن نعرف أنها لا تريد إعلام ولا تريد فضح سياستها. ونحن يجب أن نظل مصرّين على فضح السياسة عبر حركاتنا، والاعلام الذي نستطيع أن نقدر منه. الإعلام يكون نوعًا من الحماية ونوعًا من التوعية أيضًا للناس. مثلما تكلمت هناك أشخاص من حول العالم، من أستراليا للنرويج لأمريكا، متواجدين هنا. وهذا يساعد على لفت نظر تلك المجتمعات على ما يحصل هنا. ونحن تستغل أي فرصة للمقابلات الصحفية، أو مع مؤسسات من المجتمعات التي جئنا منها، لنتكلم عما يحصل في غزة وفلسطين بشكلٍ عام. توعية وفضح ثم نحرّك، أولًا نوعي الناس ثم نفضح سياسات الاحتلال، ثم نحرك المقاطعة وممارسة الضغط ضد الحكومات لكي تعزل "إسرائيل" والجهات التي تدعمها. الإعلام مهم جدًا كما نعرف، ونحن نستخدمه لأمرين: أولًا لحماية أهداف السفينة لمّا يكون هناك الكثير من الكلام عن السفن، مثل مادلين ومافي مرمرة وحنظلة، وعدم الانصات للشائعات التي تصدرها "إسرائيل"، رغم متابعة الناس لها عليّ أن أكون حذرة للتكتيكات التي تستخدمها، ولحماية الأرواح التي على متن السفينة. أيضًا بنفس الأهمية، تسليط الضوء على، كان عندي مقابلة مع BBC فسألوني أنت لست خائفة؟ والناس الموجود معك ليست خائفة؟ من ردة فعل "إسرائيل" طبعًا نخاف. الاحتلال قتل 10 منا، وضرب واعتقل، وبالتأكيد نشعر بالخوف. أنتم اسألوا لماذا نحن مدنيين من حول العالم. عجوزة عمرها 70 سنة. عجوز عمره 80 سنة، وأشخاص تركوا حياتهم وبيوتهم وأولادهم. وجاؤوا للمشاركة على السفينة لتحدي الجيش الإسرائيلي. لماذا؟ لأن حكوماتنا فاشلة. حكوماتنا يجب أن تفعل هي واحد. اثنين. ثلاثة. لكنها لا تفعل شيء بل تتعاون مع الاحتلال أيضًا. نحن لا نقبل هذا الوضع، أن نشهد إبادة جماعية دون أن نتحرك وحكوماتنا لا تعمل شيء ولا تشارك بأي فعل مؤثر. كل الفرص التي نأخذها ليست فقط للكلام على غزة ولكن نحكي بنفس الشدة والقوة على حكوماتنا. لماذا تخطئ وكيف يجب أن تتغير؟ مرة تلو الأخرى الرسالة تصل، أفكر أين كنا بـ 2008 وأين نحن اليوم. هذا جزء من العمل، لأنه للأسف الناس تقتل في غزة لكن أيضًا هذا العمل والتوعية يتراكم. ومن أجل ذلك أقول بكل أمانة لا يوجد عندي أي شك أن البرنامج الصهيوني في نهايته ولن يكون طويلًا.
أحمد البيقاوي: ما الذي تريدين أن نفعله؟
هويدا عراف: المستمعون الموجودون في الدول الأوروبية خصوصًا، لأنها شريكة "إسرائيل"، بالجرائم التي تقوم بها في غزة. أن يقوموا باتصالات وإرسال إيميلات والنشر على السوشيال ميديا. والطلب من الحكومات بالضغط على "إسرائيل". ليس لها أي حق للتحكم بالمياه الفلسطينية. وهذا حصار غير قانوني ليس فقط غير قانوني هو جريمة حرب.
أحمد البيقاوي: هويدا من بعد إذنك، آخر مقطع تعرض للتشويش من فضلك إعادته.
هويدا عراف: الناس تضغط على حكوماتها للضغط على "إسرائيل" بعدم التعرض لسفينة حنظلة. نحن لا نطلب أي إذن من "إسرائيل"، لأنها لا تملك أي حق قانوني أو غير قانوني للتحكم بالمياه الإقليمية أو المياه الفلسطينية. الحصار هذا ليس فقط غير قانوني بل جريمة حرب. وعلى حكوماتنا عدم التعاون واحترام هذا الحصار. إذن نطلب من حكوماتنا يعني اتصلوا بهم فيهم، اكتبوا لهم على السوشال ميديا وافضحوهم. اطلبوا منهم الضغط على "إسرائيل" أو تهديدها بعدم المس بحنظلة، إياكم أن تصيبوا حنظلة، واضمنو وصول حنظلة على غزة. وخصوصًا أي شخص يسكن في بريطانيا. نحن نضع على هذه السفينة العلم البريطاني. هذه السفينة التي نحن على متنها الآن تعتبر أرض بريطانيا. إذا اقتحمت "إسرائيل"، السفينة كأنها تقتحم أو تنتهك للسيادة البريطانية. وعلى بريطانيا اتخاذ موقفًا قويًا. مادلين أيضًا كانت تبحر تحت العلم البريطاني والتزمت بريطانيا الصمت. بريطانيا يجب أن تنفضح سياساتها، والناس الذين يعيشون في بريطانيا إحداث ضجة كبيرة. أيضا يوجد دول أخرى تشارك "إسرائيل"، الدول الأوروبية والأمريكية عليهم ممارسة الضغوطات بكل الطرق التي يعرفونها. لضمان وصول سفينة حنظلة على غزة. ومن في دولٍ أخرى، غير أوروبا أو أمريكا. أيضًا إيصال رسالة، لتركيا مثلًا. مثلما تحدثت في بداية المقابلة، تركيا لم تسمح لنا بالانطلاق، كنا نملك ثلاثة سفن ومئات المشاركين جاهزين للانطلاق، و5000 طنًا من المساعدات. عارٌ على تركيا، وأن لا تكون المواقف كلام فقط، افضحوا سياسات حكوماتكم. حتى من يتحدثون بشكلٍ جيد ويحترمون الحقوق الفلسطينية. تحركوا إذن! لماذا تغلق مصر المعبر؟ أميركا اللاتينية أو السويد أو النرويج، لماذا تحترمون هذا الحصار الإسرائيلي؟ لأنه بحد ذاته جريمة حرب وأنتم تتعاونون بجريمة حرب. يجب أن تصل هذه الرسالة، جميع المشاركين هنا يركزون على ضرورة فضح حكوماتنا والضغط عليها. أيضًا نطلب من المستمعين، نطلب منكم مساعدتنا بهذا الشيء. المشاركون الذين على متن سفينة حنظلة، يجب أن ندعمهم و نضغط ونشدد على حق وصول السفينة على غزة. أيضًا يجب أن تتغير سياسة دولنا، بدل أن يشاركوا "إسرائيل" بالحصار من خلال صمتهم. أنتم عليكم إرسال سفنكم على غزة. أنتم جزءًا من هذا الحراك. بدون كل المجتمعات بدون ملايين الناس حول العالم، الحراك هذا يفشل. وأنا واثقة تمامًا، أنه فعلًا إذا وجدنا أو عملنا بهذه الطريقة الصح. أيضا نرسل رسالة مفادها أن ما الخطر الذي تشكله هذه السفينة على الاحتلال؟ واضح للعالم كله أن سياسة "إسرائيل" هي سياسة تجويع وقتل أطفال. نحن نراه لكنهم يختبئون وراء البروباغاندا. يعني واضح في النهاية أن هذه السفينة هي للأطفال وتحمل الطعام وأدوية للأطفال، تريدون ضربها؟ يعني سياستكم قتل الأطفال. هذه الرسالة، سياسة "إسرائيل" قتل الأطفال وكل دولة تستمر بصمتها تشارك بهذه السياسة.
أحمد البيقاوي: هويدا، كل الناس الذين معك هم هم أجانب وأوروبيين وأنت تحملين الجنسية الأميركية، لكنك فلسطينية تحملين جنسية ال 48، وعندك بن غفير بانتظارك. أنت شاركت سابقًا وبمشاركتك اليوم صار هناك خرقًا قانونيًا، يوجد إرباك سيحصل بالمشهد كله. واضح أنك ستربكين السيناريو الإسرائيلي للتعاطي مع السفن. وبنفس الوقت فعليا، من الجنون الذي رأيناه من الإسرائيليين على فلسطينيي ال48 أو حملة الفلسطينيين من حملة الهويات والجوازات الإسرائيلية. أعتقد أننا رأينا جنونًا وحدّة عالية، يعني بروح انتقامية موجودة عندهم ضدكم. هل فكرتِ بهذا الشيء؟ هل يوجد في خيارات؟ هل يوجد شيء متوقع بالنسبة لك على مستوى شخصي؟
هويدا عراف: وضعي مثلما ذكرت مختلف عن الموجودين هنا، كوني أحمل جنسية ال 48، هذا يعني أن "إسرائيل" لا يمكنها ترحيلي. الأجانب يجب أن تسفرهم. انا لا يمكن ترحيلي لأنني أحمل جنسية ال 48 ويمكن أن يحاكمونني، وعدالة فعلًا نصحتني بعدم مشاركتي. يحاكمونني تحت اتهام دعم الإرهاب، ممكن أن يحاولوا اعتقالك لسنوات أو لع شرات السنين. ممكن! يعني كل شخص يختار أن يضحي بشيء معين وليفعلوا ما يريدون. بصراحة لن أتوقف ولا الحركة حركه ستتوقف. إذن تحدثت للجماعة وهم يعرفون أنني سأعامل بطريقة مختلفة عن معاملتهم. مثلًا عام 2010، قرروا عدم محاكمتب بل طردوني، أنا كنت أريد التضامن وأظلّ مع باقي الأجانب. ضربوني لأنني رفضت قرارهم. دخلت المستشفى نتيجة الضرب، لأنني اعترضت. الآن ونتيجة الحكومة الحالية يمكن أنهم تغيروا. و رسالتي إذا قرروا فعل ذلك، طبعا أحب أن يكون هناك دعم عالمي، لا أريد فعل أي شيء لصالحي ودعمي بقضيتي، الذي يمكن أن يُلهي الناس عن غزة وعن باقي فلسطين في الضفة أيضًا. إذا تمت محاكمتي يكون جزءًا من نضال الشعب الفلسطيني.
أحمد البيقاوي: هويدا فخور فيكِ.
هويدا عراف: وأنا فخورة بك أحمد، ليتني أستطيع أن أعمل ما تفعله.
أحمد البيقاوي: شكرًا جزيلًا.
هويدا عراف: لكل شخص له دور ويعمل الذي يقدر عليه، ونظلّ للأمام.
أحمد البيقاوي: شكرًا جزيلًا يعني على هذه الروح على القوة الموجودة فيها، على 37 سفينة. تعرفين، لغة الأرقام حتى هكذا تكون سيئة وثقيلة، عندما نفصِّل كم كان من الصعب تجهيز كل سفينة وتحضيرها، اختيار الأسماء، التواصل وأيضًا تطوير هذه الاستراتيجيات والتكتيكات اللي تعملون عليها؟ لأنه من الواضح أن الإسرائيليين صاروا يعرفون كيف تعملون وما هي خلفياتكم لكن تتقدمون أكثر بعد كل مرة. وشكرًا أنك تعرفين أيضًا وتقدرين ضرورة وجودك على متن السفينة و احتمالية ما يمكن أن تتعرضين له بشكلٍ خاص. لكن أنا أقدِّر وأعرف وأتفهم روحك الموجودة عندك وشعورك بأن هناك فعل يجب أن تنفذيه وسيترك لك أثر. فشكرًا على هذا الشعور، و على هذه القوة التي منحتينا إياها في هذا الحوار. وإن شاء الله أن نكون في تقارب قد ساهمنا من خلال هذا الحوار ونشره وأنتم موجودين في السفينة، ما قبل أن تصلوا إن شاء الله. ساهمنا بنشر فعليًا أكثر حديث وأكثر تفاصيل عن هذه السفينة بما يتجاوز فكرة الخبر. كانطلقت واعتقلت وإلى آخره. يعطيكم ألف عافية وتوصلوا بالسلامة.
هويدا عراف: يعطيك ألف عافية، شكرًا أحمد. أريد ان أخبرك أننا لم نعلن بعد، يمكن بعد نشر هذه الحلقة أن نكون معلنين ولكن سأخبرك أول بأول. صار هناك محاولة تخريب وهذا ليس شيئًا جديدًا يفعله الاحتلال. لكن محاولة تخريب المينا الذي كنا فيه بإيطاليا، لم نعلن، لماذا؟ لأننا كنا ننتظر خروجنا من المياه الإيطالية، لان إيطاليا يمكن أن توقفنا. لكن طبيعة محاولة التخريب شيء ليس بسيطًا وفعلوها أكثر من مرة. وجدنا حبلًا مربوطًا على محرك السفينة لكن انتبهنا لها قبل الصعود. لكن الأخطر من ذلك، السفينة نعبئها كلها فيول على الديزل كي نبحر، ونعبئ عبوات مياه لغسل اليدينلا نشرب منها لكن نسميها مياه حلوة. لما طلبنا عبوات مياه، بدل أن يحصروا لنا مياه أحضروا سولفيورك أسيد. الكابتن شمّ الرائحة وفتح فأحرق يديه لا نعرف كيف حصل ذلك لكن نطالب بالمحاسبة. "إسرائيل" أعلنت محاولتها منعنا، منع سفينة حنظلة من الانطلاق حتى. بالتأكيد هذه طرق من طرقٍ عديدة ليجربوا توقيفنا. بعد قليل يمكن أن ينشر الخبر، لأننا ونحن نسجل المقابلة يمكن أننا خرجنا من المياه الإقليمية.
أحمد البيقاوي: فأنتم تنشرون الخبر، الحلقة ستنتشر يوم الثلاثاء. يعني يكون الخبر في البرومو يوم الاثنين.
هويدا عراف: إذن تمحي كل هذا الجزء، أردت أن تعرف، منذ الصباح لكننا محتفظين بالخبر بسبب أننا إذا نشرنا الخبر، يمكن أن لا تسمح لنا إيطاليا بالعبور، دائمًا يوجد صعوبات.
أحمد البيقاوي: هل خرجتم من المياه الإقليمية؟
هويدا عراف: خرجنا لأن المياه الإقليمية مقسومة، مثلاً تكون حتى 12 ميلاً ثم من 12 حتى 24 ميلًا وتكون شيء يسمونه منطقة متصلة. يعني صحيح تستطيع إيطاليا توقيفنا لبعض الأمور القانونية مثل تهريب وأمور أخرى. نكون بشكلٍ أضمن لما نتجه بعد الـ24 ميلًا، ولأننا كنا في قلب المرفأ، كنا قد مشينا كثيرًا لساعات فقط مقابل الساحل، قبل قليل خرجنا من المياه الإقليمية ويمكن أن يكون الخبر قد انتشر خلال الفترة التي نتكلم فيها. أنا أحببت أن أخبرك فقط.
أحمد البيقاوي: قبل أن تُنشر الحلقة، أتأكد إذا كان بإمكاننا أن يبقى المقطع والكلام فيه مثلما هو وبدون تعديلٍ.
هويدا عراف: إن شاء الله تعدِّل كثيرًا، وتمحي الكثير من الكلام الذي قلته.
أحمد البيقاوي: على فكرة، نحن فقط نضع موسيقى مع الانقطاع، وهذا كله يبقى مثلما هو تخيلي!
هويدا عراف: ما هذا! أنا قلت حين أخطأت وأدخلت كلمات إنكليزية، قلت لا مشكلة فهو سيعدِّل على النص.
أحمد البيقاوي: لا لا بالعكس، ستدور الدنيا في يومٍ من الأيام، وسأنفذ عملًا باللغة الإنكليزية، وستساعدينني مثلما ساعدتك خلال المقابلة. شكرًا، شكرًا يا هويدا ويعطيكِ العافية.
هويدا عراف: شكرًا لك، يعطيك العافية.